اتسع نطاق المواجهات أمس، في ألما آتا، وعدد من المدن الكازاخية، بين قوات مكافحة الشغب وآلاف المحتجين الذين انتشروا في الطرقات والساحات العامة. وأعلنت السلطات مقتل 18 عسكرياً خلال اليومين الأخيرين، فيما تحدث المحتجون عن سقوط عشرات القتلى في صفوفهم. واتخذت موسكو أمس، خطوات إضافية لتأكيد دعمها إجراءات الرئيس قاسم جومارت توكايف في مواجهة ما وصف بأنه «خطر إرهابي يتصاعد» وأعلنت وزارة الدفاع أنها أرسلت وحدة تدخل سريع من قوات المظليين الروس.
وتصاعدت سخونة الوضع بقوة أمس، بعد مرور يوم واحد على إطلاق عملية عسكرية - أمنية واسعة النطاق في المدن التي تشهد احتجاجات نشطة منذ أيام. وأعلنت السلطات الكازاخية أن العاصمة التاريخية للبلاد ألما آتا شهدت عمليات إطلاق نار من قبل مجموعة من «مثيري الشغب المسلحين» وعمليات سلب وترهيب، في محاولة لزعزعة الأمن، وسط انتشار كثيف للقوات الأمنية لإعادة الاستقرار. وأفادت وكالة «سبوتنيك كازاخستان» أن قوات الأمن تصدت لهجوم مسلح استهدف مركز شرطة المدينة وقامت بتصفية المسلحين. وأعلنت الشرطة الكازاخية أنه تم تحييد عشرات «مثيري الشغب» خلال محاولة اقتحام مبنى شرطة ألما آتا خلال ليلة الخميس، وزادت في بيان أنه «جرت محاولة لاقتحام مبنى شرطة ألما آتا، وتم تحييد العشرات من المهاجمين».
في السياق ذاته، لفت التلفزيون الرسمي الكازاخي إلى أن «مثيري الشغب حاصروا مستشفيين كبيرين في ألما آتا» وزاد أن المهاجمين «أفراد عصابات مسلحون بالأسلحة النارية قاموا بمنع المرضى والأطباء والعاملين في المجال الطبي من دخول المستشفيين أو الخروج منهما، مما يعرض حياة الجميع للخطر».
وكانت ألما آتا تحولت إلى ما يشبه الثكنة العسكرية بعد انتشار واسع للجيش الذي زج وحدات القوات الخاصة ونشر آليات ومدرعات في ساحات وطرقات المدينة.
وأكدت وزارة الداخلية الكازاخية، اعتقال نحو ألفي متظاهر في المدينة على خلفية أعمال الشغب وقالت إنه «تمت إحالتهم إلى الدوائر المختصة للتحقيق».
وأفاد بيان أصدرته الشرطة الكازاخية صباح أمس، بأن 12 شرطياً قتلوا خلال المواجهات في مدينة ألما آتا، وأصيب 353 من عناصر الشرطة وقوات الأمن، كما لفتت مصادر الشرطة إلى أنه تم العثور على جثتين لأفراد من الشرطة، مقطوعتي الرأس. لكن هذه الأرقام تصاعدت مع حلول مساء أمس، ووفقاً للبيانات الأمنية فقد بلغ عدد القتلى في أجهزة الأمن 18 بينما زاد عدد الجرحى على 550 عسكرياً.
في المقابل، نفت مصادر المحتجين صحة هذه الأنباء، ونقلت وسائل إعلام مستقلة خارج البلاد شهادات مشاركين في الاحتجاجات قالوا فيها إن الشرطة والجيش فتحا نيراناً كثيفة على متظاهرين وإن عشرات الجثث من الضحايا ظلت ملقية في ساحة وسط ألما آتا.
ورغم أن هذه المدينة شهدت أعنف المواجهات أمس، لكن الاحتجاجات تواصلت في عدد من المدن الأخرى، وإن كانت أقل عنفاً. واندلعت الأزمة في كازاخستان في بداية العام بعد دخول قرار رفع أسعار المحروقات حيز التنفيذ. ونص القرار على زيادة سعر ليتر الغاز المستخدم للسيارات بنحو الضعفين ما أثار استياء واسعا ودفع إلى نزول آلاف المتظاهرين في مناطق غرب البلاد الغنية بالغاز والنفط إلى الشوارع. ولم تلبث الاحتجاجات أن انتشرت في غالبية المدن الكازاخية واتخذت بعداً سياسياً بعد رفع شعارات تطالب برحيل الحكومة وإنهاء نفوذ الرئيس السابق نور سلطان نزاربايف على مقاليد السلطة. ودفعت الاحتجاجات الواسعة الرئيس توكايف إلى إعفاء الحكومة، وأعلن أنه سيقود بنفسه مجلس الأمن القومي في البلاد، وهو المنصب الذي كان نزاربايف يشغله رسمياً. علماً بأن الأخير لم يصدر أي تعليق على الأحداث المتصاعدة. وتعهد توكايف التعامل «بحزم كامل» مع الاحتجاجات، وأعلن لاحقا أن البلاد تواجه محاولة لزعزعة استقرارها وأمنها، وحذر من «تهديد إرهابي واسع النطاق».
