كيير: غالبية الأشياء بما فيها كرة القدم أصبحت ثانوية بعدما رأيت إريكسن قريباً من الموت

مدافع الدنمارك وميلان الذي اختارته «الغارديان» لاعب العام يتحدث عن إنقاذ حياة زميله

كيير في هيلسينغور بالدنمارك يحمل جائزة «الغارديان» لأفضل لاعب كرة قدم لعام 2021
كيير في هيلسينغور بالدنمارك يحمل جائزة «الغارديان» لأفضل لاعب كرة قدم لعام 2021
TT
20

كيير: غالبية الأشياء بما فيها كرة القدم أصبحت ثانوية بعدما رأيت إريكسن قريباً من الموت

كيير في هيلسينغور بالدنمارك يحمل جائزة «الغارديان» لأفضل لاعب كرة قدم لعام 2021
كيير في هيلسينغور بالدنمارك يحمل جائزة «الغارديان» لأفضل لاعب كرة قدم لعام 2021

يتأمل سيمون كيير 12 شهرا مضت كان كل شيء فيها غريبا وغير مألوف. يقول المدافع الدنماركي عنها: «لقد مررنا بكل شيء، سواء كان إيجابيا أم سلبيا. وانتابتنا كل المشاعر، ومر علينا كل شيء». نحن هنا، في غرفة الاجتماعات في فندق المنتخب الوطني في هيلسينغور، شرق الدنمارك، لمنح كيير جائزة أفضل لاعب كرة قدم لعام 2021 من قبل صحيفة «الغارديان». في 12 يونيو (حزيران) فعل كيير شيئا لم يكن أي شخص في ملاعب كرة قدم يتوقع أنه ضروري، فعندما أصيب صديقه المقرب كريستيان إريكسن بسكتة قلبية خلال مباراة الدنمارك أمام فنلندا في يورو 2020 ركض كيير لمساعدته على الفور، ووضعه في وضع التعافي وبدء إجراء خطوات الإنعاش القلبي الرئوي الذي ساعد في النهاية في إنقاذ حياته.
ومع تطور الوضع، قام كيير بتشكيل حلقة حماية حول إريكسن مع زملائه في الفريق، وطمأن شريكة إريكسن، سابرينا كفيست جينسن، التي كانت تجلس في المدرجات. كيير هو قائد منتخب الدنمارك وقاده بقوة غير عادية ورباطة جأش استثنائية خلال محنة لا يمكن تصورها. ونتيجة لذلك، حظى كيير بتقدير كبير للغاية، حيث تم اختياره في قائمة المرشحين لجائزة أفضل لاعب في العالم، واحتل المركز الثامن عشر في قائمة اللاعبين المرشحين للحصول على الكرة الذهبية، بينما منحه الاتحاد الأوروبي لكرة القدم جائزة له وللطاقم الطبي لمنتخب الدنمارك. وقبل كيير تكريمنا بنفس الطلب الذي طلبه عندما حصل على الجوائز الأخرى، وهو أن يكون هذا تكريما جماعيا لتسليط الضوء على المجهود الكبير الذي قام به جميع لاعبي وعناصر الفريق.
يقول كيير: «إنني أقدر كل الكلمات الإيجابية والامتنان، وهذا شرف كبير لي، لكن كما قلت دائماً، فإن رد فعلي كان تلقائيا، وهو نفس الأمر الذي ينطبق على رد فعل الجميع. إن ما فعلناه قمنا به كفريق. ولم يكن بإمكاني الحفاظ على تماسكي لو لم يكن الجميع من حولي أتكئ عليهم». ويضيف: «لقد كان صديقنا. إنه ليس مجرد زميل، ولكنه صديق. لقد جعل ذلك الأمر أكثر صعوبة، وما فعلناه كان غريزياً وتلقائياً. لا أعتقد أنه يمكنك تحضير نفسك لأي شيء من هذا القبيل. أنا أعلم تماما أنني لم أكن لأتمكن من القيام بأي شيء من هذا دون أن يكون الفريق بجانبي. وفي نهاية المطاف، كان كل شيء يهدف إلى غرض واحد فقط وهو حياة كريستيان ورفاهيته وعائلته».
