لبنانيون يفعّلون نشاطهم الزراعي لمواجهة أزمتي المعيشة والاقتصاد

وزير الزراعة لـ«الشرق الأوسط»: المساحات الزراعية اتسعت وتعاون دولي لتمكين الفلاحين

استصلاح أرض لتأهيلها للزراعة في منطقة الشوف اللبنانية (الشرق الأوسط)
استصلاح أرض لتأهيلها للزراعة في منطقة الشوف اللبنانية (الشرق الأوسط)
TT

لبنانيون يفعّلون نشاطهم الزراعي لمواجهة أزمتي المعيشة والاقتصاد

استصلاح أرض لتأهيلها للزراعة في منطقة الشوف اللبنانية (الشرق الأوسط)
استصلاح أرض لتأهيلها للزراعة في منطقة الشوف اللبنانية (الشرق الأوسط)

فعّل اللبنانيون نشاطهم في القطاع الزراعي، في مسعى للالتفاف على الأزمة المعيشية والاقتصادية وتأمين مصدر محلي للأمن الغذائي، ما أدى إلى اتساع المساحات المزروعة في البلاد، وسط دعم وتعاون دوليين لتمكين المزارعين.
وخارج بيروت والعاصمة الإدارية، بات معظم اللبنانيين اليوم مزارعين، حسبما يؤكد وزير الزراعة اللبناني عباس الحاج حسن في حديث لـ«الشرق الأوسط»، موضحاً أنه «حتى في المؤسسات العسكرية والأمنية، يتجه الجميع إلى الزراعة ليس ترفاً أو حباً، بل لأن الوضع الاقتصادي ضاغط، والأسعار مرتفعة، وبالتالي بات الملاذ الأخير للمواطن اللبناني هو الزراعة». ويشير إلى أن «المساحات الزراعية اليوم أصبحت أوسع، ومن الواضح أيضاً أن المساحات المزروعة بالنسبة لصغار المزارعين في عكار والبقاع تحديداً اتسعت كثيراً».
وتشجع الوزارة على زراعة المساحات الصغيرة للاستهلاك الفردي، لكن الحاج حسن يشرح أنها «ليست هذه الزراعة التي نريد، بل نحتاج إلى أن يكون القطاع الزراعي مبنياً على أسس واضحة ضمن روزنامة زراعية داخلية لأنها أساس التنوع الإنتاجي في البلد، وتعتمد على ركيزتين أساسيتين هما التتبع والإرشاد».
وتعمل الوزارة على موضوعي التتبع والإرشاد منذ ثلاثة أشهر، ووضعت بالاتفاق مع منظمة «الفاو» برنامجاً لتتبع المبيدات، ويشرح الحاج حسن أن «الاتفاق سيتيح بعد فترة من الزمن الوصول إلى تخفيف نسبة المبيدات والترسبات في الإنتاج اللبناني ما يعود بالفائدة على المستهلك اللبناني من جهة، والأسواق التي نستهدفها في الخارج من جهة أخرى، والتي كثيرًا ما شكت من بعض الشحنات التي تصل إليها وفيها ترسبات نتيجة رش المبيدات العشوائي».
ويوضح الحاج حسن أن «الوزارة وضعت خطة طوارئ منذ ثلاثة أشهر بعدما أوجبت تطورات الأزمة الاقتصادية الاجتماعية ذلك لتعتمد بالأساس على توسيع المساحات الخضراء المزروعة والاعتماد على ما يمكن أن تقدمه الدول والهيئات المانحة»، لافتاً إلى أن «الخطة تستهدف شريحة كبيرة من اللبنانيين إما كانت تعمل في الزراعة وإما تتأثر بشكل مباشر أو غير مباشر بالعمل الزراعي».
وتتعاون الوزارة مع هيئات أممية يحاول المانحون من خلالها مساعدة القطاع الزراعي، وأطلقت مشروعاً قبل سنة ونصف مع «الفاو» من خلال قسائم بـ300 دولار لمدخلات زراعية وبدأت القسائم توزع على كافة الأراضي اللبنانية.
وفي موضوع دعم المبيدات والتسميد والبذور، يشير الحاج حسن إلى أن «هناك مشروعين تتم دراستهما مع «الفاو» وهيئات أممية أخرى، ونتمنى أن تكون الدراسات قد وضعت في القريب العاجل وإرسال الأموال المرجوة لهما، وسنضع المواطنين في كل تفصيل سنقوم به حتى نكون على شراكة وتماس مع القطاع».
ويواجه القطاع الزراعي في لبنان تحديات كثيرة ويحتاج إلى إصلاحات عميقة بعضها تقني وتخطيطي، والآخر مرتبط بعدم إيلاء الدولة اهتماماً كبيراً للقطاع وعدم تخصيص تمويل كافٍ في الموازنات المتعاقبة. وتسعى وزارة الزراعة لإيجاد حلول؛ إذ يشرح الحاج حسن أن المعضلة الأساس هي تأمين مياه الري، لافتاً إلى أن «الوزارة تعمل على موضوع توسيع البرك الشتوية والتي يقدر لها أن تسهم في زيادة المساحات المروية في لبنان بنسبة تتراوح بين 15 و20 في المائة».
ويشير إلى أهمية تأمين الطاقة؛ إذ لا يمكن ري المزروعات من دونها، موضحاً أن الحل لمشكلتي الري والطاقة يعتمد على إنجازه من خلال الخطة التي وضعتها الوزارة وأشركت فيها الدول المانحة والمنظمات الدولية وتحديداً «الفاو». ويتابع: «نحتاج لأن تكون هناك طاقة مستدامة لكل بئر ارتوازية لصغار المزارعين ما يؤمن 12 ساعة كهرباء مستدامة للمضخات المائية».
ويتحدث الحاج حسن عن مشكلة أخرى يصفها بـ«الهم الكبير» وهي موضوع الأسمدة التي يتم استيرادها بالدولار، متمنياً إيجاد أسواق جديدة تكون أرخص وتتناسب مع المواصفات العالمية التي وضعتها الوزارة، كما يتحدث عن موضوع استدامة المنتجات اللبنانية صيفاً شتاءً، ويلفت إلى أن هذا الأمر يتم من خلال توسيع ما يعرف بالزراعات ضمن الخيم البلاستيكية، موضحاً أن الوزارة لديها «مشاريع واعدة جداً في هذا الإطار وهناك زراعات مائية بدأت العمل عليها وإن نجحت التجارب فستعمم رغم أن كلفتها عالية».
- مبادرات مجتمعية وحزبية
وإلى جانب المساعي الرسمية لتطوير القطاع، تأتي مبادرات لبلديات وأحزاب في إطار تشجيع ودعم الزراعة وإيجاد فرص عمل جديدة للبنانيين، بينها مبادرة «الحزب التقدمي الاشتراكي»، ويوضح مسؤول مكتب التنمية الاقتصادية والاجتماعية في الحزب وئام أبو حمدان لـ«الشرق الأوسط» أن ابتعاد اللبنانيين عن الزراعة في السنوات السابقة أدى إلى إهمالهم للأرض وأفقدهم المعرفة الزراعية، فكانت البداية من الصفر صعبة جداً لذلك وضعنا يدنا بيد «منظمة مالطا في لبنان» في منطقتي الشوف وعالية وقمنا بمبادرة لاستهداف 150 مزارعاً يتم إعطائهم في حدود الـ400 دولار على شكل تبرعات عينية ولاقت استحساناً كبيراً لدى السكان».
ويؤكد أبو حمدان أن المبادرة مستمرة بتنفيذ المرحلة الثانية منها، لافتاً إلى أنه في شهر فبراير (شباط) المقبل ستوزع البذور الخاصة لهذا الموسم من الزراعة. ويقول: «هناك مجموعة كبيرة من المزارعين المشاركين لديهم الأرض لكن لا يملكون المعرفة الزراعية، لذلك ومن خلال المكتب الزراعي في مؤسسة (الفرح) الاجتماعية نحاول تقديم الاستشارات الزراعية لهم لإحاطتهم بالحد الأدنى من المعرفة ما يسهم في انطلاقتهم وتطبيقهم لممارسات زراعية جيدة». ويشير إلى أن هذه المبادرة تساعد السكان على الصمود وتمكنهم من التعامل مع الأزمة الاقتصادية.
وفي عام 2020 شهد لبنان ما يشبه طفرة زراعية عمت المدن كما الأرياف وأتت نتاج حملات ودعوات من أجل تعديل اللبنانيين عاداتهم الاجتماعية واستغلال ما أمكن من مساحات من أجل تأمين حاجاتهم، ويقول المهندس الزراعي وأحد مؤسسي مجموعة «ازرع» على «فيسبوك» حنا ميخائيل، إن «عام 2020 شهد ما سمي بالثورة الزراعية فأصبحت الزراعة هي النجم في بلد كان القطاع فيه ميتاً لنحو العشرين عاماً، لكنه يلفت إلى أن انفجار المرفأ أنهك الناس نفسياً فنسيت أرضها وزراعتها وأصيبت بإحباط، وفي عام 2021 تراجعت الزراعة الفردية من جديد، وعدنا إلى طبيعتنا كشعب مستهلك غير منتج.



«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
TT

«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)

بعد مرور نحو أسبوع على سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، يفضل اللاجئون والمهاجرون السوريون في مصر التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة إلى بلادهم التي تمر بمرحلة انتقالية يشوبها الكثير من الغموض.

ويتيح تغيير نظام الأسد وتولي فصائل المعارضة السورية السلطة الانتقالية، الفرصة لعودة المهاجرين دون ملاحقات أمنية، وفق أعضاء بالجالية السورية بمصر، غير أن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين في القاهرة ترى أنه «من المبكر التفكير في عودة اللاجئين المسجلين لديها، إلى البلاد حالياً».

وازدادت أعداد السوريين في مصر، على مدى أكثر من عقد، مدفوعة بالتطورات السياسية والأمنية في الداخل السوري؛ إذ ارتفع عدد السوريين المسجلين لدى مفوضية اللاجئين إلى نحو 148 ألف لاجئ، غير أن تلك البيانات لا تعكس العدد الحقيقي للجالية السورية بمصر؛ إذ تشير المنظمة الدولية للهجرة إلى أن تعدادهم يصل إلى 1.5 مليون.

ولم تغير تطورات الأوضاع السياسية والأمنية في الداخل السوري من وضعية اللاجئين السوريين بمصر حتى الآن، حسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في القاهرة، كريستين بشاي، التي قالت في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن «السوريين المسجلين كلاجئين لدى المفوضية يتلقون خدماتهم بشكل طبيعي»، مشيرة إلى أنه «لا يوجد أي إجراءات حالية لمراجعة ملف اللاجئين المقيمين بمصر، تمهيداً لعودتهم».

وتعتقد بشاي أنه «من المبكر الحديث عن ملف العودة الطوعية للاجئين السوريين لبلادهم»، وأشارت إلى إفادة صادرة عن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين مؤخراً، تدعو السوريين في الخارج لـ«التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة لبلادهم».

وكانت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين قد نصحت المهاجرين السوريين في الخارج «بضرورة التحلي بالصبر واليقظة، مع قضية العودة لديارهم». وقالت، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إن «ملايين اللاجئين يواصلون تقييم الأوضاع قبل اتخاذ قرار العودة»، وأشارت إلى أن «الصبر ضروري، على أمل اتخاذ التطورات على الأرض منحى إيجابياً، ما يتيح العودة الطوعية والآمنة والمستدامة».

ووعدت المفوضية، في بيانها، بـ«مراقبة التطورات بسوريا، مع الانخراط مع مجتمعات اللاجئين، لدعم الدول في مجال العودة الطوعية والمنظمة، وإنهاء أزمة النزوح القسري الأكبر في العالم»، وأشارت في الوقت نفسه إلى أن «الاحتياجات الإغاثية داخل سوريا لا تزال هائلة، في ظل البنية التحتية المتهالكة، واعتماد أكثر من 90 في المائة من السكان على المساعدات الإنسانية».

وحسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية اللاجئين في القاهرة، يمثل اللاجئون السوريون المسجلون لدى المفوضية نحو 17 في المائة من تعداد اللاجئين في مصر، بواقع 148 ألف لاجئ سوري، من نحو 863 ألف لاجئ من أكثر من 60 جنسية. ويأتي ترتيبهم الثاني بعد السودانيين.

وباعتقاد مدير عام مؤسسة «سوريا الغد»، ملهم الخن، (مؤسسة إغاثية معنية بدعم اللاجئين السوريين في مصر)، أن «قضية عودة المهاجرين ما زال يحيطها الغموض»، مشيراً إلى «وجود تخوفات من شرائح عديدة من الأسر السورية من التطورات الأمنية والسياسية الداخلية»، ورجّح «استمرار فترة عدم اليقين خلال الفترة الانتقالية الحالية، لنحو 3 أشهر، لحين وضوح الرؤية واستقرار الأوضاع».

ويفرق الخن، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، بين 3 مواقف للمهاجرين السوريين في مصر، تجاه مسألة العودة لبلادهم، وقال إن «هناك فئة المستثمرين، وأصحاب الأعمال، وهؤلاء تحظى أوضاعهم باستقرار ولديهم إقامة قانونية، وفرص عودتهم ضئيلة».

والفئة الثانية، حسب الخن، «الشباب الهاربون من التجنيد الإجباري والمطلوبون أمنياً، وهؤلاء لديهم رغبة عاجلة للعودة، خصوصاً الذين تركوا أسرهم في سوريا»، أما الثالثة فتضم «العائلات السورية، وهؤلاء فرص تفكيرهم في العودة ضعيفة، نظراً لارتباط أغلبهم بتعليم أبنائهم في المدارس والجامعات المصرية، وفقدان عدد كبير منهم منازلهم بسوريا».

وارتبط الوجود السوري في مصر باستثمارات عديدة، أبرزها في مجال المطاعم التي انتشرت في مدن مصرية مختلفة.

ورأى كثير من مستخدمي مواقع «السوشيال ميديا» في مصر، أن التغيير في سوريا يمثّل فرصة لعودة السوريين لبلادهم، وتعددت التفاعلات التي تطالب بعودتهم مرة أخرى، وعدم استضافة أعداد جديدة بالبلاد.

وتتيح مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، مساعدات لراغبي العودة الطوعية من اللاجئين، تشمل «التأكد من أن العودة تتم في ظروف آمنة، والتأكد من أن الأوضاع في البلد الأصلي آمنة»، إلى جانب «تقديم دعم نقدي لتغطية النفقات الأساسية والسفر»، حسب مكتب مفوضية اللاجئين في مصر.

ويرى مسؤول الائتلاف الوطني السوري، عادل الحلواني، (مقيم بمصر)، أن ملف عودة المهاجرين «ليس أولوية في الوقت الراهن»، مشيراً إلى أن «جميع السوريين يترقبون التطورات الداخلية في بلادهم، والهدف الأساسي هو عبور سوريا الفترة الانتقالية بشكل آمن»، معتبراً أنه «عندما يستشعر المهاجرون استقرار الأوضاع الداخلية، سيعودون طواعية».

وأوضح الحلواني، لـ«الشرق الأوسط»، أن «حالة الضبابية بالمشهد الداخلي، تدفع الكثيرين للتريث قبل العودة»، وقال إن «الشباب لديهم رغبة أكثر في العودة حالياً»، منوهاً بـ«وجود شريحة من المهاجرين صدرت بحقهم غرامات لمخالفة شروط الإقامة بمصر، وفي حاجة للدعم لإنهاء تلك المخالفات».

وتدعم السلطات المصرية «العودة الآمنة للاجئين السوريين إلى بلادهم»، وأشارت الخارجية المصرية، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إلى أن «القاهرة ستواصل العمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين لتقديم يد العون والعمل على إنهاء معاناة الشعب السوري الممتدة، وإعادة الإعمار، ودعم عودة اللاجئين، والتوصل للاستقرار الذي يستحقه الشعب السوري».