ثوار السودان يؤجلون احتجاجاً «تكتيكياً» في معركة «كر وفر» مع قوات الأمن

جنود ينهبون مقار الأمم المتحدة غرباً... وإغلاق طريق مصر ـ السودان شمالاً

محتجو السودان يستعدون لموكب حاشد اليوم (أ.ف.ب)
محتجو السودان يستعدون لموكب حاشد اليوم (أ.ف.ب)
TT

ثوار السودان يؤجلون احتجاجاً «تكتيكياً» في معركة «كر وفر» مع قوات الأمن

محتجو السودان يستعدون لموكب حاشد اليوم (أ.ف.ب)
محتجو السودان يستعدون لموكب حاشد اليوم (أ.ف.ب)

يعيش السودان أجواءً شديدة الغرابة تشبه ما يدور على «خشبة مسرح شكسبيري»، بين عملية خداع للسلطات الأمنية، وتسوير مقرات عسكرية بالدشم الإسمنتية، وإغلاق جسور تربط مدن الخرطوم، وقوات سلام تنهب ممتلكات الأمم المتحدة، وقطع طريق بري يربط البلاد بمصر، في وقت تفاقم الانفلات السياسي والأمني عقب الانقلاب الذي نفذه قائد الجيش عبد الفتاح البرهان في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
كان الإحباط بادياً على وجوه أفراد القوات الأمنية التي حشدتها السلطات في الخرطوم، أمس، لـ«مواجهة» موكب احتجاجي مناوئ للانقلاب، فأغلقت الجسور بالحاويات التجارية ووضعت المتاريس الإسمنتية، ونشرت السيارات العسكرية المسلحة، وأخلت المدينة من الناس والأنشطة الرسمية والتجارية مثلما كانت تفعل عادة. لكن لجان المقاومة الشعبية فاجأتها بإعلان تأجيل الموكب إلى اليوم.
وكانت لجان المقاومة أعلنت، وفقاً لجدول احتجاجات لشهر يناير (كانون الثاني) الحالي، أمس، موعدا لموكب احتجاجي، لكنها ألغته في الساعات الأولى من الصباح. وقالت إن الموكب كان «خدعة» الهدف منها إرباك عمل السلطات العسكرية. وأعلنت عن موكب بديل، اليوم الخميس. وقالت تنسيقات لجان الخرطوم في بيان: «الفعل الثوري يتخذ أشكالاً عديدة، تجتمع كلها في الهدف النهائي، وهو إسقاط الانقلاب العسكري وتصفية أركانه».
وأوضحت التنسيقيات في البيان أن الشعب في «حالة حرب مع قوات الاحتلال وميليشيات الانقلاب»، واعتبرت تأجيل موكب أمس خدعة... و«الحرب خدعة».
وسارعت السلطات العسكرية إلى إغلاق جسري النيل الأزرق والنيل الأبيض، وجسر المك نمر الذي ظل مغلقاً منذ موكب 9 يناير (كانون الثاني) الماضي. ونشرت قوات عسكرية كبيرة، فيما خلا وسط الخرطوم من الناس وأغلقت المؤسسات الرسمية والخاصة أبوابها، قبل أن تسارع السلطات إلى إعادة فتح الطرق والجسور بعد منتصف نهار أمس. في هذه الأثناء، شهدت ولاية شمال دارفور عمليات نهب وسرقة واسعة لممتلكات بعثة الأمم المتحدة لحفظ السلام في دارفور (يوناميد) للمرة الثانية خلال أيام، على الرغم من حراستها من قبل ما يطلق عليها «القوات المشتركة». وقال والي الولاية نمر محمد عبد الرحمن في تسجيل صوتي نشرته صحيفة «دارفور 24» إن «القوات المكلفة بحماية مقر ومكاتب البعثة الأممية لحفظ السلام في دارفور، نهبت الممتلكات والسيارات، وإن كل فرد من أفراد تلك القوة سيطر على عربة لصالحه».
وتتكون «القوات المشتركة» من الجيش والدعم السريع وحركات مسلحة موقعة على اتفاق السلام، بينها حركة العدل والمساواة وحركة تحرير السودان.
وقال نمر إن قوات الحركات المسلحة الموقعة على اتفاق السلام، تسببت بإنفلات الأمن في الولاية، وناشد رؤساء هذه الحركات، الذين يشغلون مناصب كبيرة في الدولة ومنهم وزير المالية وأعضاء في مجلس السيادة، وحاكم الإقليم، التدخل لضبط الأمور لكنهم لم يستجيبوا لمناشدته. وأضاف: «القوات الموجودة قوة المهام الخاصة المكونة من الجيش والدعم السريع، وحركة تحرير السودان (المجلس الانتقالي) بقيادة عضو مجلس السيادة الهادي إدريس، وحركة قوى تجمع تحرير السودان برئاسة عضو مجلس السيادة الطاهر حجر، وحركة العدل والمساواة برئاسة وزير المالية جبريل إبراهيم، وحركة العدل والمساواة برئاسة حاكم إقليم دارفور مني أركو مناوي، وحركات أخرى»، هي التي مارست عمليات النهب تحت السلاح للممتلكات التي كان من المقرر أن تؤول للمجتمعات المحلية بعد نهاية مهمة البعثة.
وأوضح نمر أن قادة تلك القوات لا يسيطرون على قواتهم، وأنه اضطر للطلب من مجلس السيادة الانتقالي إخراج تلك القوات من مدينة الفاشر حاضرة الإقليم. وأضاف: «طلبت من مجلس السيادة التدخل لحسم قوات حركات الكفاح المسلح بشمال دارفور». وتقدر المنهوبات بعشرات ملايين الدولارات.
من جهة ثانية، قطع مواطنون غاضبون الطريق البري الرابط بين شمال البلاد ووسطها، وبين السودان ومصر، احتجاجاً على الزيادات الكبيرة في أسعار الكهرباء التي قررتها وزارة المالية ابتداء من التاسع من الشهر الحالي، وأمهلوا السلطات 48 ساعة لإلغاء هذه الزيادات، وهددوا بإغلاق «سد مروي» الذي يولد نسبة مقدرة من الكهرباء لجميع أنحاء البلاد، ووقف التوليد نهائياً.
وقال المحتجون وهم مزارعون تضررت مزارعهم من رفع تعريفة الكهرباء إن الزيادة المهولة في تكلفة الكهرباء تعرض الموسم الزراعي الشتوي للفشل، وتلحق بهم خسائر فادحة. وفي وقت لاحق أصدر مجلس السيادة قرارا بتجميد الزيادة في تعريفة الكهرباء، استجابة لمطالب المحتجين.
واحتجز المحتجون مئات الشاحنات المصرية الذاهبة إلى الخرطوم وتلك القادمة منها باتجاه مصر ومنعوها العبور، وهي تقل مواد غذائية ومواد بناء وغيرها من الصادرات المصرية، فيما تحمل القادمة من السودان إلى مصر محاصيل زراعية وحيوانات الذبيح، وغيرها من الصادرات السودانية إلى مصر.
وأرجع وزير المالية جبريل إبراهيم قراره برفع تعريفة الكهرباء التي أدت لإغلاق الطريق البري، إلى أن الكهرباء سلعة صفوية لا يستخدمها 60 في المائة من السودانيين، وأن الدعم كان يوجه للأربعين في المائة الذين يستخدمون الكهرباء لذلك يذهب الدعم لهم، وقال: «إنك تدعم من يملكون نحو 14 مكيفا في البيت يتركونها وهي تعمل حتى وهم في عملهم»، لذلك قرر رفع الدعم.
وضاعفت وزارة المالية تعريفة الكهرباء ابتداء من الشهر الحالي بنسبة تزيد على 500 بالمائة، وهي زيادة ينتظر أن تلحق أضرارا كبيرة بالزراعة والصناعة، وعلى المستهلكين في المنازل، بما لا يتناسب مع دخولهم التي تآكلت بفعل تراجع سعر العملة المحلية.



السيسي: الربط الكهربائي مع السعودية نموذج للتعاون الإقليمي

اجتماع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مع مدبولي ووزيري الكهرباء والبترول (الرئاسة المصرية)
اجتماع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مع مدبولي ووزيري الكهرباء والبترول (الرئاسة المصرية)
TT

السيسي: الربط الكهربائي مع السعودية نموذج للتعاون الإقليمي

اجتماع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مع مدبولي ووزيري الكهرباء والبترول (الرئاسة المصرية)
اجتماع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مع مدبولي ووزيري الكهرباء والبترول (الرئاسة المصرية)

أكد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أن مشروع الربط الكهربائي مع المملكة العربية السعودية نموذج لتكامل التعاون في مجال الطاقة على المستوى الإقليمي، وبين مصر والمملكة خصيصاً. وأضاف: «كما يعد المشروع نموذجاً يحتذى به في تنفيذ مشروعات مماثلة مستقبلاً للربط الكهربائي»، موجهاً بإجراء متابعة دقيقة لكافة تفاصيل مشروع الربط الكهربائي مع السعودية.

جاءت تأكيدات السيسي خلال اجتماع مع رئيس مجلس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، ووزيري الكهرباء والطاقة المتجددة، محمود عصمت، والبترول والثروة المعدنية، كريم بدوي. وحسب إفادة لـ«الرئاسة المصرية»، الأحد، تناول الاجتماع الموقف الخاص بمشروعات الربط الكهربائي بين مصر والسعودية، في ظل ما تكتسبه مثل تلك المشروعات من أهمية لتعزيز فاعلية الشبكات الكهربائية ودعم استقرارها، والاستفادة من قدرات التوليد المتاحة خلال فترات ذروة الأحمال الكهربائية.

وكانت مصر والسعودية قد وقعتا اتفاق تعاون لإنشاء مشروع الربط الكهربائي في عام 2012، بتكلفة مليار و800 مليون دولار، يخصّ الجانب المصري منها 600 مليون دولار (الدولار يساوي 49.65 جنيه في البنوك المصرية). وقال رئيس مجلس الوزراء المصري، خلال اجتماع للحكومة، منتصف أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، إن خط الربط الكهربائي بين مصر والسعودية سيدخل الخدمة في مايو (أيار) أو يونيو (حزيران) المقبلين. وأضاف أنه من المقرر أن تكون قدرة المرحلة الأولى 1500 ميغاواط.

ويعد المشروع الأول من نوعه لتبادل تيار الجهد العالي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، من مدينة بدر في مصر إلى المدينة المنورة مروراً بمدينة تبوك في السعودية. كما أكد مدبولي، في تصريحات، نهاية الشهر الماضي، أن مشروع الربط الكهربائي مع السعودية، الذي يستهدف إنتاج 3000 ميغاواط من الكهرباء على مرحلتين، يعد أبرز ما توصلت إليه بلاده في مجال الطاقة.

وزير الطاقة السعودي يتوسط وزيري الكهرباء والبترول المصريين في الرياض يوليو الماضي (الشرق الأوسط)

فريق عمل

وفي يوليو (تموز) الماضي، قال وزير الكهرباء والطاقة المتجددة المصري، خلال لقائه وزير الطاقة السعودي، الأمير عبد العزيز بن سلمان، في الرياض، إن «هناك جهوداً كبيرة من جميع الأطراف للانتهاء من مشروع الربط الكهربائي المصري - السعودي، وبدء التشغيل والربط على الشبكة الموحدة قبل بداية فصل الصيف المقبل، وفي سبيل تحقيق ذلك فإن هناك فريق عمل تم تشكيله لإنهاء أي مشكلة أو عقبة قد تطرأ».

وأوضحت وزارة الكهرباء المصرية حينها أن اللقاء الذي حضره أيضاً وزير البترول المصري ناقش عدة جوانب، من بينها مشروع الربط الكهربائي بين شبكتي الكهرباء في البلدين بهدف التبادل المشترك للطاقة في إطار الاستفادة من اختلاف أوقات الذروة وزيادة الأحمال في الدولتين، وكذلك تعظيم العوائد وحسن إدارة واستخدام الفائض الكهربائي وزيادة استقرار الشبكة الكهربائية في مصر والسعودية.

ووفق المتحدث الرسمي باسم الرئاسة المصرية، محمد الشناوي، الأحد، فإن اجتماع السيسي مع مدبولي ووزيري الكهرباء والبترول تضمن متابعة مستجدات الموقف التنفيذي لمحطة «الضبعة النووية»، في ظل ما يمثله المشروع من أهمية قصوى لعملية التنمية الشاملة بمصر، خصوصاً مع تبنى الدولة استراتيجية متكاملة ومستدامة للطاقة تهدف إلى تنويع مصادرها من الطاقة المتجددة والجديدة، بما يسهم في تحسين جودة الخدمات المقدمة للمواطنين.

وأكد السيسي أهمية العمل على ضمان سرعة التنفيذ الفعال لمشروعات الطاقة المختلفة باعتبارها ركيزة ومحركاً أساسياً للتنمية في مصر، مشدداً على أهمية الالتزام بتنفيذ الأعمال في محطة «الضبعة النووية» وفقاً للخطة الزمنية المُحددة، مع ضمان أعلى درجات الكفاءة في التنفيذ، فضلاً عن الالتزام بأفضل مستوى من التدريب وتأهيل الكوادر البشرية للتشغيل والصيانة.

وتضم محطة الضبعة، التي تقام شمال مصر، 4 مفاعلات نووية، بقدرة إجمالية تبلغ 4800 ميغاوات، بواقع 1200 ميغاوات لكل مفاعل. ومن المقرّر أن يبدأ تشغيل المفاعل النووي الأول عام 2028، ثم تشغيل المفاعلات الأخرى تباعاً.

جانب من اجتماع حكومي سابق برئاسة مصطفى مدبولي (مجلس الوزراء المصري)

تنويع مصادر الطاقة

وتعهدت الحكومة المصرية في وقت سابق بـ«تنفيذ التزاماتها الخاصة بالمشروع لإنجازه وفق مخططه الزمني»، وتستهدف مصر من المشروع تنويع مصادرها من الطاقة، وإنتاج الكهرباء، لسد العجز في الاستهلاك المحلي، وتوفير قيمة واردات الغاز والطاقة المستهلكة في تشغيل المحطات الكهربائية.

وعانت مصر من أزمة انقطاع للكهرباء خلال أشهر الصيف، توقفت في نهاية يوليو الماضي بعد توفير الوقود اللازم لتشغيل المحطات الكهربائية. واطلع السيسي خلال الاجتماع، الأحد، على خطة العمل الحكومية لضمان توفير احتياجات قطاع الكهرباء من المنتجات البترولية، وانتظام ضخ إمدادات الغاز للشبكة القومية للكهرباء، بما يحقق استدامة واستقرار التغذية الكهربائية على مستوى الجمهورية وخفض الفاقد.

ووجه بتكثيف الجهود الحكومية لتعزيز فرص جذب الاستثمارات لقطاع الطاقة، وتطوير منظومة إدارة وتشغيل الشبكة القومية للغاز، بما يضمن استدامة الإمدادات للشبكة القومية للكهرباء والقطاعات الصناعية والخدمية، وبتكثيف العمل بالمشروعات الجاري تنفيذها في مجال الطاقة المتجددة، بهدف تنويع مصادر إمدادات الطاقة، وإضافة قدرات جديدة للشبكة الكهربائية، بالإضافة إلى تطوير الشبكة من خلال العمل بأحدث التقنيات لاستيعاب ونقل الطاقة بأعلى كفاءة وأقل فقد.