السيادة الأوروبية والبوصلة الاستراتيجية في اجتماعات بريست

الملف الأوكراني يبقى سيد الموقف أمام وزراء دفاع وخارجية دول التكتل

وزير الخارجية الفرنسي (يسار) ووزيرة الدفاع الفرنسية يتقدمان وزراء الدفاع والخارجية في الاتحاد الأوروبي خلال اجتماع بريست أمس (رويترز)
وزير الخارجية الفرنسي (يسار) ووزيرة الدفاع الفرنسية يتقدمان وزراء الدفاع والخارجية في الاتحاد الأوروبي خلال اجتماع بريست أمس (رويترز)
TT

السيادة الأوروبية والبوصلة الاستراتيجية في اجتماعات بريست

وزير الخارجية الفرنسي (يسار) ووزيرة الدفاع الفرنسية يتقدمان وزراء الدفاع والخارجية في الاتحاد الأوروبي خلال اجتماع بريست أمس (رويترز)
وزير الخارجية الفرنسي (يسار) ووزيرة الدفاع الفرنسية يتقدمان وزراء الدفاع والخارجية في الاتحاد الأوروبي خلال اجتماع بريست أمس (رويترز)

ستة محاور رئيسية شكلت الملفات التي انكب على مناقشتها طيلة يومين وزراء دفاع دول الاتحاد الأوروبي في مدينة بريست الفرنسية المطلة على المحيط الأطلسي. وتتشابك هذه الملفات الدفاعية بملفات السياسة الخارجية للنادي الأوروبي التي يناقشها، من جانبهم، وزراء الخارجية. وعقدت بين المجموعتين اجتماعات مشتركة انضم إليها مسؤول السياسة الخارجية والدفاع جوزيب بوريل وأمين عام الحلف الأطلسي يان ستولتنبرغ ومسؤولين آخرين من المفوضية الأوروبية والاتحاد الأفريقي. وبما أن باريس تريد أن تستفيد من رئاستها لدفع مفهوم السيادة الأوروبية والاستقلالية الاستراتيجية، فإن الملف الرئيسي والمشترك بين الجانبين كان النظر في نص مشروع «البوصلة الاستراتيجية» التي أعدها بوريل من أجل تنقيحها ورفعها إلى رؤساء الدول والحكومات الأوروبية لإقرارها في قمتهم المرتقبة في شهر مارس (آذار) القادم. وكتبت وزيرة الدفاع الفرنسية في تقديمها للاجتماع أنه «حان الوقت لأوروبا أن تتحمل مسؤولياتها، إذ إنها قوة تجهل نفسها والحال أننا نريد أوروبا قادرة على الكلام بصوت واحد وأن تروج لقيمها وأن تدافع عن مصالحها في أي مكان في العالم وأن تكون قادرة في الدفاع عن مواطنيها».
واعتبرت فلورانس بارلي «البوصلة الاستراتيجية» بمثابة «الكتاب الأبيض» الذي يرسم السياسة الدفاعية لأوروبا حتى عام 2030. وتتناول المحاور الستة كيفية تعزيز الدفاع الأوروبي المشترك وبناء صناعات دفاعية قوية، وبالتالي فإنها شكلت البند الرئيسي الذي تمت مناقشته داخل كل مجموعة على حدى والمجموعتين الوزاريتين معاً. وبحسب بارلي، فإن المحاور الستة، إضافة إلى البوصلة المذكورة، تتناول العمل للقيام بعمليات دفاعية مشتركة وتعزيز الشراكة مع الحلف الأطلسي والدفع باتجاه التطوير التكنولوجي الذي يشكل مفتاح التفوق الميداني وتوفير إمكانيات دفاعية مشتركة كالمسيرات والنقل الجوي الاستراتيجي.
ومن جانبه، كتب وزير الخارجية جان إيف لو دريان أن الأولوية السياسية لبلاده من رئاسة الاتحاد تكمن في «مواجهة تحدي توفير الإمكانيات والأدوات الضرورية لتكون أوروبا حرة في قرارها وتعزيز سيادتها في عالم يعرف تهديدات خطيرة» بحيث ينبع ذلك من رؤية استراتيجية موحدة للتهديدات من منظور أوروبي.
ويناقش وزراء الخارجية ملفات إضافية أولها سياسة الاتحاد تجاه شرق أوروبا ما يشمل روسيا وأوكرانيا وبيلاروسيا وتعزيز الشراكة مع الاتحاد الأفريقي والعمل على رسم سياسة متوازنة إزاء الصين. يضاف إلى ذلك الملفات التي تفرض نفسها على الدبلوماسية الدولية مثل النووي الإيراني والإرهاب وليبيا والسودان ومالي.
وفي المؤتمر الصحافي المشترك الذي عقدته وزيرة الدفاع الفرنسية والمسؤول الأوروبي، احتل الملف الأوكراني الأولوية إذ جاءت اجتماعات بريست مباشرة عقب اجتماع الحلف الأطلسي - روسيا أول من أمس في بروكسل وبالتزامن مع الاجتماع الذي جرى في فيينا أمس في إطار منظمة الأمن والتعاون في أوروبا.
وما حرص بارلي وبوريل على تأكيده في الموضوع الأوكراني والمطالب الروسية من الحلف الأطلسي يكمن في نقطتين رئيسيتين: الأولى، التأكيد على وحدة الموقف الأوروبي - الأطلسي من الطروحات الروسية التي عنوانها الرفض المطلق لها، والثانية إبراز التناغم بين الأوروبيين لجهة كيفية التعامل مع موسكو. وبخصوص النقطة الأولى، بدد بوريل بشكل قطعي أي سوء تفاهم بين الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي على خلفية القلق الذي عبرت عنه بعض العواصم من «تغييب» أوروبا عن المحادثات الأميركية - الروسية التي جرت في جنيف والتي تتناول الأمن في القارة القديمة، مؤكداً أنه كان على اطلاع مسبق على الموقف الأميركي وكان على تواصل مع الوزير أنتوني بلينيكن كما أن نائبته ويندي شيرمان حضرت إلى بروكسل لاطلاع الأوروبيين مباشرة على تفاصيل لقائها مع نظيرها الروسي. وقال بوريل ما حرفيته: «هناك اتصال وتنسيق مستمر ودائم مع الولايات المتحدة ولدينا ضمان بأنه لن يتم الاتفاق على شيء بشأن الأمن الأوروبي، بدون تنسيق ومشاركة فعالة من جانب الأوروبيين».
أما بخصوص أوكرانيا تحديداً، فقد كرر بوريل الذي زار كييف الأسبوع الماضي، «رفض الأوروبيين التفاوض مع الطرف الروسي في ظل التهديد العسكري» الذي يمثله نشر عشرات الآلاف من القوات الروسية مع معداتها قريباً من الحدود الأوكرانية. وفي توصيفه للمطالب الروسية التي أصبحت معروفة «منع أوكرانيا وفنلندا والسويد وجيورجيا من الانضمام إلى الحلف الأطلسي وسحب القوات الأطلسية من الدول التي كانت تنتمي إلى حلف وراسو...»، قال بوريل: «لا أريد أن يقال إن دولة تتمتع بالسيادة ليست مؤهلة لاتخاذ عدد من القرارات (مثل الانضمام إلى الأطلسي)»، مضيفاً أن طلبات كهذه «لا يمكننا قبولها كأوروبيين». ومن جانبها، قالت باريس إن «الحوار (مع روسيا) هو الوسيلة الوحيدة لخفض التوترات». والحال أن مسؤولين من الروس اعتبروا أن لا فائدة من عقد اجتماعات جديدة مع الغربيين بسبب الخلافات العميقة بين الطرفين إزاء المطالب الروسية. وتجدر الإشارة إلى أن الأوروبيين نبهوا من أي اعتداء روسي على أوكرانيا سيواجه بفرض عقوبات «قاسية» ما يتطابق مع الموقف الأميركي والأطلسي. واللافت أن كل الأطراف