مواشي شمال غربي سوريا تحتاج إلى «خطة إنقاذ»

370 ألف رأس تعاني من أسعار الأعلاف وقلة المراعي

ابراهيم يملك قطيعاً من الأغنام لجأ به إلى جبل بريف دارة عزة غرب حلب (الشرق الأوسط)
ابراهيم يملك قطيعاً من الأغنام لجأ به إلى جبل بريف دارة عزة غرب حلب (الشرق الأوسط)
TT

مواشي شمال غربي سوريا تحتاج إلى «خطة إنقاذ»

ابراهيم يملك قطيعاً من الأغنام لجأ به إلى جبل بريف دارة عزة غرب حلب (الشرق الأوسط)
ابراهيم يملك قطيعاً من الأغنام لجأ به إلى جبل بريف دارة عزة غرب حلب (الشرق الأوسط)

يعاني مربو المواشي في شمال غربي سوريا، من ارتفاع أسعار الأعلاف، وخسائر مادية كبيرة، ومخاوف من تدهور الثروة الحيوانية ذات السمعة الطيبة في دول الجوار، في ظل ندرة المراعي، وعدم توفر المستلزمات الأساسية (أدوية وحظائر)، أو ارتفاع تكاليفها، إضافة إلى ركود الأسواق.
أبو خالد نازح من ريف حماة الشرقي وهو أحد مربي الأغنام في منطقة معرة مصرين شمال إدلب، قال إنه بدأ مؤخراً ببيع عدد من رؤوس الأغنام من قطيعه (60 رأسا من الأغنام)، الذي عمل على تربيته وتكاثره لسنوات، بأسعار رخيصة، لم تتجاوز للخروف الواحد 120 دولاراً، في حين كان يباع قبل نحو 5 أشهر بحوالي 200 دولار. ويعزو السبب إلى ارتفاع تكلفة إطعام القطيع لارتفاع أسعار الأعلاف في الأسواق.
يضيف أبو خالد، أنه اضطر لبيع 12 خروفاً بحوالي 1500 دولار، مقابل أن يشتري 3 أطنان من التبن والشعير والأدوية البيطرية لباقي القطيع، في وقت لا يملك فيه مالاً كافياً لاستئجار مساحة من الأرض لزراعتها وإطعام ماشيته فيها، بدلاً من البيع بأسعار رخيصة وتعرضه لخسارة مادية كبيرة. وهو يخشى من استمرار ارتفاع أسعار الأعلاف في الأسواق، مما يضطره حينها إلى بيع جزء آخر من قطيعه.
وأوضح قائلاً إن تربية الأغنام كانت بالنسبة لأبناء عشرات القرى في ريف حماة وريف إدلب الشرقي، مصدراً رئيسياً في رزقهم ومعيشتهم لقرون، بسبب توفر المساحات الواسعة لرعي الأغنام، ما كان ذلك يوفر على مربي المواشي إطعام ماشيته لعدة أشهر من البيئة المحيطة بدون تكلفة. وتابع: «ولكن مع اجتياح النظام تلك المناطق قبل عامين، اضطر الأهالي ومربو الأغنام إلى النزوح لشمال سوريا، هرباً من البطش والقصف، لتبدأ المعاناة مع ضيق المساحة التي تسمح لقطعان المواشي بالرعي، واعتمادهم على شراء الأعلاف طيلة العام، الأمر الذي قلص أعدادها تدريجياً نظراً لتكاليف إطعامها، ودفع بعدد من مربيها إلى التخلص منها».
أما أبو رائد، وهو مربي أغنام آخر من ريف معرة النعمان شرقي إدلب ونازح في منطقة عفرين شمال سوريا، فيقول إن مربي المواشي يفضل بيع رؤوس الأغنام من قطيعه الذي عمل على تربيته لسنوات، على أن يراها هزيلة وضعيفة من قلة الطعام والرعي وهذا ما حدث مؤخراً. ولجأ البعض إلى عملية البيع والتخلص منها قبل أن تلحق به خسارة كبيرة، ما تسبب في تراجع أسعارها في الأسواق، وتراجع سعر كيلو الخروف إلى 25 ليرة تركية، بينما تراجع المشفى منه إلى 45 ليرة، في الوقت الذي ارتفعت فيه أسعار الأعلاف بشكل كبير، ووصل سعر طن الشعير إلى 380 دولاراً، وطن التبن إلى 200 دولار.
يضيف «أن ما يهدد الثروة الحيوانية أكثر، هو توجه مربي المواشي إلى بيع النعاج للذبح وبأسعار أقل من الخروف بـ20 في المائة تقريباً، وبالتالي سيتقلص تكاثر الأغنام والماعز في الشمال السوري».
من جهته، اعتبر سعيد الحاضري، وهو طبيب بيطري مهتم بتربية المواشي، أنه بمرور ثلاثة أعوام على مربي المواشي (الأغنام والماعز والأبقار) في شمال سوريا، دون توفر مساحات واسعة للرعي وترافق ذلك مع غلاء أسعار الأعلاف المستوردة والأدوية البيطرية، شكل ذلك تحدياً كبيراً، وساهم في تقليص أعداد المواشي من 850 ألف رأس إلى حوالي 370 ألفا، من مختلف أنواع المواشي المعروفة في سوريا (أبقار وأغنام وماعز). ومع موجة الغلاء التي تمر بها المنطقة حالياً، لم يتبق من خيارات أمام المربي، سوى التخلص منها عن طريق البيع أو التهريب، «وذلك حتماً يشكل تهديداً للثروة الحيوانية ويقود إلى انهيار تربية المواشي».
يضيف الطبيب البيطري أن الحل الأمثل للمحافظة على هذه الثروة، التي تشكل مصدر رزق للكثيرين ومصدراً لمشتقات الحليب الطبيعي كالألبان والأجبان في الأسواق، هو توفير خطة من قبل الجهات المعنية والمنظمات في شمال غربي سوريا، لحمايتها، «من خلال توفير الأعلاف بأسعار مقبولة تتناسب مع أحوال مربي المواشي، وتخصيص مساحات لزراعة الشعير المحلي، لدعم هذا الجانب الاقتصادي المهم للمواطنين».



