مرة أخرى، تدقّ فرنسا ناقوس الخطر وتحذر من المسار البطيء الذي تسلكه مفاوضات فيينا، حول البرنامج النووي الإيراني ومساعي التوصل إلى اتفاق حول كيفية إحياء اتفاق صيف العام 2015، الذي نقضته الولايات المتحدة في ربيع 2018 وانتهكت طهران لاحقاً أبرز بنوده. وبعد 8 جولات من المفاوضات المتقطعة، ما زال الحصاد ضئيلاً، وليس في الأفق ما يدل على قرب تحقيق إنجاز رئيسي، ما يكذب توقعات الدبلوماسيين المفاوضين في فيينا الذين كانوا يأملون في إنجاز المفاوضات نهاية الشهر الحالي، أو بداية الشهر المقبل.
وأول من أمس، لم يتردد وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان، بمناسبة كلمة له أمام البرلمان، في وضع النقاط على الحروف. وبعد أن كان يوم الجمعة الماضي قد اعتبر أن المفاوضات تتقدم على «مسار إيجابي نسبياً» مبدياً «ثقته» لجهة التوصل إلى اتفاق، فإنه أعاد النظر في توقعاته، وتراجع خطوات عن تفاؤله المحسوب. وما قاله لودريان يمكن تلخيصه بـ4 أمور، أولها بطء المفاوضات، وثانيها تأكيده أن الأطراف المفاوضة ما زالت بعيدة عن التوصل إلى اتفاق، وثالثها التحذير من خطورة الوضع، ورابعها التحذير من التقدم الذي أحرزه البرنامج النووي الإيراني.
وجاء في حرفية ما قاله الوزير الفرنسي أن «المناقشات جارية، لكنها بطيئة، بل بطيئة للغاية، وهذا ما يخلق فجوة تهدد فرصة التوصل إلى حل يراعي مصالح جميع الأطراف، وفي إطار زمن واقعي».
ورغم اعتراف لودريان بأن المفاوضات قد حققت بعض التقدم، نهاية شهر ديسمبر (كانون الأول)، فإنه جزم «بأننا ما زلنا بعيدين عن إنجاز تلك المفاوضات». وبالنظر إلى أن الأسابيع والأشهر تمضي من غير اتفاق، فقد رأى أن «الأمر ملحّ وحيوي بسبب تصرفات إيران ومسار برنامجها النووي». موضحاً أن «الوضع خطر، لأن إيران وصلت إلى المرحلة ما قبل الأخيرة» على صعيد تخصيب اليورانيوم بنسبة 90 في المائة، والحصول على القدرة النووية.
ولم ينسَ لو دريان أن يذكّر طهران بواجب «التعاون التام والكامل» مع الوكالة الدولية للطاقة النووية التي تلاقي صعوبات في القيام بالمهمة الموكلة إليها (متابعة البرنامج النووي الإيراني)، وإطلاع أطراف الوكالة والمجتمع الدولي. وتتمثل الصعوبات في منعها من الوصول إلى بعض المواقع، وفي حرمانها من الاطلاع على أشرطة الفيديو للكاميرات المنصوبة في عدد من المنشآت النووية وربط ذلك بالتوصل إلى اتفاق نهائي.
ثمة أمر ما محير في تصريحات لو دريان المتشائمة الأخيرة التي لا تفصلها سوى 4 أيام عن كلامه السابق المتسم بالتفاؤل لجهة إمكانية التوصل إلى اتفاق. وبعد أن اعتبرت طهران أن باريس تقوم بدور «الشرطي السيئ» وأن الأوروبيين لا يلعبون الدور المنتظر منهم في تقديم المقترحات وعدم الالتصاق بالموقف الأميركي، أعطى وزير الخارجية الإيراني أمير حسين عبد اللهيان الأحد الماضي «شهادة حسن سلوك» لباريس التي «توقفت عن لعب دور الشرطي السيئ وأخذت تتصرف بعقلانية».
