العرب وجوارهم... حدود التشابك والتداخل

العرب وجوارهم... حدود التشابك والتداخل
TT

العرب وجوارهم... حدود التشابك والتداخل

العرب وجوارهم... حدود التشابك والتداخل


لم تظهر حالة التباين الراهنة والواضحة بين العرب ودول جوارهم إلى العلن فجأة؛ إذ إنها عكست ببساطة مساراً خيَّم على أغلب تفاعلات العقد الماضي تقريباً، وعبَّرت عنه الشهية المتزايدة لكل من: إسرائيل وإيران وتركيا وإثيوبيا، في التدخل بصور مختلفة في نطاق الأمن القومي العربي كله، وأمن دول بعينها بشكل خاص.
ويمكننا وصف التدخل الإيراني مثلاً بأنه كان تدخلاً خشناً؛ بينما جاء التغلغل التركي في بدايته ناعماً؛ لكنه تحول تدريجياً إلى الدرجة الصلبة، على ما رأينا في العراق وسوريا وليبيا.
ومن الضروري هنا الإشارة إلى وجود قدر هائل من التشابك والعلاقات المتوازية والمتداخلة بين أربع دول فاعلة بالمنطقة، وهي: مصر والسعودية والإمارات وقطر، مع دول الجوار المباشر أو الإقليمي: إيران وتركيا وإسرائيل وإثيوبيا.
وبسبب التداخل والتشابك، يمكننا أن نرصد تأثيراً مباشراً من كل دولة في الجوار على المشكلات المزمنة بالمنطقة العربية. وبعبارة أخرى، يمكن القول إن السنوات العشر الأخيرة كانت فترة لإعادة رسم مراكز القوى بالمنطقة.
في اللحظة الراهنة، سنجد أن إيران وتركيا أصبح لديهما تأثير ووجود في سوريا والعراق، بينما تصاعد دور طهران في لبنان واليمن، وكذلك تمكَّنت أنقرة من التعبير عن نفوذها في ليبيا والصومال وبقدر أقل في لبنان؛ ناهيك عن محاولات حثيثة للتأثير في تونس.
كما سعت تركيا في مطلع أزمة مقاطعة «الرباعي العربي» (مصر والسعودية والإمارات والبحرين) لقطر، إلى أن تظهر في موقع الشريك الداعم للدوحة، كما أنها شاركت إيران في مساعٍ للتأثير على حركة «حماس».
أما إثيوبيا، فإنها انقضَّت مُهدِّدة أمن دولتين عربيتين، هما: مصر والسودان، وذلك من بوابة الأمن المائي، وواصلت بناء «سد النهضة» متجاهلة محاولات التوصل إلى اتفاق قانوني نهائي وملزم. وكذلك سعت أديس أبابا إلى استمالة واستدراج أنقرة وطهران لمساندتها ضد القاهرة والخرطوم، وما تبع ذلك من دخول إثيوبيا في علاقات أوثق مع الصومال وجيبوتي.
وفي مقابل التنازع والصراع، كانت إسرائيل وحدها تقريباً هي التي تعيش راحة استراتيجية خلال العقد الماضي، وهو ما ظهر في تحقيقها بعض المكاسب عبر توسعة نطاق التطبيع مع دول عربية جديدة منها فاعلة، ولم يعكر صفو تلك الراحة الإسرائيلية إلا البرنامج النووي الإيراني الذي عبَّرت تل أبيب عن تخوفها الاستراتيجي البالغ حياله.
وبالعودة إلى تحليل طبيعة التدخل الإيراني في الأمن القومي العربي، سنجد أنه في نطاق اليمن ولبنان، يُشكِّل خطراً على الأمن القومي السعودي وأمن الممرات البحرية الحيوية. وهو ما يمكن اعتباره على مستوى آخر تحدياً كبيراً للأمن القومي المصري، المهدَّد غرباً من الوجود التركي المباشر وغير المباشر في ليبيا، ناهيك عن دعم أنقرة لإثيوبيا.
ومع ذلك، فإن نهاية عام 2021 شهدت بعض التطورات في مسارات التفاعل بين قوى بالمنطقة؛ إذ تابعنا إشارات غزل تركي بغرض استئناف العلاقات مع مصر، وإن كان لم يصل إلى نتائج محددة بعد. كما رصدنا تقارباً إماراتياً مع تركيا وإيران، وأخيراً ظهرت تطورات مسار التطبيع الجديد مع إسرائيل.
وتمكَّنت قطر أيضاً من التعبير عن دور نشط في التفاعل مع أفغانستان وتركيا، مع الإبقاء على علاقات عادية مع إيران.
السعودية بدورها، استعادت عبر تحركات رصينة تماسك منظومة مجلس التعاون الخليجي، وذلك في مواجهة التحديات الإقليمية والدولية. أما الدبلوماسية المصرية، فقد تعاملت بهدوء مع تحديات الأمن القومي في الاتجاهات الأربعة.

