الصراع الإقليمي يهدد الأقليات السكانية في سهل نينوى

TT

الصراع الإقليمي يهدد الأقليات السكانية في سهل نينوى

تجد الأقليات في سهل نينوى مناطقهم الواقعة شمال غربي مدينة الموصل، مركز محافظة نينوى، نفسها في أتون صراع إقليمي ومحلي ليس لهم فيه ناقة أو جمل، مثلما يجدون أنفسهم مضطرين للتمسك بـ«الأسباب الواهية» للبقاء في أرض الآباء والأجداد مع كل العجز الذي يشعرون به في مواجهة القوى المتصارعة هناك. ومعروف تاريخياً أن سهل نينوى (تلكيف، الحمدانية، بعشيقة) من بين أكثر المناطق تنوعاً في العراق، حيث يعيش فيها طيف واسع من المسيحيين والإيزيديين والشبك والكاكائين إلى جانب أقلية عربية مسلمة.
كانت الأقليات السكانية في سهل نينوى، خصوصاً الإيزيدية منها، تعرضت إلى اضطهاد واسع على يد تنظيم «داعش» الإرهابي الذي قتل وسبى الكثير من رجالها ونسائها عام 2014، وقد غادر معظم من تمكن من السكان إلى إقليم كردستان أو خارج البلاد، قبل أن يتمكن الكثير منهم من العودة إلى دياره بعد هزيمة «داعش» العسكرية عام 2017، لكن السكان ما زالوا يعانون هناك، نتيجة الاستقطاب والصراع الشديدين في مناطقهم.
وعن طبيعة الصراع الإقليمي الذي يلقي بظلاله القاتمة على سكان السهل، يقول مصدر مطلع على تفاصيل الصراع، «يبدو أن صعود (داعش) عام 2014 واحتلاله أجراء معظم مناطق سهل نينوى، قد وفر فرصاً نادرة للجارين التركي والإيراني للتدخل السافر». ويضيف المصدر، الذي يفضل عدم الإشارة إلى اسمه، أن «منطقة بعشيقة التي تقع فيها قاعدة زليكان التركية تتعرض إلى قصف متواصل تنفذه الفصائل المسلحة الموالية لإيران، ما يهدد حياة الناس هناك، في مقابل القصف التركي المتكرر لمواقع في قضاء سنجار بذريعة محاربة حزب العمال الكردستاني».
ويعتقد المصدر أن «وجود القاعدة التركية على جبل بعشيقة يوفر فرصاً كبيرة للأتراك للهيمنة عسكرياً على سهل نينوى، ورصد جميع التحركات العسكرية وصولاً إلى الحدود مع سوريا، وهو الأمر الذي يثير حفيظة الإيرانيين الساعين إلى السيطرة على الطريق الممتد إلى سوريا». ويتابع المصدر أن «تركيا تتمركز عسكرياً وبشكل علني، لكن إيران توجد عبر فصائل مسلحة تابعة لـ(الحشد الشعبي)، والمؤكد أنها التي تقوم بالهجمات على القاعدة التركية».
كانت معلومات عسكرية تحدثت عن تعرض قاعدة زليكان، أول من أمس، إلى هجوم بعدة صواريخ من نوع «غراد». ويرى المصدر أن «الهجوم الأخير على القاعدة انطلق من قرية جربوعة ذات الأغلبية الشبكية التي يعمل بعض أبنائها في فصائل (الحشد الشعبي)».
ويواصل أن «الصراع في سنجار ومناطق سهل نينوى، لا يتوقف على الصراع الإقليمي بين أنقرة وطهران فقط، ويتعداه لصراع مصالح محلية، أطرافه قوى وأحزاب كردية تسعى للهيمنة على المناطق المحاذية للإقليم والمتنازع عليها مع السلطات الاتحادية من جهة، وأخرى عربية مرتبطة بمحافظة نينوى وبغداد من جهة أخرى».
ولعل ما يعمق مشاعر الإحباط لدى أبناء الأقليات العرقية والدينية في سهل نينوى، هو أن الدولة العراقية ما زالت غير قادرة على حمايتهم، أو القيام بأي تحرك يقلل من شعورهم بالخوف والتهديد، وفي هذا الاتجاه يقول النائب الإيزيدي السابق صائب خدر، إن «مناطق الأقليات في سهل نينوى وسنجار تعد الأخ غير الشقيق لمحافظة نينوى من ناحية تعامل إدارة المحافظة معها، لكونها تتجاهل مشكلات هذه المناطق الأمنية والخدمية».
ويقول خدر لـ«الشرق الأوسط»، إن «الاستهدافات المتكررة للقاعدة التركية في جبل بعشيقة تثير الذعر والهلع في نفوس الأهالي، المشكلة أننا لا نؤيد أي وجود عسكري أجنبي في مناطقنا، لكننا نجد أنفسنا وسط ظروف خطيرة للغاية غير مسؤولين عنها». ويعتقد أن «أسباب هلع السكان كثيرة، ومنها ما قد تسبب الهجمات الصاروخية من أضرار جسيمة على السكان في حال أخطأت هذه الصواريخ أهدافها».
ويلاحظ خدر، أن «مناطق الأقليات في سهل نينوى وسنجار أصبحت مناطق توتر أمني برسائل سياسية وساحة لتصفية الصراعات الدولية والإقليمية والمحلية، إما من خلال الاستهداف التركي المتكرر لسنجار أو من خلال استهداف القواعد التركية».
ويتحدث خدر عن حجم المعاناة التي يختبرها المواطنون الإيزديون والمسيحيون في بعشيقة بالذات نتيجة الوجود التركي فيها، ويؤكد أن «الفلاحين مثلاً يقطعون مسافات طويلة خلف الجبل للوصول إلى أراضيهم الزراعية، ثم إن أغلب أراضي الجبل مملوكة للعوائل الإيزيدية والمسيحية، وكانت تستثمر للزراعة، لكنها اليوم تخضع للقوات التركية أو البيشمركة الكردية من دون أي تعويض ومن دون أي تدخل من الحكومة الاتحادية».



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.