«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
TT

«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)

بعد مرور نحو أسبوع على سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، يفضل اللاجئون والمهاجرون السوريون في مصر التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة إلى بلادهم التي تمر بمرحلة انتقالية يشوبها الكثير من الغموض.

ويتيح تغيير نظام الأسد وتولي فصائل المعارضة السورية السلطة الانتقالية، الفرصة لعودة المهاجرين دون ملاحقات أمنية، وفق أعضاء بالجالية السورية بمصر، غير أن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين في القاهرة ترى أنه «من المبكر التفكير في عودة اللاجئين المسجلين لديها، إلى البلاد حالياً».

وازدادت أعداد السوريين في مصر، على مدى أكثر من عقد، مدفوعة بالتطورات السياسية والأمنية في الداخل السوري؛ إذ ارتفع عدد السوريين المسجلين لدى مفوضية اللاجئين إلى نحو 148 ألف لاجئ، غير أن تلك البيانات لا تعكس العدد الحقيقي للجالية السورية بمصر؛ إذ تشير المنظمة الدولية للهجرة إلى أن تعدادهم يصل إلى 1.5 مليون.

ولم تغير تطورات الأوضاع السياسية والأمنية في الداخل السوري من وضعية اللاجئين السوريين بمصر حتى الآن، حسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في القاهرة، كريستين بشاي، التي قالت في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن «السوريين المسجلين كلاجئين لدى المفوضية يتلقون خدماتهم بشكل طبيعي»، مشيرة إلى أنه «لا يوجد أي إجراءات حالية لمراجعة ملف اللاجئين المقيمين بمصر، تمهيداً لعودتهم».

وتعتقد بشاي أنه «من المبكر الحديث عن ملف العودة الطوعية للاجئين السوريين لبلادهم»، وأشارت إلى إفادة صادرة عن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين مؤخراً، تدعو السوريين في الخارج لـ«التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة لبلادهم».

وكانت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين قد نصحت المهاجرين السوريين في الخارج «بضرورة التحلي بالصبر واليقظة، مع قضية العودة لديارهم». وقالت، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إن «ملايين اللاجئين يواصلون تقييم الأوضاع قبل اتخاذ قرار العودة»، وأشارت إلى أن «الصبر ضروري، على أمل اتخاذ التطورات على الأرض منحى إيجابياً، ما يتيح العودة الطوعية والآمنة والمستدامة».