لقد أصبح إريكسن الآن يتمتع بصحة جيدة، وهذا كل ما يهم بالطبع. وعندما استؤنفت مباراة فنلندا بسرعة كبيرة، أدرك كيير أنه «ليس لديه شيء يعطيه»، على حد تعبيره، لذلك سرعان ما تم استبداله. لقد خسرت الدنمارك تلك المباراة، لكن ما حدث بعد ذلك يجعل الأمر أكثر إثارة للدهشة. في الحقيقة، لم يكن أحد سينتقد كيير ولاعبي فريقه لو قرروا أن البطولة لم تعد مناسبة لهم، وبالتأكيد لم يلوموا أنفسهم. لقد تعاملوا مع الأمور يوماً بيوم ووجدوا أنفسهم مدعومين بشيء لا يمكن وصفه بسهولة حتى الآن. لقد كان لاعبو المنتخب الدنماركي يعلمون أنهم فريق جيد، لكنهم لم يكونوا يتخيلون أبدا أن يصلوا للدور نصف النهائي للبطولة.
يقول كيير عن محاولاتهم استعادة ما يشبه الحياة الطبيعية: «لقد جربنا كل شيء. وسمحنا لأنفسنا بأن نتدرب لمدة ساعة، ثم لمدة ساعة ونصف في اليوم، ثم تمكنا من اجتياز كل الصعوبات والتحديات التي واجهناها». وكانت العقبة الأولى هي مباراة بلجيكا على نفس الملعب في باركين، وهو الملعب الوطني الدنماركي في كوبنهاغن، والذي كان قد شهد صدمة سقوط إريكسن مغشيا عليه قبل خمسة أيام. خسرت الدنمارك بهدفين مقابل هدف وحيد، لكن ذلك لم يكن يهم كثيرا. ولن ينسى أي شخص كان حاضراً في تلك الظهيرة المشمسة ما حدث، والذي أصبح تأكيداً عميقاً لمعنى الحياة. ووسط أجواء مليئة بالبهجة والراحة والندم والامتنان والفخر، سيطرت الدنمارك على مجريات اللقاء تماما وكان بإمكانها أن تسجل خمسة أو ستة أهداف، بينما كان إريكسن يشاهد المباراة من على بُعد بضع مئات من الأمتار. وبعيدا عن النتيجة، تعامل لاعبو الدنمارك مع هذه المباراة على أنها مباراة حياتهم.
يقول كيير عن ذلك: «استمتعنا بالمباراة، ولم تكن النتيجة مهمة حقا، ويمكنني أن أؤكد على ذلك بنسبة 100 في المائة. لم تكن النتيجة مهمة على الإطلاق في أي وقت من الأوقات». ويضيف «الجماهير، والملعب، وهذا الدعم الكبير، وهذه المشاعر بالداخل؛ أعتقد أن كل ذلك يصف ما حدث للدنمارك في ذلك الصيف، وللأشخاص الذين كانوا هناك، ولأولئك الذين كان يشاهدون المباريات عبر شاشات التلفزيون. كيف تمكنا من تقديم هذا الأداء؟ في الحقيقة، لا أجد تفسيرا لذلك، وكل ما يمكنني قوله هو أن هذا يعود إلى الفريق وإلى الدعم الكبير الذي تلقيناه وإلى الثقة الكبيرة فينا، والراحة التي نشعر بها تجاه بعضنا بعضا. إن العلاقة القوية بيننا كانت هي الشيء الوحيد الذي أعطانا فرصة للعودة على أرض الملعب».
لقد كانت مشاركتهم في البطولة متعلقة بخيط رفيع، لكنهم الآن يعرفون أنهم قادرون على الأداء. فازت الدنمارك على كل من روسيا وويلز وجمهورية التشيك وصعدت إلى الدور نصف النهائي في ويمبلي. فهل قرر القدر ببساطة أن يقطع المنتخب الدنماركي كل هذا الطريق؟ ليس تماماً، حيث سجل كيير هدفا عكسيا في مرمى فريقه، كما شهد الوقت الإضافي احتساب ركلة جزاء مثيرة للجدل أدت إلى فوز المنتخب الإنجليزي ووصوله إلى المباراة النهائية، لكن الدنمارك قدمت مستويات مثيرة للإعجاب.
يقول كيير: «حتى لو لم نتجاوز دور المجموعات، لكنت راضيا تماماً على ذلك. من المؤكد أنه بعد انتهاء البطولة نظرت إلى ما حدث وكنت أتمنى وصولنا إلى مراحل أبعد من ذلك. وما زلت غاضباً بشأن ركلة الجزاء التي احتسبت علينا والتي منعتنا من الوصول إلى المباراة النهائية. لكن في نهاية المطاف كان الأمر ثانوياً، فقد أصبحت كرة القدم شيئا ثانويا بالنسبة لي، ولم تعد بنفس الأهمية التي كانت عليها من قبل».
