المرشح المتطرف أريك زيمور يقرع ناقوس الخطر: فرنسا على شفا الموت

إدانة قضائية ثالثة له بتهمة الحض على الكراهية

TT

المرشح المتطرف أريك زيمور يقرع ناقوس الخطر: فرنسا على شفا الموت

مرة بعد أخرى، يقرع أريك زيمور مرشح اليمين المتطرف الشعبوي للانتخابات الرئاسية في فرنسا ناقوس الخطر، لأن فرنسا «على شفا الموت» بسبب عاملين مترابطين: الأول، تراجع موقعها عبر العالم، وثانيها بسبب مؤامرة استبدال الوافدين من الخارج بالفرنسيين، مستعيداً نظرية «الاستبدال» التي اقتبسها من المفكر اليميني المتطرف رينو كامو، وباختصار، تقول هذه النظرية إن الهجرات التي تتدفق على فرنسا بأشكال مختلفة ينتج عنها الاستبدال بالفرنسيين، شيئاً فشيئاً، جاليات مهاجرة مسلمة، مغاربية وعربية وأفريقية، تفرض عاداتها وقيمها التي لا تتوافق مع العادات وقيم الشعب الفرنسي ما يحمل الفرنسيين على «الهجرة» من أحيائهم، حيث يشعرون بأنهم «غرباء».
وفي مؤتمره الصحافي الذي عقده عصر أول من أمس بدعوة من جمعية الصحافة الأجنبية في باريس، لم يشذ زيمور عن هذا الخط الذي يرى في المهاجرين سبب البلاء. ولذا، لقد قرر أن «يواجه التحدي التاريخي للشعب والأمة الفرنسية»، لأن أحداً من السياسيين الذين علق عليهم أماله للتصدي لهذه التهديدات «لم يحمل هذه الرسالة». وتشاء الصدف أن يصدر على زيمور حكم عن محكمة الجنايات في العاصمة بسبب تحريضه على الكراهية، ولاعتباره في برنامج تلفزيوني بتاريخ 29 سبتمبر (أيلول) من عام 2020 أن القاصرين الذين يصلون إلى فرنسا من غير ذويهم ليسوا سوى «لصوص» و«قتلة» و«مغتصبين». وفرض على مرشح اليمين الشعبوي المتطرف دفع مائة يورو لمائة يوم وفي حال تمنعه، فإنه يواجه السجن. وسارع محاميه أوليفيه باردو، إلى الإعلان عن استئناف الحكم. وهذه المرة الثالثة التي يصدر بحقه حكم قضائي فيما قدمت ضده لا أقل من 15 دعوى تتهمه غالبيتها بالإساءة العرقية والتحريض على الكراهية والطعن بالجرائم ضد الإنسانية. لكن زيمور لا يبدو متأثراً مما حصل، إذ وصف الحكم بأنه «حكم سياسي ضد فكر حر» وصادر عن قضاة «غارقين في الآيديولوجيا».
وبعد أن أعلن عن ترشحه رسمياً نهاية العام الماضي، حقق قفزة في استطلاعات الرأي التي جعلته متقدماً على مرشحة اليمين المتطرف مارين لوبن، التي تخوض الانتخابات الرئاسية للمرة الثالثة. ورغم أنه تراجع عنها، حسب آخر استطلاعات الرأي، إلا أنه ما زال يحظى بنسبة 13 إلى 14 في المائة ومن الأصوات متأخراً نقطتين أو ثلاث نقاط عن لوبن، وعن مرشحة اليمين الكلاسيكي فاليري بيكريس، فيما يبقى الرئيس إيمانويل ماكرون متربعاً على المرتبة الأولى من الأصوات (24 إلى 25 في المائة) في الجولة الانتخابية الأولى. والواضح أن خروجه إلى دائرة الضوء أطاح بحلم لوبن بأن تكون منافسة ماكرون على الرئاسة كما كانت في عام 2017، لأنه «يسرق» منها ناخبيها ويزايد عليها في التطرف والشعبوية بالتركيز على المسائل المشار إليها سابقاً (الهجرات، الإسلام، الهوية)، ولكن أيضاً الأمن والإرهاب.