تراهن على القيمة الردعية للعقوبات لثني روسيا عن القيام بمغامرة عسكرية في أوكرانيا. وإذا كانت تشير لمساعدة كييف بتوفير المعدات العسكرية والتدريب، فإنها استبعدت منذ اليوم الأول التدخل العسكري المباشر. ومن جانبها، أعلنت وزيرة الدفاع الألمانية أنالينا بايربوك من بريست أن الأوروبيين، رغم خلافاتهم السابقة بشأن كيفية التعاطي مع موسكو، «فإن مواقفهم توحدت في الأسابيع الأخيرة والأيام الأخيرة وأنهم يدفعون في الاتجاه نفسه». وتواجه برلين صعوبة في كيفية التعاطي مع موسكو إذ تتعرض لضغوط من داخل الاتحاد الأوروبي لوقف «مشروع نورد ستريم 2» الذي انتهت أعماله لكنه لم يبدأ بعد تشغيله.
واحتل موضوع مالي حيزاً مهماً في مناقشات الأوروبيين على خلفية التطورات الأخيرة المتأتية عن العقوبات الإضافية التي أقرتها منظمة التعاون الاقتصادي لبلدان غرب أفريقيا التي فرضت ما يشبه العزلة التامة على السلطات المالية المنبثقة عن انقلابين عسكريين. ومصدر القلق الأوروبي وأوله الفرنسي مزدوج: إخلال باماكو بوعد إجراء الانتخابات العامة ونقل السلطات إلى حكومة مدنية واستقدام ميليشيات مجموعة فاغنير المرتبطة بروسيا التي يرى فيها الأوروبيون تهديداً لمصالحهم في أفريقيا. وتشعر باريس بالحرج إذ إنها تدخلت عسكرياً في مالي في عام 2013 لمنع سيطرة المسلحين والانفصاليين على العاصمة المالية وهي منخرطة في دور عسكري لمحاربة الإرهاب في منطقة الساحل وخصوا في مالي منذ عام 2014. وبعد أن هددت مراراً بسحب قواتها في حال استقدمت ميليشيات فاغنير، إلا أنها عدلت موقفها في الأسابيع الأخيرة.
وقال بوريل إن الأوروبيين «يرغبون في البقاء في مالي ولكن ليس بأي ثمن». وذكر بأن بروكسل جمدت المساعدة المالية التي كانت توفرها لباماكو لكنها مستمرة في توفير الدعم العسكري كـ«تدريب وإرشادات» للقوات المسلحة والأمنية المالية.
وفي باب الدفاع عن المصالح الأوروبية وبعد النكسة التي أصابت مصالح باريس بتخلي أستراليا عن صفقة الغواصات وإنشاء تحالف «أوكوس» «الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا»، واستبعاد الاتحاد الأوروبي عنه، شددت بارلي أمس على ضرورة التنسيق بين القوى البحرية الأوروبية ودعت إلى توفير حضور بحري أوروبي مشترك في منطقة شمال غربي المحيط الهندي بدءاً من العام الجاري.
- الكرملين: فرض عقوبات على بوتين سيكون تجاوزاً للحدود
> اعتبر الكرملين الخميس أن فرض عقوبات أميركية على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في حال شنّت روسيا هجوماً على أوكرانيا، سيكون «تجاوزاً للحدود»، غداة تقديم أعضاء ديمقراطيين في مجلس الشيوخ الأميركي اقتراح قانون ينصّ على ذلك. وقال المتحدث باسم الرئاسة الروسية دميتري بيسكوف إن فرض «عقوبات على رئيس دولة، سيكون إجراء يتجاوز الحدود، وبمثابة قطع العلاقات» بين البلدين، مشيراً إلى أن اقتراح قانون الأعضاء الديمقراطيين في مجلس الشيوخ الأميركي «لا يُسهّل قيام جوّ بنّاء للمحادثات» الجارية بين روسيا والقوى الغربية.



