شاشة الناقد

{ذات مرة في كالكتا}
{ذات مرة في كالكتا}
TT

شاشة الناقد

{ذات مرة في كالكتا}
{ذات مرة في كالكتا}

* قوة الكلب ★★★
* إخراج: جين كامبيون
* الولايات المتحدة (2022)
* النوع: وسترن | عروض: نتفليكس
«أنت صاحبة خطة رخيصة»، يقول فيليب (بندكت كمبرباتش) لزوجة أخيه روز (كيرستن دنست) صباح ذات يوم في فيلم جين كامبيون الجديد «قوّة الكلب» (ثامن فيلم روائي لها في ثلاثين سنة). العبارة مؤلمة وروز شعرت بألمها. كانت تدرك مسبقاً الشخصية الصعبة لفيليب وعداوته للآخرين. لكنها لم تتوقع أن يحافظ على عداوته لها من بعد أن اختارها شقيقه جورج (جيسي بليمونز) زوجة له. الآن هي غير سعيدة وتجد نفسها مهملة ومعزولة (على الرغم مما يبديه جورج لها من حب) فتلجأ إلى الشرب لكي تنسى وهذا يقود لمزيد من المآسي والمزيد من كراهية فيليب لها.
لكن ما سر عداوة فيليب لها وللآخرين؟ ما هو الدافع المبطّن الذي يوعز له بمعاملة شخصيات عدّة في هذا الفيلم باستعلاء واضح؟ لماذا ينطق ليهين؟ لماذا يصر على مناداة شقيقه بـ«البدين» و«جورج بوي»؟
قد نجد الإجابات في رواية توماس سافاج التي تم اقتباسها لهذا الفيلم، لكن ليس في الفيلم ذاته. كذلك لن نجد تفسيراً لاستدارة فيليب من العداوة لابن زوجة أخيه بيتر (كودي سميت - مكفي) إلى الحب والرعاية. هنا إيحاء بأن فيليب يميل إلى بني جنسه وإنه مثلي مكبوت، لكن ذلك لا يفسر باقي الأسئلة. الفيلم بذلك فيلم حالات تقبلها على هذا النحو لأنها حاضرة. وهي حاضرة بعناية وجمال بصري في أكثر من موقع وبروح شفافية - شعرية على نحو عام.
فيليب وجورج شقيقان يملكان مزرعة خيول في ولاية مونتانا (ولو أن التصوير تم في نيوزيلاندا). بصرف النظر عن الجينيات لا يشبه أحدهما الآخر لا كملامح ولا كجسدين ولا كتصرفات. لكن السينما اعتادت على توسيع الرقعة في مثل هذه التفاصيل. مما يُثير الاهتمام ويبني الفيلم الكثير من خامته عليه هو أنهما مختلفان في التصرف. فيليب (أو «فِل» كما ينادونه اختصاراً) رجل طويل القامة. نحيف واثق من نفسه، قوي ومعتد، يعرف ما يريد ويصل إليه. شقيقه جورج بديناً، أقصر قامة. أرق وألطف ويدير الجانب الإداري من المزرعة في حين يعيش فيليب شخصية راعي البقر الأول. هو الماتشو فوق حصانه وعلى الأرض.
هناك نحو نصف ساعة من التعريف والتمهيد ثم تبدأ الحكاية مع دخول فيليب ورجاله وشقيقه إلى مطعم البلدة الصغيرة لتناول الطعام. هناك تقع عينا فيليب على الشاب بيتر، ابن صاحبة المطعم روز. يهينه أمام الجميع ساخراً من عمله ومن حركاته التي يراها أنثوية. عندما يضع بيتر وروداً صنعها من الورق، يشعل فيليب النار فيها لكي يشعل سيجاره. بيتر يبكي. جورج يلاحظ. فيليب ينصرف. جورج يتقدّم لروز مهدئاً ومعتذراً ثم متقدماً بطلب الزواج منها.
المبرر الوحيد شبه الظاهر هو أنه يريد زوجة، لكن الفيلم لا يعمل على إتاحة الفرصة لكي يأتي طلب جورج من روز بأن تتزوّجه مشفوعاً بأكثر من فكرة وليد لحظتها. تنتقل روز وابنها للعيش في المزرعة، بعد زواجها من جورج. يحافظ فيليب على كرهه لروز واستهزائه (ورجاله) بابنها «الناعم». يقول فيليب له: «لا تدع والدتك تعاملك كمخنث». هنا يبوح بيتر لفيليب بأنه يريد أن يصبح رجلاً مثله فيبدأ هذا بتعليمه ركوب الخيل والعمل في المزرعة. هذا البوح يوقف عداء فيليب ويوطد علاقة عاطفية كاشفة عن اتجاهات نفسية - تراجيدية: بيتر يصبح أكثر قوّة وفيليب أقل خشونة. إنه كمن فرض نفسه بشروط فيليب لكي يغيّر فيليب نظرته إليه، وينجح. في الوقت ذاته وصاعداً يتحوّل وجود روز وجورج إلى استكمال هامشي. خيالان سابحان في هذه الدراما.
جين كامبيون تستخدم جورج وروز وبيتر لتأكيد شخصية فيليب الدامغة. كل واحد منهم يلعب الدور الذي سيرتد على فيليب منعكساً على نحو أو آخر. هم كفراشات الضوء التي تطير حوله وتتساقط مع اختلاف مهم هو أن فيليب سيتساقط بدوره.
مرّة أخرى لا دوافع ناصعة، بل حالات ظاهرة، مما يضعف الفيلم في صميمه. يمر الفيلم بأحداثه القليلة ودقائقه الكثيرة (نحو ساعتين ونصف) ناجحاً في تطريز وحياكة مشاهده بصرياً وخالياً من القدرة على دمج المُشاهِد دمجاً درامياً فعلياً. أسلوب عمل كامبيون يبدو تماثلاً مع سلحفاة تقطع مسافة طويلة. عناية المخرجة بالتفاصيل بصرية غالباً. تحصل من ممثليها على ما يعكس ما يجول في كل منهم من مشاعر بنجاح لكن هذه التفاصيل، وذلك النجاح لا يسد الثغرة الناتجة عن غياب الدوافع.
إنه أمر غريب إلى حد حين نفكّر بالأمر متخذين من أحد المشاهد مما يعكس ما نذهب إليه هنا: في ولاية مونتانا، سنة 1925. كانت الكهرباء موجودة في عموم ربوعها لكن كامبيون تحرص على تصوير المطعم داكناً ويعاونها مدير التصوير آري وغنر على ذلك. الطاولات تحمل شموعاً موزّعة بتباعد. ومعظم أنحاء القاعة مظلم لدرجة تستدعي الملاحظة. إنه تصوير أجواء واقعية بواقعية. لكن اختيار الشموع عوض الكهرباء يدلف بهذا المشهد، على الأقل، لتكلّف واضح. بالتالي إلى قدر من الكذب. ليس أن الكهرباء لم تصل إلى تلك البلدة النائية لأننا سنلاحظ في مشهد لاحق أن منزل فيليب وجورج النائي فيه إضاءة كهربائية. خافتة نعم. لكنها متوفرة.
أداء الجميع جيد، لكن الحال مع بندكت كمبرباتش مختلف. هو جيّد تقنياً لكنه يتأرجح بين الضرورة والتكلّف. كمبرباتش يعرف أنه يقود العمل ويفهم معنى القيادة، لكن ليس هناك في شخصيته مما يؤدي إلى تطوير ذلك الخط الواحد من الأداء.

* ذات مرة في كالكتا ★★★
* إخراج: أديتيا فيكرام سنغوبتا
* الهند (2021)
* النوع: دراما | عروض: مهرجانات
يوعز العنوان بما يمكن ربط المدينة الهندية عبره بأحداث تقع في رحى شخصيات تعيش فيها. فيلم سنغوبتا الثالث هو كذلك بالفعل. مشاهده الأولى تفضي إلى ما يشبه خريطة ترى من خلال خيوطها ملامح مدينة تتغير وإذ تفعل فإن الشخصيات التي تعيش فيها محكوم عليها بالتوقف عن الحركة أو الاندماج بالتغيير… حتى وإن لم تعرف وجهة هذا التغيير.
إيلا (سريلخ ميترا) امرأة تعيش حالة مأسوية كاملة. كانت خسرت والدتها وطفلتها اللذين توفيا قبل حين. خسرت زوجها شيشر الذي طلّقها. وتصد عنها رجلاً آخر قد يكون أفضل ما سيقع في عالمها ذي الخيارات الصعبة والمحدودة. لديها نصف شقيق يعيش حالة ذهنية غير مستقرة. هي المحور لكن الشخصيات الأخرى تتمتع كذلك بمساحات عريضة تكاد تؤثر على ذلك المحور وتجعل الفيلم بلا نقطة ارتكاز.
ما يشفع لهذا الفيلم هي الطريقة الموحية التي يطرح المخرج من خلالها ما يقع في المجتمع من خلال شخصيات محدودة. وهي طريقة ممنهجة على نحو مؤكد وواثق. مشاهد مبنية بتؤدة ولو أن بعضها يستمر أطول مما يجب، ولقطات لشوارع ومباني وسلالم وأسطح وجوانب مدينة تبدو كما لو كانت صُنعت من أسرار الأحياء بين جدرانها الضيقة.
كبار مخرجي السينما الهندية (فرع الأفلام المستقلة عن الرقص والاستعراض) أمثال ساتياجيت راي ومرينال سن وشايام بنيغال ورتويك جهاتاك، عبّروا في أفلامهم عن وقائع اجتماعية داكنة في مدينة هندية مكتظة. لكن في حين مال راي للمجهرية مختاراً شخصيات محدودة في بناء ذي خط واحد، ومال سن إلى نقد البيئة الطبقية وعني بنيغال بتصوير الحال الإنساني، يدلف سنغوبتا مساراً موازياً بأسلوب يذكّر بأساليب مخرجين آسيويين خارج الهند (الصين، تايلاند، تايوان... إلخ) الذين يرصدون الحدث بخطة تجمع بين فن الإيحاء وبين وضوح البوح مرميّان على خلفية من هندسة اللقطات وتأليف بيئاتها وأجوائها.
«ذات مرّة في كالكتا» يُحسن، في هذا الإطار، توظيف المرأة التي تبحث عن بداية جديدة لكنها لا تدري منطلقها الصحيح. يعرض للشخصيات الأخرى عبر مشاهد تعبّر مباشرة عما هي عليه من دون كثير شرح. الفساد الذي تعيش فيه بعض شخصياته لا يؤذيها، بل يؤذي تلك البريئة منها. هذا هو حال الرجل الذي يتقدّم من إيلا معرباً عن حبّه. كانا على علاقة قبل زواجها. تزوّج بدوره ويلتقيها صدفة ويحاول استعادة ما فات معها. نياته الطيّبة تتوافق مع مبادئه فهو في عالم يريده أن ينصاع للفساد المستشري (يُعرض عليه قبول مواد بناء مخففة ورخيصة عوض تلك التي يتطلبها البناء ويرفض). هو أيضاً جانب من تلك المرايا - النماذج التي يتوزّع وجه بطلة الفيلم عليها.
بلا غناء (إلا ما نسمعه في الراديو). موسيقى محدودة التوظيف (ولو متكررة مما يجعلها ضعيفة) وبلا ميلودراما بل إشادة واقعية متطوّرة ومتعوب على اختيارات المخرج للأماكن وحسن توظيفه لشروطها لخلق البيئة والمفاد منها.