ووعدت المفوضية، في بيانها، بـ«مراقبة التطورات بسوريا، مع الانخراط مع مجتمعات اللاجئين، لدعم الدول في مجال العودة الطوعية والمنظمة، وإنهاء أزمة النزوح القسري الأكبر في العالم»، وأشارت في الوقت نفسه إلى أن «الاحتياجات الإغاثية داخل سوريا لا تزال هائلة، في ظل البنية التحتية المتهالكة، واعتماد أكثر من 90 في المائة من السكان على المساعدات الإنسانية».

وحسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية اللاجئين في القاهرة، يمثل اللاجئون السوريون المسجلون لدى المفوضية نحو 17 في المائة من تعداد اللاجئين في مصر، بواقع 148 ألف لاجئ سوري، من نحو 863 ألف لاجئ من أكثر من 60 جنسية. ويأتي ترتيبهم الثاني بعد السودانيين.

وباعتقاد مدير عام مؤسسة «سوريا الغد»، ملهم الخن، (مؤسسة إغاثية معنية بدعم اللاجئين السوريين في مصر)، أن «قضية عودة المهاجرين ما زال يحيطها الغموض»، مشيراً إلى «وجود تخوفات من شرائح عديدة من الأسر السورية من التطورات الأمنية والسياسية الداخلية»، ورجّح «استمرار فترة عدم اليقين خلال الفترة الانتقالية الحالية، لنحو 3 أشهر، لحين وضوح الرؤية واستقرار الأوضاع».

ويفرق الخن، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، بين 3 مواقف للمهاجرين السوريين في مصر، تجاه مسألة العودة لبلادهم، وقال إن «هناك فئة المستثمرين، وأصحاب الأعمال، وهؤلاء تحظى أوضاعهم باستقرار ولديهم إقامة قانونية، وفرص عودتهم ضئيلة».

والفئة الثانية، حسب الخن، «الشباب الهاربون من التجنيد الإجباري والمطلوبون أمنياً، وهؤلاء لديهم رغبة عاجلة للعودة، خصوصاً الذين تركوا أسرهم في سوريا»، أما الثالثة فتضم «العائلات السورية، وهؤلاء فرص تفكيرهم في العودة ضعيفة، نظراً لارتباط أغلبهم بتعليم أبنائهم في المدارس والجامعات المصرية، وفقدان عدد كبير منهم منازلهم بسوريا».

وارتبط الوجود السوري في مصر باستثمارات عديدة، أبرزها في مجال المطاعم التي انتشرت في مدن مصرية مختلفة.

ورأى كثير من مستخدمي مواقع «السوشيال ميديا» في مصر، أن التغيير في سوريا يمثّل فرصة لعودة السوريين لبلادهم، وتعددت التفاعلات التي تطالب بعودتهم مرة أخرى، وعدم استضافة أعداد جديدة بالبلاد.

وتتيح مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، مساعدات لراغبي العودة الطوعية من اللاجئين، تشمل «التأكد من أن العودة تتم في ظروف آمنة، والتأكد من أن الأوضاع في البلد الأصلي آمنة»، إلى جانب «تقديم دعم نقدي لتغطية النفقات الأساسية والسفر»، حسب مكتب مفوضية اللاجئين في مصر.

ويرى مسؤول الائتلاف الوطني السوري، عادل الحلواني، (مقيم بمصر)، أن ملف عودة المهاجرين «ليس أولوية في الوقت الراهن»، مشيراً إلى أن «جميع السوريين يترقبون التطورات الداخلية في بلادهم، والهدف الأساسي هو عبور سوريا الفترة الانتقالية بشكل آمن»، معتبراً أنه «عندما يستشعر المهاجرون استقرار الأوضاع الداخلية، سيعودون طواعية».

وأوضح الحلواني، لـ«الشرق الأوسط»، أن «حالة الضبابية بالمشهد الداخلي، تدفع الكثيرين للتريث قبل العودة»، وقال إن «الشباب لديهم رغبة أكثر في العودة حالياً»، منوهاً بـ«وجود شريحة من المهاجرين صدرت بحقهم غرامات لمخالفة شروط الإقامة بمصر، وفي حاجة للدعم لإنهاء تلك المخالفات».

وتدعم السلطات المصرية «العودة الآمنة للاجئين السوريين إلى بلادهم»، وأشارت الخارجية المصرية، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إلى أن «القاهرة ستواصل العمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين لتقديم يد العون والعمل على إنهاء معاناة الشعب السوري الممتدة، وإعادة الإعمار، ودعم عودة اللاجئين، والتوصل للاستقرار الذي يستحقه الشعب السوري».