ومع ذلك، يصف كيير ملعب كرة القدم بأنه «أكثر مكان أشعر فيه بالراحة على وجه الأرض»، لكن من المؤكد أنه لم يعد نفس المكان بعدما كان إريكسن قريبا من الموت عليه. وبالتالي، ساعده ذلك على تقسيم وقته بين كرة القدم وبين حياته العائلية، بحيث يبذل قصارى جهده داخل الملعب والتدريبات، لكن في نفس الوقت فإن الوقت الذي يقضيه كل صباح ومساء مع طفليه هو وقت مقدس ولا يمكن المساس به.
يقول المدافع الدنماركي: «عندما تمر بمثل هذه التجربة، فإنك لن تنساها أبدا طوال حياتك. لكنك تتعلم منها وتستخلص العبر والدروس، وربما يتيح لي ذلك أيضاً لعب كرة قدم بشكل أفضل من ذي قبل. أنا ألعب كرة القدم وأنا أستمتع بها، وهذا يجعلني أكثر هدوءا واسترخاءً. أنا أركز بشكل كامل على كرة القدم وأبذل قصارى جهدي، لكنني في نفس الوقت ألعب بهدوء وأريحية. أحب لعب كرة القدم، ودائما ما كنت أحب هذه اللعبة، لكنني لن أبقى في الملاعب لمدة 10 سنوات أخرى، لذلك يجب أن أقدر الوقت المتبقي من مسيرتي».
من الواضح أن هذه الكلمات كانت تحمل معنى إضافيا. وبعد انتهاء المقابلة، عرض كيير بلطف إمكانية إجراء محادثة قصيرة أخرى في حال كانت أي من تصريحاته تحتاج إلى توضيح، لكن لم يكن ذلك ضروريا في حقيقة الأمر. وبعد ثلاثة أسابيع، وفي الدقائق الأولى من مباراة ميلان أمام جنوا في الأول من ديسمبر (كانون الأول)، اصطدم كيير بأندريا كامبياسو ونُقل على محفة بعد علاج طويل. كان الأمر يبدو سيئاً، وبعد يومين تأكدت الأنباء، حيث خضع المدافع الدنماركي لعملية جراحية في الرباط الصليبي الأمامي في ركبته اليسرى، إلى جانب إعادة ربط الرباط الداخلي، وهو ما يعني أنه سيغيب عن الملاعب لمدة ستة أشهر.
وجاءت هذه الإصابة القوية في وقت لم يكن فيه كيير بحاجة إلى ذلك، حيث كان يقدم أفضل مستويات له على الإطلاق على مستوى الأندية، وكان يعطي قوة كبيرة لخط دفاع ميلان تحت قيادة المدير الفني ستيفانو بيولي. ورغم وصوله إلى الثانية والثلاثين من عمره، فإنه لم يظهر أي علامة على تراجع المستوى، بل على العكس تماماً كان مستواه يتطور ويتحسن بمرور الوقت. لقد اتصلت به مرة أخرى في الأسبوع التالي، وكان موقفه ثابتا ولم يتغير، حيث قال: «عندما ننظر إلى الصورة الأكبر، فهذه مجرد ساقي، وهذه مجرد كرة قدم، رغم أن كلاهما مهم للغاية للاعب كرة القدم. أنا بخير وعائلتي بخير وسأعود إلى ملاعب كرة القدم مرة أخرى».
وأضاف «أفضل أن أنظر إلى هذا على أنه فرصة إيجابية ونادرة. غالباً ما كنت أفكر في كيفية قضاء شهرين أو ثلاثة أشهر بعيداً عن المباريات، وكيفية استغلال ذلك في أن أكون مبدعاً في تطوير مستواي وتقوية جسدي. عادة ما يكون من المستحيل حدوث ذلك في كرة القدم. كنت أفضل ألا أتعرض للإصابة بالطبع، لكن علي أن أتقبل ذلك، وأعمل على تجاوز الأمر والخروج من هذه المحنة أقوى مما كنت عليه».
وهناك العديد من الحوافز والدوافع التي تجعل كيير يرغب في العودة بكل قوة، ففريقه ميلان ينافس على لقب الدوري الإيطالي الممتاز، ومنتخب بلاده الدنمارك سوف يشارك في نهائيات كأس العالم القادمة بقطر، وهو قائد المنتخب الدنماركي منذ عام 2016، وبالعودة إلى مدينة هيلسينجور، يتعمق كيير في العقلية التي أوصلته إلى هذا المستوى. لقد انضم إلى فريق الشباب بنادي ميتلاند، حيث كان والده، يورن، يعمل في إعداد أدوات التدريب، حتى تقاعد في فبراير (شباط) الماضي. وتعرض كيير لصدمة ثقافية بعد الانضمام إلى باليرمو وهو في التاسعة عشرة من عمره. وبعد ذلك، خاض تجارب أخرى في كل من فولفسبورغ وروما وليل وفنربخشة وإشبيلية وأتالانتا. لقد كانت مسيرته الكروية جيدة، لكنها أصبحت رائعة بعد أن انتقل إلى ميلان العام الماضي.
في الواقع، يتحدث كيير بهدوء ويعني تماما كل كلمة يقولها، وإجاباته مطولة لكنها واضحة. ومن السهل أن ترى كيف يقود زملاءه من اللاعبين من حوله. يبلغ عدد سكان الدنمارك 5.8 مليون نسمة فقط، لكنها تنتج عددا كبيرا من اللاعبين الرائعين الذين يظهرون قدرات وإمكانيات كبيرة، بالإضافة إلى اللعب في أصعب الظروف. قد يكون من التبسيط توضيح ذلك من خلال الإشارة إلى ما فعله المنتخب الدنماركي في يورو 2020 من خلال التغلب على محنة سقوط إريكسن بهذا الشكل الرائع والوصول إلى الدور نصف النهائي للبطولة، لكن السؤال الذي يبدو جديراً بالاهتمام هو: ما هي أسباب نجاح لاعبي كرة القدم الدنماركيين؟
يقول كيير: «بشكل عام، نحن شعب محترم للغاية ومتعلم. وإذا اخترت 100 لاعب دنماركي من جميع أنحاء العالم، فربما لن تجد سوى لاعب واحد فقط مجنونا بعض الشيء، لكنني أعتقد أنك ستجد أوجه تشابه كبيرة للغاية بيننا جميعاً. لقد نشأنا وتربينا على أن نعيش بشكل مستقل تماما، وتعلمنا كيف نعتني بأنفسنا، وكيف نكون مهذبين، وكيف نتعامل مع الآخرين، وكيف نتحلى بالثقة، فالثقة شيء جيد للغاية، لكن لا يجب أن تتمادى في الثقة حتى لا تتحول إلى غرور. أنت تحصل على التقدير والاحترام بسبب العمل الذي تقوم به، ولا تأخذ أي شيء كأمر مسلم به. نحن واضحون للغاية، وصادقون جداً، وأعتقد أن هذا مهم جداً».
إن هذه الصفات الرائعة هي التي تساعد على تكوين رابطة قوية بين اللاعبين الدنماركيين على أرض الملعب. لقد ضمنت الدنمارك الوصول إلى نهائيات كأس العالم 2022 بقطر خلال الفترة التي أجريت فيها هذه المقابلة مع كيير، وواصل المنتخب الدنماركي تألقه وفاز على جزر فارو بعد يومين، ليكون هذا هو الفوز التاسع على التوالي. وحتى دون إريكسن – النجم الأول للمنتخب الدنماركي – يمكن للدنمارك أن تصل إلى الدور ربع النهائي للمونديال على الأقل.
وفي أكتوبر (تشرين الأول) 2020، خاض كيير وإريكسن مباراتهما رقم 100 مع منتخب بلادهما، وكان ذلك في دوري الأمم الأوروبية على ملعب ويمبلي.
ولم يصل إلى هذا العدد من المباريات الدولية مع منتخب الدنمارك سوى ثمانية لاعبين آخرين فقط، وهو ما يعد بمثابة لمحة صغيرة عن الرحلة الطويلة التي قطعها إريكسن وكيير معا. وانتهى بهما المطاف في ميلان، حيث يلعب كيير لميلان بينما كان إريكسن يلعب مع إنتر ميلان، وهو الأمر الذي كان يجعلهما يشعران بالسعادة. لكن إريكسن رحل عن إنتر ميلان بعد سقوطه الشهير ويتدرب حاليا مع نادي أودنسه الدنماركي، الذي لعب له وهو في سن المراهقة، لمعرفة ما إذا كان يمكنه العودة إلى ممارسة كرة القدم على المستوى الاحترافي أم لا.
يقول كيير: «أتحدث كثيراً مع كريستيان، فهذا هو علاجي، لأنني لو علمت أن كريستيان على ما يرام فإنني أكون على ما يرام، وإذا كان في حالة جيدة فإنني أكون في حالة جيدة أيضا». واختتم كيير حديثه قائلا: «بالطبع لدي أشياء أعاني معها، وسأعاني منها دائما. لكن بمرور الوقت، وإذا استطعت أن أرى كريستيان وعائلته في حالة جيدة، فسأكون أنا أيضا بحالة جيدة. هذا هو الأمر الذي يجعلني أشعر بالسعادة والهدوء، وهذا يكفي بالنسبة لي».



من الشغف إلى الاحتراف... الألعاب الإلكترونية في المغرب تلفت الانتباه

الألعاب الإلكترونية تجذب الشباب والفتيات في المغرب (أرشيفية - رويترز)
الألعاب الإلكترونية تجذب الشباب والفتيات في المغرب (أرشيفية - رويترز)
TT
20

من الشغف إلى الاحتراف... الألعاب الإلكترونية في المغرب تلفت الانتباه

الألعاب الإلكترونية تجذب الشباب والفتيات في المغرب (أرشيفية - رويترز)
الألعاب الإلكترونية تجذب الشباب والفتيات في المغرب (أرشيفية - رويترز)

 

انتشرت الألعاب الإلكترونية في المغرب، لا سيما بين الشبان، كوسيلة للترفيه، وقضاء الوقت، لكن سرعة تطور هذه الألعاب شكلت لدى الدولة والمؤسسات المعنية رؤية أوسع بشأن أهمية هذا القطاع، وسبل الاستفادة منه، وتحويله لقطاع جاذب للاستثمار.

ومن بين النماذج الواعدة التي حققت خطوات ملموسة في هذا المجال أنس موسى (21 عاماً) ابن مدينة الحسيمة الساحلية الذي بدأ هاوياً قبل سنوات قليلة حتى استطاع أن يصل إلى نهائي كأس العالم لكرة القدم الإلكترونية 2024 في الرياض.

كذلك نجحت ابتسام فرحان، التي نشأت في حي شعبي بالدار البيضاء، في تحقيق منجز مغربي بمجال الألعاب الإلكترونية حين فازت بالمركز الأول في بطولة البحر المتوسط للرياضات الإلكترونية التي أقيمت في ليبيا شهر أغسطس (آب) الماضي.

