باكستان تعتزم ملاحقة الإرهابيين و{القضاء على الفقر} في مناطق نشاطهم

يجري التعامل مع المتشددين على أنهم تهديد للأمن الداخلي

مسؤولو أمن باكستانيون يتفقدون مكان حادث مقتل سكرتير مجلس نقابة المحامين في كراتشي الشهر الماضي (إ.ب.أ)
مسؤولو أمن باكستانيون يتفقدون مكان حادث مقتل سكرتير مجلس نقابة المحامين في كراتشي الشهر الماضي (إ.ب.أ)
TT

باكستان تعتزم ملاحقة الإرهابيين و{القضاء على الفقر} في مناطق نشاطهم

مسؤولو أمن باكستانيون يتفقدون مكان حادث مقتل سكرتير مجلس نقابة المحامين في كراتشي الشهر الماضي (إ.ب.أ)
مسؤولو أمن باكستانيون يتفقدون مكان حادث مقتل سكرتير مجلس نقابة المحامين في كراتشي الشهر الماضي (إ.ب.أ)

أعلنت الحكومة الباكستانية في بيان صادر عن «إدارة الأمن القومي» اعتزامها استخدام أصول أجهزتها الاستخباراتية والأمنية بالكامل لملاحقة الإرهابيين والمسلحين، وأنها ستبذل قصارى جهدها للقضاء على الفقر والضعف الهيكلي في تلك المناطق من البلاد حيث يعمل الإرهابيون والجماعات المسلحة على تجنيد الشباب.
في مؤتمر صحافي في إسلام آباد أمام مجموعة مختارة من الإعلاميين، أعلن مستشار الأمن القومي، مؤيد يوسف، الملامح الأساسية لسياسة الأمن القومي في البلاد، قائلاً: «سياسة الأمن القومي ترتكز على المواطن، وقد جرت صياغة هذه السياسة لحماية المواطنين».
يذكر أن «وثيقة سياسة الأمن القومي» نُشرت على الملأ عبر وسائل الإعلام؛ حيث أعلن رئيس الوزراء عمران خان عن الكشف عن الوثيقة التي تألفت من 50 صفحة والتي تعدّ الأولى من نوعها وغير المسبوقة؛ حيث لم يحدث أن أعلنت باكستان عن سياستها الأمنية الوطنية من قبل.
لا يزال بعض أجزاء من سياسة الأمن القومي سرية؛ إذ تتعلق هذه الأجزاء بالأساليب والآليات التي سيجري من خلالها تحقيق أهداف الأمن القومي. وتنص «وثيقة السياسة» على أن الحكومة ستحاول الآن التركيز على الأمن الاقتصادي للبلاد والمواطنين، مما سيحول نهجها في السياسة الدولية من الجغرافيا السياسية إلى الجغرافية الاقتصادية. يجري التعامل مع الإرهاب والمتشددين على أنهم تهديد للأمن الداخلي؛ حيث ورد في «الوثيقة» أن أجهزة الدولة الباكستانية ستتعامل مع الإرهابيين والمسلحين بكل قوة، مشددة على أن الدولة «ستراعي تعزيز الشرطة والأجهزة الأمنية الأخرى للتصدي لخطر الإرهاب».
عرضت الوثيقة إجراءين ستتعامل من خلالهما مع تهديد الإرهاب في المجتمع الباكستاني؛ الأول: ستكون الشرطة والوكالات الأمنية ووكالات الاستخبارات قوية بما يكفي للتعامل بكامل قوتها مع الإرهابيين. الثاني: ستبذل الدولة الباكستانية قصارى جهدها للقضاء على الفقر في تلك المناطق التي تقوم الجماعات الإرهابية فيها بالتجنيد لصالح منظماتها.
ومع ذلك، لم تذكر «الوثيقة» من أين ستعمل الدولة الباكستانية على تعبئة الموارد المالية لتنفيذ بنود بيانها السياسي. فخلال 20 عاماً من الوجود الأميركي في أفغانستان، دأبت واشنطن على ضخ الأموال في الخزينة الاقتصادية وخزينة الدولة الباكستانية لتوفير موارد كافية للدولة الباكستانية لملاحقة الإرهابيين والمسلحين، غير أن مصادر الأموال الأميركية جفت تماماً في الوقت الحالي. ومنذ عام 2004 حتى عام 2014، قام الجيش الباكستاني بتعبئة كبيرة لقواته البرية لطرد الإرهابيين والمسلحين من المناطق الحدودية الباكستانية - الأفغانية بدعم مالي كامل من واشنطن. وليس هناك مجال لأن تضطر باكستان مرة أخرى إلى تعبئة القوات البرية على نطاق واسع، حيث يمر الاقتصاد الباكستاني بحالة من الفوضى ولا يمكنه تحمل تكلفة تعبئة القوات على أي نطاق على أراضيها. يقترن هذا الوضع بسيناريو الدفاع التقليدي الذي سيتعين على الدولة الباكستانية الحفاظ عليه ضد خصمها اللدود الهند. يخصص جزء كبير من ميزانية باكستان لأغراض الدفاع والأمن للدفاع التقليدي ضد الهند، مما يترك القليل من الأموال أو قد لا يترك أي أموال على الإطلاق للأمن الداخلي، ولذلك؛ فإن الاقتصاد الباكستاني الذي يعاني من ضائقة مالية ليست لديه مساحة كافية لأي إنفاق إضافي على الدفاع.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