نصف انتصار للقضاء اللبناني في مواجهته السلطة السياسية

بقاء البيطار ممسكاً بملف المرفأ مقابل تجميد التحقيقات

TT

نصف انتصار للقضاء اللبناني في مواجهته السلطة السياسية

في الظاهر خرج القضاء اللبناني منتصراً في الحرب التي فرضتها قوى السلطة السياسية عليه، خصوصاً مع إخفاق «حزب الله» في تحقيق شرطه المتمثّل بـ«اقتلاع» المحقق العدلي في جريمة انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار وعزله عن هذه المهمّة. فـ«الثنائي الشيعي» (الحزب وحركة «أمل» بزعامة رئيس البرلمان نبيه بري) تراجع عن مقاطعة الحكومة، وأعطى الضوء الأخضر لعودة مجلس الوزراء للانعقاد بعد ثلاثة أشهر من التعطيل، لكن الواقع يفيد بأن القضاء حقق انتصاراً منقوصاً أو نصف انتصار، لأن الشلل ما زال يضرب ملفّ المرفأ، عبر الكمّ الهائل من الدعاوى التي كبّلت البيطار وعلّقت التحقيق إلى أجلٍ غير مسمّى.
صحيح أن المحقق العدلي باقٍ في موقعه بقوّة القانون، إلا أن هؤلاء نجحوا حتى الآن في فرملة اندفاعته، ووقف عجلة الاستجوابات عند محطة استجواب السياسيين المدعى عليهم، وهم رئيس الحكومة السابق حسّان دياب، والنواب (الوزراء السابقين) نهاد المشنوق وغازي زعيتر وعلي حسن خليل، رغم صدور مذكرة توقيف غيابية بحق الأخير وعجز الأجهزة الأمنية عن تنفيذها.
المعلومات التي أعقبت قرار الإفراج عن الحكومة الذي غلّفه بيان «حزب الله» وحركة «أمل» بالحرص على البلد ووقف الانهيار الاجتماعي، أظهرت بوادر «تسوية خفيّة»، حققت لـ«الثنائي الشيعي» مراده بتعطيل تحقيقات المرفأ لمدّة غير محددة، ما دامت إقالة البيطار أو استقالته غير متاحة حالياً، مقابل ورقة الحكومة وضرورة إقرار الموازنة العامة. وتؤكد مصادر فريق الادعاء الشخصي في ملفّ المرفأ لـ«الشرق الأوسط»، أن «مقومات التسوية بدت واضحة، فالمرجعيات السياسية، وأولها رئيس الجمهورية ميشال عون، قدّمت هدية ثمينة لـ(حزب الله)، ترجمها إصرار رئيس الجمهورية على احتجاز التشكيلات القضائية التي أنجزها مجلس القضاء الأعلى قبل سنتين، وثانيها إمعان السلطة السياسية في تفريغ المواقع القضائية، بدليل الشلل الذي يصيب الهيئة العامة لمحكمة التمييز».
ومع إحالة رئيس إحدى غرف محاكمة التمييز القاضي روكز رزق على التقاعد الأسبوع الماضي، فقدت الهيئة العامة لمحكمة التمييز النصاب القانوني، إذ إن رزق التحق بركب أربعة من زملائه رؤساء محاكم التمييز المحالين على التقاعد منذ أكثر من سنة، وعدم تعيين رؤساء أصيلين بدلاء عنهم، بفعل تجميد التشكيلات القضائية. ويقول مصدر قضائي مطلع لـ«الشرق الأوسط»، إن «اكتمال نصاب الهيئة العامة مجدداً يحتاج إلى أمر من اثنين، إما توقيع التشكيلات القضائية الموجودة لدى رئاسة الجمهورية، وإما إجراء تشكيلات جزئية أقلّه على مستوى محاكم التمييز، لكن الخيارين غير مؤمنين في ظلّ الانقسام الحاد في البلاد». ويلفت المصدر إلى أن «الفراغ اللاحق بالهيئة العامة للتمييز، سيعمّق أزمة التحقيق بقضية المرفأ». وأعطى مثالاً على ذلك، بأن «الدعوى المقدّمة من الوزير السابق يوسف فنيانوس لمخاصمة الدولة على (الخطأ الجسيم) الذي ارتكبه البيطار، يقيّد أي إجراء قد يتخذه الأخير بحق فنيانوس، قبل أن تقرر الهيئة العامة مصير هذه الدعوى». ورجّح المصدر نفسه، أن «يستفيد السياسيون المدعى عليهم من تعطيل الهيئة العامة من هذا الواقع، ويتقدمون بدعاوى جديدة لمخاصمة الدولة اللبنانية أمام الهيئة، حتى لو كانت غير مكتملة، إذ إنه بمجرّد تبليغ البيطار مضمون الدعوى، يتعيّن عليه وقف ملاحقة أي منهم إلى أن يصدر قرار حاسم ومبرم عن الهيئة بقبولها أو رفضها».
أما البعد الثاني لتعطيل التحقيق وكفّ يد البيطار، فيبرز في دعوى تنحيته المحقق المقدّمة من النائبين غازي زعيتر وعلي حسن خليل، التي كلّفت الغرفة الأولى لمحكمة التمييز برئاسة القاضي ناجي عيد للبتّ فيها. واللافت أن الفريق نفسه قدّم دعوى جديدة ضدّ القاضي عيد، وطلب كفّ يده عن النظر بطلب تنحية البيطار، متذرعاً بعدم حيادية عيد، وهو ما أدخل تحقيق المرفأ في دوامة تعطيل بات بلا أفق، ووضع القضاء أمام شلل غير مسبوق، وهنا يعتبر النائب العام التمييزي السابق القاضي حاتم ماضي أن «القضاء اللبناني ليس مشلولاً بإرادته، بل بفعل السلطة السياسية وإصرارها على تعطيله». ويؤكد لـ«الشرق الأوسط»، أن «قضاة لبنان ليسوا طرفاً في المواجهة السياسية القائمة الآن، إنما جرى زجّهم بها بشكل متعمّد، وبالتالي القضاء غير معني بمن انتصر ومن هزم في هذه المعركة»، داعياً السلطة السياسية إلى «رفع يدها عن القضاء»، ومشدداً على أن القضاء «لو كان سلطة حقيقية ومستقلّة لكان عالج مشاكله بنفسه، لكنّهم مستمرون (السياسيون) بتحويله رهينة إرادتهم ليتحكموا بتعييناته وقراراته».



