روسيا تُحسن أوراقها في أوكرانيا (تحليل إخباري)

تعزيزات عسكرية روسية قرب الحدود الأوكرانية (أ.ف.ب)
تعزيزات عسكرية روسية قرب الحدود الأوكرانية (أ.ف.ب)
TT

روسيا تُحسن أوراقها في أوكرانيا (تحليل إخباري)

تعزيزات عسكرية روسية قرب الحدود الأوكرانية (أ.ف.ب)
تعزيزات عسكرية روسية قرب الحدود الأوكرانية (أ.ف.ب)

اتهام الولايات المتحدة لروسيا بإرسال مخربين لارتكاب عمليات استفزازية ضد القوات الروسية في شرق أوكرانيا دليل على فشل مفاوضات جنيف وبروكسل وفيينا بين موسكو، وكل من واشنطن وحلف شمالي الأطلسي ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا، وكبداية لمرحلة من التصعيد والاندفاع إلى حافة الحرب.
وحسب مصادر أمنية أميركية أكدها المتحدثان باسم البيت الأبيض ووزارة الدفاع، فإن روسيا قد أرسلت بالفعل عناصر من أجهزتها الخاصة مدربة على «القتال في المدن» و«استخدام المتفجرات»، استعداداً لشن هجمات على عناصر القوات الموالية لروسيا في شرق أوكرانيا تمهيداً لاتهام كييف بالمسؤولية عنها.
المتحدث باسم الكرملين اعتبر هذه المعلومات تفتقر إلى الأساس. وقد يبدو ضرباً من الخيال التآمري اتهام روسيا بتحضير هجوم على مؤيدين لها سعياً لتسعير التوتر وتبرير بدء اجتياح أوكرانيا.
https://twitter.com/aawsat_News/status/1482390872947843078
لكن ذكرى تفجيرات سنة 1999 في موسكو وعدد من المدن الروسية عشية حرب الشيشان الثانية وانتخاب فلاديمير بوتين رئيساً لروسيا، تحضر في هذه المناسبة، خصوصاً أن محاكمات عناصر شيشانية وإدانتها بالوقوف وراء التفجيرات التي ذهب ضحيتها حوالي 300 مواطن روسي، لم تمح تماماً شبهة افتعالها من قبل الأجهزة الروسية لحشد التأييد الشعبي للجولة الثانية من الحرب التي كانت نتائج جولتها الأولى كارثية على الروس.
وبغض النظر عن دوافع بوتين وراء حشد مائة ألف جندي من قواته عند الحدود الأوكرانية وجلب أسلحة ومعدات ثقيلة إلى المنطقة، وسواء كان الأمر يتعلق بتدهور الأوضاع الاقتصادية الروسية وتراجع شعبية بوتين، في ظل انسداد في إمكانات التنمية واعتماد الاقتصاد اعتماداً شبه كلي على صادرات النفط والغاز التي تسيطر عليها الجماعة المقربة من بوتين، فإن الكرملين كشف في تركيزه على الوضع الأوكراني الحدود التي يمكن أن يصل إليها الغرب في دعمه حلفائه. وهي حدود ليست بعيدة في جميع الأحوال.
التصريحات الأميركية عن عقوبات مالية ساحقة ضد روسيا إذا تجرأت على اجتياح أوكرانيا قد تتحول إلى واقع. لكن الأميركيين يعرفون قبل غيرهم أن أياً من الدول الخاضعة لعقوباتهم، من فنزويلا إلى إيران، لم تغير قيد أنملة في سياساتها، وروسيا لن تكون استثناء.
وتبني موسكو مطالبها على ما تصفه بالتهديد المباشر لأمنها إذا انضمت كييف إلى حلف شمال الأطلسي ونشر الحلف أسلحة هجومية على الأراضي الأوكرانية على نحو يُبطل فاعلية الردع الروسي. عليه، على «الأطلسي» تقديم ضمانات أمنية واضحة لموسكو والامتناع عن ضم أوكرانيا إليه امتناعاً دائماً.
موقف وزير الخارجية الأميركي أنطوني بلينكن، الداعي إلى «إلقاء هذه الشروط في سلة مهملات التاريخ»، والقائل إنه ليس من حق أي دولة فرض شروط على السياسات المستقبلية لدولة أخرى مستقلة، يقوم على رؤية غير واقعية للكيفية التي تتصرف بها الدول، ومن بينها الولايات المتحدة.
فالوزير يعلم أن روسيا قادرة على فرض نفوذها في أوكرانيا وغيرها من الدول المحيطة بها، على النحو الذي تفعله جميع الدول الكبرى مع جيرانها الأصغر. وأن في وسع موسكو جعل الحياة لا تُطاق في كييف من خلال العديد من الأدوات المادية والنفسية، ربما كان أقلها وزناً الهجوم السيبراني على المواقع الحكومية الأوكرانية على شبكة الإنترنت، صباح (الجمعة) الماضي.
https://twitter.com/aawsat_News/status/1482548161721909248
الولايات المتحدة تعهدت بدعم أي تمرد مسلح ضد القوات الروسية إذا اجتاحت هذه الأراضي الأوكرانية ما سيجعل الاحتلال الروسي دموياً ومكلفاً. لكن، لا واشنطن ولا أي من الدول الأعضاء في «الأطلسي» على استعداد لإرسال قوات تحارب في أوكرانيا أو في أي مكان من العالم، ولم يمض بعد ستة أشهر على الانسحاب الكارثي من أفغانستان.
رؤية نعوش الجنود الأميركيين تعود إلى الوطن ليست مطروحة حتى في أكثر الخيالات جموحاً لدى صانعي السياسة الأميركيين.
فكيف الخروج من هذه المعضلة؟ ثمة من يدعو إلى حل تلفيقي - بحسب ما جاء في مقال نشره موقع «بوليتيكو» قبل أيام - تعترف فيه واشنطن بمصالح روسيا الأمنية في أوكرانيا وتصر «لفظياً» على حق كييف في اختيار حلفائها في مستقبل بعيد قد لا يأتي أبداً. وبذلك، تكون الولايات المتحدة قد سلمت بنفوذ روسيا الإقليمي في محيطها من دون أن تخسر ماء وجهها ومزاعمها الديمقراطية.
نقاد الرأي المذكور يقولون إن حلاً كهذا سيُغري بوتين بالمضي في ابتزاز الغرب وافتعال مشكلات جديدة في أماكن أخرى من العالم، وإن المصالح الأمنية للدول الكبرى ستكون عنواناً لصراعات لا تنتهي.
عليه، ومع التسليم بأن الموقف الأميركي قد وصل إلى الحد الأقصى من التصلب في مواجهة التهديدات الروسية، إلا أن الفارق بين بوتين وخصومه في الغرب أن جعبته ما زالت مليئة بالمفاجآت والألاعيب، في حين أن الغرب قد استعرض كل ما لديه دون أن يدفع بوتين إلى التراجع.



روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

TT

روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)

وجّه الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) مارك روته، الخميس، تحذيراً قوياً بشأن ضرورة «زيادة» الإنفاق الدفاعي، قائلاً إن الدول الأوروبية في حاجة إلى بذل مزيد من الجهود «لمنع الحرب الكبرى التالية» مع تنامي التهديد الروسي، وقال إن الحلف يحتاج إلى التحول إلى «عقلية الحرب» في مواجهة العدوان المتزايد من روسيا والتهديدات الجديدة من الصين.

وقال روته في كلمة ألقاها في بروكسل: «نحن لسنا مستعدين لما ينتظرنا خلال أربع أو خمس سنوات»، مضيفاً: «الخطر يتجه نحونا بسرعة كبيرة»، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

وتحدّث روته في فعالية نظمها مركز بحثي في بروكسل تهدف إلى إطلاق نقاش حول الاستثمار العسكري.

جنود أميركيون من حلف «الناتو» في منطقة قريبة من أورزيسز في بولندا 13 أبريل 2017 (رويترز)

ويتعين على حلفاء «الناتو» استثمار ما لا يقل عن 2 في المائة من إجمالي ناتجهم المحلي في مجال الدفاع، لكن الأعضاء الأوروبيين وكندا لم يصلوا غالباً في الماضي إلى هذه النسبة.

وقد انتقدت الولايات المتحدة مراراً الحلفاء الذين لم يستثمروا بما يكفي، وهي قضية تم طرحها بشكل خاص خلال الإدارة الأولى للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب.

وأضاف روته أن الاقتصاد الروسي في «حالة حرب»، مشيراً إلى أنه في عام 2025، سيبلغ إجمالي الإنفاق العسكري 7 - 8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد - وهو أعلى مستوى له منذ الحرب الباردة.

وبينما أشار روته إلى أن الإنفاق الدفاعي ارتفع عما كان عليه قبل 10 سنوات، عندما تحرك «الناتو» لأول مرة لزيادة الاستثمار بعد ضم روسيا شبه جزيرة القرم من طرف واحد، غير أنه قال إن الحلفاء ما زالوا ينفقون أقل مما كانوا ينفقونه خلال الحرب الباردة، رغم أن المخاطر التي يواجهها حلف شمال الأطلسي هي «بالقدر نفسه من الضخامة إن لم تكن أكبر» (من مرحلة الحرب الباردة). واعتبر أن النسبة الحالية من الإنفاق الدفاعي من الناتج المحلي الإجمالي والتي تبلغ 2 في المائة ليست كافية على الإطلاق.

خلال تحليق لمقاتلات تابعة للـ«ناتو» فوق رومانيا 11 يونيو 2024 (رويترز)

وذكر روته أنه خلال الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي، أنفق الأوروبيون أكثر من 3 في المائة من ناتجهم المحلي الإجمالي على الدفاع، غير أنه رفض اقتراح هذا الرقم هدفاً جديداً.

وسلَّط روته الضوء على الإنفاق الحكومي الأوروبي الحالي على معاشات التقاعد وأنظمة الرعاية الصحية وخدمات الرعاية الاجتماعية مصدراً محتملاً للتمويل.

واستطرد: «نحن في حاجة إلى جزء صغير من هذه الأموال لجعل دفاعاتنا أقوى بكثير، وللحفاظ على أسلوب حياتنا».