وقالت ابتسام لوكالة (رويترز) للأنباء: «قرار الاحتراف جاء بشكل طبيعي بعدما لاحظت أنني قادرة على المنافسة في مستويات عالية، كنت دائماً أبحث عن التحديات، وعندما بدأت في تحقيق نتائج جيدة في البطولات، شعرت بأن هذا المجال يمكن أن يكون أكثر من مجرد هواية».

هذا الشغف المتزايد تردد صداه في أروقة المؤسسات والوزارات المعنية التي شرعت في وضع القواعد التنظيمية، وإقامة البطولات المحلية، وتأسيس منتخبات وطنية، مع الانفتاح على الاستثمار في البنى التحتية لتحويل المغرب إلى مركز إقليمي وعالمي للألعاب الإلكترونية، ليس على مستوى الممارسة فحسب، بل في مجال الابتكار، والبرمجة.

وفي هذا الصدد، تقول نسرين السويسي، المسؤولة عن تطوير صناعة الألعاب الإلكترونية بوزارة الشباب والثقافة والتواصل: «هذا الشغف ليس مجرد ظاهرة مؤقتة كما يعتقد البعض، بل هو تعبير عن جيل يبحث عن هوية رقمية خاصة به، سواء من خلال اللعب التنافسي الذي يجمع الملايين، أو من خلال الإبداع في تطوير الألعاب». وأضافت: «دورنا هو تحويل هذا الحماس إلى فرص عمل، وإنجازات ملموسة من خلال توفير البنية التحتية، والتدريب اللازم لهم ليصبحوا جزءاً من هذه الصناعة».

مبادرات حكومية

وتشيد نسرين بالمبادرات التي أطلقتها الدولة لدعم القطاع الناشئ، ومنها مشروع (مدينة الألعاب الإلكترونية) في الرباط الذي بدأ في الآونة الأخيرة بالشراكة مع فرنسا بهدف توفير منصات تدريبية وإبداعية حديثة، وخلق بيئة متكاملة لدعم صناعة وتطوير الألعاب.

وتستطرد قائلة: «نحن لا نبني مدينة الألعاب على أنه مجرد مبنى، أو مشروع عقاري، بل إنه جزء من استراتيجية متكاملة لتحويل المغرب إلى مركز إقليمي وعالمي في صناعة الألعاب الإلكترونية، حيث ستكون هذه المدينة فضاء شاملاً يضم استوديوهات تطوير متطورة، ومساحات عمل مشتركة للمبرمجين، وورش عمل لمصممي الغرافيكس، وكتاب السيناريوهات، بهدف خلق 6000 فرصة عمل بحلول 2030، وإنتاج ألعاب بجودة عالمية تنافس في الأسواق الدولية، وتضع المغرب على الخريطة العالمية».

وتشرف نسرين أيضاً على (معرض المغرب لصناعة الألعاب الإلكترونية) الذي انطلق لأول مرة العام الماضي وجذب 250 مشاركاً في نسخته الأولى، لكن هذا العدد ارتفع إلى أربعة أمثال في النسخة الثانية، مما عكس اهتماماً متزايداً من المطورين المحليين والشركات الدولية.

قاعدة أوسع

تعمل الجامعة الملكية المغربية للألعاب الإلكترونية على تعزيز الجانب التنافسي بقيادة حسناء الزومي التي تقول إن «الاهتمام بالرياضات الإلكترونية في المغرب شهد تطوراً ملحوظاً في السنوات الأخيرة، حيث لاحظنا زيادة كبيرة في عدد اللاعبين، والمسابقات، والجمهور الذي يتابع هذه الفعاليات، سواء بشكل مباشر، أو عبر الإنترنت».

وأوضحت أن بطولات مثل «البطولة» و«الدوري» نمت بشكل كبير، حيث ارتفع عدد المشاركين في «الدوري» من 180 لاعباً و21 جمعية إلى أكثر من 1200 لاعب و51 جمعية، مع زيادة الألعاب من اثنتين إلى سبع.

كما ترى اللاعبة ابتسام فرحان أن الألعاب الإلكترونية تتيح الفرصة للفتيات لإبراز إمكاناتهن، إذ تقول إن «مستقبل الرياضات الإلكترونية للنساء في المغرب واعد جداً، خاصة مع تزايد عدد اللاعبات المشاركات في البطولات المحلية والدولية».

وتعتبر أن فوزها ببطولة البحر المتوسط للرياضات الإلكترونية لم يكن مجرد إنجاز شخصي، بل بداية لتحفيز جيل جديد من اللاعبات إذ تسعى إلى تغيير الصورة النمطية للمرأة في الألعاب وتصبح نموذجاً يلهم الفتيات الأخريات لاقتحام هذا المجال.

الجانب الثقافي للألعاب

ولا تجذب الألعاب الإلكترونية اللاعبات في المغرب فحسب، بل اقتحمت الفتيات مجال البرمجة، والتصميم، ومنهن سلمى محضر التي تحلم بصنع ألعاب تعكس الروح والهوية المغربية.

وقالت سلمى: «لدينا اهتمام العديد من الشبان المغاربة الذين يريدون تحويل شغفهم إلى مهنة في تطوير الألعاب، أو ببساطة تعلم مهارات إنشاء ألعاب الفيديو، مما دفعهم للانضمام إلى مجتمعات تطوير الألعاب المخصصة، مثل مجموعة (مطوري الألعاب المغاربة)، مما أظهر أن المزيد من الشبان مهتمون بصناعة الألعاب، وليس فقط لعبها». وأضافت: «من تجربتي الشخصية، تمكنت من التعرف أكثر على جغرافية وتاريخ العديد من الدول، وأرى كيف يمكن للألعاب المغربية أن تتناسب مع هذه الصورة باستخدام ثقافتنا الجميلة، وتاريخنا الغني، وجمالنا المحلي في الألعاب».

وتابعت قائلة: «لماذا لا ننشئ لعبة عن عمارتنا في المدن القديمة مثل مراكش وفاس المعروفة بتصاميمها التفصيلية، والأسواق الملونة، والمعالم التاريخية، حيث يتبع اللاعب قصة جيدة بينما يزور أماكن تاريخية مثل مسجد الكتبية، ساحة جامع الفنا، قصر الباهية في مراكش، وجامعة القرويين، المدينة، والمدرسة البوعنانية في فاس».

وختمت بالقول: «لضمان نجاح عالمي للعبة... يجب أن تتابع اتجاهات الألعاب الحديثة، ما هو جديد في الصناعة، وتستمع إلى آراء اللاعبين في كل مراجعة للعبة لفهم ما حدث من خطأ، أو ما حدث بشكل صحيح... ببساطة، يجب أن تكون شخصاً مبدعاً، تحليلياً، صبوراً ومتفهماً».

سوق واعد

وبحسب التقديرات الرسمية تبلغ قيمة سوق الألعاب المغربية 2.24 مليار درهم (نحو 230 مليون دولار)، مع التطلع لمضاعفة هذه القيمة إلى خمسة مليارات درهم بحلول 2023.

ورغم التطور السريع، والانتشار الواسع للألعاب الإلكترونية في المغرب، فإن ثمة تحديات تواجه القطاع الواعد من وجهة نظر المتخصصين.

ويقول الإعلامي المتخصص في الألعاب والرياضات الإلكترونية الطيب جبوج إن البنية التحتية للإنترنت في المغرب شهدت تطوراً كبيراً في السنوات القليلة الماضية، لا سيما في المدن الكبرى، مثل الدار البيضاء، والرباط، ومراكش، لكن لا تزال هناك تفاوتات في المناطق الريفية، أو الأقل تطوراً.

وأضاف أنه من أجل تحقيق نتائج أفضل مستقبلاً يحتاج الأمر إلى تعزيز البنية التحتية الرقمية، وتشجيع تدريب المواهب، والاستثمار في التدريب، والبحث، وإقامة أحداث رياضية إلكترونية منظمة تسمح بتوحيد مجتمع يتزايد عدده باستمرار.