إسرائيل توافق على إخضاع علاقاتها مع الصين للمراقبة الأميركية المباشرة

ميناء حيفا (رويترز)
ميناء حيفا (رويترز)
TT

إسرائيل توافق على إخضاع علاقاتها مع الصين للمراقبة الأميركية المباشرة

ميناء حيفا (رويترز)
ميناء حيفا (رويترز)

أكد مسؤول رفيع في الخارجية الإسرائيلية الأنباء التي نشرت في تل أبيب وواشنطن عن موافقة حكومة نفتالي بنيت على إخضاع علاقاتها مع الصين للمراقبة الأميركية المباشرة.
وجاء ذلك في إطار المفاوضات التي تجريها الحكومة منذ تأسيسها في يونيو (حزيران) الماضي مع إدارة الرئيس جو بايدن، التي تطالب إسرائيل بإلغاء عدد من الصفقات الاستراتيجية مع الصين. وقال المسؤول إن إسرائيل تعهدت مؤخراً بإطلاع الولايات المتحدة الأميركية، على تفاصيل «الصفقات المهمة» التي تعتزم إبرامها مع الصين، وتعهدت حتى بإعادة النظر في الصفقات التي تعترض عليها واشنطن.
وقال المسؤول، لصحيفة «هآرتس»، إن مستشار الأمن القومي الأميركي، جيك سوليفان، المسؤول عن صياغة السياسة الأميركية تجاه الصين، ناقش الأمر مع وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لبيد مرتين.
المعروف أن الولايات المتحدة، تحت إدارة بايدن ودونالد ترمب قبله، كانت ترفض الصفقات الإسرائيلية مع الصين وتعتبرها مضرة بالمصالح الأميركية، خصوصاً صفقة بناء ميناء جديد في حيفا. وهددت في حينه بوقف زيارات الأسطول الأميركي، عقاباً. لكن حكومة بنيامين نتنياهو توصلت إلى اتفاق لوضع نظام مراقبة على النشاط الصيني في الميناء، إلا أنها المرة الأولى التي توافق فيها إسرائيل على نظام مراقبة أميركي على النشاط الإسرائيلي وليس فقط الصيني.
وكانت الحكومة الإسرائيلية قد شرعت مؤخراً في مناقشات داخلية حول المطالب الأميركية المتصلة بالعلاقات بين تل أبيب وبكين. وأشارت «هآرتس» إلى اجتماعات عقدها المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر للشؤون السياسية والأمنية ومسؤولون في وزارتي الأمن والأمن الداخلي، للبحث في هذه المسألة، عدة مرات في الشهور الماضية. وقالت إن إسرائيل طلبت من الولايات المتحدة أن تحيل إليها الشركات التي يمكن أن تعمل كبديل عن الشركات الصينية في قطاع البنية التحتية، «وهي خطوة لم تسفر عن نتائج حتى الآن»، بحسب المسؤول المذكور. كما توجهت إسرائيل بطلب مماثل إلى بريطانيا. وفي الحالتين أكد الإسرائيليون أنهم معنيون بإقامة شراكات حول مشاريع البنية التحتية، مع كل من الهند والإمارات.
وقالت جهات سياسية إن إسرائيل باتت تواجه معضلة استراتيجية بسبب التقديرات التي تتوقع أن تصل المواجهة بين الولايات المتحدة والصين قريباً إلى نقطة الغليان، وسيكون عليها أن تختار ما بين أمرين: الإسراع في الاصطفاف خلف واشنطن، أو المماطلة تجنباً لخسارة الاستثمارات مع الصين التي تعد ثالث أكبر شريك تجاري لإسرائيل. وفي الوقت نفسه، لا تترك الإدارة الأميركية مجالاً للحكومة الإسرائيلية للمماطلة، وتبعث برسائل إلى كبار المسؤولين الإسرائيليين تعرب فيها عن القلق من الاستثمارات الصينية في مشاريع البنية التحتية، فضلاً عن محاولة الصين تعميق مشاركتها في الاقتصاد الإسرائيلي وصناعة التكنولوجيا الفائقة. وأوضحت هذه الرسائل أن «واشنطن لمحت إلى أنها تتوقع أن تقف إسرائيل إلى جانب الولايات المتحدة التي تنتهج سياسة تشكك تجاه الصين ودوافعها».
يذكر أن مجموعة موانئ شنغهاي العالمية، التي تملكها الدولة الصينية، قد فازت عام 2015 بمناقصة لبناء وتشغيل مرفق الشحن التجاري في ميناء حيفا لمدة 25 عاماً، وفازت شركات أخرى بمشاريع شق أنفاق ضخمة وجسور عملاقة. وأثار هذا الأمر جدلاً داخل إسرائيل، بالإضافة إلى تحفظ الولايات المتحدة التي ترسو أحياناً سفن عسكرية تابعة لها في حيفا. وفي حينه دخلت حكومة نتنياهو خلافاً مع إدارة باراك أوباما. واليوم تتعمد حكومة بنيت الظهور كمن يغير سياسته ويضع الولايات المتحدة قبل كل الحلفاء الآخرين.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