- ماذا ننتظر؟

في مستهل العام الجديد 2022، ونظراً إلى طبيعة التشابكات بين الدول العربية وجوارها، فإننا نستطيع اعتباره عام الأساس للعقد المقبل، والذي يمكن من خلال متابعته استشراف مستقبل السنوات المقبلة للمنطقة.
ووفق المعطيات الراهنة، وطبيعة ما ترتب على إعادة تموضع القوى الدولية ذات الصلة بالإقليم، وانخراطها في صراعات بعيدة جغرافياً عن النطاق العربي والشرق أوسطي، فإنني أتوقع تراجع غلواء شهية دول الجوار الأربع، بينما سترتفع قابلية الدول الفاعلة العربية للدخول في العقد الجديد، بسياسة أكثر برغماتية وأقوى تماسكاً.
أما عن أسباب توقع تراجع غلواء شهية الدول الإقليمية عن التدخلات الخشنة، فإنها تتلخص في: نمو توقعات تنفيذ عمل عربي استراتيجي مشترك من الدول الفاعلة، وازدياد الضغوط الدولية على دول الجوار «لأن كل دولة منها لديها ملف يشكل إزعاجاً للمجتمع الدولي».
ومن الأسباب أيضاً أن العلاقات الدولية في طور إعادة الصياغة، وهو ما يعني أن مشكلات الإقليم لن تكون محل أولوية، وسيتأخر الاهتمام بها دولياً في ظل مشكلات متنامية، مثل تغير المناخ، والتنافس الصيني- الغربي. كما ستبرز قضايا الطاقة والمياه كشاغل رئيس للمجتمع الدولي.
لا شك في أن قضية استقرار المنطقة أصبحت أمراً ملحّاً تستطيع دول الإقليم الفاعلة أن تدفع باتجاهه، وتمد أذرع التعاون بهدف تحقيق التنمية والتعاون لكل الأطراف.
وفي سياق دوافع التوصل إلى تعاون ما، فإن العام المقبل سيكون بداية لاضطراب ووهن في دول الجوار، وخصوصاً: إيران وتركيا وإثيوبيا.
ولعل من محددات العام والعقد الجديدين، أن القضايا الصفرية لن يكون لها مكان في الإقليم، وسيدفع اختلاف التوجهات الاستراتيجية دول الإقليم، ودول الجوار، إلى البحث عن وسيلة لاستغلال التشابك واختلاف التوجهات، بهدف خلق نظام إقليمي جديد، يعتمد على معرفة كل دولة من الجانبين للخطوط الحُمر التي ينبغي عدم تجاوزها، في إطار مبدأ استبعاد المواجهات العسكرية؛ سواء على الأرض العربية أو أراضي الجوار أو البحر الأحمر أو شرق المتوسط.
يمكننا القول ختاماً، إن العام الجديد سيحمل مقاربات أكثر دفئاً، ولكن من دون التوسع في سياسة التطبيع مع إسرائيل، مع توقع بعض الرشد في سياسة تركيا نحو المنطقة، وممارسة ضغوط خليجية على إثيوبيا في ملف «سد النهضة». إلا أن اضطراب الأوضاع في السودان وإثيوبيا نفسها، قد يدفع بتأخير البدء في محاولة التوصل إلى اتفاق نهائي بشأن الملف.
أما قضايا العرب المتمثلة في فلسطين، وسوريا، وليبيا، واليمن، فإنها مُرشحة للاستمرار لأمد أطول، وعدم دخولها في إطار الحل الشامل النهائي.



ما فرص الوساطة الكينية - الأوغندية في إنهاء توترات «القرن الأفريقي»؟

اجتماعات مجموعة شرق أفريقيا في تنزانيا (وكالة أنباء الصومال)
اجتماعات مجموعة شرق أفريقيا في تنزانيا (وكالة أنباء الصومال)
TT

ما فرص الوساطة الكينية - الأوغندية في إنهاء توترات «القرن الأفريقي»؟

اجتماعات مجموعة شرق أفريقيا في تنزانيا (وكالة أنباء الصومال)
اجتماعات مجموعة شرق أفريقيا في تنزانيا (وكالة أنباء الصومال)

دخلت مبادرة وساطة كينية - أوغندية على خط محاولات دولية وإقليمية لتهدئة التوترات بين الصومال وإثيوبيا التي نشبت بعد مساعي الأخيرة للحصول على منفذ بحري في إقليم «أرض الصومال» الانفصالي، وسط رفض حكومة مقديشو.

وتدهورت العلاقات بين الصومال وإثيوبيا، إثر توقيع أديس أبابا مذكرة تفاهم مع إقليم «أرض الصومال» الانفصالي بداية العام الحالي، تسمح لها باستخدام سواحل المنطقة على البحر الأحمر لأغراض تجارية وعسكرية، مقابل الاعتراف باستقلال الإقليم، وهو ما رفضته الحكومة الصومالية بشدة.

وعلى هامش اجتماعات قمة رؤساء دول شرق أفريقيا بتنزانيا، أعلن الرئيس الكيني ويليام روتو، السبت، «اعتزامه التوسط بمشاركة نظيره الأوغندي يوري موسيفيني، لحل الخلافات بين الصومال وإثيوبيا». وقال في مؤتمر صحافي، إنه «سيبحث عقد قمة إقليمية تضم زعماء الدول الأربعة (كينيا وأوغندا والصومال وإثيوبيا)، لمعالجة التوترات في منطقة القرن الأفريقي».

وأشار روتو إلى أن «أمن الصومال يُسهم بشكل كبير في استقرار المنطقة». لكن خبراء تحدّثوا لـ«الشرق الأوسط» يرون أن «التدخل الكيني الأوغندي لا يمكن التعويل عليه كثيراً، في ظل عدم استجابة أطراف الخلاف لهذا المسار حتى الآن، بالإضافة إلى عدم وجود دعم إقليمي ودولي».

ومنذ توقيع مذكرة التفاهم، حشد الصومال دعماً دولياً لموقفه ضد إثيوبيا؛ حيث وقّع في فبراير (شباط) الماضي اتفاقية تعاون دفاعي مع تركيا، ووقّع مع مصر بروتوكول تعاون عسكري في أغسطس (آب) الماضي، أرسلت بموجبه القاهرة مساعدات عسكرية إلى مقديشو. كما تعتزم إرسال قوات عسكرية بداية العام المقبل بوصفه جزءاً من قوات حفظ السلام التابعة للاتحاد الأفريقي، وهو ما أثار غضب إثيوبيا، التي اتهمت مقديشو «بالتواطؤ مع جهات خارجية لزعزعة استقرار الإقليم».

والتقى الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود، مع نظيريه الكيني والأوغندي، على هامش اجتماعات مجموعة شرق أفريقيا. وعلى الرغم من أنه لم يتحدث عن وساطة محتملة، نقلت «رويترز» عن وزير الخارجية الصومالي أحمد معلم فقي، أن «القرارات السابقة التي اتخذها زعماء إقليميون لم تلق آذاناً مصغية في أديس أبابا»، مشيراً إلى أنه «يثق بأن جهود الوساطة الجارية من جانب تركيا ستكون مثمرة».

وكانت العاصمة التركية أنقرة قد استضافت جولات من الوساطة بين الصومال وإثيوبيا، لإنهاء الخلاف بين البلدين، كان آخرها في سبتمبر (أيلول) الماضي، غير أن المحادثات دون التوصل لاتفاق.

وبينما تنظر مديرة البرنامج الأفريقي في مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية، أماني الطويل، إلى التدخل الكيني - الأوغندي بـ«إيجابية»، ترى أن «نجاح تلك الوساطة مرهون بأبعاد أخرى تتعلّق بأجندة تحرك الوسطاء ومواقفهم تجاه الخلاف القائم بين مقديشو وأديس أبابا».

وقالت إن «القضية مرتبطة بموقفَي كينيا وأوغندا من السلوك الإثيوبي تجاه الصومال، ومن وحدة الأراضي الصومالية، وإلى أي مدى تؤيّد أو تعارض الاعتراف الإثيوبي بإقليم (أرض الصومال)».

وتعتقد أماني الطويل أن «التحرك الكيني - الأوغندي لا يمكن التعويل عليه كثيراً في حلحلة الخلاف بين الصومال وإثيوبيا، لأن الخلاف بين الطرفين معقد»، مشيرة إلى أن «الإشكالية في نهج الدبلوماسية الإثيوبية التي تركز على أهدافها دون الوضع في الاعتبار الأمن والتعاون الإقليميين».

ورفض الصومال مشاركة إثيوبيا في البعثة الأفريقية الجديدة لحفظ السلام، وأمهل أديس أبابا حتى نهاية العام الحالي، لانسحاب قواتها من البعثة الحالية التي ستنتهي مهامها بنهاية العام الحالي، وقال وزير الخارجية الصومالي، إن «بلاده ستعد وجود قوات إثيوبيا بعد نهاية العام، احتلالاً لأراضيها».

وترى أماني الطويل أن «الوساطة التركية قد تكون أكثر تأثيراً في النزاع بين الصومال وإثيوبيا». وقالت إن «أنقرة لديها تفهم أكثر للخلاف. كما أنها ليست دولة جوار مباشر للطرفين، وبالتالي ليست لديها إشكاليات سابقة مع أي طرف».

وباعتقاد الباحث والمحلل السياسي الصومالي، نعمان حسن، أن التدخل الكيني - الأوغندي «لن يحقّق نتائج إيجابية في الخلاف الصومالي - الإثيوبي»، وقال إن «مبادرة الوساطة يمكن أن تقلّل من حدة الصراع القائم، لكن لن تصل إلى اتفاق بين الطرفين».

وأوضح حسن أن «أديس أبابا لديها إصرار على الوصول إلى ساحل البحر الأحمر، عبر الصومال، وهذا ما تعارضه مقديشو بشدة»، مشيراً إلى أن «العلاقات الكينية - الصومالية ليست في أفضل حالاتها حالياً، على عكس علاقاتها مع إثيوبيا»، ولافتاً إلى أن ذلك «سيؤثر في مسار التفاوض». واختتم قائلاً: إن «نيروبي تستهدف أن يكون لها دور إقليمي على حساب الدور الإثيوبي بمنطقة القرن الأفريقي».