مكان تصوير «لورانس العرب» في إسبانيا يتحول إلى فندق للأشباح

سافر ديفيد لين إلى مقاطعة ألميريا الجنوبية النائية في إسبانيا لتصوير فيلمه الحائز على جائزة الأوسكار «لورانس العرب».
عن ذلك الأمر، قال بيتر بيل، الذي كان عدّاءً شاباً شارك في موقع التصوير: «جرى اختيار هذا الموقع لأنّه في الحقيقة كان مجرد صحراء جرداء تطل على بحر رائع». وشيد طاقم الفيلم نسخة طبق الأصل باستخدام الخشب الرقائقي لمدينة العقبة الساحلية المطلَّة على البحر الأحمر، في قاع نهر جاف يؤدي إلى شاطئ ألغاروبيكو، الذي كان مكاناً مؤقتاً للورانس وقواته، حيث رابطوا على ظهور الخيل.
على امتداد العقود التالية، تبدل شكل كثير من الأجزاء الأخرى من الساحل الإسباني، وأصبح من الصعب التعرف عليها، في ظل أعمال بناء وتشييد ضخمة بهدف جذب السياح ودولاراتهم. وبذلك، تكاثرت مدن المنتجعات، وتغلبت مراسي اليخوت على موانئ الصيد، وأصبحت ملاعب الغولف المساحات الخضراء المفضلة لجذب الزوار الأجانب، بمن في ذلك كثير من المتقاعدين من شمال أوروبا.
إلا أنّه حتى في ظل تحولات طرأت على ألميريا نفسها بسبب نمط الزراعة المعروف باسم الزراعة المحمية، فإنّ كثيراً من أراضيها ظلَّت نقية ووعرة وجافة ومليئة بالرياح، واستضافت القليل من أطقم الأفلام التي يحتل أدوار البطولة فيها نجوم أمثال كلينت إيستوود، وأورسون ويلز، ويول برينر، وجاك نيكلسون، لما تحويه من تضاريس خلابة جديرة بمغامراتهم السينمائية. ورغم ذلك، حتى يومنا هذا، لا يزال الوصول إلى ألمريا ينطوي على صعوبة نسبية، وغير متصلة بشبكة السكك الحديدية عالية السرعة التي تتقاطع مع بقية أرجاء إسبانيا.
وأيضاً لم تختفِ السياحة الجماعية من ألمريا تماماً، ويهيمن الآن على الشاطئ الذي شيدت فيه منذ سنوات مدينة العقبة السينمائية مشروع متناقض بنفس القدر، لكنه أكثر استدامة على نحو لافت، وأقل نجاحاً: فندق مكون من 21 طابقاً جرى التخلي عنه في وقت لاحق في لحظة كان المشروع على وشك الانتهاء منذ ما يقرب من عقدين. مع وجود ثلاث رافعات إنشائية لا تزال تحوم في الأعلى، يقف الفندق المهجور غير مستخدم وغير قابل للاستخدام في وسط واحدة من أكبر المحميات الطبيعية في جنوب أوروبا، محمية كابو دي غاتا نيجار الطبيعية.
وتدور التساؤلات التي تفرض نفسها على المكان اليوم، حول كيف يمكن إنجاز بناء الفندق أو ما يجب فعله مع جثته الخرسانية العملاقة الذي ظل محور معركة قضائية استمرت 15 عاماً. معركة تحولت بمرور الوقت إلى اختبار أساسي لمعرفة ما إذا كان باستطاعة إسبانيا تشجيع تنمية أكثر استدامة بقطاع السياحة الذي لطالما شكل قاطرة قوية يقوم عليه الاقتصاد الإسباني. وتؤكد ملحمة ألغاروبيكو على مشكلة خطيرة أخرى في إسبانيا، وفي أي مكان آخر، حيث تعمل العقارات كمحرك اقتصادي، تدور حول فكرة أنه عندما يتعلق الأمر بجهود تيسير السياحة، تتعرض الطبيعة لأضرار تفوق ما تشهده من إصلاحات.
في هذا الصدد، قالت بيلار ماركوس، عالمة الأحياء المعنية بإدارة مشروعات التنوع البيولوجي الإسبانية لدى منظمة «غرينبيس»، منظمة بيئية غير حكومية: «يمثل استمرار وجود فندق ألغاروبيكو في حد ذاته لغزاً، لكن للأسف الحقيقة أنّ هذه ليست حالة منعزلة، وإنما هناك كثير من مثل هذه الحالات على امتداد الساحل الإسباني. لقد جرى تجاهل القوانين مراراً وتكراراً بحثاً عن المكسب المادي».
من ناحية أخرى، يتسم تاريخ الفندق بالتعقيد، إلا أنّ فهم الجدول الزمني يمكن أن يساعد في شرح كيف يمكن أن يحدث خطأ في مشروع سياحي عندما يغيب التوافق بين المصالح السياسية والمالية والبيئية.
عام 1987، أُعلنت غابو دي غاتا متنزهاً طبيعياً. وتغطي الحديقة ما يقرب من 150 ميلاً مربعاً من أراضٍ بركانية، تتضمن سهولاً مفتوحة وتلالاً شجرية وخلجاناً. كما تتضمن المنطقة عدداً قليلاً من قرى الصيد الموجودة ومستوطنات سابقة مرتبطة بمجال التعدين. وعندما شُيّد المتنزه، أعادت بلدية كاربونيس المحلية تسمية جزء من المنطقة المحمية باعتبارها أرضاً صالحة للبناء عليها. وفي نهاية الأمر، اشترتها شركة «أزاتا للتطوير العقاري» في إسبانيا، التي حصلت بعد ذلك على تصريح لبناء فندق على شاطئ البحر عام 2003، بينما المباني الأخرى الوحيدة المجاورة، فهي منازل خاصة بُنيت قبل إنشاء المتنزه.
وبحجة بناء الفندق، انتُهك وضع الحماية الذي يتمتع به المتنزه، الأمر الذي دفع النشطاء المعنيين بالبيئة للجوء إلى القضاء، وحصلوا على حكم قضائي يقضي بتجميد المشروع عام 2006، في وقت كان بناء الفندق بمراحله الأخيرة.
وأعقب ذلك معركة قضائية استمرت عشر سنوات، إلى أن قضت المحكمة العليا الإسبانية، بعد عدة استئنافات، بأنّ الفندق ينتهك قوانين حماية المتنزه.
بعد ذلك، بدأت معركة قضائية جديدة حول مَن يتعين أن يتحمل مسؤولية هدم الفندق، ومن يجب أن يدفع تكاليف إعادة تأهيل المناظر الطبيعية المحيطة به.
وعلى امتداد نظر القضية أمام المحاكم، صدر بشأنها أكثر من 20 حكماً منفصلاً، في الوقت الذي ظلت حالة الفندق في تردٍّ. اليوم، تقف الواجهة البيضاء للفندق مشوهة بكتابات على الجدران، وواحدة من النوافذ المطلة على الخليج عليها كلمة «هدم» باللغة الإسبانية مرسومة بأحرف زرقاء كبيرة.
وعلى عكس ما جرى تشييده من هياكل مؤقتة من أجل الأفلام فيما مضى، التي فُككت بسرعة بمساعدة القرويين المحليين، لا تبدو في الأفق نهاية واضحة للفندق الكارثي. وفي أحدث تطور على هذا الصعيد، قضت أعلى محكمة إقليمية في الأندلس، يوليو (تموز)، بأنه ليس من الضروري تدمير الفندق، لأن «أزاتا»، شركة التطوير العقاري، لديها رخصة بناء سارية. أما الشركة من جانبها، فلم تردَّ على طلب تقدمنا به إليها للحصول على تعليق.

* خدمة «نيويورك تايمز»