انتهاكات حوثية تستهدف قطاع التعليم ومنتسبيه

إجبار طلبة المدارس على المشاركة في فعاليات حوثية طائفية (إعلام حوثي)
إجبار طلبة المدارس على المشاركة في فعاليات حوثية طائفية (إعلام حوثي)
TT

انتهاكات حوثية تستهدف قطاع التعليم ومنتسبيه

إجبار طلبة المدارس على المشاركة في فعاليات حوثية طائفية (إعلام حوثي)
إجبار طلبة المدارس على المشاركة في فعاليات حوثية طائفية (إعلام حوثي)

ارتكبت جماعة الحوثيين في اليمن موجةً من الانتهاكات بحق قطاع التعليم ومنتسبيه شملت إطلاق حملات تجنيد إجبارية وإرغام المدارس على تخصيص أوقات لإحياء فعاليات تعبوية، وتنفيذ زيارات لمقابر القتلى، إلى جانب الاستيلاء على أموال صندوق دعم المعلمين.

وبالتوازي مع احتفال الجماعة بما تسميه الذكرى السنوية لقتلاها، أقرَّت قيادات حوثية تتحكم في العملية التعليمية بدء تنفيذ برنامج لإخضاع مئات الطلبة والعاملين التربويين في مدارس صنعاء ومدن أخرى للتعبئة الفكرية والعسكرية، بحسب ما ذكرته مصادر يمنية تربوية لـ«الشرق الأوسط».

طلبة خلال طابور الصباح في مدرسة بصنعاء (إ.ب.أ)

ومن بين الانتهاكات، إلزام المدارس في صنعاء وريفها ومدن أخرى بإحياء ما لا يقل عن 3 فعاليات تعبوية خلال الأسبوعين المقبلين، ضمن احتفالاتها الحالية بما يسمى «أسبوع الشهيد»، وهي مناسبة عادةً ما يحوّلها الحوثيون كل عام موسماً جبائياً لابتزاز وقمع اليمنيين ونهب أموالهم.

وطالبت جماعة الحوثيين المدارس المستهدفة بإلغاء الإذاعة الصباحية والحصة الدراسية الأولى وإقامة أنشطة وفقرات تحتفي بالمناسبة ذاتها.

وللأسبوع الثاني على التوالي استمرت الجماعة في تحشيد الكوادر التعليمية وطلبة المدارس لزيارة مقابر قتلاها، وإرغام الموظفين وطلبة الجامعات والمعاهد وسكان الأحياء على تنفيذ زيارات مماثلة إلى قبر رئيس مجلس حكمها السابق صالح الصماد بميدان السبعين بصنعاء.

وأفادت المصادر التربوية لـ«الشرق الأوسط»، بوجود ضغوط حوثية مُورِست منذ أسابيع بحق مديري المدارس لإرغامهم على تنظيم زيارات جماعية إلى مقابر القتلى.

وليست هذه المرة الأولى التي تحشد فيها الجماعة بالقوة المعلمين وطلبة المدارس وبقية الفئات لتنفيذ زيارات إلى مقابر قتلاها، فقد سبق أن نفَّذت خلال الأعياد الدينية ومناسباتها الطائفية عمليات تحشيد كبيرة إلى مقابر القتلى من قادتها ومسلحيها.

حلول جذرية

دعا المركز الأميركي للعدالة، وهو منظمة حقوقية يمنية، إلى سرعة إيجاد حلول جذرية لمعاناة المعلمين بمناطق سيطرة جماعة الحوثي، وذلك بالتزامن مع دعوات للإضراب.

وأبدى المركز، في بيان حديث، قلقه إزاء التدهور المستمر في أوضاع المعلمين في هذه المناطق، نتيجة توقف صرف رواتبهم منذ سنوات. لافتاً إلى أن الجماعة أوقفت منذ عام 2016 رواتب موظفي الدولة، بمن في ذلك المعلمون.

طفل يمني يزور مقبرة لقتلى الحوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)

واستحدث الحوثيون ما يسمى «صندوق دعم المعلم» بزعم تقديم حوافز للمعلمين، بينما تواصل الجماعة - بحسب البيان - جني مزيد من المليارات شهرياً من الرسوم المفروضة على الطلبة تصل إلى 4 آلاف ريال يمني (نحو 7 دولارات)، إلى جانب ما تحصده من عائدات الجمارك، دون أن ينعكس ذلك بشكل إيجابي على المعلم.

واتهم البيان الحقوقي الحوثيين بتجاهل مطالب المعلمين المشروعة، بينما يخصصون تباعاً مبالغ ضخمة للموالين وقادتهم البارزين، وفقاً لتقارير حقوقية وإعلامية.

وأكد المركز الحقوقي أن الإضراب الحالي للمعلمين ليس الأول من نوعه، حيث شهدت العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء إضرابات سابقة عدة قوبلت بحملات قمع واتهامات بالخيانة من قِبل الجماعة.

من جهته، أكد نادي المعلمين اليمنيين أن الأموال التي تجبيها جماعة الحوثي من المواطنين والمؤسسات الخدمية باسم صندوق دعم المعلم، لا يستفيد منها المعلمون المنقطعة رواتبهم منذ نحو 8 سنوات.

وطالب النادي خلال بيان له، الجهات المحلية بعدم دفع أي مبالغ تحت مسمى دعم صندوق المعلم؛ كون المستفيد الوحيد منها هم أتباع الجماعة الحوثية.