آلاف الفلسطينيين يشيّعون «شهداء لقمة الخبز»

عشرات الإصابات في مواجهات الجمعة مع قوات الاحتلال

متظاهرون فلسطينيون يعيدون عبوة غاز مسيل للدموع خلال اشتباكات مع قوات إسرائيلية في قرية بيتا بالضفة أمس (أ.ف.ب)
متظاهرون فلسطينيون يعيدون عبوة غاز مسيل للدموع خلال اشتباكات مع قوات إسرائيلية في قرية بيتا بالضفة أمس (أ.ف.ب)
TT

آلاف الفلسطينيين يشيّعون «شهداء لقمة الخبز»

متظاهرون فلسطينيون يعيدون عبوة غاز مسيل للدموع خلال اشتباكات مع قوات إسرائيلية في قرية بيتا بالضفة أمس (أ.ف.ب)
متظاهرون فلسطينيون يعيدون عبوة غاز مسيل للدموع خلال اشتباكات مع قوات إسرائيلية في قرية بيتا بالضفة أمس (أ.ف.ب)

في وقت واصلت ميليشيات المستوطنين المتطرفين وقوات الاحتلال التي تحميها وتتعاطف معها، ممارسات القمع والتنكيل في الضفة الغربية والقدس، شارك آلاف الفلسطينيين بتشييع جثامين الفتية الثمانية «شهداء لقمة العيش»، الذين قضوا في حادث سير على طريق أريحا.
وجرى التشييع في مسقط رأس «شهداء لقمة العيش» في بلدة عقربا جنوب نابلس. وأقيمت صلاة الجنازة على أرواحهم، في ملعب القرية بحضور آلاف المواطنين من كافة المحافظات الفلسطينية. وألقى الرئيس محمود عباس كلمة تعزية عبر الهاتف قال: «إن المصاب جلل وألم ذوي الشهداء هو ألمنا جميعاً، ولكن سنبقى صامدين أمام كافة التحديات التي تواجه الشعب الفلسطيني من الاحتلال والمستوطنين».
لكن مأساة حادث الطرق المروع، لم تغير شيئاً في النهج التقليدي للاحتلال في قمع المسيرات السلمية للفلسطينيين في كل يوم جمعة، فقد أصيب الصحافي معتصم سقف الحيط بالرصاص المعدني المغلف بالمطاط، وتعرض عدد من المواطنين لحالات اختناق بالغاز المسيل للدموع الذي أطلقته قوات الاحتلال بكثافة خلال مواجهات عند المدخل الشمالي لمدينتي رام الله والبيرة.
وأصيب خمسة شبان بالرصاص المعدني المغلف بالمطاط، أيضاً خلال قمع الاحتلال لمسيرة كفر قدوم المناهضة للاستيطان، التي انطلقت نصرة للأسير المريض ناصر أبو حميد ولجميع الأسرى المرضى في سجون الاحتلال.
وأفاد الناطق الإعلامي في إقليم قلقيلية مراد شتيوي بأن المسيرة انطلقت بعد صلاة الجمعة من مسجد عمر بن الخطاب تنديداً بسياسة الإهمال الطبي المتعمد بحق الأسرى، ونصرة للأسير المريض أبو حميد، بمشاركة المئات من أبناء القرية الذين رددوا الشعارات الوطنية المناهضة للاحتلال والمطالبة بتصعيد الفعاليات الشعبية في كل مكان.
وأصيب 12 فلسطينياً بالرصاص المعدني المغلف بالمطاط، و20 بالاختناق بالغاز المسيل للدموع، خلال مواجهات في قرية بيت دجن شرق نابلس. وذكر شهود عيان أن جيش الاحتلال أطلق الرصاص المعدني وقنابل الصوت والغاز المسيل للدموع صوب المواطنين الذين خرجوا تنديداً بجرائم الاحتلال والمستوطنين.
وأصيب شابان بالرصاص المعدني المغلف بالمطاط، والعشرات بحالات اختناق بالغاز المسيل للدموع، خلال مواجهات اندلعت مع جيش الاحتلال في منطقة باب الزاوية وسط مدينة الخليل. وأصيب أربعة مواطنين بالرصاص المعدني المغلف بالمطاط على جبل صبيح في بيتا، جنوب نابلس.
وقال مدير مركز الإسعاف والطوارئ في الهلال الأحمر في نابلس أحمد جبريل إن 10 مواطنين أصيبوا بالرصاص المعدني، اثنان منهم بالرأس، إضافة إلى إصابة 44 بحالات اختناق بالغاز المسيل للدموع، و5 نتيجة سقوطهم خلال المواجهات في بيتا.
وفي الجنوب، أطلقت الزوارق الحربية الإسرائيلية النار، صباح أمس، صوب مراكب الصيادين في بحر السودانية، شمال غربي غزة، من دون الإبلاغ عن وقوع إصابات.
وفي سياق متصل، أطلقت قوات الاحتلال قنابل الغاز المُدمع صوب رعاة أغنام شرق مدينة دير البلح، وسط قطاع غزة. كما أطلقت قوات الاحتلال قنابل الغاز صوب رعاة الاغنام شرق مخيم البريج وسط القطاع.
وأدانت وزارة الخارجية والمغتربين هذه الاعتداءات واعتبرتها إفرازاً للعقلية الاستعمارية العنصرية «التي تغذي الاستيطان والتهويد». وقالت إن هذه الممارسات جاءت بهدف تحقيق الضم التدريجي للضفة الغربية المحتلة بما فيها القدس الشرقية، وتحويل القرى والبلدات الفلسطينية إلى جزر معزولة بعضها عن بعض تغرق في محيط استيطاني ضخم. وحملت الوزارة حكومة الاحتلال الإسرائيلي المسؤولية الكاملة عن جرائم المستوطنين ونتائجها وتداعياتها على فرص الحل السياسي التفاوضي للصراع. وأوضحت أن هذه المواقف تعطي الغطاء الرسمي لمنظمات المستوطنين وجمعياتهم الاستيطانية المتطرفة لسرقة مزيد من الأرض الفلسطينية، وتصعيد تغولها ضد المواطنين الفلسطينيين وبلداتهم وممتلكاتهم ومقدساتهم، كما هو حاصل في القدس المحتلة، وبرقة، وبيتا، مسافر يطا، والأغوار وغيرها. وأكدت الخارجية أن كل ذلك يحدث عبر توزيع وتكامل مفضوح للأدوار بين جيش الاحتلال وأذرعه المختلفة وعناصر المستوطنين.



نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
TT

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)

شيّعت الجماعة الحوثية خلال الأسبوع الماضي أكثر من 15 قتيلاً من قيادييها العسكريين والأمنيين من دون إعلان ملابسات سقوطهم. ورغم توقف المعارك العسكرية مع القوات الحكومية اليمنية في مختلف الجبهات؛ فإن النزيف البشري المستمر لقياداتها وعناصرها يثير التساؤلات عن أسبابه، بالتزامن مع مقتل العديد من القادة في خلافات شخصية واعتداءات على السكان.

ولقي قيادي بارز في صفوف الجماعة مصرعه، الأحد، في محافظة الجوف شمال شرقي العاصمة صنعاء في كمين نصبه مسلحون محليون انتقاماً لمقتل أحد أقاربهم، وذلك بعد أيام من مقتل قيادي آخر في صنعاء الخاضعة لسيطرة الجماعة، في خلاف قضائي.

وذكرت مصادر قبلية في محافظة الجوف أن القيادي الحوثي البارز المُكنى أبو كمال الجبلي لقي مصرعه على يد أحد المسلحين القبليين، ثأراً لمقتل أحد أقاربه الذي قُتل في عملية مداهمة على أحد أحياء قبيلة آل نوف، التي ينتمي إليها المسلح، نفذها القيادي الحوثي منذ أشهر، بغرض إجبار الأهالي على دفع إتاوات.

من فعالية تشييع أحد قتلى الجماعة الحوثية في محافظة حجة دون الإعلان عن سبب مقتله (إعلام حوثي)

ويتهم سكان الجوف القيادي القتيل بممارسات خطيرة نتج عنها مقتل عدد من أهالي المحافظة والمسافرين وسائقي الشاحنات في طرقاتها الصحراوية واختطاف وتعذيب العديد منهم، حيث يتهمونه بأنه كان «يقود مسلحين تابعين للجماعة لمزاولة أعمال فرض الجبايات على المركبات المقبلة من المحافظات التي تسيطر عليها الحكومة، وتضمنت ممارساته الاختطاف والتعذيب والابتزاز وطلب الفدية من أقارب المختطفين أو جهات أعمالهم».

وتقول المصادر إن الجبلي كان يعدّ مطلوباً من القوات الحكومية اليمنية نتيجة ممارساته، في حين كانت عدة قبائل تتوعد بالانتقام منه لما تسبب فيه من تضييق عليها.

وشهدت محافظة الجوف مطلع هذا الشهر اغتيال قيادي في الجماعة، يُكنى أبو علي، مع أحد مرافقيه، في سوق شعبي بعد هجوم مسلحين قبليين عليه، انتقاماً لأحد أقاربهم الذي قُتِل قبل ذلك في حادثة يُتهم أبو علي بالوقوف خلفها.

في الآونة الأخيرة تتجنب الجماعة الحوثية نشر صور فعاليات تشييع قتلاها في العاصمة صنعاء (إعلام حوثي)

وتلفت مصادر محلية في المحافظة إلى أن المسلحين الذين اغتالوا أبو علي يوالون الجماعة الحوثية التي لم تتخذ إجراءات بحقهم، مرجحة أن تكون عملية الاغتيال جزءاً من أعمال تصفية الحسابات داخلياً.

قتل داخل السجن

وفي العاصمة صنعاء التي تسيطر عليها الجماعة الحوثية منذ أكثر من 10 سنوات، كشفت مصادر محلية مطلعة عن مقتل القيادي الحوثي البارز عبد الله الحسني، داخل أحد السجون التابعة للجماعة على يد أحد السكان المسلحين الذي اقتحم السجن الذي يديره الحسني بعد خلاف معه.

وتشير المصادر إلى أن الحسني استغل نفوذه للإفراج عن سجين كان محتجزاً على ذمة خلاف ينظره قضاة حوثيون، مع المتهم بقتل الحسني بعد مشادة بينهما إثر الإفراج عن السجين.

وكان الحسني يشغل منصب مساعد قائد ما يسمى بـ«الأمن المركزي» التابع للجماعة الحوثية التي ألقت القبض على قاتله، ويرجح أن تجري معاقبته قريباً.

وأعلنت الجماعة، السبت الماضي، تشييع سبعة من قياداتها دفعة واحدة، إلى جانب ثمانية آخرين جرى تشييعهم في أيام متفرقة خلال أسبوع، وقالت إنهم جميعاً قتلوا خلال اشتباكات مسلحة مع القوات الحكومية، دون الإشارة إلى أماكن مقتلهم، وتجنبت نشر صور لفعاليات التشييع الجماعية.

جانب من سور أكبر المستشفيات في العاصمة صنعاء وقد حولته الجماعة الحوثية معرضاً لصور قتلاها (الشرق الأوسط)

ويزيد عدد القادة الذين أعلنت الجماعة الحوثية عن تشييعهم خلال الشهر الجاري عن 25 قيادياً، في الوقت الذي تشهد مختلف جبهات المواجهة بينها وبين القوات الحكومية هدوءاً مستمراً منذ أكثر من عامين ونصف.

ورعت الأمم المتحدة هدنة بين الطرفين في أبريل (نيسان) من العام قبل الماضي، ورغم أنها انتهت بعد ستة أشهر بسبب رفض الجماعة الحوثية تمديدها؛ فإن الهدوء استمر في مختلف مناطق التماس طوال الأشهر الماضية، سوى بعض الاشتباكات المحدودة على فترات متقطعة دون حدوث أي تقدم لطرف على حساب الآخر.

قتلى بلا حرب

وأقدمت الجماعة الحوثية، أخيراً، على تحويل جدران سور مستشفى الثورة العام بصنعاء، وهو أكبر مستشفيات البلاد، إلى معرض لصور قتلاها في الحرب، ومنعت المرور من جوار السور للحفاظ على الصور من الطمس، في إجراء أثار حفيظة وتذمر السكان.

وتسبب المعرض في التضييق على مرور المشاة والسيارات، وحدوث زحام غير معتاد بجوار المستشفى، ويشكو المرضى من صعوبة وصولهم إلى المستشفى منذ افتتاح المعرض.

ويتوقع مراقبون لأحوال الجماعة الحوثية أن يكون هذا العدد الكبير من القيادات التي يجري تشييعها راجعاً إلى عدة عوامل، منها مقتل عدد منهم في أعمال الجباية وفرض النفوذ داخل مناطق سيطرة الجماعة، حيث يضطر العديد من السكان إلى مواجهة تلك الأعمال بالسلاح، ولا يكاد يمرّ أسبوع دون حدوث مثل هذه المواجهات.

ترجيحات سقوط عدد كبير من القادة الحوثيين بغارات الطيران الأميركي والبريطاني (رويترز)

ويرجح أن يكون عدد من هؤلاء القادة سقطوا بقصف الطيران الحربي للولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا اللتين شكلتا منذ قرابة عام تحالفاً عسكرياً للرد على استهداف الجماعة الحوثية للسفن التجارية وطرق الملاحة في البحر الأحمر، وتنفذان منذ ذلك الحين غارات جوية متقطعة على مواقع الجماعة.

كما تذهب بعض الترجيحات إلى تصاعد أعمال تصفية الحسابات ضمن صراع وتنافس الأجنحة الحوثية على النفوذ والثروات المنهوبة والفساد، خصوصاً مع توقف المعارك العسكرية، ما يغري عدداً كبيراً من القيادات العسكرية الميدانية بالالتفات إلى ممارسات نظيرتها داخل مناطق السيطرة والمكاسب الشخصية التي تحققها من خلال سيطرتها على أجهزة ومؤسسات الدولة.

وبدأت الجماعة الحوثية خلال الأسابيع الماضية إجراءات دمج وتقليص عدد من مؤسسات وأجهزة الدولة الخاضعة لسيطرتها، في مساعِ لمزيد من النفوذ والسيطرة عليها، والتخفيف من التزاماتها تجاه السكان بحسب المراقبين.