مسيّرة لـ«حزب الله» أسقطتها إسرائيل تحمل صوراً لـ«وحدة الرضوان» الخاصة

TT

مسيّرة لـ«حزب الله» أسقطتها إسرائيل تحمل صوراً لـ«وحدة الرضوان» الخاصة

أعلنت أوساط أمنية في تل أبيب أنه تم خلال العامين الماضيين تنفيذ «مئات العمليات العسكرية البرية السرية داخل الأراضي السورية، إضافة إلى إطلاق صواريخ متطورة في الجزء المحرر من هضبة الجولان»، مع تقدير إسرائيلي بأن الرئيس السوري بشار الأسد بات مستعداً للتخلص من الهيمنة الإيرانية. فيما أعلن الجيش أن قواته أسقطت طائرة مسيّرة تابعة لـ«حزب الله» كانت تحوي صوراً سرية لقواته الخاصة خلال تمرين.
وقال الناطق إن المسيرة المذكورة تجاوزت الحدود ودخلت الأجواء الإسرائيلية، في حين كانت الرادارات ترصدها. ومن خلال استخدام تقنيات تكنولوجية عالية تمكنت من إسقاطها وهي سليمة. وتم تفكيك رموزها، وإذ بها تحتوي على صور من تمرين لـ«وحدة رضوان»، وهي القوات الخاصة للحزب، التي كانت تتدرب على تقنية استخدام الطائرات المسيّرة، وظهرت فيها صور مشغليها.
وكانت مصادر عسكرية في تل أبيب ذكرت أن «حزب الله» يستخدم الطائرات المسيرة من أجل جمع معلومات استخباراتية لأغراض عسكرية، ويستعين بها من أجل مراقبة انتشار الجيش الإسرائيلي على طول الحدود وقدراته على رد سريع. ويتوقع أن يوسع استخدام هذه الوسيلة في حال نشوب حرب على طول الحدود الشمالية.
وكشفت أن الجيش الإسرائيلي أسقط، في شهر أغسطس (آب) الماضي، طائرة مسيرة دخلت الأجواء الإسرائيلية. وتبين أن الصور التي التقطتها هذه الطائرة أثناء تحليقها لم تتضرر. وعثرت شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية على صور لمشغلي الطائرة وانتشار القوات الإسرائيلية في مقاطع من المنطقة الحدودية.
وفي تقرير لصحيفة «هآرتس»، كشف الخبير العسكري عاموس هرئيل أن «حزب الله» أعاد معظم مقاتليه من وحدة «رضوان» الذين شاركوا في الحرب بسوريا، ونشر قسماً منهم في جنوب لبنان. وقال: «أسماء الناشطين في وحدة الطائرات المسيرة معروفة لإسرائيل. فنحن نرصد تحليق طائرات مسيرة لحزب الله على طول الحدود، أسبوعياً تقريباً، وتوغلت أحياناً عدة مئات الأمتار جنوباً... عقيدة حزب الله القتالية والأساليب التي تعلمها أفراد وحدة رضوان من مدربين روس وإيرانيين قاتلوا جنباً إلى جنب في الحرب الأهلية في سوريا، أعطتا أفضلية للطائرات المسيرة. واستخدم الجانبان خلال هذه الحرب الطائرات المسيرة من أجل إلقاء متفجرات وقنابل يدوية من الجو. لكن المهمة الأساسية هي جمع معلومات بواسطة طائرات مسيرة، وحزب الله بات يوثق ما يجري في الجانب الإسرائيلي من الحدود بشكل أفضل ويحسن نوعية المعلومات الاستخباراتية التي بحوزته، استعداداً لتصعيد أو حرب في المستقبل».
وأشار هرئيل إلى أن مسؤولين في الاستخبارات الإسرائيلية يلاحظون أن «حزب الله» جمّد نشاطه في الجولان الشرقي ولم يعد يستثمر موارد فيه كما كان في الماضي، وأن السبب الوحيد لاستمرار انتشار قوات من الحزب في هذه المنطقة هو أن أمينه العام حسن نصر الله، «لا يمكنه أن يسمح لنفسه بأن يبدو كمن استسلم للضغوط الإسرائيلية».
إلا أن هذه التقديرات الإسرائيلية تنطوي على تناقض معين. وبحسب المحلل العسكري في صحيفة «يديعوت أحرونوت» أليكس فيشمان، فإن «حزب الله وإيران بدآ بالاستثمار بأنشطة اجتماعية من أجل غرز جذور عميقة شرق الجولان (غير المحتل). واكتسب الإيرانيون ولاء قرى كاملة. وحاولوا على سبيل المثال كسب ولاء الدروز في السويداء (المدينة المركزية في جبل الدروز) وضخوا أموالاً من أجل إقامة بنية تحتية مدنية، انطلاقاً من قناعة بأنه بذلك ستفتح إيران الباب تجاه الدروز في إسرائيل أيضاً. إلا أن القيادة الدرزية رفضتهم، لأنه إلى جانب المال وصلت الجريمة وتجارة المخدرات. وسجل الإيرانيون نجاحاً أكبر بين السنة، لدرجة أن عدة قرى سنية بدأت تقيم طقوساً شيعية. والاستثمار الإيراني في المجتمع السوري هو للمدى البعيد، وتحت التأثير الإيراني - الاجتماعي والثقافي والاقتصادي - قد يشكل الجولان السوري مشكلة أمنية لإسرائيل».
من جهة ثانية، ذكر فيشمان، أمس، أن الجيش الإسرائيلي نفذ خلال العامين الماضيين عمليات عسكرية برية، شملت مئات العمليات السرية وإطلاق صواريخ متطورة في المنطقة الشرقية، المحررة، في هضبة الجولان، بهدف إبعاد إيران و«حزب الله» عن هذه المنطقة.
وقال فيشمان: «تأتي هذه العمليات إلى جانب الغارات التي تشنها إسرائيل في عمق الأراضي السورية، التي يتوقع أن تكون مكثفة أكثر في عام 2022، وسيتم فيها استهداف عدد أكبر من الأهداف المرتبطة بالنظام السوري والتي تخدم المصلحة الإيرانية في إطار ممارسة الضغوط على بشار الأسد».
وأضاف: «بموجب تقييم الوضع الإسرائيلي، فإن الأسد يقف الآن عند مفترق طرق. وعليه أن يختار ما بين إعادة إعمار سوريا والاستمرار في منح يد حرة للإيرانيين من أجل تنفيذ خطتهم الاستراتيجية في سوريا. غير أن إسرائيل لاعب واحد فقط، وليس الأكثر تأثيراً بالضرورة، في الضغوط الممارسة على الأسد. والمصلحة الإسرائيلية بطرد الإيرانيين تنسجم مع المصلحة الروسية، التي تبحث عن سبل لتعزيز الجهات البراغماتية حول الأسد من أجل فتح سوريا على العالم. ودول الخليج تمارس ضغوطاً من أجل طرد الإيرانيين من سوريا كشرط لضخ أموال، ومصر والأردن يسعيان إلى إعادة سوريا إلى جامعة الدول العربية شريطة إزالة التأثير الإيراني، والأميركيون مستعدون للتوصل إلى تسوية مع روسيا والانسحاب من المنطقة شريطة رحيل الإيرانيين أيضاً».
وتشير التقديرات إلى أن الأسد بات مستعداً لاتخاذ القرار، وفقاً لفيشمان، «فقد انتصر على المتمردين، ويسيطر على 60 في المائة أو 70 في المائة من الأراضي السورية. والأهم من أي شيء آخر حقق حلم أسرة الأسد بتغيير ديموغرافي جوهري. فقد غادر 3.5 مليون شخص سوريا، وستة ملايين آخرون يتجولون داخلها كنازحين. وغالبيتهم مسلمون سنّة. والأقلية العلوية الحاكمة، التي شكلت في الماضي 11 في المائة أو 12 في المائة من سكان سوريا، تُقدر اليوم أنها تشكل ثلث السكان».



نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
TT

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)

شيّعت الجماعة الحوثية خلال الأسبوع الماضي أكثر من 15 قتيلاً من قيادييها العسكريين والأمنيين من دون إعلان ملابسات سقوطهم. ورغم توقف المعارك العسكرية مع القوات الحكومية اليمنية في مختلف الجبهات؛ فإن النزيف البشري المستمر لقياداتها وعناصرها يثير التساؤلات عن أسبابه، بالتزامن مع مقتل العديد من القادة في خلافات شخصية واعتداءات على السكان.

ولقي قيادي بارز في صفوف الجماعة مصرعه، الأحد، في محافظة الجوف شمال شرقي العاصمة صنعاء في كمين نصبه مسلحون محليون انتقاماً لمقتل أحد أقاربهم، وذلك بعد أيام من مقتل قيادي آخر في صنعاء الخاضعة لسيطرة الجماعة، في خلاف قضائي.

وذكرت مصادر قبلية في محافظة الجوف أن القيادي الحوثي البارز المُكنى أبو كمال الجبلي لقي مصرعه على يد أحد المسلحين القبليين، ثأراً لمقتل أحد أقاربه الذي قُتل في عملية مداهمة على أحد أحياء قبيلة آل نوف، التي ينتمي إليها المسلح، نفذها القيادي الحوثي منذ أشهر، بغرض إجبار الأهالي على دفع إتاوات.

من فعالية تشييع أحد قتلى الجماعة الحوثية في محافظة حجة دون الإعلان عن سبب مقتله (إعلام حوثي)

ويتهم سكان الجوف القيادي القتيل بممارسات خطيرة نتج عنها مقتل عدد من أهالي المحافظة والمسافرين وسائقي الشاحنات في طرقاتها الصحراوية واختطاف وتعذيب العديد منهم، حيث يتهمونه بأنه كان «يقود مسلحين تابعين للجماعة لمزاولة أعمال فرض الجبايات على المركبات المقبلة من المحافظات التي تسيطر عليها الحكومة، وتضمنت ممارساته الاختطاف والتعذيب والابتزاز وطلب الفدية من أقارب المختطفين أو جهات أعمالهم».

وتقول المصادر إن الجبلي كان يعدّ مطلوباً من القوات الحكومية اليمنية نتيجة ممارساته، في حين كانت عدة قبائل تتوعد بالانتقام منه لما تسبب فيه من تضييق عليها.

وشهدت محافظة الجوف مطلع هذا الشهر اغتيال قيادي في الجماعة، يُكنى أبو علي، مع أحد مرافقيه، في سوق شعبي بعد هجوم مسلحين قبليين عليه، انتقاماً لأحد أقاربهم الذي قُتِل قبل ذلك في حادثة يُتهم أبو علي بالوقوف خلفها.

في الآونة الأخيرة تتجنب الجماعة الحوثية نشر صور فعاليات تشييع قتلاها في العاصمة صنعاء (إعلام حوثي)

وتلفت مصادر محلية في المحافظة إلى أن المسلحين الذين اغتالوا أبو علي يوالون الجماعة الحوثية التي لم تتخذ إجراءات بحقهم، مرجحة أن تكون عملية الاغتيال جزءاً من أعمال تصفية الحسابات داخلياً.

قتل داخل السجن

وفي العاصمة صنعاء التي تسيطر عليها الجماعة الحوثية منذ أكثر من 10 سنوات، كشفت مصادر محلية مطلعة عن مقتل القيادي الحوثي البارز عبد الله الحسني، داخل أحد السجون التابعة للجماعة على يد أحد السكان المسلحين الذي اقتحم السجن الذي يديره الحسني بعد خلاف معه.

وتشير المصادر إلى أن الحسني استغل نفوذه للإفراج عن سجين كان محتجزاً على ذمة خلاف ينظره قضاة حوثيون، مع المتهم بقتل الحسني بعد مشادة بينهما إثر الإفراج عن السجين.

وكان الحسني يشغل منصب مساعد قائد ما يسمى بـ«الأمن المركزي» التابع للجماعة الحوثية التي ألقت القبض على قاتله، ويرجح أن تجري معاقبته قريباً.

وأعلنت الجماعة، السبت الماضي، تشييع سبعة من قياداتها دفعة واحدة، إلى جانب ثمانية آخرين جرى تشييعهم في أيام متفرقة خلال أسبوع، وقالت إنهم جميعاً قتلوا خلال اشتباكات مسلحة مع القوات الحكومية، دون الإشارة إلى أماكن مقتلهم، وتجنبت نشر صور لفعاليات التشييع الجماعية.

جانب من سور أكبر المستشفيات في العاصمة صنعاء وقد حولته الجماعة الحوثية معرضاً لصور قتلاها (الشرق الأوسط)

ويزيد عدد القادة الذين أعلنت الجماعة الحوثية عن تشييعهم خلال الشهر الجاري عن 25 قيادياً، في الوقت الذي تشهد مختلف جبهات المواجهة بينها وبين القوات الحكومية هدوءاً مستمراً منذ أكثر من عامين ونصف.

ورعت الأمم المتحدة هدنة بين الطرفين في أبريل (نيسان) من العام قبل الماضي، ورغم أنها انتهت بعد ستة أشهر بسبب رفض الجماعة الحوثية تمديدها؛ فإن الهدوء استمر في مختلف مناطق التماس طوال الأشهر الماضية، سوى بعض الاشتباكات المحدودة على فترات متقطعة دون حدوث أي تقدم لطرف على حساب الآخر.

قتلى بلا حرب

وأقدمت الجماعة الحوثية، أخيراً، على تحويل جدران سور مستشفى الثورة العام بصنعاء، وهو أكبر مستشفيات البلاد، إلى معرض لصور قتلاها في الحرب، ومنعت المرور من جوار السور للحفاظ على الصور من الطمس، في إجراء أثار حفيظة وتذمر السكان.

وتسبب المعرض في التضييق على مرور المشاة والسيارات، وحدوث زحام غير معتاد بجوار المستشفى، ويشكو المرضى من صعوبة وصولهم إلى المستشفى منذ افتتاح المعرض.

ويتوقع مراقبون لأحوال الجماعة الحوثية أن يكون هذا العدد الكبير من القيادات التي يجري تشييعها راجعاً إلى عدة عوامل، منها مقتل عدد منهم في أعمال الجباية وفرض النفوذ داخل مناطق سيطرة الجماعة، حيث يضطر العديد من السكان إلى مواجهة تلك الأعمال بالسلاح، ولا يكاد يمرّ أسبوع دون حدوث مثل هذه المواجهات.

ترجيحات سقوط عدد كبير من القادة الحوثيين بغارات الطيران الأميركي والبريطاني (رويترز)

ويرجح أن يكون عدد من هؤلاء القادة سقطوا بقصف الطيران الحربي للولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا اللتين شكلتا منذ قرابة عام تحالفاً عسكرياً للرد على استهداف الجماعة الحوثية للسفن التجارية وطرق الملاحة في البحر الأحمر، وتنفذان منذ ذلك الحين غارات جوية متقطعة على مواقع الجماعة.

كما تذهب بعض الترجيحات إلى تصاعد أعمال تصفية الحسابات ضمن صراع وتنافس الأجنحة الحوثية على النفوذ والثروات المنهوبة والفساد، خصوصاً مع توقف المعارك العسكرية، ما يغري عدداً كبيراً من القيادات العسكرية الميدانية بالالتفات إلى ممارسات نظيرتها داخل مناطق السيطرة والمكاسب الشخصية التي تحققها من خلال سيطرتها على أجهزة ومؤسسات الدولة.

وبدأت الجماعة الحوثية خلال الأسابيع الماضية إجراءات دمج وتقليص عدد من مؤسسات وأجهزة الدولة الخاضعة لسيطرتها، في مساعِ لمزيد من النفوذ والسيطرة عليها، والتخفيف من التزاماتها تجاه السكان بحسب المراقبين.