قادة جزر المحيط الهادئ يحذفون الإشارة إلى تايوان من بيانهم بعد شكوى الصين

جانب من منتدى جزر المحيط الهادئ في 30 أغسطس 2024 في نوكوالوفا بتونغا (أ.ف.ب)
جانب من منتدى جزر المحيط الهادئ في 30 أغسطس 2024 في نوكوالوفا بتونغا (أ.ف.ب)
TT

قادة جزر المحيط الهادئ يحذفون الإشارة إلى تايوان من بيانهم بعد شكوى الصين

جانب من منتدى جزر المحيط الهادئ في 30 أغسطس 2024 في نوكوالوفا بتونغا (أ.ف.ب)
جانب من منتدى جزر المحيط الهادئ في 30 أغسطس 2024 في نوكوالوفا بتونغا (أ.ف.ب)

حذف منتدى جزر المحيط الهادئ الإشارة إلى تايوان من بيان صدر بعد اجتماع زعماء دول المنطقة السنوي بعد تلقي شكاوى من مبعوث الصين.

ونددت حكومة تايبيه بتصرفات الصين بوصفها «تدخلاً وقحاً»، حسب وكالة «رويترز» للأنباء.

ويضم التكتل المؤلف من 18 دولة، ثلاثة أعضاء تربطهم علاقات دبلوماسية مع تايوان و15 عضواً يعترفون بالصين، وهي مقرض رئيسي لمشروعات البنية التحتية الأساسية في دول جزر المحيط الهادئ حيث تسعى بكين إلى زيادة وجودها الأمني.

وتعتبر الصين أن تايوان إقليم تابع لها ليس له حق في إقامة علاقات مع الدول، وهو موقف ترفضه بشدة تايوان التي تتمتع بحكم ديمقراطي.

وتضمن بيان صدر أمس (الجمعة) على موقع المنتدى قسماً بعنوان: «العلاقات مع تايوان/جمهورية الصين»، وجاء فيه أن «القادة أكدوا قرار القادة لعام 1992 بشأن العلاقات مع تايوان/جمهورية الصين».

وتم حذف البيان من الموقع الإلكتروني في وقت لاحق مساء أمس بعد رد فعل غاضب من الصين، ونُشرت وثيقة جديدة صباح اليوم (السبت) مع حذف الإشارات إلى تايوان.

وعبّرت وزارة الخارجية التايوانية عن غضبها إزاء تصرفات الصين.

وقالت في بيان: «تندد تايوان بالتدخل الصيني الفظ وغير المعقول والسلوك غير العقلاني الذي يقوض السلام والاستقرار الإقليميين، وتدعو جميع الدول ذات التفكير المماثل إلى الانتباه عن كثب إلى تصرفات الصين». بيد أن الوزارة أشارت إلى أن البيان المشترك كما نُشر لا يقوض موقف تايوان من المنتدى ولا يمنعها من المشاركة به في المستقبل.

وبوصفها شريكاً في المنتدى منذ عام 1993، أرسلت تايوان تيان تشونغ كوانغ نائب وزير خارجيتها إلى تونغا لعقد لقاءات مع حلفائها الثلاثة في المحيط الهادئ بالاو وتوفالو وجزر مارشال.

وذكرت هيئة الإذاعة الأسترالية وصحيفة «نيكي» أن المبعوث الصيني الخاص إلى جزر المحيط الهادئ تشيان بو رد بغضب أمس (الجمعة)، قائلاً للصحافيين في تونغا إن الإشارة إلى تايوان في البيان «كانت بالتأكيد خطأ».

وأظهر موقع السفارة الصينية على الإنترنت أن تشيان مارس ضغوطاً الأسبوع الماضي من أجل استبعاد تايوان من الفعاليات الرسمية للمنتدى.

وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية لين جيان في إفادة صحافية دورية في بكين أمس: «أي محاولة من سلطات تايوان لتعزيز شعورها بالوجود، من خلال حضور المنتدى، ليست سوى خداع للذات».