إيران والصين تشرعان في تنفيذ اتفاقية استراتيجية

مفاوضو «فيينا» يشاورون عواصمهم حول «القضايا الصعبة» في الملف النووي

وزير الخارجية الصيني وانغ يي ونظيره الإيراني حسين أمير عبد اللهيان خلال لقاء في مدينة ووشي شرق الصين (أ.ب)
وزير الخارجية الصيني وانغ يي ونظيره الإيراني حسين أمير عبد اللهيان خلال لقاء في مدينة ووشي شرق الصين (أ.ب)
TT

إيران والصين تشرعان في تنفيذ اتفاقية استراتيجية

وزير الخارجية الصيني وانغ يي ونظيره الإيراني حسين أمير عبد اللهيان خلال لقاء في مدينة ووشي شرق الصين (أ.ب)
وزير الخارجية الصيني وانغ يي ونظيره الإيراني حسين أمير عبد اللهيان خلال لقاء في مدينة ووشي شرق الصين (أ.ب)

أكدت الصين السبت، بدء تنفيذ اتفاقية استراتيجية مع إيران لتعزيز التعاون الاقتصادي والسياسي بين البلدين، في وقت بكين العقوبات الأميركية على طهران. ووقّعت الصين وإيران الاتفاق العام الماضي، بعد سنوات من المحادثات. ومن المقرر أن تشمل هذه الشراكة واسعة النطاق عدة قطاعات؛ ومنها الطاقة والأمن والبنى التحتية والاتصالات.
وأعلن وزير الخارجية الصيني وانغ يي ونظيره الإيراني حسين أمير عبد اللهيان بدء تنفيذ اتفاق الشراكة خلال لقاء في ووشي شرق الصين، بحسب بيان لوزارة الخارجية الصينية. ولم يُنشر كثير من التفاصيل حول هذا الاتفاق، ولكن صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية كانت قد ذكرت في 2020 أنه سيؤمن للصين إمدادات منتظمة من النفط، بحسب مسودة الاتفاق التي سُربت إلى الصحيفة.
وتعد الصين شريكة إيران التجارية الأولى ومن أكبر مشتري نفط هذا البلد قبل إعادة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب فرض العقوبات من جانب واحد على إيران عام 2018. وأوقفت الصين استيراد النفط من إيران رسمياً، ولكن محللين يؤكدون أن النفط الإيراني ما زال يدخل إلى الصين على شكل صادرات من دول أخرى.
وقال وانغ لنظيره الإيراني أمس، إن الصين ستواصل «معارضة العقوبات أحادية الجانب وغير القانونية على إيران»، بحسب ما نقلت عنه وزارة الخارجية. وتسعى بكين منذ فترة طويلة إلى تعزيز علاقاتها مع طهران. ووصف الرئيس الصيني شي جينبينغ إيران «بحليف الصين الرئيسي في الشرق الأوسط» خلال زيارة نادرة إليها في 2016. ويأتي لقاء وانغ وعبد اللهيان بينما تستمر المحادثات في فيينا لإنقاذ الاتفاق النووي الدولي مع إيران.
وكان اتفاق عام 2015 بين إيران والولايات المتحدة والصين وروسيا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا أدى إلى رفع العقوبات عن طهران مقابل قيود على برنامجها النووي. ولكن الولايات المتحدة انسحبت من الاتفاق عام 2018 وأعادت فرض عقوبات قاسية على إيران، ما دفع هذه الأخيرة إلى التراجع عن التزاماتها.
واستؤنفت محادثات إحياء الاتفاق النووي في أواخر نوفمبر (تشرين الثاني) بعدما كانت قد عُلّقت في يونيو (حزيران)، عقب انتخاب حكومة محافظة متشددة في طهران. ونقل بيان الخارجية عن وانغ قوله لنظيره الإيراني إن الصين تعتبر أن الولايات المتحدة مسؤولة عما آل اليه وضع الاتفاق النووي.
وعاد كبار المفاوضين الإيرانيين والأوروبيين إلى عواصمهم لإجراء مشاورات وجيزة، مع بلوغ المباحثات في فيينا لإحياء الاتفاق بشأن برنامج طهران النووي «قضايا صعبة»، وفق ما أفاد به الإعلام الرسمي الإيراني أمس (السبت). وأوردت وكالة الأنباء الرسمية «إيرنا» أن «المفاوضين سيعودون إلى فيينا خلال يومين»، مشيرة إلى أن الاجتماعات على مستوى الخبراء ستتواصل في العاصمة النمساوية خلال عطلة نهاية الأسبوع. ونقلت عن مصدر لم تسمّه أن «المفاوضات جارية حالياً حول القضايا الصعبة وكيفية صياغة القضايا التي تم الاتفاق على مبادئها، إلى عبارات وإدراجها في الوثيقة» بشأن اتفاق نهائي. وتخوض إيران مع القوى الكبرى مباحثات لإحياء الاتفاق بشأن برنامجها النووي المبرم عام 2015. وتشارك الولايات المتحدة التي انسحبت أحادياً منه عام 2018، بشكل غير مباشر فيها. وتشدد طهران على أولوية رفع العقوبات التي أعادت واشنطن فرضها عليها بعد انسحابها من الاتفاق، والحصول على ضمانات بعدم تكرار الانسحاب الأميركي. في المقابل، تركز الولايات المتحدة والأطراف الأوروبية على أهمية عودة إيران لاحترام كامل التزاماتها بموجب الاتفاق، التي بدأت التراجع عنها في 2019 رداً على انسحاب واشنطن.
ونقلت «إيرنا» عن المصدر أنه تمت معالجة كثير من المسائل «ذات الصلة بالحظر (العقوبات) والقضايا النووية، والعمل جارٍ حالياً بشكل متزايد على الملحق الثالث حول التنفيذ والتسلسل المحتمل للاتفاق»، أي تنسيق الخطوات التي يجدر بكل طرف اتخاذها في حال التفاهم على إحياء الاتفاق. وأتاح الاتفاق رفع عقوبات اقتصادية عن إيران، في مقابل الحد من أنشطتها النووية وضمان سلمية برنامجها. إلا أن مفاعيله باتت في حكم اللاغية منذ انسحاب الولايات المتحدة في عهد رئيسها السابق دونالد ترمب. وتابع المصدر: «نحن نناقش التفاصيل وهذا الجزء هو الأصعب والأطول في المفاوضات، لكنه ضروري تماماً للوصول إلى هدفنا»، وفق ما أوردت «إيرنا».
وخلال الأيام الماضية، عكست تصريحات المعنيين بالمفاوضات، تحقيق بعض التقدم، مع تأكيد استمرار وجود تباينات بينهم بشأن قضايا مختلفة. وأتى الإعلان عن عودة المفاوضين غداة تأكيد وزير خارجية الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل أن أجواء المباحثات باتت «أفضل» مما كانت عليه قبل نهاية 2021، متحدثاً عن «احتمال» التوصل إلى تفاهم «في الأسابيع المقبلة».
وكان المتحدث باسم الخارجية الإيرانية سعيد خطيب زاده، اعتبر يوم الاثنين الماضي، أن التقدم يعود لجهود «من كل الأطراف». كما عكست تصريحات وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان في الآونة الأخيرة، تحقيق تقدم، وإن اعتبر أن هذه المباحثات تبقى «بطيئة جداً». وتشدد الدول الغربية على الحاجة إلى إبرام تفاهم سريعاً، خصوصاً في ظل «تسارع» أنشطة إيران النووية منذ تراجعها عن التزاماتها بموجب الاتفاق. من جانبه، حذّر وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن من تبقي «بضعة أسابيع» لإنقاذ الاتفاق النووي، مؤكّداً أنّ بلاده «مستعدّة» للجوء إلى «خيارات أخرى» بحال فشل المفاوضات في فيينا.



تصريحات ميتسوتاكيس تُعيد إشعال التوتر بين أثينا وأنقرة بعد أشهر من الهدوء

إردوغان مستقبلاً ميتسوتاكيس خلال زيارته لأنقرة في مايو الماضي (الرئاسة التركية)
إردوغان مستقبلاً ميتسوتاكيس خلال زيارته لأنقرة في مايو الماضي (الرئاسة التركية)
TT

تصريحات ميتسوتاكيس تُعيد إشعال التوتر بين أثينا وأنقرة بعد أشهر من الهدوء

إردوغان مستقبلاً ميتسوتاكيس خلال زيارته لأنقرة في مايو الماضي (الرئاسة التركية)
إردوغان مستقبلاً ميتسوتاكيس خلال زيارته لأنقرة في مايو الماضي (الرئاسة التركية)

أشعل رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس توتراً جديداً مع تركيا، بعد أشهر من الهدوء تخللتها اجتماعات وزيارات متبادلة على مستويات رفيعة للبناء على الأجندة الإيجابية للحوار بين البلدين الجارين.

وأطلق ميتسوتاكيس، بشكل مفاجئ، تهديداً بالتدخل العسكري ضد تركيا في ظل عدم وجود إمكانية للتوصل إلى حل بشأن قضايا المنطقة الاقتصادية الخالصة والجرف القاري.

تلويح بالحرب

نقلت وسائل إعلام تركية، السبت، عن ميتسوتاكيس قوله، خلال مؤتمر حول السياسة الخارجية عُقد في أثينا، إن «الجيش يمكن أن يتدخل مرة أخرى إذا لزم الأمر». وأضاف: «إذا لزم الأمر، فسيقوم جيشنا بتنشيط المنطقة الاقتصادية الخالصة. لقد شهدت أوقاتاً تدخّل فيها جيشنا في الماضي، وسنفعل ذلك مرة أخرى إذا لزم الأمر، لكنني آمل ألا يكون ذلك ضرورياً».

رئيس الوزراء اليوناني ميتسوتاكيس (رويترز - أرشيفية)

ولفت رئيس الوزراء اليوناني إلى أنه يدرك أن وجهات نظر تركيا بشأن «الوطن الأزرق» (سيطرة تركيا على البحار التي تطل عليها) لم تتغير، وأن اليونان تحافظ على موقفها في هذه العملية. وقال ميتسوتاكيس: «في السنوات الأخيرة، زادت تركيا من نفوذها في شرق البحر المتوسط. قضية الخلاف الوحيدة بالنسبة لنا هي الجرف القاري في بحر إيجه وشرق البحر المتوسط. إنها مسألة تعيين حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة، وعلينا أن نحمي جرفنا القاري».

من ناحية أخرى، قال ميتسوتاكيس إن «هدفنا الوحيد هو إقامة دولة موحّدة في قبرص... قبرص موحّدة ذات منطقتين ومجتمعين (تركي ويوناني)، حيث لن تكون هناك جيوش احتلال (الجنود الأتراك في شمال قبرص)، ولن يكون هناك ضامنون عفا عليهم الزمن (الضمانة التركية)».

ولم يصدر عن تركيا رد على تصريحات ميتسوتاكيس حتى الآن.

خلافات مزمنة

تسود خلافات مزمنة بين البلدين الجارين العضوين في حلف شمال الأطلسي (ناتو) حول الجرف القاري، وتقسيم الموارد في شرق البحر المتوسط، فضلاً عن النزاعات حول جزر بحر إيجه.

وتسعى اليونان إلى توسيع مياهها الإقليمية إلى ما هو أبعد من 6 أميال، والوصول إلى 12 ميلاً، استناداً إلى «اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار» لعام 1982 التي ليست تركيا طرفاً فيها.

وهدّد الرئيس التركي رجب طيب إردوغان من قبل، مراراً، بالرد العسكري على اليونان إذا لم توقف «انتهاكاتها للمياه الإقليمية التركية»، وتسليح الجزر في بحر إيجه. وأجرت تركيا عمليات تنقيب عن النفط والغاز في شرق البحر المتوسط في عام 2020 تسبّبت في توتر شديد مع اليونان وقبرص، واستدعت تحذيراً وعقوبات رمزية من الاتحاد الأوروبي، قبل أن تتراجع تركيا وتسحب سفينة التنقيب «أوروتش رئيس» في صيف العام ذاته.

سفن حربية تركية رافقت سفينة التنقيب «أوروتش رئيس» خلال مهمتها في شرق المتوسط في 2020 (الدفاع التركية)

وتدخل حلف «الناتو» في الأزمة، واحتضن اجتماعات لبناء الثقة بين البلدين العضوين.

أجندة إيجابية وحوار

جاءت تصريحات رئيس الوزراء اليوناني، بعد أيام قليلة من تأكيد وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، في كلمة له خلال مناقشة البرلمان، الثلاثاء، موازنة الوزارة لعام 2025، أن تركيا ستواصل العمل مع اليونان في ضوء الأجندة الإيجابية للحوار.

وقال فيدان إننا «نواصل مبادراتنا لحماية حقوق الأقلية التركية في تراقيا الغربية، ونحمي بحزم حقوقنا ومصالحنا في بحر إيجه وشرق البحر المتوسط، ​​سواء على الأرض أو في المفاوضات».

وعُقدت جولة جديدة من اجتماعات الحوار السياسي بين تركيا واليونان، في أثينا الأسبوع الماضي، برئاسة نائب وزير الخارجية لشؤون الاتحاد الأوروبي، محمد كمال بوزاي، ونظيرته اليونانية ألكسندرا بابادوبولو.

جولة من اجتماعات الحوار السياسي التركي - اليوناني في أثينا الأسبوع الماضي (الخارجية التركية)

وذكر بيان مشترك، صدر في ختام الاجتماع، أن الجانبين ناقشا مختلف جوانب العلاقات الثنائية، وقاما بتقييم التطورات والتوقعات الحالية؛ استعداداً للدورة السادسة لمجلس التعاون رفيع المستوى، التي ستُعقد في تركيا العام المقبل.

ولفت البيان إلى مناقشة قضايا إقليمية أيضاً خلال الاجتماع في إطار العلاقات التركية - الأوروبية والتطورات الأخيرة بالمنطقة.

وجاء الاجتماع بعد زيارة قام بها فيدان إلى أثينا في 8 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، أكد البلدان خلالها الاستمرار في تعزيز الحوار حول القضايا ذات الاهتمام المشترك.

لا أرضية للتوافق

وقال ميتسوتاكيس، في مؤتمر صحافي عقده بعد القمة غير الرسمية للاتحاد الأوروبي في بودابست في 9 نوفمبر، إن الحفاظ على الاستقرار في العلاقات بين بلاده وتركيا سيكون في مصلحة شعبيهما.

وأشار إلى اجتماع غير رسمي عقده مع إردوغان في بودابست، مؤكداً أن هدف «التطبيع» يجب أن يكون الأساس في العلاقات بين البلدين، وتطرق كذلك إلى المحادثات بين وزيري خارجية تركيا واليونان، هاكان فيدان وجيورجوس جيرابيتريتيس، في أثنيا، قائلاً إنه جرى في أجواء إيجابية، لكنه لفت إلى عدم توفر «أرضية للتوافق بشأن القضايا الأساسية» بين البلدين.

وزير الخارجية اليوناني يصافح نظيره التركي في أثينا خلال نوفمبر الماضي (رويترز)

وسبق أن التقى إردوغان ميتسوتاكيس، في نيويورك على هامش مشاركتهما في أعمال الدورة 79 للجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر (أيلول) الماضي، وأكد أن تركيا واليونان يمكنهما اتخاذ خطوات حازمة نحو المستقبل على أساس حسن الجوار.

وزار ميتسوتاكيس تركيا، في مايو (أيار) الماضي، بعد 5 أشهر من زيارة إردوغان لأثينا في 7 ديسمبر (كانون الأول) 2023 التي شهدت عودة انعقاد مجلس التعاون الاستراتيجي بين البلدين، بعدما أعلن إردوغان قبلها بأشهر إلغاء المجلس، مهدداً بالتدخل العسكري ضد اليونان بسبب تسليحها جزراً في بحر إيجه.