وأمس، امتنعت مصادر فرنسية عن تفسير التحول في الرؤية الفرنسية، مع التذكير بأن باريس كانت الطرف الأكثر تشدداً في المفاوضات التي أفضت إلى اتفاق العام 2015. وفي غياب معلومات مؤكدة حول تبدل اللهجة الفرنسية، يتم التداول في باريس بعدد من الفرضيات، أولاها شكوك فرنسية لجهة وجود محادثات خارج إطار فيينا بين الجانبين الأميركي والإيراني، في إشارة إلى ما قاله الوزير عبد اللهيان عن دور محتمل لمسقط، أثناء زيارته لعمان، في عملية التفاوض، على غرار الدور الذي قامت به الدبلوماسية العمانية في الماضي. وأكثر من مرة، عبّرت مصادر فرنسية عن «تخوفها» من «ليونة» أميركية لن توصل إلى اتفاق جديد، يسد الثغرات التي شابت الاتفاق السابق، ولا يأخذ بعين الاعتبار مسألتين رئيسيتين إضافيتين، هما برامج طهران الصاروخية الباليستية، وسياستها الإقليمية المزعزعة للاستقرار. وفرضية أخرى أن يكون الطرف الفرنسي قد «تأثر» بالاتصال الهاتفي الذي حصل السبت الماضي بين وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لبيد والرئيس إيمانويل ماكرون بمبادرة من الأول، والذي حثّ فيه باريس على «التشدد» في الملف النووي. أما الفرضية الأخيرة فعنوانها الحديث عن عرض قدّم لطهران لإبرام «اتفاق مرحلي» أو مؤقت لزمن محدود، يتم خلاله التفاوض حول اتفاق جديد دائم.
آخر من تناول «الاتفاق المؤقت» كان أمس النائب وحيد جلال زاده، رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني، الذي نقلت عنه وكالة «إرنا» أن المفاوضين التابعين لمجموعة «4+1» (فرنسا وبريطانيا وروسيا والصين، إضافة إلى ألمانيا) اقترحوا على إيران اتفاقاً من هذا النوع دون الدخول في تفاصيل العرض المقدم. وحتى مساء أمس، لم يصدر عن أي جهة مشاركة في المفاوضات تأكيد لما جاء على لسان المسؤول الإيراني. وقالت «إرنا» إن جلال زاده أشار إلى أن أولوية إيران هي التوصل إلى اتفاق دائم، وإن طهران لن تقبل ولم ترفض العرض الأخير، بل إنه «قيد الدراسة». والمهم في كلام زاده قوله إنه «يجب أن نعترف أن الاتفاق المؤقت لا يضر بقانون الخطوة الاستراتيجية لإلغاء العقوبات وحماية المصاح الوطنية» وأن المقترح المقدم «ليس ما نطمح إليه إلا أنه قيد الدراسة».
وكان النائب يشير إلى قانون أقره البرلمان في ديسمبر (كانون الأول) 2020 ورفعت إيران بموجبه تخصيب اليورانيوم إلى 20 في المائة في يناير (كانون الثاني) و60 في المائة في أبريل (نيسان) العام الماضي، وأوقفت طهران بموجبه العمل بالبروتوكول الإضافي لمعاهدة حظر الانتشار النووي.
ويتناقض هذا القول مع الرفض «القطعي» الذي عبّر عنه الناطق باسم الخارجية الإيرانية سعيد خطيب زاده، يوم الاثنين الماضي، باعتباره «لا يلبي» طموحات طهران. وربما يشير هذا التناقض إلى أن السلطات الإيرانية العليا لم تفصل بين الموقفين، أو أنها تستخدم ذلك كحجة تفاوضية.
حقيقة الأمر أن فكرة الاتفاق المرحلي المؤقت ليست جديدة، بل سبق أن أشار إليها روبرت مالي، المفاوض الأميركي الرئيسي لمجلة أميركية في حديثه عن «البدائل» التي يمكن أن تقوم مقام اتفاق نهائي جديد. وتجدر الإشارة إلى أن مصادر رئاسية فرنسية أشارت عقب قمة الرئيس جو بايدن مع الرئيس ماكرون والمستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل ورئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، على هامش قمة مجموعة السبع في بريطانيا، أن واشنطن «ستطرح مقترحات جديدة، من شأنها تسهيل معاودة المفاوضات». ولم يتحدث أحد بالتفصيل عن مضمون الاتفاق المرحلي. لكن ما تسرب منه أنه يعرض على طهران التخلي عن أنشطة تخصيب اليورانيوم عالي المستوى مقابل رفع بعض العقوبات عنها.
هل سيكون «المؤقت» السبيل لإنقاذ المفاوضات، بعد أن كانت الأطراف كافة، بما فيها الجانب الأميركي، تتحدث عن «تقدم» حصل بشأنها، وإن كان بطيئاً؟ الأمور غير واضحة حتى الآن، بانتظار أن تتكشف تفاصيل العرض، وأن تبان مواقف الدول المعنية منه.
قلق غربي من بطء {فيينا}... وطهران تدرس «اتفاقاً مرحلياً»
وزير الخارجية الفرنسي: وتيرة المناقشات الجارية تحدث فجوة تهدد فرصة التوصل إلى حلّ
قلق غربي من بطء {فيينا}... وطهران تدرس «اتفاقاً مرحلياً»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة