قال المرشد الإيراني علي خامنئي إن التفاوض «في فترة ما» لا يعني «الاستسلام للعدو»، ويأتي خطابه بينما تتحدث إيران عن «تقدم» في مفاوضات فيينا لإنقاذ الاتفاق النووي.
ونقل موقع خامنئي الرسمي قوله أمس إن «التفاوض والتحدث والتعامل مع العدو لا يعني التسليم له، كما هو الحال عليه لم نستسلم حتى اليوم، ولن نستسلم بعد الآن».
ولم يتطرق خامنئي في خطابه بشكل مباشر إلى مباحثات فيينا، إلا أنها المرة الأولى التي يقارب فيها مسألة التفاوض بشكل عام منذ استئناف مباحثات إحياء الاتفاق النووي في فيينا أواخر نوفمبر (تشرين الثاني)، وفقاً لوكالة الصحافة الفرنسية.
أما وكالات رسمية فقد نقلت عن خطاب خامنئي رفضه التنازل عن شعار «الموت لأميركا»، وانتقد ضمناً القائلين إن «هذا الشعار سبب العداوة الدائمة لنظام الغطرسة مع الجمهورية الإسلامية» على حد تعبيره. وقال: «أميركا مدججة بكامل أسلحة العداء للنظام...». كما انتقد من يصفون «الغيرة» على النظام «الديني» بأنه «غير منطقي وعنيف».
وأتى خطاب المرشد، صاحب كلمة الفصل في البلاد، في الحفل التقليدي السنوي بمناسبة ذكرى احتجاجات أهالي مدينة قم ضد نظام الشاه في 1978.
وقال خامنئي إن «عدم الاستسلام لعدو مستكبر ومتغطرس هو أحد مبادئ الثورة. لا يجب التسليم للعدو، ولا يجب أن يتم التسامح مع غطرسة العدو». وحذر من أن «إحدى أجندات العدو هي نزع حساسية الشعب الإيراني لمبادئ الثورة عبر الدعاية الواسعة في شبكات التواصل، ووسائل الإعلام الأجنبية، وتسليط الضوء على أشخاص قليلي الأهمية، وكثيري المزاعم»، ووصف «نزع الحساسية الممنهجة» بأنها «جزء من الحرب الناعمة الواسعة والمتنوعة ضد الشعب». ودعا من سماهم أهل الفكر وأصحاب القلم وناشطي شبكات التواصل الاجتماعي إلى «مواجهة الخطة»، وقال هذا الانطباع بأن «الثورة غير مفيدة للناس والمستقبل، تناقض الواقع وإجحاف شامل».
وعاد خامنئي للتعليق على ذكرى مقتل مسؤول العمليات الخارجية في «الحرس الثوري» قاسم سليماني، ووصف الخطوة الأميركية بأنها «استمرار في الحسابات الخاطئة».
وتخوض إيران في الوقت الراهن مباحثات في فيينا، تهدف إلى إحياء الاتفاق المبرم العام 2015 بشأن برنامجها النووي، وذلك مع الأطراف التي لا تزال منضوية فيه، أي فرنسا وبريطانيا وروسيا والصين وألمانيا. وتشارك الولايات المتحدة بشكل غير مباشر في هذه المباحثات.
وخلال الأيام الماضية، عكست تصريحات المعنيين بالمفاوضات، سواء أكان من الجانب الإيراني أو الروس والصينين، تحقيق بعض التقدم في المباحثات، بينما تحدث الغربيون بقليل من التحفظ عن التقدم.
وفي وقت لاحق، قال الوزير حسين أمير عبداللهيان: «المبادرات من قبل الجانب الإيراني والمفاوضات التي جرت وضعتنا على المسار الجيد»، وذلك خلال مقابلة مع التلفزيون الرسمي أجريت السبت، ونشرتها وكالة الأنباء الرسمية «إرنا» الأحد. وأضاف عبداللهيان «نحن قريبون من اتفاق جيد، لكن من أجل إنجازه في وقت قصير، على الطرف الآخر أن ينخرط» بشكل أكبر. وشدد على أن إيران لا تريد إطالة أمد المفاوضات، لكن «من المهم بالنسبة إلينا الدفاع عن حقوق ومصالح بلادنا». ورأى أنه «بحال وجود إرادة جدية (من الأطراف الآخرين)، يمكننا التوصل إلى اتفاق جيد في أقرب الآجال. في الوضع الحالي، نحن نقيم الاتجاه بشكل إيجابي وإلى الأمام».
وبعدما وجهت طهران انتقادات إلى الأداء الفرنسي في المباحثات، تحدث مسؤولون إيرانيون في الآونة الأخيرة عن «واقعية» غربية في مقاربة المباحثات.
وأفادت وكالة الصحافة الفرنسية نقلاً عن عبداللهيان قوله: «بالأمس، كانت فرنسا تؤدي دور الشرطي السيئ، لكن اليوم باتت تتصرف بشكل عقلاني. بالأمس، كانت للطرف الأميركي طلبات غير مقبولة، لكن اليوم نرى أنه تأقلم مع الوقائع»، مضيفاً «في نهاية المطاف، اتفاق جيد هو اتفاق يكون فيه كل الأطراف راضين».
وبعد انتهاء اجتماع إيران وأطراف الاتفاق النووي، في وقت متأخر السبت، وجّه مراسل وكالة «أرنا» الرسمية سؤالاً إلى كبير المفاوضين الإيرانيين علي باقري كني بشأن ما إن كان قد تقلصت الخلافات وتقدمت المفاوضات. واكتفى المسؤول الإيراني بقول: «نعم».
ورداً على نشر التأكيد في حساب صحافي إيراني على «توتير»، قال السفير الروسي، ميخائيل أوليانوف، الذي أثارت مواقفه ضجة في إيران خلال الأيام الماضية: «نحن نشارك هذا التقييم، لكن الوصول إلى الحل المطلوب سيتطلب وقتاً وجهداً إضافيين».
ورأت صحيفة «جهان صنعت» في افتتاحية عددها الصادر أمس أن «التفاؤل» الذي تعبر عنه بعض الأوساط الإيرانية «لم يظهر في تصريحات الدبلوماسيين، خصوصاً الدبلوماسيين الغربيين»، وأضافت: «في الجانب الإيراني، ليس المسؤولون الإيرانيون فحسب، بل المسؤولون الروس والصينيون يتحدثون بتحفظ عن مسار التقدم في المفاوضات، ويقولون إن مسار المحادثات إيجابي... ويفسر الغرب عدم تسرع إيران ودعمها من الحلفاء في الصين وروسيا، على أنه محاولة لكسب الوقت من أجل التقدم بقدرات إيران النووية بعيداً عن الرقابة (للوكالة الدولية للطاقة الذرية)».
وأشارت إلى أن البعض «يتحدثون عن اقتراب الاتفاق، وانخفاض كبير لسعر الدولار». وقالت: «تدريجياً تصبح الخلافات المعقدة والمزمنة مملة ولا تطاق»، وأضافت: «استمرار هذه العملية المعقدة ستفقد جاذبيتها، حتى للطرف المستفيد، إيران».
والجمعة، نقلت مواقع إيرانية عن عضو الفريق الإعلامي للمفاوضين الإيرانيين، مصطفى خوش جشم إن الأميركيون «يمارسون ضغوطاً للحصول على امتيازات أو اتفاق مؤقت» موضحاً أن «أحد مكونات هذه الخطة إثارة الضغط النفسي و(رفع سقف) التوقعات الإيجابية في مجتمعنا، بحيث يصاب المجتمع الإيراني بصدمة ما لم يكن اتفاق بحلول فبراير (شباط)». وقال المسؤول: «في مثل هذه الحالة، يتعين على مفاوضينا مواصلة عملية التفاوض تحت وطأة الخوف من إحداث صدمة في الشارع»، منوهاً أن رفع سقف التوقعات «سيؤدي إلى صدمة، ومن دون التوقعات ستبقى أسعار العملة مرتفعة».
وفي هذا السياق، تطرقت صحيفة «جهان صنعت» أمس إلى «ضغوط الرأي العام على الحكومة ومطلب المواطنين الإيرانيين لتقرير مصير المفاوضات»، رغم أن إبراهيم رئيسي وفريقه «يعلنون بصوت عالٍ أن التذبذبات الاقتصادية وسعر الدولار لا علاقة لها بالمفاوضات في فيينا، لكن المواطنين يعتقدون أن كثيراً من الأشياء ترتبط بالمفاوضات ونتائجها». وأضافت: «الرأي العام والمواطنون الإيرانيون سيدفعون المحافظين المتشددين ووسائل إعلامهم إلى الواقعية بدلاً من الأوهام».
وقال وزير الخارجية الفرنسي، جان إيف لودريان، الجمعة، إن المحادثات تتقدم، لكن الوقت ينفد». وأضاف: «إذا لم نتوصل إلى اتفاق بسرعة فلن يبقى ما نتفاوض عليه»، في إشارة إلى تقدّم إيران الكبير في مجال تخصيب اليورانيوم، الذي يقرّبها من حيازة سلاح نووي. وقال: «أنا مقتنع أنه بإمكاننا التوصل إلى اتفاق. أبقى متفائلاً قليلاً مع كثير من الإرادة».
وبدأت المفاوضات في أبريل (نيسان)، وبعد تعليقها زهاء 5 أشهر اعتباراً من يونيو «حزيران»، تم استئنافها في أواخر نوفمبر.
وتشدد طهران خلال المباحثات على أولوية رفع العقوبات التي أعادت واشنطن فرضها عليها بعد انسحابها من الاتفاق، والحصول على ضمانات بعدم تكرار الانسحاب الأميركي. في المقابل، تركز الولايات المتحدة والأطراف الأوروبيون على أهمية عودة إيران لاحترام كامل التزاماتها، بموجب الاتفاق، التي بدأت التراجع عنها في 2019 رداً على انسحاب واشنطن.
وعبّر دبلوماسيون غربيون عن أملهم في تحقيق انفراجة بحلول نهاية يناير (كانون الثاني) أو أوائل فبراير، لكن الخلافات الحادة لا تزال قائمة بشأن أصعب القضايا العالقة. وترفض إيران أي مهلة تفرضها القوى الغربية.
خامنئي: التفاوض مع الأعداء في فترة ما لا يعني الاستسلام
خامنئي: التفاوض مع الأعداء في فترة ما لا يعني الاستسلام
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة