مبادرة الأنبار.. سحب الجيش ومليار دولار

«داعش» تصدر «دينارها» في المحافظة التي أعلنتها «إمارة»

عنصرا أمن عراقيان خلال مواجهة مع عناصر «داعش» في مدينة الرمادي الخميس الماضي (رويترز)
عنصرا أمن عراقيان خلال مواجهة مع عناصر «داعش» في مدينة الرمادي الخميس الماضي (رويترز)
TT

مبادرة الأنبار.. سحب الجيش ومليار دولار

عنصرا أمن عراقيان خلال مواجهة مع عناصر «داعش» في مدينة الرمادي الخميس الماضي (رويترز)
عنصرا أمن عراقيان خلال مواجهة مع عناصر «داعش» في مدينة الرمادي الخميس الماضي (رويترز)

نفى ائتلاف دولة القانون الذي يتزعمه رئيس الوزراء نوري المالكي وجود بعد سياسي في المبادرة التي أعلنتها الإدارة المحلية في محافظة الأنبار بالاتفاق مع شيوخ العشائر المؤيدين لها والتي تضمنت مهلة لمدة أسبوع لمن يطلقون على أنفسهم «ثوار العشائر» لإلقاء السلاح.
وقال حسن السنيد، القيادي في ائتلاف دولة القانون ورئيس لجنة الأمن والدفاع البرلمانية، إنه «لا حل لأزمة الأنبار غير التدخل العسكري»، مشيرا إلى أن «أي مبادرة تطلق في هذا الشأن هي بمثابة فك الحصار عن (القاعدة)». وأضاف السنيد في تصريح أمس أن «أزمة الأنبار ليست سياسية وإنما أمنية، وهي بين قوات الأمن في الدولة العراقية و(القاعدة)، ولا حل غير الحل العسكري، ويجب سحق رؤوس (القاعدة) والتنظيمات التابعة لها، وإطلاق سراح أهلنا المختطفين في الأنبار».
وشدد السنيد على أن «(القاعدة) لا يمكن الاتفاق معها سياسيا، كما أننا لم نختلف مع المكون السني والحكومة المحلية، وإنما مختلفون مع (القاعدة) وسنطرق رؤوسها بمطارق جديدة من حديد وبارود ونار». وأشار إلى أن «المبادرة التي أثنى عليها رئيس الوزراء نوري المالكي هي مبادرة دعم من العشائر العراقية جميعا لعشائر الأنبار لمواجهة الإرهاب، ولا يوجد فيها أي بعد سياسي»، معتبرا أن «أي مبادرة سياسية تطلق في الوقت تعني فك حصار الإرهابيين و(القاعدة) في الأنبار، وهي في صالح (القاعدة)».
لكن حامد المطلك، عضو البرلمان عن ائتلاف العراقية الوطنية، وهو من مدينة الفلوجة، أكد في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «المشكلة ليست في كمية المبادرات التي طرحت حتى الآن ولا في مضامينها، بل إن صلب المشكلة يكمن في عدم وجود أي نية صادقة للتعامل مع أي مبادرة». وأضاف أن «الحل في الأنبار والفلوجة لا يمكن أن يكون حلا عسكريا لأننا حيال أزمة إنسانية وهي تتطلب حلولا أخرى لها لا ينفع معها القصف العشوائي أو غيره من الأساليب التي جربتها الحكومة ولم تحقق نتائج عملية فيها». ودعا المطلك إلى «إيجاد حلول للمطالب الحقيقية للمتظاهرين، إذ إنها المفتاح لحل جميع مشاكل الأنبار وغير الأنبار».
من جانبه، قال الشيخ رافع عبد الكريم الفهداوي، شيخ عشائر البوفهد بالأنبار، في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إن «الهدنة مع ثوار العشائر ليست مفتوحة، وبالتالي فإننا ندعو المغرر بهم لأن يلقوا سلاحهم خلال الفترة المتبقية، ومن لا يتعامل مع المبادرة خلال المدة المقررة سيعامل معاملة عناصر تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) و(القاعدة)». وردا على سؤال بشأن ما إذا كان هناك حوار مع بعض الشيوخ البارزين، مثل علي الحاتم السليمان الذي يرأس مجلس «ثوار العشائر»، قال الفهداوي إن «المبادرة مفتوحة أمام الجميع، وقد فتحنا حوارا معهم ونتمنى منهم القبول بالمبادرة لأن من لا يعترف بوجود داعش في الأنبار هو إما يعيش في عالم آخر أو لا يريد الاعتراف لأسباب تخصه».
في سياق ذلك، كشف محافظ الأنبار، أحمد خلف الدليمي، أمس، عن تفاصيل «مبادرة السلام» لحل الأزمة في محافظة الأنبار. وقال الدليمي في بيان له إن المبادرة «تهدف إلى إعادة الأمن والاستقرار إلى المحافظة وإعادة النازحين إلى أماكن سكناهم وتنفيذ عمليات إعمار»، مبينا أن «المبادرة تقضي بإيقاف جميع الإجراءات القانونية والقضائية ومذكرات الاعتقال بحق المتظاهرين السلميين الذين لم يثبت تعاونهم أو دعمهم للإرهابيين». وأضاف الدليمي أن «المبادرة تقدم عفوا عاما لمدة سبعة أيام عن الشباب المغرر بهم أو الذين أجبروا على العمل مع الإرهابيين وإعطائهم فرصة إلقاء السلاح»، مشيرا إلى «تخصيص مبلغ مليار دولار لتعويض المواطنين وبناء البنى التحتية في محافظة الأنبار». وتابع أن «المبادرة تؤكد على انسحاب الجيش العراقي من المدن وتقديم الإسناد للشرطة المحلية في المحافظة وهذا هو أحد مطالب عشائر الأنبار، بالإضافة إلى إعادة النظر في وضع الضباط القدامى الذين شاركوا في المعارك ضد التنظيمات الإرهابية وإعادتهم للخدمة واستثنائهم من المساءلة والعدالة، وتثبيت أبناء المحافظة ممن يحملون الرتب الفخرية منذ عام 2006». وأضاف الدليمي أن المبادرة تقضي بتشكيل لجنة للتحقيق في الانهيار الأمني لمديرية الشرطة والإدارات الأمنية الأخرى، مشددا على أن «وزارة الداخلية مطلوب منها الكثير لإعادة تنظيم وهيكلة مديرية شرطة الأنبار من ناحية التجهيز والتسليح وإعادة التنظيم».
فبدوره، كشف الشيخ أحمد أبو ريشة، رئيس مؤتمر صحوة العراق، عن إصدار تنظيم «داعش» عملة خاصة بـ«إمارة الأنبار». وقال أبو ريشة في بيان أمس إنه عرض «صورة لـدينار داعش خلال مناقشة بنود المبادرة التي أطلقت مساء أمس لإنهاء الأزمة في المحافظة». وشدد رئيس مؤتمر صحوة العراق على أن الحرب ضد «داعش» يتولاها الجيش والشرطة «بدعم العشائر كافة من دون تسميات كالصحوة وغيرها»، مشيرا إلى أن «عشائر الأنبار مع سيادة الأمن والقانون وهيبة الدولة».
ميدانيا، قتل شخص وأصيب 26 آخرون في اشتباكات جرت الليلة قبل الماضية في منطقة السجر شمال مدينة الفلوجة بين قوات الأمن العراقية ومسلحي «داعش»، حسب ما أوردته وكالة الصحافة الفرنسية نقلا عن مصادر أمنية.
من جهة أخرى، أعلن مقدم في الشرطة سيطرة مسلحي «داعش» على منازل ستة مسؤولين ونواب عراقيين في مدينة الفلوجة، بينها منزل وزير الكهرباء عبد الكريم عفتان. وبحسب الضابط فإن «المنازل كانت خالية من ساكنيها، باستثناء بعض الحراس الذين صادر المسلحون أسلحتهم وسياراتهم».
وتواصل قوات الأمن العراقية عملياتها العسكرية في الرمادي، وتمكنت من مصادرة خمس سيارات تحوي أسلحة ثقيلة لـ«داعش» في منقطة الملعب. وتمكنت السلطات العراقية من فرض سيطرتها بالكامل على منطقة الملعب التي كانت المعقل الرئيس لـ«داعش» في الرمادي.
وورد أن اشتباكات اندلعت في الحميرية وحي السكك في جنوب الرمادي الليلة قبل الماضية، لكن الأوضاع كانت هادئة أمس. وقال المقدم حميد شندوق من شرطة الرمادي: «عالجنا حتى الآن 400 عبوة ناسفة كانت مزروعة في شوارع الرمادي، بينها 35 منزلا مفخخا».



​اتهامات للحوثيين بتشويه سمعة السجناء وانتهاك خصوصياتهم

إجراءات مشددة فرضها الحوثيون على الأمم المتحدة ووكالاتها العاملة في اليمن (أ.ف.ب)
إجراءات مشددة فرضها الحوثيون على الأمم المتحدة ووكالاتها العاملة في اليمن (أ.ف.ب)
TT

​اتهامات للحوثيين بتشويه سمعة السجناء وانتهاك خصوصياتهم

إجراءات مشددة فرضها الحوثيون على الأمم المتحدة ووكالاتها العاملة في اليمن (أ.ف.ب)
إجراءات مشددة فرضها الحوثيون على الأمم المتحدة ووكالاتها العاملة في اليمن (أ.ف.ب)

شرعت الجماعة الحوثية في تشويه سمعة المختطفين بسجونها بخلاف التهم التي جرى اختطافهم بسببها، بالتزامن مع لجوئها إلى تجنيد موظفي المنظمات للعمل يوصفهم مخبرين لصالحها، وازدياد أعداد الوفيات في السجون خلال اختطافهم وإخفائهم قسرياً.

وذكرت عائلة أحد المختطفين في العاصمة المختطفة صنعاء أن الوسطاء الذين سعوا لإطلاق قريبها المختطف منذ أشهر بتهمة التخابر مع الحكومة الشرعية والولايات المتحدة، وتسريب معلومات حول مطار صنعاء، أبلغوها بانسحابهم من جهود الوساطة بعد أن أبلغهم قادة في جهاز الأمن والمخابرات الحوثي أن ضمن التهم الموجهة للمختطف تهمة متعلقة بانتهاك الآداب العامة.

اعتقل الحوثيون آلاف اليمنيين بسبب احتفالاتهم بعيد الثورة (أ.ف.ب)

وقالت العائلة التي طلبت من «الشرق الأوسط» عدم الكشف عن بياناتها إن الوسطاء صدموا بادعاءات القادة في جهاز الأمن والمخابرات بأن المختطف عضو في شبكة دعارة، وأن هناك أدلة على تورطه مع الشبكة المزعومة، وطلبوا منهم عدم التدخل في القضية حتى لا تؤثر على سمعتهم.

إلا أن أحد الوسطاء، وفقاً لحديث العائلة، أصر على معرفة تفاصيل الاتهامات، على سبيل إرضاء ضميره، وبعد إلحاحه الشديد قدم له أحد المسؤولين في الجهاز الأمني الخاص بالجماعة أوراقاً طبعت عليها محادثات المختطف في وسائل التواصل الاجتماعي مع زميلات له في العمل وبعض من قريباته.

ورغم ذلك اضطر هذا الوسيط إلى إبلاغ العائلة بعدم قدرته على مواصلة جهود الوساطة، بسبب هذه الاتهامات الأخلاقية التي طالت المختطف، حيث بات يخشى أن يروج قادة الجماعة أخباراً حول توسطه للإفراج عن متهمين بجرائم آداب في مجتمع محافظ مثل المجتمع اليمني.

وأكدت مصادر حقوقية لـ«الشرق الأوسط» أن الجماعة الحوثية لجأت بالفعل خلال الأشهر الأخيرة إلى إلصاق تهم متعلقة بالآداب العامة بغالبية من اختطفتهم بدعوى التخابر والخيانة، وغالبيتهم من المشاركين أو الداعين إلى الاحتفال بذكرى ثورة «26 سبتمبر».

استهداف الخصوصيات

استغربت المصادر الحقوقية من انشغال جهاز مخابرات الجماعة الحوثية الذي يزعم أنه يلاحق المتهمين بالخيانة والعمالة، بقضايا مثل قضايا الآداب العامة، والتي يفترض أنها، إن وجدت، من اختصاص الشرطة والقضاء.

وبينت المصادر أنه يجري تفتيش أجهزة الجوال والحاسوب الخاص بالمختطفين تفتيشاً دقيقاً، والاستعانة بخبراء تقنيين لاستعادة البيانات المحذوفة من هذه الأجهزة؛ بحثاً عمّا يسند الاتهامات الموجهة لهم بأي شكل.

تحذيرات من تأثير اختطاف الموظفين الأمميين على العمل الإغاثي والإنساني في اليمن (غيتي)

وأوضحت المصادر أنه يجري استغلال كل ما يتم العثور عليه في أجهزة المختطفين ضدهم، ومن ذلك خصوصياتهم العائلية، وعلاقاتهم الشخصية، ومحادثاتهم مع أقاربهم وأصدقائهم، كما يتم تجيير كل ما يتم العثور عليه في تلك البيانات والمحادثات لتوجيه اتهامات جديدة، ومن ذلك التهم المتعلقة بالآداب العامة.

ورجحت المصادر أن أجهزة أمن الجماعة الحوثية تسعى من خلال الاهتمام بمثل هذه القضايا، أو من خلال تكييفها، إلى تشويه سمعة المختطفين وحرمانهم من التعاطف والتضامن معهم، والإيقاع بينهم وعائلاتهم التي تحاول مساندتهم وتقديم العون النفسي لهم، وجلب التضامن معهم.

وأبدت المصادر أسفها لكون هذا النهج الجديد تسبب في تراجع عدد من الشخصيات الاجتماعية عن الوساطة ومحاولة الإفراج عن المختطفين.

في غضون ذلك، كشف القيادي السابق فيما تسمى اللجنة الثورية الحوثية العليا محمد المقالح أن عدد الوفيات في سجون الجماعة مرتفع بشكل غير مسبوق لم تشهده البلاد في أي فترة سابقة، وأن ذلك يثير القلق الشديد، مطالباً بإطلاق سراح المختطفين.

وأشار المقالح إلى أن ما يجري في السجون لا يتعلق بالتعذيب الجسدي أو النفسي فقط، بل وبوفاة السجناء بسبب أمراض طارئة وهم في عهدة أجهزة الأمن.

ووصف أجهزة أمن الجماعة الحوثية بجبهة الرصد والعسس التي تتولى التفتيش في خصوصيات الناس والوشاية بهم، والسعي إلى الإيقاع بهم، متهماً إياها بالتجرد من كل قيم الدين والأخلاق، وصولاً إلى الوشاية بالأهل والجيران.

تجنيد المختطفين

قدرت منظمة حقوقية يمنية عدد المختطفين الذين توفوا تحت التعذيب في سجون الجماعة الحوثية بـ150 سجيناً، منذ عام 2015، بسبب حرمانهم من استخدام الأدوية الضرورية والرعاية الصحية، والإهمال في تقديم أي خدمات طبية، إلى جانب تعرض كثير منهم إلى التعذيب الجسدي.

جاء ذلك عقب وفاة الخبير التربوي محمد خماش، المعتقل في سجن جهاز الأمن والمخابرات التابع للجماعة منذ يونيو (حزيران) الماضي، على خلفية عمله، وزملاء آخرين له، في برنامج ممول من «اليونيسيف» لتحديث المناهج التعليمية.

عائلات المختطفين تتهم أجهزة أمن تابعة للحوثيين بتشويه سمعة ذويها (رويترز)

من جهة أخرى، أفادت مصادر بسعي الجماعة الحوثية إلى تجنيد المختطفين لديها من موظفي الجهات الأممية والدولية والسفارات للعمل بوصفهم مخبرين لصالحها.

وطبقاً للمصادر، فقد لجأت الجماعة إلى مساومة موظفي المنظمات الدولية والوكالات الأممية والسفارات بحريتهم مقابل الكشف عن معلومات وبيانات حول أنشطة الجهات التي يتبعونها، وتقديم ما لديهم من أسرار العمل إلى أجهزة الأمن، وإبلاغها بمختلف التطورات والتحديثات في برامج التمويل والأنشطة التي يجري تنفيذها.

كما اشترطت الجماعة على المختطفين الكشف عمّا لديهم من معلومات وبيانات حول أنشطة جهات عملهم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة الشرعية، وحول أوجه التعاون بينها والمؤسسات الحكومية، والإفصاح عن مبالغ التمويل المقدمة هناك، والشخصيات المسؤولة عن ذلك.

وكان عدد من المنظمات والجهات الأممية والدولية أصدر خلال الشهر الحالي بياناً لإدانة إحالة الجماعة الحوثية عدداً من موظفيها المختطفين خلال الأعوام الماضية إلى ما يسمى «نيابة أمن الدولة» التابعة للجماعة، ومنهم موظفان في منظمة اليونيسكو وآخر في مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، ودعا البيان إلى الإفراج غير المشروط عن جميع المختطفين.

وحذّر البيان مما يتهدد سلامة الموظفين وعائلاتهم، ومن تأثير هذه الإجراءات التعسفية على وصول المساعدات الإغاثية إلى ملايين المحتاجين في اليمن، ومفاقمة الأزمة الإنسانية.