★ ضعيف| ★ ★ : وسط| ★★★: جيد | ★★★★: ممتاز | ★★★★★: تحفة


مقالات ذات صلة

بشير الديك يصل إلى نهاية «المغامرة»

يوميات الشرق السيناريست المصري بشير الديك (وزارة الثقافة)

بشير الديك يصل إلى نهاية «المغامرة»

قبل أن يطوي عام 2024 صفحته الأخيرة، غَيّب الموت، الثلاثاء، السيناريست المصري بشير الديك عن عمر ناهز 80 عاماً إثر صراع مع المرض شهدته أيامه الأخيرة.

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق المخرجة الأفغانية رويا سادات أثناء حضورها مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي (الشرق الأوسط)

المخرجة رويا سادات: نساء أفغانستان صوت النضال في وجه التحديات

المخرجة الأفغانية رويا سادات، التي أخرجت أعمالاً سينمائية تسلط الضوء على معاناة وطنها، تمثل هذا النموذج الفريد للمرأة الأفغانية التي تحارب من أجل الحرية

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق المخرج خالد منصور مع الكلب «رامبو» (الشركة المنتجة)

«البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو»... يبدأ رحلته التجارية في مصر

يبدأ فيلم «البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو» رحلته التجارية في دور العرض المصرية بدءاً من أول أيام عام 2025، حيث يخوض المنافسة وسط الأفلام.

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق ضمت 20 عملاً موزعة على فئات الرواية والسيناريو والرواية المترجمة (هيئة الترفيه)

الإعلان عن القائمة القصيرة لـ«جائزة القلم الذهبي» للأدب الأكثر تأثيراً

أعلنت هيئة الترفيه السعودية عن القائمة القصيرة للأعمال المنافسة في جائزة القلم الذهبي للأدب الأكثر تأثيراً، وضمت 20 عملاً موزعة على فئات.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق أبطال الفيلم مع المخرج طارق العريان (حساب كريم قاسم على «فيسبوك»)

السينما المصرية في 2024... إيرادات قياسية وولادة مخرجات جديدات

شهدت السينما المصرية أحداثاً وظواهر عدة خلال عام 2024... لكن 3 منها كانت لافتة وجديرة بتسليط الضوء عليها.

انتصار دردير (القاهرة )

شاشة الناقد: تضحيات صحافيين وانتهاكات انظمة

 «موعد مع بُل بوت» (سي د ب)
«موعد مع بُل بوت» (سي د ب)
TT

شاشة الناقد: تضحيات صحافيين وانتهاكات انظمة

 «موعد مع بُل بوت» (سي د ب)
«موعد مع بُل بوت» (سي د ب)

RENDEZ‪-‬VOUS AVEC POL‪-‬POT ★★★

* إخراج: ريثي بَنه (فرنسا/ كمبوديا)

يأتي فيلم «موعد مع بُل بوت» في وقت تكشف فيه الأرقام سقوط أعداد كبيرة من الصحافيين والإعلاميين قتلى خلال تغطياتهم مناطق التوتر والقتال حول العالم. ويُذكّر الفيلم أن الصحافة في تاريخها العريق، دائماً ما وجدت نفسها أمام مسؤوليات وتحديات عديدة. في هذا الفيلم الذي أخرجه ريثي بَنه عن الأحداث التي عصفت في بلاده سنة 1978 اقتباسات عن كتاب الصحافية إليزابيث بَكَر (Becker) وعن تجربتها بصفتها واحدة من 3 صحافيين دُعوا لمقابلة بُل بوت، رئيس وزراء كمبوديا وأحد قادة منظمة «الخمير الحمر» (Khmer Rouge) المتهمة بقتل ما لا يقل عن مليون و500 كمبودي خلال السبعينات. الصحافيان الآخران هما الأميركي ريتشارد دودمان، والأسكوتلندي مالكوم كالدويل.

لا يبدو أن المخرج اتّبع خُطى الكتاب كاملةً بل تدخّل بغايةِ ولوج الموضوع من جانب الحدث الذي وضع حياة الثلاثة في خطر بعدما جاءوا للتحقيق ومقابلة بُل بوت. في الواقع دفع الأميركي حياته ثمناً لخروجه عن جدول الأعمال الرسمي والتقاطه صوراً تكشف عن قتلٍ جماعي. وفي الفيلم لحظة مختصرة لكنها قاسية التأثير عندما يَلقى الصحافي حتفه غرقاً في نهر دُفع إليه.

الفرنسية إيرين جاكوب التي تؤدي شخصية الكاتبة بَكَر تُعايش بدورها الوضع بكل مأساته. تُفصل عن زميلها ولم تعد تعرف عنه شيئاً، وتمر بدورها بتجربة مخيفة لم تكن تعلم إذا ما كانت ستخرج منها حية.

في باطن هذا الفيلم الجيد على تواضع إنتاجه، تُطرح أسئلة فيما إذا كان الصحافي يستطيع أن يقبل التحوّل إلى جزءٍ من البروباغاندا. وهل هو أداة لنقل الرأي الرسمي بغياب حرية التعبير؟ وماذا لو فعل ذلك وماذا لو لم يفعل؟

هو ليس بالفيلم السّهل متابعته من دون معرفة ذلك التاريخ ودلالاته حول العلاقة بين النُّظم الفاشية والإعلام. والحرية التي لا تُمنح لصحافيين محليين هي نفسها التي لا تُمنح كذلك للأجانب ما دام عليهم نقل ما يُقال لهم فقط.

* عروض: موسم الجوائز ومهرجان «آسيا وورلد فيلم فيستيڤال».

‪THE‬ WRESTLE‪R‬ ★★

* إخراج: إقبال حسين شودهوري (بنغلاديش).