يحب زيمور التذكير بأنه يتحدر من عشيرة «الزمور» التي كانت تعيش في الجزائر «منذ ألف عام»، وأن والده كان يجيد اللغة العربية، ويهوى الموسيقى والأغاني العربية، وأن أذنه تربت على سماع الأغاني العربية، علماً بأنه ولد في فرنسا. لكن هذا الأمر لا يجعله «طرياً» في حديثه عن الجزائر، ولا عن المهاجرين الجزائريين، ولا بخصوص الملفات الخلافية بين باريس والجزائر بشأن مرحلة الاستعمار الفرنسي لهذا البلد الذي دام 130 عاماً، وما زال ملفاً متفجراً بين العاصمتين. ومما قاله زيمور في مؤتمره الصحافي، إنه يرفض بشكل قاطع أن تقدم فرنسا الاعتذار عن مرحلة الاستعمار وعما شهدته من عنف وجرائم، إن إبان احتلال الجزائر أو إبان حرب الاستقلال.
يدافع زيمور عن استعمار الجزائر، ويؤكد أنها كانت دوماً بلاداً مستعمرة جاعلاً من العرب جزءاً من هؤلاء. كذلك يدافع زيمور عن الإرث الاستعماري الفرنسي، مشيداً بما قام به الفرنسيون من بناء المدارس والمستشفيات والطرق. وتساءل: «من يستطيع أن يظهر لي ما تركه المستعمرون الآخرون في الجزائر في الألف سنة الأخيرة»، مضيفاً أن عدد سكان الجزائر كان لا يزيد على مليوني نسمة عندما احتلها الفرنسيون، وهي اليوم تعد أكثر من أربعين مليون نسمة؟ أما بالنسبة للهجرة الجزائرية إلى فرنسا، فقد دعا المسؤولين الجزائريين إلى التوقف عن اعتبار فرنسا «مكاناً للتخلص من الفائض السكاني في بلادهم». وبأي حال، يرفض زيمور المطالب الجزائرية بأن تقدم باريس الاعتذار، أو أن تعرب عن «التوبة» لما قامت به في هذا البلد، إذ إن «التاريخ هو التاريخ»، وأن ضعف المسؤولين الفرنسيين يشجع الجانب الجزائري على الإكثار من المطالب لأنهم «لا يحترمون سوى القوي».
إذا كان زيمور لا يخلط بين المسلمين والإسلاموية، إلا أنه يشدد على ضرورة أن يتأقلم المسلمون مع القوانين والعادات والتقاليد الفرنسية وليس العكس. لكنه، في أي حال، يرى أن المسؤولين الفرنسيين، أخطأوا في قبول ملايين المسلمين على الأراضي الفرنسية، لأن ثقافتهم وعاداتهم وقيمهم «لا تتوافق مع قيم وعادات وثقافة الفرنسيين». ولذا، فإن أول ما سيبادر إليه هو اتخاذ الإجراءات التي توقف تيار الهجرة واعتماد سياسة بالغة التشدد في ملف قبول اللاجئين، والتخلص من قانون إعطاء الجنسية للذين يولدون على الأراضي الفرنسية وحرمان الأجانب من المساعدات الاجتماعية.
هذا غيض من فيض ما يروج له زيمور، والذي يرى فيه الطريق إلى قلوب الفرنسيين وأوراق اقتراعهم. وما يكرره يوماً بعد يوم، إن في شؤون السيادة الفرنسية والهوية أو في الاقتصاد والهجرات والعلاقات مع الاتحاد الأوروبي والعالم الخارجي، ضمنه كتابه الأخير المسمى «فرنسا لم تقل كلمتها الأخيرة بعد»، وفيه يرسم صورة «الرجل المنقذ». ورغم أنه نفى أول من أمس أن يكون يرى في ذاته «جنرال ديغول جديداً»، إلا أن كتابه يتضمن الكثير من صفات الرجل المنقذ، أي زيمور نفسه.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