كيف ستبدو الكويت في عام 2022؟

بعد نجاح الحكومة في تحييد الخصوم

كيف ستبدو الكويت في عام 2022؟
TT

كيف ستبدو الكويت في عام 2022؟

كيف ستبدو الكويت في عام 2022؟

بكثيرٍ من الطموح والتوقعات ودّعت الكويت عامها المنصرم، واستقبلت عاماً جديداً، مفعماً بالأمل في اجتياز الأزمات السياسية المستحكمة في البلاد. وكان أمير البلاد الشيخ نواف الأحمد الصباح، قد مهّد لهذا التحوّل الضروري بتدشينه مصالحة وطنية مع المعارضة، طوت صفحة الخلاف السياسي، وأعادت للبلاد أقطاباً بارزين في المعارضة البرلمانية كانوا محكومين بالسجن في قضية اقتحام مجلس الأمة عام 2011.
الحياة السياسية الكويتية كانت رهينة الصراعات المتكررة بين السلطتين. ولطالما دعا أمير الكويت إلى نبذ الخلاف بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، واليوم تأمل الحكومة أن تثمر جهود المصالحة مع المعارضة البرلمانية في تمرير حزمة إصلاحات اقتصادية خلال الفصل التشريعي الحالي، وهذا رغم أن المشهد السياسي لا يخلو -في نظر المعارضة أيضاً– من رغبة الحكومة في تحييد البرلمان عن الرقابة المشددة على عملها. وللعلم، كانت الحكومة السابقة قد قدّمت استقالتها للأمير الشيخ نواف الأحمد في نوفمبر (تشرين الثاني) 2021، تفادياً لخضوع رئيس الوزراء وثمانية وزراء آخرين لاستجواب في البرلمان. وتلك كانت المرة الثانية التي يقدّم فيها الشيخ صباح خالد الحمد الصباح، استقالة حكومته منذ تكليفه المرة الأولى في ديسمبر (كانون الأول) 2020، للفرار من محاسبة المجلس.
عرفت الكويت أول دستور مكتوب ومجلس شورى عام 1921، وكان الكويتيون أول شعب خليجي يشكل مجلساً تشريعياً بالانتخاب وذلك في عام 1938. كذلك عُرفت الكويت بنظامها البرلماني، وفي تجربتهم الديمقراطية يستند الكويتيون إلى الشيخ عبد الله السالم الصباح «رجل الاستقلال» الذي أرسى التجربة الديمقراطية الفتية في الكويت. وفي عهده أُقر الدستور، الذي هو أول وثيقة من نوعها في الخليج. ويطلق اسمه اليوم على قاعة مجلس الأمة، الغرفة التشريعية الأكثر سخونة وجدلاً في المنطقة.
هذا، وصدر الدستور الكويتي الحالي بعد الاستقلال، يوم 11 نوفمبر 1962، وبدأ العمل به رسمياً في 29 يناير (كانون الثاني) 1963، وتنص المادة السادسة منه على أن «نظام الحكم في الكويت ديمقراطي، السيادة فيه للأمة مصدر السلطات جميعاً».
ولكن، مع أن التجربة النيابية والتشريعية في الكويت قديمة نسبياً، فإنها بقيت على الدوام معرّضة للامتحان، ومحكومة بالتجاذب الحاد بين السلطتين، وبين الاختيار الأصعب بين الديمقراطية والاستقرار.
المصالحة وانشقاق المعارضة
في السابع من نوفمبر 2021، أقرت الحكومة الكويتية خلال اجتماعها الاستثنائي مشاريع مراسيم العفو الأميري بحق عدد من الكويتيين ممن صدرت عليهم أحكام في قضايا سابقة تمهيداً لرفعها لأمير البلاد. وطوى مرسوم العفو الأميري صفحة الخلاف السياسي مع المعارضة البرلمانية التي صدرت أحكام بحق أعضاء بارزين فيها خصوصاً المتهمين في قضية اقتحام مجلس الأمة عام 2011، وكان أبرز الذين شملهم العفو نواب وناشطون مقيمون في تركيا بينهم القطب البرلماني مسلّم البراك، ونواب سابقون حُكم عليهم بالسجن لمدد متفاوتة في 2017، كذلك شملت 7 من المتهمين في قضية خلية العبدلي التي أُلقي القبض عليها في 13 أغسطس (آب) 2015.
جهود المصالحة، ومرسوم العفو، وعودة النواب من الخارج، لم تقفل باب الخلاف السياسي. إذ سرعان ما انشقت المعارضة على نفسها، ودخلت في مساجلات على وقع الاتهامات بالتراخي لصالح السلطة، والتحالف مع رئيس البرلمان مرزوق الغانم، وطالت الاتهامات النائب عبيد الوسمي الذي عمل مع الحكومة ورئيس البرلمان لإنضاج جهود المصالحة الوطنية.
ناصر العبدلي، الكاتب الكويتي والرئيس السابق للجمعية الكويتية لتنمية الديمقراطية، قال لـ«الشرق الأوسط» في لقاء معه: «هناك تحوّلات على الساحة السياسية المحلية، خصوصاً بعد العفو الأميري عن بعض السياسيين والناشطين ممن ارتكبوا مخالفات قانونية. وأول مؤشرات هذه التحولات هو التبرؤ من كل تداعيات ما يسمى (الربيع العربي) الذي دفعت أجواؤه الكثير من العاملين على الساحة السياسية في المرحلة الماضية للتمرد على الدستور والأسس التي قامت عليها الديمقراطية الكويتية، كما أن المؤشرات تتضمّن محاولة أولئك النشطاء إعادة تنظيم نشاطهم وفق تلك الأسس والمرتكزات، وقد تجلّى ذلك واضحاً في بعض المشاريع تحت لافتة الإصلاح السياسي والاقتصادي».
وأضاف: «الآن البرلمان يعمل على قدم وساق من أجل ترتيب الساحة السياسية من جديد وتوزيع الأدوار داخلها وفقاً للحقائق الجديدة. وكانت هناك جملة اقتراحات لقوانين من أجل تصفية آثار ذلك الربيع المشؤوم على الأمة العربية، وهناك استئناف عمل للبرلمان بعد تعثر خلال العام الماضي تحت سقف الدستور».
رأي البرّاك
النائب السابق مسلم البرّاك، الذي عاد إلى الكويت بمرسوم العفو، وصف المشهد السياسي الحالي في البلاد بأنه «متخبط تسوده الأنانية والأجندات الشخصية». إذ قال البرّاك خلال ندوة، عشية انعقاد مثول الحكومة الجديدة أمام البرلمان لأداء القسم (4-1-2022)، إن شعار «رحيل الرئيسين» (أي رئيس الحكومة ورئيس مجلس الأمة) الذي رفعه نواب المعارضة خلال العام الماضي «شعار فاشل ولن يتحقق». ووصف سلوك المعارضة بالجلوس على كراسي الوزراء... بأنه «مو شغل نواب». وأيضاً وجّه البرّاك نقداً لمسيرة المعارضة السياسية، قائلاً: «نعم أقولها: أخطأنا في تقديم العمل البرلماني ولا سبيل إلا بالعمل السياسي المنظّم والشامل، والسلطة استمرت بمحاربتنا وصدرت الأحكام بسجننا ونفينا».
من ناحية أخرى، جاءت الجلسة البرلمانية الأولى في العام الجديد، التي أدت فيها الحكومة اليمين الدستورية، منسجمة مع أجواء الانقسام السياسي، إذ شهدت انسحاب 13 نائباً خلال أداء اليمين. ثم أعقبها اشتباك في قاعة الاستراحة بين النائبين عبيد الوسمي ومحمد المطير، أدى إلى تشابك بالأيدي. ولم تعتمد الحكومة الجديدة على حسن النيات التي أحدثتها جهود المصالحة، بل حصّنت نفسها من أي مساعٍ لطرح الثقة، عبر توزير عدد من النواب في صفوفها، تتقي بهم –ولو مؤقتاً- العواصف السياسية.
وهنا علّق لـ«الشرق الأوسط» الباحث السياسي الكويتي، الدكتور عايد المنّاع قائلاً: «‏اعتادت الكويت على العواصف السياسية، نتيجة العلاقة المتوترة غالباً ما بين البرلمان والحكومة، لكن يبدو أنه تم التغلب على هذا -على الأقل مرحلياً– فقد استطاعت الحكومة الجديدة الحالية أن تضم في صفوفها عدداً من النواب بلغ عددهم أربعة نواب، وبالتالي أصبحت حكومة شبه برلمانية، ما يعطيها قوة داخل البرلمان».
وتابع: «الجانب الأهم والأكثر حضوراً هو العفو الذي أصدره أمير البلاد الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح، بالعفو عن عدد من السياسيين من بينهم عدد من أعضاء البرلمان السابقين الذين لهم وجود كبير على الساحة، وبالتالي خفف أيضاً من حدة التوتر. ومن ثم، صار بإمكان الحكومة أن تكون الآن على علاقة ودّية مع البرلمان، وهذا لا يمنع الاستجوابات، فلن تكون هناك خشية من طرح الثقة في الوزراء أو رفض تعاون مع رئيس الوزراء».
في هذا الشأن يقول النائب خالد المونس إن التوسع بتوزير النواب في الظروف الحالية «ما هو إلا حماية وصناعة سياج لرئيس الوزراء».
ملفات الفساد
من جهة أخرى، في نوفمبر ،2019 تمّ تكليف رئيس الوزراء الحالي الشيخ صباح الخالد الصباح، لقيادة الحكومة الكويتية، على وقع الكشف عن واحد من ملفات الفساد وتبديد المال العام. وهي القضية التي فجرها رئيس الدفاع السابق (الراحل) الشيخ ناصر صباح الأحمد الصباح، وأُدينت فيها شخصيات بارزة بتجاوزات مالية والاستيلاء على نحو 800 مليون دولار من صندوق لمساعدة العسكريين. وللعلم، هي القضية التي أدت لاستقالة رئيس الحكومة السابق جابر المبارك الصباح، وتولي الرئيس الجديد، الذي شكّل حتى الآن أربع حكومات، كان ملف الفساد هو الأكثر إلحاحاً من بين الملفات التي حملتها.
لكن تقرير منظمة الشفافية الدولية الأخير أظهر تقدماً طفيفاً في ملف الفساد. إذ حلَّت الكويت في المركز 7 عربياً في مؤشر مدركات الفساد لـ2020، متقدمة مركزين عن العام السابق، وسط تحسن في أداء جهات التشريع والقضاء، وحصدت 42 درجة من 100، بفارق نقطتين عن 2019 حين سجّلت 40 درجة. وحققت الكويت تقدماً ملحوظاً في ترتيبها بالمؤشر، حيث جاءت 78 دولياً، بتقدم 7 مراكز عن 2020 الذي حققت فيه المرتبة 85 بين 180 دولة.
وفي مؤشر الفساد العالمي لسنة 2021 الصادر عن شركة «غلوبال ريسك بروفايل» السويسرية المتخصصة بإدارة المخاطر، حسنّت الكويت ترتيبها لتصعد من المرتبة 127 إلى 88 عالمياً، مسجلة 44.1 نقطة. لكن الصدمة التي سجلها العام الجديد تمثّلت بتمدد الفساد إلى الجسم القضائي الكويتي حيث أدانت محكمة الجنايات 6 قضاة بالحبس لسنوات متفاوتة بين 5 و15 سنة وعزلهم عن وظائفهم وإلزامهم إعادة مركبات تلقوها «هدايا» لاتهامهم بالرشوة والتزوير وغسل الأموال.
الاستقرار... والنمو
في الواقع، تحتاج الكويت إلى توافق سياسي، خصوصاً داخل قبة البرلمان، من أجل تشريع الإصلاحات الاقتصادية المنشودة. فبسبب التطاحن السياسي عُطّل سنّ الكثير من التشريعات، وعُرقلت عمليات الرقابة والحدّ من تفشي الفساد.
وبينما يواصل أمير الكويت الحث على نبذ الخلاف بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، تأمل الحكومة أن تثمر جهود المصالحة مع المعارضة البرلمانية في تمرير حزمة إصلاحات اقتصادية خلال الفصل التشريعي الحالي. وفي أول توجيه له للحكومة الجديدة، أكد ولي العهد الكويتي الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح، أن أمام هذه الحكومة «مسؤوليات وواجبات تتطلب العمل الدؤوب بروح الفريق الواحد لمواصلة مسيرة الإصلاح وتنفيذ البرامج الاقتصادية ودفع عجلة التنمية في البلاد».
كذلك في مقال بصحيفة «القبس» الكويتية، هذا الأسبوع، كتب الكاتب الكويتي أحمد الصرّاف: «أعتقد أن مشكلتنا في الكويت تكمن في عدم استقرارنا على وضع سياسي معين. فلا نحن دولة ديكتاتورية، ولا نحن دولة ديمقراطية! فلو كنا أحد النظامين، لما تأخرنا في التنمية ولما وصلنا لهذا العجز والإرباك السياسي الذي نحن فيه، ولَمَا تأخرت خطط التنمية، ولكان من المحال مثلاً تصور دفع أكثر من ملياري دولار غرامة «مشروع الداو»، لأن الحكومة والنواب اختاروا حينها التناحر، على حساب مصلحة الوطن العليا!». وهنا تجدر الإشارة، إلى أنه في فبراير (شباط) 2021، أظهر تقرير ارتفاع احتياطيات الكويت الأجنبية بنسبة 21.1% خلال العام السابق 2020، لكن الكويت اضطرت في العام المنصرم 2021 لسحب 25 مليار دولار من «صندوق الأجيال» لتغطية العجز في الميزانية.
لكن، أمام الكويت فرص لنمو اقتصادي في العام الحالي 2022، إذ تُظهر توقعات «معهد التمويل الدولي» تحقيق نمو اقتصادي في الكويت بنسبة 4% العام المقبل بدعم تعافي إنتاج النفط والإصلاحات المرتقبة. وذكر «المعهد» في التقرير الإقليمي لمنطقة الشرق الأوسط وشمالي أفريقيا، الذي نشرت تفاصيل عنه صحيفة «القبس»، إن الناتج المحلي الاسميّ للكويت في 2022 سيبلغ 133 مليار دولار مقارنةً بـ129 مليار دولار في 2021، في حين سيبلغ نمو الناتج المحلي النفطي نحو 4.6% في العام المقبل مقارنةً بـ1.2% في 2021، والناتج المحلي غير النفطي سينمو بـ3.5% في 2022 مقارنةً بـ1.9% في العام الماضي.
أيضاً توقع «معهد التمويل الدولي» أن يبقى رصيد المالية العامة (باستثناء دخل الاستثمار) يعاني عجزاً كبيراً في العام المقبل رغم ارتفاع عائدات النفط. وأشار إلى أن فاتورة دعم الوقود والطاقة لا تزال كبيرة، ورجح أن يبلغ متوسط إنتاج الكويت من النفط نحو 2.49 مليون برميل يومياً في 2022 مقارنةً بـ2.39 مليون برميل في العام الحالي.
من جانب آخر، تقدمت الكويت مرتبتين في مؤشر الازدهار لعام 2021 الصادر عن «معهد ليغاتوم» البريطاني. وحلت في المرتبة 58 عالمياً، والرابعة عربياً وخليجياً بعد الإمارات (41 عالمياً)، وقطر (46 عالمياً)، والبحرين (56) في المؤشر الذي يقيّم البلدان، بناءً على رفعها مستوى ازدهار مواطنيها، الذي ينعكس على الرفاهية الاقتصادية والاجتماعية.
كذلك توقع استطلاع، أجرته وكالة «رويترز»، أن ينمو الاقتصاد الكويتي بما يتجاوز 3% خلال عام 2022.
أخيراً، لن يقتصر النمو على الكويت وحدها، إذ أظهر الاستطلاع أن دول مجلس التعاون الخليجي ستنمو العام المقبل بوتيرة أسرع من التقديرات السابقة. وتوقع الاستطلاع، الذي أُجري بين 8 و20 أكتوبر (تشرين الأول)، وشارك فيه 21 خبيراً اقتصادياً، تحسّن الأوضاع الاقتصادية في أغلب دول المنطقة المصدِّرة للنفط، بعد تداعيات جائحة «كوفيد - 19» والانهيار في أسعار النفط العام الماضي.

                                                                              اشتباك داخل مجلس الأمة الكويتي

خليل حيدر: التحديات في وجه الحكومة الجديدة كثيرة... على رأسها حجم الفساد
> يقول الكاتب خليل حيدر، رداً على أسئلة مثل: ما الذي يكمن للكويت في أشهر العام الجديد 2022؟ وأيٌّ من المشكلات والتحديات ستبرز أمام السلطة، أكثر من غيرها؟ تأتي الإجابة: لا أحد يعرف بالطبع، لا لصعوبة الرجم بالغيب فحسب! بل كذلك لكثرة الاحتمالات وتلبد الأجواء الإقليمية وتراكم الملفات الكويتية على الأرفف وفي الأدراج!
لا يمكن لنا أن نلخص في مقال ما كَتَبَ فيه كُتّاب الصحافة الكويتية عشرات المقالات اليومية، بين متفائل بحذر، أو متشائم لا علاج له كالزميل المبدع حسن العيسى.
الكثير من الكتاب تفاءلوا في البداية بشخص رئيس الوزراء الشيخ صباح الخالد الذي بدا كأنه يملك الحسم في الحل، والحسم لكل علل الكويت وأدوائها، والذي بدت عليه كل سمات المنقذ. لكنّ كثيرين انتقلوا إلى صفوف نقّاده آخذين عليه عدم امتلاكه للرؤية المتماسكة، والحسم والحزم، خصوصاً أن مشكلات الكويت السياسية والاقتصادية والاجتماعية لا تزال تتفاقم بلا مبرر، فيما تترك دول خليجية الكويت وراءها تندب حظها!
التحديات في وجه الحكومة الجديدة كثيرة، وعلى رأسها حجم الفساد كمّاً وكيفاً! فالكويت كالكثير من الدول عرفت الفساد عبر تاريخها... ولكنه اليوم ساد وظهر في القاع والقمة، وبات في أمسّ الحاجة إلى قرارات حازمة، ومقاريض حادة.
ومن المستبعد –في اعتقادي– أن تصدر، وأن تنفّذ، مثل هذه القرارات... أو أن يرى أحد هذه الأدوات تعمل متجاهلة «هذا وذاك».
منذ فترة وكل كويتي يشتكي كذلك من تراجع هيبة الدولة، مع إيمانه بأن الحكومة تنجح إن عزمت، كما رأينا في قرارات إزالة المخالفات، في حين لم نلمس الحزم نفسه في مجالات أخرى. ولا شيء أكثر ألماً من مشكلات الفساد التي نشرتها الصحافة مؤخراً، في مجال السلطة القضائية، التي عد تشرشل نظافتها وحيادها من ضرورات استمرار الدولة.
كل المسؤولين الخليجيين –ومنهم الكويتيون بالطبع– قلقون بشأن التركيبة السكانية والبطالة والاقتصاد الريعي، الذي يرتبط بشكل غير آمن بأسعار البترول. وقد حاولت الإدارة الكويتية حلّ بعض جوانب تلك المشكلة من خلال «التكويت» الشامل. لكن التسرع والارتجال وعدم تطوير الاقتصاد، من جانب، وتهرّب الكثير من الموظفين الكويتيين من المهن التي عدّوها «شاقة»... حوّل «التكويت» إلى «مذبحة وظيفية» لغير الكويتيين الذين يسمون «الوافدين»، ممن بنوا الكويت وخدموها سنين طويلة... وقد تراجعت الحكومة لاحقاً لحسن الحظّ.ومن مجالات الكويت المهملة؛ التعليم العام والجامعي على حدٍّ ســـواء، رغم ضخامة المبالغ المصروفة في هذا المجال. والتعليم كما أثبتت التجربة الآسيوية الناجحة عامل قيادي ومؤثر في النهوض بالتنمية وتحقيق التقدم. ورغم ما تنفقه ميزانيات الدولة، نرى قطاعاً واسعاً من الكويتيين يعتمدون على المدارس الخاصة من الحضانة والروضة إلى الجامعة. ثم إن التعليم الجامعي غير مرتبط بأي خطة تنموية، بلّ إن الكثير من مناصبه القيادية لا تزال شاغرة منذ فترة طويلة.
مع كل ذلك؛ لا تزال الكويت، رغم كل السلبيات والمشكلات، تتمتع بمكاسب سياسية واقتصادية واجتماعية راسخة، وبدستور رائع، وأسرة حكم لا يجادل أحد في الولاء لها. ولا شكّ أن دولة ديمقراطية بحاجة ماسّة إلى شكل من أشكال المعارضة تُنجح ديمقراطيتها وتحمي دستورها وترسّخ تقدمها. ويتفق الكويتيون على أن ثمّة الكثير الذي لا بد للمعارضة أن تتصف به من اعتدال ونضج وعمق كي يصل نداؤها إلى كل الكويتيين بشكل مقنع وبنّاء.



لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)
جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)
TT

لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)
جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)

يواجه لبنان جملة من التحديات السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية، خصوصاً في مرحلة التحوّلات الكبرى التي تشهدها المنطقة وترخي بثقلها على واقعه الصعب والمعقّد. ولا شك أن أهم هذه التحوّلات سقوط نظام بشّار الأسد في سوريا، وتراجع النفوذ الإيراني الذي كان له الأثر المباشر في الأزمات التي عاشها لبنان خلال السنوات الأخيرة، وهذا فضلاً عن تداعيات الحرب الإسرائيلية وآثارها التدميرية الناشئة عن «جبهة إسناد» لم تخفف من مأساة غزّة والشعب الفلسطيني من جهة، ولم تجنّب لبنان ويلات الخراب من جهة ثانية.

إذا كانت الحرب الإسرائيلية على لبنان قد انتهت إلى اتفاق لوقف إطلاق النار برعاية دولية، وإشراف أميركي ـ فرنسي على تطبيق القرار 1701، فإن مشهد ما بعد رحيل الأسد وحلول سلطة بديلة لم يتكوّن بعد.

وربما سيحتاج الأمر إلى بضعة أشهر لتلمُّس التحدّيات الكبرى، التي تبدأ بالتحدّيات السياسية والتي من المفترض أن تشكّل أولوية لدى أي سلطة جديدة في لبنان. وهنا يرى النائب السابق فارس سُعَيد، رئيس «لقاء سيّدة الجبل»، أنه «مع انهيار الوضعية الإيرانية في لبنان وتراجع وظيفة (حزب الله) الإقليمية والسقوط المدوّي لحكم البعث في دمشق، وهذا إضافة إلى الشغور في رئاسة الجمهورية، يبقى التحدّي الأول في لبنان هو ملء ثغرات الدولة من أجل استقامة المؤسسات الدستورية».

وأردف سُعَيد، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى أنه «بعكس الحال في سوريا، يوجد في لبنان نصّ مرجعي اسمه الدستور اللبناني ووثيقة الوفاق الوطني، وهذا الدستور يجب أن يحترم بما يؤمّن بناء الدولة والانتقال من مرحلة إلى أخرى».

الدستور أولاً

الواقع أنه لا يمكن لمعطيات علاقة متداخلة بين لبنان وسوريا طالت لأكثر من 5 عقود، و«وصاية دمشق» على بيروت ما بين عامَي 1976 و2005 - وصفها بعض معارضي سوريا بـ«الاحتلال» - أن تتبدّل بين ليلة وضحايا على غرار التبدّل المفاجئ والصادم في دمشق. ثم إن حلفاء نظام دمشق الراحل في لبنان ما زالوا يملكون أوراق قوّة، بينها تعطيل الانتخابات الرئاسية منذ 26 شهراً وتقويض كل محاولات بناء الدولة وفتح ورشة الإصلاح.

غير أن المتغيّرات في سوريا، وفي المنطقة، لا بدّ أن تؤسس لواقع لبناني جديد. ووفق النائب السابق سُعَيد: «إذا كان شعارنا في عام 2005 لبنان أولاً، يجب أن يكون العنوان في عام 2024 هو الدستور أولاً»، لافتاً إلى أن «الفارق بين سوريا ولبنان هو أن سوريا لا تملك دستوراً وهي خاضعة فقط للقرار الدولي 2254. في حين بالتجربة اللبنانية يبقى الدستور اللبناني ووثيقة الوفاق الوطني المرجعَين الصالحَين لبناء الدولة، وهذا هو التحدي الأكبر في لبنان».

وشدّد، من ثم، على ضرورة «استكمال بناء المؤسسات الدستورية، خصوصاً في المرحلة الانتقالية التي تمرّ بها سوريا»، وتابع: «وفي حال دخلت سوريا، لا سمح الله، في مرحلة من الفوضى... فنحن لا نريد أن تنتقل هذه الفوضى إلى لبنان».

العودة للحضن العربي

من جهة ثانية، يحتاج لبنان في المرحلة المقبلة إلى مقاربة جديدة عمّا كان الوضع عليه في العقود السابقة. ولا يُخفي السياسي اللبناني الدكتور خلدون الشريف، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن لبنان «سيتأثّر بالتحوّلات الكبرى التي تشهدها المنطقة، وحتميّة انعكاس ما حصل في سوريا على لبنان». ويلفت إلى أن «ما حصل في سوريا أدّى إلى تغيير حقيقي في جيوبوليتيك المنطقة، وسيكون له انعكاسات حتمية، ليس على لبنان فحسب، بل على المشرق العربي والشرق الأوسط برمته أيضاً».

الاستحقاق الرئاسي

في سياق موازٍ، قبل 3 أسابيع من موعد جلسة انتخاب الرئيس التي دعا إليها رئيس مجلس النواب نبيه برّي في التاسع من يناير (كانون الثاني) المقبل، لم تتفق الكتل النيابية حتى الآن على اسم مرشّح واحد يحظى بأكثرية توصله إلى قصر بعبدا.

وهنا، يرى الشريف أنه بقدر أهمية عودة لبنان إلى موقعه الطبيعي في العالم العربي، ثمّة حاجة ماسّة لعودة العرب إلى لبنان، قائلاً: «إعادة لبنان إلى العرب مسألة مهمّة للغاية، شرط ألّا يعادي أي دولة إقليمية عربية... فلدى لبنان والعرب عدوّ واحد هو إسرائيل التي تعتدي على البشر والحجر». وبغض النظر عن حتميّة بناء علاقات سياسية صحيحة ومتكافئة مع سوريا الجديدة، يلفت الشريف إلى أهمية «الدفع للتعاطي معها بإيجابية وانفتاح وفتح حوار مباشر حول موضوع النازحين والشراكة الاقتصادية وتفعيل المصالح المشتركة... ويمكن للبلدين، إذا ما حَسُنت النيّات، أن يشكلّا نموذجاً مميزاً للتعاون والتنافس تحت سقف الشراكة».

يحتاج لبنان في المرحلة المقبلة إلى مقاربة جديدة

النهوض الاقتصادي

وحقاً، يمثّل الملفّ الاقتصادي عنواناً رئيساً للبنان الجديد؛ إذ إن بناء الاقتصاد القوي يبقى المعيار الأساس لبناء الدولة واستقرارها، وعودتها إلى دورها الطبيعي. وفي لقاء مع «الشرق الأوسط»، قال الوزير السابق محمد شقير، رئيس الهيئات الاقتصادية في لبنان، إن «النهوض الاقتصادي يتطلّب إقرار مجموعة من القوانين والتشريعات التي تستجلب الاستثمارات وتشجّع على استقطاب رؤوس الأموال، على أن يتصدّر الورشة التشريعية قانون الجمارك وقانون ضرائب عصري وقانون الضمان الاجتماعي».

شقير يشدّد على أهمية «إعادة هيكلة القطاع المصرفي؛ إذ لا اقتصاد من دون قطاع مصرفي». ويشير إلى أهمية «ضبط التهريب على كل طول الحدود البحرية والبرّية، علماً بأن هذا الأمر بات أسهل مع سقوط النظام السوري، الذي طالما شكّل عائقاً رئيساً أمام كل محاولات إغلاق المعابر غير الشرعية ووقف التهريب، الذي تسبب بخسائر هائلة في ميزانية الدولة، بالإضافة إلى وضع حدّ للمؤسسات غير الشرعية التي تنافس المؤسسات الشرعية وتؤثر عليها».

نقطة جمارك المصنع اللبنانية على الحدود مع سوريا (آ ف ب)

لبنان ودول الخليج

يُذكر أن الفوضى في الأسواق اللبنانية أدت إلى تراجع قدرات الدولة، ما كان سبباً في الانهيار الاقتصادي والمالي، ولذا يجدد شقير دعوته إلى «وضع حدّ للقطاع الاقتصادي السوري الذي ينشط في لبنان بخلاف الأنظمة والقوانين، والذي أثّر سلباً على النمو، ولا مانع من قوننة ليعمل بطريقة شرعية ووفق القوانين اللبنانية المرعية الإجراء». لكنه يعبّر عن تفاؤله بمستقبل لبنان السياسي والاقتصادي، قائلاً: «لا يمكن للبنان أن ينهض من دون علاقات طيّبة وسليمة مع العالم العربي، خصوصاً دول الخليج... ويجب أن تكون المهمّة الأولى للحكومة الجديدة ترسيخ العلاقات الجيّدة مع دول الخليج العربي، ولا سيما المملكة العربية السعودية التي طالما أمّنت للبنان الدعم السياسي والاقتصادي والمالي».

ضبط السلاح

على صعيد آخر، تشكّل الملفات الأمنية والعسكرية سمة المرحلة المقبلة، بخاصةٍ بعد التزام لبنان فرض سلطة الدولة على كامل أراضيها تطبيقاً للدستور والقرارات الدولية. ويعتبر الخبير العسكري والأمني العميد الركن فادي داوود، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «تنفيذ القرار 1701 ومراقبة تعاطيها مع مكوّنات المجتمع اللبناني التي تحمل السلاح، هو التحدّي الأكبر أمام المؤسسات العسكرية والأمنية». ويوضح أن «ضبط الحدود والمعابر البرية مع سوريا وإسرائيل مسألة بالغة الدقة، سيما في ظل المستجدات التي تشهدها سوريا، وعدم معرفة القوة التي ستمسك بالأمن على الجانب السوري».

مكافحة المخدِّرات

وبأهمية ضبط الحدود ومنع الاختراق الأمني عبرها، يظل الوضع الداخلي تحت المجهر في ظلّ انتشار السلاح لدى معظم الأحزاب والفئات والمناطق اللبنانية، وهنا يوضح داوود أن «تفلّت السلاح في الداخل يتطلّب خطة أمنية ينفّذها الجيش والأجهزة الأمنية كافة». ويشرح أن «وضع المخيمات الفلسطينية يجب أن يبقى تحت رقابة الدولة ومنع تسرّب السلاح خارجها، إلى حين الحلّ النهائي والدائم لانتشار السلاح والمسلحين في جميع المخيمات»، منبهاً إلى «معضلة أمنية أساسية تتمثّل بمكافحة المخدرات تصنيعاً وترويجاً وتصديراً، سيما وأن هناك مناطق معروفة كانت أشبه بمحميات أمنية لعصابات المخدرات».

حقائق

علاقات لبنان مع سوريا... نصف قرن من الهيمنة

شهدت العلاقات اللبنانية - السورية العديد من المحطات والاستحقاقات، صبّت بمعظمها في مصلحة النظام السوري ومكّنته من إحكام قبضته على كلّ شاردة وواردة. وإذا كان نفوذ دمشق تصاعد منذ دخول جيشها لبنان في عام 1976، فإن جريمة اغتيال الرئيس اللبناني المنتخب رينيه معوض في 22 نوفمبر (تشرين الثاني) 1989 - أي يوم عيد الاستقلال - شكّلت رسالة. واستهدفت الجريمة ليس فقط الرئيس الذي أطلق مرحلة الشروع في تطبيق «اتفاق الطائف»، وبسط سلطة الدولة على كامل أراضيها وحلّ كل الميليشيات المسلّحة وتسليم سلاحها للدولة، بل أيضاً كلّ من كان يحلم ببناء دولة ذات سيادة متحررة من الوصاية. ولكنْ ما إن وُضع «اتفاق الطائف» موضع التنفيذ، بدءاً بوحدانية قرار الدولة، أصرّ حافظ الأسد على استثناء سلاح «حزب الله» والتنظيمات الفلسطينية الموالية لدمشق، بوصفه «سلاح المقاومة لتحرير الأراضي اللبنانية المحتلّة» ولإبقائه عامل توتر يستخدمه عند الضرورة. ثم نسف الأسد «الأب» قرار مجلس الوزراء لعام 1996 القاضي بنشر الجيش اللبناني على الحدود مع إسرائيل، بذريعة رفضه «تحويل الجيش حارساً للحدود الإسرائيلية».بعدها استثمر نظام دمشق انسحاب الجيش الإسرائيلي من المناطق التي كان يحتلها في جنوب لبنان خلال مايو (أيار) 2000، و«جيّرها» لنفسه ليعزّز هيمنته على لبنان. غير أنه فوجئ ببيان مدوٍّ للمطارنة الموارنة برئاسة البطريرك الراحل نصر الله بطرس صفير في سبتمبر (أيلول) 2000، طالب فيه الجيش السوري بالانسحاب من لبنان؛ لأن «دوره انتفى مع جيش الاحتلال الإسرائيلي من جنوب لبنان».مع هذا، قبل شهر من انتهاء ولاية الرئيس إميل لحود، أعلن نظام بشار الأسد رغبته بالتمديد للحود ثلاث سنوات (نصف ولاية جديدة)، ورغم المعارضة النيابية الشديدة التي قادها رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري، مُدِّد للحود بالقوة على وقع تهديد الأسد «الابن» للحريري ووليد جنبلاط «بتحطيم لبنان فوق رأسيهما». وهذه المرة، صُدِم الأسد «الابن» بصدور القرار 1559 عن مجلس الأمن الدولي، الذي يقضي بانتخاب رئيس جديد للبنان، وانسحاب الجيش السوري فوراً، وحلّ كل الميليشيات وتسليم سلاحها للدولة اللبنانية. ولذا، عمل لإقصاء الحريري وقوى المعارضة اللبنانية عن السلطة، وتوِّج هذا الإقصاء بمحاولة اغتيال الوزير مروان حمادة في أكتوبر (تشرين الأول) 2004، ثمّ باغتيال رفيق الحريري يوم 14 فبراير (شباط) 2005، ما فجّر «ثورة الأرز» التي أدت إلى انسحاب الجيش السوري من لبنان يوم 26 أبريل (نيسان)، وتبع ذلك انتخابات نيابية خسرها حلفاء النظام السوري فريق «14 آذار» المناوئ لدمشق.تراجع نفوذ دمشق في لبنان استمر بعد انسحاب جيشها بضغط أميركي مباشر. وتجلّى ذلك في «الحوار الوطني اللبناني»، الذي أفضى إلى اتخاذ قرارات بينها «ترسيم الحدود» اللبنانية السورية، وبناء علاقات دبلوماسية مع سوريا وتبادل السفراء، الأمر الذي قبله بشار الأسد على مضض. وأكمل المسار بقرار إنشاء محكمة دولية لمحاكمة قتلة الحريري وتنظيم السلاح الفلسطيني خارج المخيمات - وطال أساساً التنظيمات المتحالفة مع دمشق وعلى رأسها «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة» - وتحرير المعتقلين اللبنانيين في السجون السورية. حرب 6002مع هذا، بعد الحرب الإسرائيلية على لبنان في يوليو (تموز) 2006، التي أعلن «حزب الله» بعدها «الانتصار على إسرائيل»، استعاد النظام السوري بعض نفوذه. وتعزز ذلك بسلسلة اغتيالات طالت خصومه في لبنان من ساسة ومفكّرين وإعلاميين وأمنيين - جميعهم من فريق «14 آذار» - وتوّج بالانقلاب العسكري الذي نفذه «حزب الله» يوم 7 مايو 2008 محتلاً بيروت ومهاجماً الجبل. وأدى هذا التطور إلى «اتفاق الدوحة» الذي منح الحزب وحلفاء دمشق «الثلث المعطِّل» في الحكومة اللبنانية، فمكّنهم من الإمساك بالسلطة.يوم 25 مايو 2008 انتخب قائد الجيش اللبناني ميشال سليمان رئيساً للجمهورية، وفي 13 أغسطس (آب) من العام نفسه عُقدت قمة لبنانية ـ سورية في دمشق، وصدر عنها بيان مشترك، تضمّن بنوداً عدّة أهمها: «بحث مصير المفقودين اللبنانيين في سوريا، وترسيم الحدود، ومراجعة الاتفاقات وإنشاء علاقات دبلوماسية، وتبنّي المبادرة العربية للسلام». ولكن لم يتحقق من مضمون البيان، ومن «الحوار الوطني اللبناني» سوى إقامة سفارات وتبادل السفراء فقط.ختاماً، لم يقتنع النظام السوري في يوم من الأيام بالتعامل مع لبنان كدولة مستقلّة. وحتى في ذروة الحرب السورية، لم يكف عن تعقّب المعارضين السوريين الذي فرّوا إلى لبنان، فجنّد عصابات عملت على خطف العشرات منهم ونقلهم إلى سوريا. كذلك سخّر القضاء اللبناني (خصوصاً المحكمة العسكرية) للتشدد في محاكمة السوريين الذين كانوا في عداد «الجيش السوري الحرّ» والتعامل معهم كإرهابيين.أيضاً، كان للنظام السوري - عبر حلفائه اللبنانيين - الدور البارز في تعطيل الاستحقاقات الدستورية، لا سيما الانتخابات الرئاسية والنيابية وتشكيل الحكومات، بمجرد اكتشاف أن النتائج لن تكون لصالحهم. وعليه، قد يكون انتخاب الرئيس اللبناني في 9 يناير (كانون الثاني) المقبل، الاستحقاق الأول الذي يشهده لبنان من خارج تأثير نظام آل الأسد منذ نصف قرن.