أول قاضية مصرية... وفاة المستشارة تهاني الجبالي بفيروس «كورونا»

المستشارة الراحلة تهاني الجبالي في مكتبها بالمحكمة الدستورية العليا بالقاهرة عام 2011 (أرشيفية - الشرق الأوسط)
المستشارة الراحلة تهاني الجبالي في مكتبها بالمحكمة الدستورية العليا بالقاهرة عام 2011 (أرشيفية - الشرق الأوسط)
TT

أول قاضية مصرية... وفاة المستشارة تهاني الجبالي بفيروس «كورونا»

المستشارة الراحلة تهاني الجبالي في مكتبها بالمحكمة الدستورية العليا بالقاهرة عام 2011 (أرشيفية - الشرق الأوسط)
المستشارة الراحلة تهاني الجبالي في مكتبها بالمحكمة الدستورية العليا بالقاهرة عام 2011 (أرشيفية - الشرق الأوسط)

غيّب الموت، صباح اليوم (الأحد) المستشارة المصرية، تهاني الجبالي، نائب رئيس المحكمة الدستورية العليا سابقاً، متأثرةً بإصابتها بفيروس بـ«كورونا»، عن عمر يناهز (71) عاماً.
والجبالي أول قاضية مصرية وأول مَن يعتلي منصة المحكمة الدستورية المصرية من النساء في مصر، وواحدة من 17 قاضياً هم قضاة المحكمة المسؤولة عن الرقابة على دستورية القوانين واللوائح، إلى جانب رئيسها، وعُيِّنت الجبالي عام 2003 بهيئة مستشاري المحكمة، التي أُنشئت في عام 1969 تحت اسم «المحكمة العليا» والتي تولت مهمة الرقابة على القوانين حتى تاريخ تشكيل المحكمة الدستورية العليا عام 1979.
وأُصيبت الجبالي بفيروس «كورونا» قبل 10 أيام، ونُقلت إلى مستشفى العجوزة بمحافظة الجيزة، الأسبوع الماضي لتلقي العلاج بعد تدهور حالتها لكنها لفظت أنفاسها الأخيرة اليوم. ويُشيَّع جثمان الراحلة من مسقط رأسها بمحافظة طنطا (دلتا مصر).
ونعت نقابة المحامين في مصر المستشارة تهاني الجبالي نائب رئيس المحكمة الدستورية العليا سابقاً، وقدم نقيب المحامين ورئيس اتحاد المحامين العرب رجائي عطية، في بيان له، تعازيه للأسرة الراحلة.
https://www.facebook.com/EgyLS1912/posts/3312862465504640
ونعى برلمانيون المستشارة الراحلة، متذكرين مواقفها الوطنية المؤثرة طيلة مسيرتها المهنية، وقال النائب مصطفى بكري عبر موقع التغريدات «تويتر»: «رحلت المستشارة تهاني الجبالي، الأخت والصديقة، القاضية والمناضلة، رحلت الإنسانة التي رهنت حياتها للدفاع عن الوطن والأمة، عرفتها منذ أربعين عاماً، مقاتلةً بكل معنى الكلمة، واجهت الإرهاب بكل حسم، لا يزال المصريون يتذكرون مواقفها في زمن حكم جماعة الإخوان».
https://twitter.com/BakryMP/status/1480068213429919745
وقال النائب تيسير مطر رئيس حزب «إرادة جيل»، ووكيل لجنة الصناعة بمجلس النواب المصري، إن الجبالي هي «المرأة الحديدية»، مؤكداً أنها «كانت تستحق هذا اللقب بجدارة، حيث إنها تصدت لأهل الشر وجماعات الظلام طوال حياتها في السلك القضائي، داعياً الله أن يرحمها ويسكنها فسيح جناته».
ونعاها المصريون عبر هاشتاغ يحمل اسمها، معبرين عن أسفهم لفقدان مصر هذه السيدة التي تمثل قيمة وطنية كبيرة.
ونشرت الكاتبة المصرية فاطمة ناعوت عبر حسابها علي موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك»، صورة تجمعها بالمستشارة الجبالي وآخرين، وعلقت: «وداعاً (ماعت مصر) المستشارة الجليلة تهاني الجبالي».
https://www.facebook.com/naootofficial/posts/487156536103877
وتهاني محمد الجبالي، من مواليد التاسع من نوفمبر (تشرين الثاني) 1950، وتخرجت في جامعة القاهرة عام 1973، وانخرطت في العمل بالمحاماة حتى الثاني والعشرين من يناير (كانون الثاني) عام 2003 حين صدر قرار رئاسي بتعيينها ضمن هيئة المستشارين بالمحكمة الدستورية العليا كأول قاضية مصرية. وكانت الجبالي أول محامية مصرية منتخبة لعضوية مجلس نقابة المحامين العامة بمصر منذ إنشاء النقابة عام 1912، وأول محامية مصرية منتخبة لعضوية المكتب الدائم لاتحاد المحامين العرب، وعضو الاتحاد الدولي للمحامين والنقابة الدولية للمحامين حتى تعيينها بالقضاء.
وفي حوار سابق للراحلة عام 2011 مع صحيفة «الشرق الأوسط»، وبعد سؤالها: هل تفكر في الترشح لانتخابات الرئاسة -حينها؟ قالت: «ليس طموحي ولم أفكر بهذا، فأنا ما زلت أرى أنه لا يوجد موقع يوازي القاضي الدستوري، الذي لن أتنازل عنه من أجل أي شيء. وأعلم أن دور هذا القاضي سيتعاظم في الأيام المقبلة، لأنه جزء من الرقابة والمحاسبة الدستورية، وهذا لا يعني أنني لا أتمنى أن أرى امرأة مصرية تشارك في الانتخابات وتتقلد هذه المسؤولية، ولدينا عشرات السيدات القادرات ولديهن الاستعداد لتحمل تبعات الموقف».

