تجدد الاحتجاجات في السودان عشية الوساطة الأممية

الأطباء يرفضون الاعتداءات على المرافق الصحية

جانب من الاحتجاج في الخرطوم أمس (إ.ب.أ)
جانب من الاحتجاج في الخرطوم أمس (إ.ب.أ)
TT

تجدد الاحتجاجات في السودان عشية الوساطة الأممية

جانب من الاحتجاج في الخرطوم أمس (إ.ب.أ)
جانب من الاحتجاج في الخرطوم أمس (إ.ب.أ)

تجددت الاحتجاجات الشعبية الواسعة في السودان أمس، عشية بدء وساطة تتولاها بعثة الأمم المتحدة «يونيتامس» في الخرطوم لحل الأزمة السياسية في البلاد. وقُتل شخصان في احتجاجات الخرطوم، أحدهما جراء إصابة مباشرة بعبوة غاز مسيل للدموع أطلقتها السلطات الأمنية في مظاهرات أمس (الأحد)، أودت بحياته على الفور، فيما توفي مصاب آخر من مواكب الأسبوع الماضي متأثراً بإصابته برصاصة في العنق، ليبلغ بذلك عدد القتلى الإجمالي 62 شخصاً منذ تولي قائد الجيش الفريق عبد الفتاح البرهان السلطة في 25 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
ونشرت السلطات الأمنية قوات كبيرة وسط العاصمة الخرطوم، أمس، للحيلولة دون وصول المحتجين إلى القصر الرئاسي الذي أصبح وجهتهم خلال المسيرات الاحتجاجية المتكررة. وأخلت الشرطة مركز المدينة من الأنشطة التجارية والترفيهية والمكاتب الحكومية، ووضعت كثيراً من الحواجز لوقف اقتراب المحتجين من القصر، عوضاً عن نشر أعداد كبيرة من قوات مشتركة من الجيش والشرطة وقوات «الدعم السريع»، التي استخدمت قنابل الغاز لتفريق المتظاهرين.
وعلى خلاف العادة، لم تقطع السلطات خدمة الاتصالات والإنترنت، وأبقت على بعض الجسور الرابطة بين مدن العاصمة الثلاث مفتوحة، فيما أغلقت الطرقات الرئيسة المؤدية إلى القصر الجمهوري ومقر القيادة العامة للجيش.
وكانت الأمم المتحدة قد أعلنت مساء أول من أمس، في بيان، أن ممثلها في السودان فولكر بيرتس سيطلق اليوم (الاثنين) رسمياً «المشاورات الأولية لعملية سياسية بين الأطراف السودانية، تتولى الأمم المتحدة تيسيرها بهدف التوصل إلى اتفاق للخروج من الأزمة الراهنة».
وذكرت تقارير طبية أن أحد المحتجين قتل أمس إثر إصابته بعبوة غاز مسيل للدموع في العنق مباشرة، ما أودى بحياته على الفور بمدينة الخرطوم بحري، وهو أحد محتجي أم درمان الذين عبروا الجسر إلى الخرطوم بحري لدعم احتجاجات المدينة، والعبور إلى القصر الرئاسي. وقالت لجنة أطباء السودان المركزية، وهي لجنة طبية مهنية، إن «روح الشهيد علي حب الدين ارتقت إثر إصابته بعبوة غاز مسيل للدموع في العنق، من قبل السلطات الانقلابية»، وإن الطفل «علاء الدين عادل» البالغ من العمر 17 عاماً توفي أمس متأثراً بإصابته برصاصة في العنق إصابته في موكب 6 يناير (كانون الثاني) الماضي بأم درمان، فيما أصيب أحد المحتجين برصاص في الساق بمدينة الخرطوم بحري.
ودرجت السلطات الأمنية على إطلاق عبوات الغاز المسيل للدموع بكثافة ومباشرة إلى أجساد المحتجين، ما يجعل منها أداة قتل وإحداث إصابات خطيرة، هذا بجانب استخدام طائرات الدرون لإلقاء قنابل الغاز والقنابل الصوتية على المحتجين، وإطلاق الرصاص المطاطي والرصاص الحي عليهم بصورة عشوائية، ما زاد من حصيلة القتلى.
من جانبه، استهل «الجيش الأبيض» المواكب المليونية التي خرجت للتنديد بالانقلاب العسكري، والمطالبة بحكومة مدنية كاملة، ووقف قتل المحتجين السلميين والاعتداء على المستشفيات والكوادر الطبية، وشارك مئات منهم في موكب، سلم مذكرة احتجاج للمفوض السامي لحقوق الإنسان، قبل أن يلتحقوا بالموكب الرئيسي الذي تجمع جنوب الخرطوم، ليتجه نحو القصر الرئاسي وسط العاصمة.
وأطلقت القوات العسكرية الغاز المسيل للدموع على المحتجين عند مدخل شارع القصر، ودارت معارك كر وفر تواصلت طويلاً، وأطلقت الغاز المسيل للدموع في مدن الخرطوم وأم درمان التي نظمت مواكب منفصلة، فيما اجتاز المحتجون القادمون من مدينة أم درمان الجسر الواصل بين أم درمان والخرطوم بحري، وطوّق آخرون في شرق الخرطوم مباني القيادة العامة للجيش ونصبوا المتاريس حولها.
ويعد موكب أمس من المواكب غير المعلن عنها في جداول التظاهر التي تعلنها شهرياً «لجان المقاومة السودانية»، وتستهدف إنهاك القوات العسكرية وتعطيل دولاب الدولة، لأن السلطات درجت على إغلاقها في أيام الاحتجاجات، استعداداً للمواكب الكبيرة المعلنة ضمن جداول التظاهر المستمرة منذ انقلاب الجيش في أكتوبر الماضي.
وأعلن الأطباء، في المذكرة التي تقدموا بها للمفوض السامي لحقوق الإنسان، رفضهم للانقلاب العسكري وتعهدوا بالعمل على إسقاطه، ونددوا بالانتهاكات التي تنفذها القوات العسكرية في المرافق الصحية، وتتضمن الاعتداءات على الكوادر والمرضى، وطالبوا بوقف قتل المتظاهرين السلميين وإطلاق الرصاص عليهم. وبجانب الموكب الذي سلم المذكرة، احتشد العشرات من الأطباء في عدد من مستشفيات البلاد احتجاجاً على الانتهاكات التي ظلوا يتعرضون لها من قبل القوات العسكرية التي دأبت على اقتحام المؤسسات العلاجية وإطلاق عبوات الغاز المسيل للدموع داخلها، والحيلولة دون علاج مصابي الاحتجاجات، والاعتداء على الكوادر الصحية والمرضى.
وشارك في الاحتجاجات كل من لجنة أطباء السودان المركزية، ونقابة أطباء السودان الشرعية، ولجنة الاستشاريين والاختصاصيين، ولجنة صيادلة السودان المركزية، وتجمع اختصاصيّي طب الأسنان، واللجنة المركزية للمختبرات الطبية، واللجنة المركزية لضباط الصحة، وهي التنظيمات المهنية التي تمثل القطاع الصحي في البلاد. ونظم عدد من مدن البلاد المختلفة مواكب احتجاجية شبيهة، في وقت نقلت فيه تقارير صحافية أن السلطات الأمنية استدعت 50 في المائة من القوة الشرطية في الولايات للعاصمة الخرطوم، وينتظر أن يصل عددهم إلى عشرات الآلاف، وهو ما اعتبرته تلك التقارير محاولة من السلطات العسكرية لمساعدة شرطة ولاية الخرطوم على مواجهة المحتجين، بعد أن ظلت طوال أشهر في حالة استعداد كامل ومواجهات شبه يومية مع المحتجين السلميين.
وتعد مواكب أمس تمهيدية، برغم مشاركة عشرات الآلاف فيها، للموكب الكبير المقرر له في 13 من الشهر الحالي، وهي مواكب واحتجاجات تقودها لجان المقاومة الشعبية التي لا تعترف بشرعية الانقلاب، وترفض أي تفاوض أو شراكة مع العسكريين، وتتمسك بسلطة مدنية كاملة وعودة العسكريين إلى الثكنات ومحاسبة قتلة المحتجين.
ولم ينقطع سيل المواكب منذ القرارات التي أصدرها قائد الجيش عبد الفتاح البرهان في 25 أكتوبر الماضي.



مصر والكويت لتعميق التعاون وزيادة التنسيق الإقليمي

وزير الخارجية المصري يلتقي ولي العهد الكويتي الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصباح (الخارجية المصرية)
وزير الخارجية المصري يلتقي ولي العهد الكويتي الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصباح (الخارجية المصرية)
TT

مصر والكويت لتعميق التعاون وزيادة التنسيق الإقليمي

وزير الخارجية المصري يلتقي ولي العهد الكويتي الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصباح (الخارجية المصرية)
وزير الخارجية المصري يلتقي ولي العهد الكويتي الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصباح (الخارجية المصرية)

أكدت مصر خلال زيارة وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي للكويت، على دعم القاهرة الكامل للأمن الخليجي بوصفه جزءاً لا يتجزأ من الأمن القومي المصري، وسط لقاءات ومباحثات تناولت مجالات التعاون، لا سيما الأمني والعسكري لمواجهة التحديات الأمنية المختلفة.

تلك الزيارة، بحسب خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، تأتي تأكيداً على مساعي مصر والكويت لتعميق التعاون وزيادة التنسيق الإقليمي بوتيرة أكبر ونشاط أوسع، خصوصاً في ضوء علاقات البلدين التاريخية، وكذلك حجم الاستثمارات بين البلدين الكبيرة، مشددين على أهمية التنسيق بين بلدين مهمين في المنطقة.

واستهل عبد العاطي زيارته إلى الكويت بلقاء ولي العهد الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصباح، الأحد، مؤكداً «عمق العلاقات التاريخية والروابط الأخوية التي تجمع البلدين الشقيقين، وتوافر الإرادة السياسية لدى قيادتي البلدين من أجل تطوير العلاقات لآفاق أرحب»، مبدياً «الحرص على تعزيز التعاون والتنسيق مع دولة الكويت وزيادة وتيرته»، وفق بيان صحافي لـ«الخارجية المصرية».

وأبدى الوزير المصري «تطلُّع مصر لتعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري والاستثماري بين البلدين، أخذاً في الحسبان ما اتخذته الحكومة المصرية من خطوات طموحة لجذب الاستثمارات، وتنفيذ خطة الإصلاح الاقتصادي»، مشدداً على «دعم مصر الكامل للأمن الخليجي، بوصفه جزءاً لا يتجزأ من الأمن القومي المصري».

وفي مايو (أيار) الماضي، قال سفير الكويت بالقاهرة، غانم صقر الغانم، في مقابلة مع «القاهرة الإخبارية» إن الاستثمارات الكويتية في مصر متشعبة بعدة مجالات، وتبلغ أكثر من 15 مليار دولار، بينها 10 مليارات دولار للقطاع الخاص.

كما اجتمع عبد العاطي مع الشيخ فهد يوسف سعود الصباح، رئيس الوزراء بالإنابة ووزير الداخلية ووزير الدفاع الكويتي، مؤكداً «الحرص على الارتقاء بعلاقات التعاون إلى آفاق أرحب، بما يحقق طموحات ومصالح الشعبين الشقيقين»، وفق بيان ثانٍ لـ«الخارجية المصرية».

وزير الخارجية المصري يجتمع مع رئيس الوزراء بالإنابة ووزير الداخلية ووزير الدفاع الكويتي الشيخ فهد يوسف سعود الصباح (الخارجية المصرية)

فرص استثمارية

عرض الوزير المصري «الفرص الاستثمارية العديدة التي تذخر بها مصر في شتى القطاعات، والتي يمكن للشركات الكويتية الاستفادة منها، فضلاً عن الاتفاق على تبادل الوفود الاقتصادية، وتشجيع زيادة الاستثمارات الكويتية في مصر»، مبدياً «ترحيب مصر ببحث مجالات التعاون الأمني والعسكري لمواجهة التحديات الأمنية المختلفة».

كما بحث الوزير المصري في لقاء مع وزيرة المالية ووزيرة الدولة للشؤون الاقتصادية والاستثمار، نوره الفصام، الفرص الاستثمارية المتاحة في مصر بشتى القطاعات، وسط تأكيد على حرص الجانب المصري على تعزيز الاستثمارات الكويتية في مصر وإمكانية تعزيز نشاط الشركات المصرية لدعم عملية التنمية في الكويت.

ووفق خبير شؤون الخليج في «مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» بالقاهرة، الدكتور محمد عز العرب، فإن الزيارة تحمل أبعاداً عديدة، أبرزها الحرص المصري على تطوير العلاقات المصرية العربية، ومنها العلاقات مع الكويت لأسباب ترتبط بالتوافقات المشتركة بين البلدين والتعاون ليس على المستوى السياسي فحسب، بل على المستوى الأمني أيضاً.

التنسيق المشترك

البعد الثاني في الزيارة مرتبط بالاستثمارات الكويتية التي تستحوذ على مكانة متميزة وسط استثمارات خليجية في مصر، وفق عز العرب، الذي لفت إلى أن الزيارة تحمل بعداً ثالثاً هاماً مرتبطاً بالتنسيق المشترك في القضايا الإقليمية والدولية خاصة وهناك إدراك مشترك على أولوية خفض التصعيد والتعاون الثنائي بوصفه صمام أمان للمنطقة.

تحديات المنطقة

يرى الكاتب والمحلل السياسي الكويتي، طارق بروسلي، أن زيارة عبد العاطي «خطوة مهمة في إطار العلاقات التاريخية الوطيدة بين البلدين، وتعكس عمق التفاهم والاحترام المتبادل بين قيادتي البلدين والشعبين الشقيقين».

وتحمل الزيارة قدراً كبيراً من الأهمية، وفق المحلل السياسي الكويتي ورئيس «المنتدى الخليجي للأمن والسلام» فهد الشليمي، خصوصاً وهي تأتي قبيل أيام من القمة الخليجية بالكويت، مطلع الشهر المقبل، وما سيتلوها من ترأس الكويت مجلس التعاون الخليجي على مدار عام، فضلاً عن تحديات كبيرة تشهدها المنطقة، لا سيما في قطاع غزة وحربها المستمرة منذ أكتوبر (تشرين الأول) 2023.

وأفادت وكالة الأنباء الكويتية الرسمية، الأحد، بأن أمير البلاد الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح تلقى رسالة شفهية من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي تتعلق بالعلاقات الأخوية المتميزة بين البلدين والشعبين الشقيقين وآخر المستجدات الإقليمية والدولية، خلال استقبال ولي العهد لوزير الخارجية المصري.

كما نوهت بأن عبد العاطي التقى رئيس الوزراء بالإنابة، و«جرى خلال اللقاء استعراض العلاقات الثنائية وسبل تعزيز التعاون بين البلدين إضافة إلى بحث آخر المستجدات على الساحتين الإقليمية والدولية».

تطوير العمل الدبلوماسي

وتهدف الزيارة، وفق بروسلي، إلى «تعميق التعاون في عدة مجالات والتنسيق المشترك في المواقف على الصعيدين الإقليمي والدولي، لا سيما في قضايا فلسطين وسوريا ولبنان واليمن»، مرجحاً أن تسهم المباحثات المصرية الكويتية في «زيادة فرص التعاون الاقتصادي والتجاري وتعزيز الاستثمارات وزيادة التنسيق الأمني ومواجهة التحديات الأمنية المشتركة».

ويعتقد بروسلي أن الزيارة «ستكون فرصة لبحث تطوير العمل الدبلوماسي، ودعم البرامج التعليمية المتبادلة بين البلدين والخروج بمذكرات تفاهم تكون سبباً في تحقيق التكامل الإقليمي، وتعزيز التعاون في ظل التحديات المشتركة بالمنطقة».

بينما يؤكد الشليمي أن الزيارة لها أهمية أيضاً على مستوى التعاون الاقتصادي والتجاري، خصوصاً على مستوى تعزيز الاستثمارات، إضافة إلى أهمية التنسيق بين وقت وآخر بين البلدين، في ظل حجم المصالح المشتركة الكبيرة التي تستدعي التعاون المستمر.