يقترب الرجل المسن موجو (ناصر أودين خان) وسط أشجار ليست بعيدة عن شاطئ البحر وينتقل من واحدة لأخرى ماداً يديه إليها كما لو كان يريد أن يدفعها بعيداً أو أن يُزيحها من مكانها. ومن ثَمّ يتركها ويركض صوب أخرى ليقوم بالفعل نفسه قبل أن يعود إليها. يبعث هذا المشهد على تكراره سخرية غير مقصودة. قد تكون طريقة قديمة لممارسة تمارين المصارعة أو التدريب الوحيد المُتاح في تلك القرية، لكن موجو جادٌ في محاولته لدفع الأشجار إلى الخلف أو تغيير مواقعها، استعداداً لملاقاة مصارع أصغر منه سنّا وأكبر حجماً في المباراة المقبلة.

«المصارع» (أبلبوكس فيلمز)

هناك كثير مما يتأمله المخرج شودهوري بطيئاً قبل تلك المباراة وما بعدها. بعضُ المشاهد لديها نسبة معقولة من الشِّعر الناتج عن تصوير الطبيعة (ماء، أشجار، حياة... إلخ) وبعضها الآخر لا يفضي إلى تقدير خاص. في نصف الساعة الأولى يعكس المخرج شغفاً ما بتصوير شخصياته من الخلف. عندما يتخلى المخرج عن هذه العادة لاحقاً، يستبدل بتلك اللقطات سلسلة من المشاهد البعيدة عن شخصياته في الغالب. هنا يتحسّن تأطير اللقطات على نحوٍ نافع ولو أن شغله على الدراما يبقى غير ذي مكانة.

يطرح الفيلم مشكلة رجلٍ لا يريد الاعتراف بالواقع ويتحدى من هو أكثر قوّة منه. يحقّق طموحه بلقاء المصارع الآخر ويخفق في التغلب عليه. في الواقع يسقط أرضاً مغشياً ومن ثمّ نراه لاحقاً في بيت العائلة قبل أن يعود إلى تلك الأشجار ليصارعها. المخرج (ثاني فيلم له) طموح، لكن أدواته التّعبيرية وإمكانياته التي تفرض نفسها على السيناريو وحجم الفيلم بأسره، محدودة.

* عروض: موسم الجوائز ومهرجان «آسيا وورلد فيلم فيستيڤال».

ONE OF THOSE DAYS WHEN HEMME DIES ★★★

* إخراج: مراد فرات أوغلو (تركيا).

قرب نهاية الفيلم يبدأ الشاب أيوب مراجعة ما مرّ به طوال اليوم. لقد انطلق غاضباً من المُشرِف على العمل عندما شتم أمّه. يعمل أيوب في حقلٍ لتجفيف الطاطم. ويعرف المخرج كيف يوظّف المكان، درامياً (سهل منبطح تحت شمس حامية وصعوبة العمل)، وجمالياً (تلك الثمار المقطوعة إلى نصفين والملقاة فوق شراشف على مد النظر).

«أحد تلك الأيام التي مات فيها هيمي» (مهرجان مراكش)

نقطة الخلاف أن أيوب يُطالب بأتعابه، لكن المُشرف على العمل لم يتقاضَ المال بعد ليدفع له، مما يؤجّج غضب أيوب فينشب شجار بينهما. يركب دراجته النارية وينطلق صوب بلدته. في منزله مسدسٌ سيتسلّح به وفي البال أن يعود لينتقم. معظم الفيلم هو رحلة على الدراجة التي تتعطل مرّتين قبل إصلاحها عند المساء. الأحداث التي تقع على الطريق وفي القرية الصغيرة تُزيّن الموضوع بشخصيات تدخل وتخرج من الحدث الرئيسي الماثل. في أحد هذه الأحداث الثانوية يُساعد أيوب رجلاً عجوزاً اشترى بطيخة ولا يستطيع حملها، فيوصله والبطيخة إلى داره. وفي مشهد آخر يستمع لتوبيخ زوج شقيقته لأنه كان عرض عليه العمل في شركته ورفض. لا يقول لنا الفيلم لماذا رفض ما ينتقص من بنية الموضوع وأسباب عزوف أيوب على تنفيذ وعده لنفسه بالانتقام.

اعتمد المخرج هذين المشهدين وسواهما لملء الوقت الممتد بين عزم أيوب على الانتقام وعزوفه عن ذلك. لكنه هذه المشاهد ضرورية رغم أن الفيلم ينتهي من دون أن يبني حجة دامغة لقرار أيوب النهائي. هذا الفيلم دراما مصوّرة جيداً ومكتوبة بدراية، رغم الهفوات المذكورة.

* عروض حالياً في مهرجان «مراكش»

★ ضعيف | ★★: وسط| ★★★: جيد | ★★★★ جيد جداً | ★★★★★: ممتاز