نائبة رئيس المحكمة الدستورية العليا بمصر في حوار مع «الشرق الأوسط»: حجم الفساد مرعب

كانت الجبالي، الحاصلة على درع الأمم المتحدة للعمل الاجتماعي ووسام المحاماة التونسي والبحريني، أبرز قضاة المحكمة العريقة عام 2012، الذين وُجِّهت إليهم سهام النقد اللاذعة من أنصار ومؤيدي جماعة «الإخوان» في مصر منذ قرار المحكمة الدستورية بطلان قانون انتخاب مجلس الشعب والذي ترتب عليه حل المجلس الذي كان قد حاز أغلبيته التيار الإسلامي، ومنذ الدقيقة الأولى لقرار المحكمة بحل البرلمان تعرضت الجبالي والمحكمة الدستورية برمّتها لحملات متلاحقة من مؤيدي جماعة «الإخوان» بدأت باتهام هيئة المحكمة بمحاباة النظام السابق، لكنّ المحكمة التي تصدت مرة أخرى لمحاولة إعادة عمل البرلمان، نالت النصيب الأكبر من الهجوم في مظاهرة التيارات الإسلامية بالقاهرة عام 2012 وهتف المتظاهرون ضد المستشارة الجبالي ووصفوها بعدو الدولة وعدو الاستقرار، رافعين رايات وصوراً تندد بما سموه دور المحكمة الدستورية وقضاتها في تعطيل مصالح الوطن واستقراره.

تهاني الجبالي لـ «الشرق الأوسط»: هناك مخطط إخواني لهدم الدولة.. وإعلان فوز مرسي اختطاف للشرعية

وكانت الجبالي، عقب تولي الرئيس الأسبق محمد مرسي الحكم قد صرّحت بأنه ليست له خبرات في إدارة الدولة ومؤسسة الرئاسة وطالبته بالانفصال التام عن جماعة «الإخوان» وعدم السعي لـ«أخونة الدولة»، ثم عادت وهاجمته بشدة عقب الإعلان الدستوري في 2012، معلنةً أنه فقد شرعيته كرئيس للجمهورية، وأن الإعلان الدستوري انقلاب على كل مكتسبات «ثورة 25 يناير»، لأنه إفشاء لدولة الحاكم بأمره ويمثل خطراً على مدنية الدولة، وتركت مقعدها بالمحكمة الدستورية بسبب مواقفها السياسية وخلافاتها مع الإخوان المسلمين حتى لا يتشابك عملها السياسي مع دورها كقاضية.
ودعت لتأسيس حركة «التحالف الجمهوري» في 9 يونيو (حزيران) 2013 قبيل «ثورة 30 يونيو» لمواجهة ما أطلقت عليها الفاشية الدينية التي تحكم مصر وساندت الخطوات الداعمة لاستكمال خريطة الطريق التي تم الإعلان عنها في 3 يوليو (تموز) 2013، وشاركت الحركة في انتخابات برلمان 2015.



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.