وشكلت هذه العبارات التي أطلقها الرئيس قبل يومين منعطفاً في آليات مواجهة الاحتجاجات، إذ أعلنت السلطات بعدها إطلاق «عملية واسعة لمكافحة الإرهاب» في البلاد، وطلبت نور سلطان مساعدة من بلدان معاهدة الأمن الجماعي لمواجهة «الخطر الإرهابي»، وهو الطلب الذي سارعت موسكو وبلدان أخرى منضوية في إطار هذه المنظمة ببينها بيلاروسيا وإريميا إلى إرسال وحدات عسكرية لمساعدة السلطات الكازاخية. وأعلنت وزارة الدفاع الروسية أمس، أن أولى وحداتها من المظليين المدربين على عمليات التدخل السريع وصلت إلى كازاخستان منوهة بأنها سترسل تعزيزات إضافية. في الوقت ذاته، تحول الوضع في كازاخستان إلى محور مناقشات للمسؤولين الروس مع عدد من البلدان، وأجرت موسكو اتصالات في إطار رابطة الدول المستقلة حثت فيها على تعزيز إجراءات لدعم نور سلطان، في حين بحث وزيرا الخارجية التركي، مولود تشاووش أوغلو، والروسي، سيرغي لافروف، عبر الهاتف الوضع في كازاخستان واللقاء المرتقب لمجلس «روسيا - الناتو». كما أعلنت موسكو أن وزير الدفاع الروسي أجرى محادثات هاتفية مع نظيره الأميركي من دون الكشف عن مضمونها.
في غضون ذلك، حملت وزارة الخارجية الروسية من وصفتها «جهات خارجية» المسؤولية عن تدهور الوضع في كازاخستان، وقالت أمس، في بيان إن الأحداث المتصاعدة هي «محاولة مستوحاة من الخارج من أجل زعزعة استقرار وأمن البلاد بالقوة». وزاد البيان أن «الأحداث الأخيرة في دولة صديقة، محاولة من الخارج لتقويض أمن وسلامة الدولة بالقوة... باستخدام تشكيلات مسلحة مدربة ومنظمة بشكل جيد». وشدد على تمسك روسيا «بالتزاماتها تجاه الحلفاء في إطار منظمة معاهدة الأمن الجماعي، وتأييدها الكامل اعتماد تدابير عاجلة فيما يتعلق بالتدهور السريع للوضع السياسي الداخلي وتصاعد العنف في كازاخستان». وأكدت الخارجية الروسية أن موسكو سوف تواصل «مشاورات وثيقة مع كازاخستان والحلفاء في منظمة معاهدة الأمن الجماعي بشأن اتخاذ خطوات إضافية لدعم عمليات مكافحة الإرهاب».
من جهتها أعلنت منظمة معاهدة الأمن الجماعي، أنه تم إرسال قوات حفظ السلام إلى كازاخستان، وأكدت أن وحدة من القوات الروسية بدأت بالفعل في تنفيذ مهامها هناك. وأشارت الأمانة العامة إلى أن وحدات روسية من قوات حفظ السلام «بدأت بالفعل في تنفيذ المهام الموكلة إليها». وبحسب المنظمة، تضم قوات حفظ السلام وحدات من القوات المسلحة لروسيا وبيلاروسيا وأرمينيا وطاجيكستان وقيرغيزستان.
وزادت أن «المهام الرئيسية لقوات حفظ السلام التابعة لمنظمة معاهدة الأمن الجماعي في حماية المنشآت الحكومية والعسكرية المهمة، ومساعدة قوات الأمن الكازاخية في العمل على تحقيق الاستقرار وتطبيع الوضع».
قوات روسية لدعم توكاييف... وموسكو تتهم «جهات خارجية»
مواجهات عنيفة في مدن كازاخستان... والسلطات تتعهد «حرباً حازمة ضد الإرهاب»
قوات روسية لدعم توكاييف... وموسكو تتهم «جهات خارجية»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة