«يونيتامس» تدعو إلى حوار يحل أزمة السودان

البرهان يتمسك بحكومة مستقلة... وتشديد الإجراءات الأمنية لمواجهة الاحتجاجات

جانب من الاحتجاجات  في الخرطوم أول من أمس (أ.ف.ب)
جانب من الاحتجاجات في الخرطوم أول من أمس (أ.ف.ب)
TT

«يونيتامس» تدعو إلى حوار يحل أزمة السودان

جانب من الاحتجاجات  في الخرطوم أول من أمس (أ.ف.ب)
جانب من الاحتجاجات في الخرطوم أول من أمس (أ.ف.ب)

أعلن مبعوث الأمم المتحدة في السودان فولكر بيرتس، في بيان أمس، أن السودان بحاجة إلى حوار شامل حول كيفية تحقيق مستقبله الديمقراطي والسلمي. وأضاف بيرتس أن أعضاء بعثة «يونيتامس» على استعداد لتسهيل ذلك الحوار، وأنه يجب على السلطات السودانية «تقديم مرتكبي أعمال العنف خلال الأشهر الماضية إلى العدالة». وقال حول استقالة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك: «مع أسفي لقراره، لكني أحترمه»، مؤكداً أن «يونيتامس» على استعداد لتسهيل حوار شامل حول كيفية تحقيق مستقبل السودان الديمقراطي والسلمي. وعبّر فولكر عن قلقه للأزمة المستمرة في البلاد منذ الإجراءات العسكرية في 25 أكتوبر (تشرين الأول)، التي يراها كثيرون تهدد بعرقلة التقدم المحرز في السودان منذ حدوث الإطاحة بنظام الرئيس السابق عمر البشير في أبريل (نيسان) 2019.
من جانبه، أكد رئيس مجلس السيادة الانتقالي في السودان، عبد الفتاح البرهان على ضرورة تشكيل حكومة مستقلة ذات مهام محددة يتوافق عليها جميع السودانيين، وذلك في أعقاب تقديم رئيس الوزراء عبد الله حمدوك استقالته في خطاب موجه للشعب السوداني، فيما استقبلت أحزاب سياسية وكيانات شعبية ونقابية قرار الاستقالة بترحاب، كونها تعارض الاتفاق الذي وقعه مع البرهان في 21 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.
وقال البرهان، في لقاء مع كبار ضباط القوات المسلحة والدعم السريع، من رتبة عميد فما فوق، بمقر القيادة العامة للجيش بالخرطوم، هنالك ضرورة العمل على تحقيق مهام الفترة الانتقالية في تحقيق السلام وبسط الأمن ومعالجة قضايا معاش الناس وقيام الانتخابات. وأكد أن القوات المسلحة ستظل متماسكة تحرس تراب الوطن وأمنه، وستحمي الانتقال الديمقراطي، وصولاً لانتخابات حرة ونزيهة ترضي طموحات كل السودانيين.
وقال القيادي بحزب البعث العربي الاشتراكي، عادل خلف الله، إن «رئيس الوزراء وضع نفسه باتجاه حتمية الاستقالة، حينما لم يعبر عن الإرادة الشعبية، التي بلغت ذروة قوتها، ويكون واجهة للجيش بتوقيعه اتفاقاً سياسياً مع العسكريين». وأضاف أن الاستقالة تقدم درساً بليغاً لقادة الجيش الذين يتعامون مع رغبات الشعب ويحاولون فرض التسلط عليه. وكان الأجدر أن يستكملوا استقالة رئيس الوزراء بإعلانهم الاستعداد لتسليم السلطة للشعب ولمن يرتضيه كمدخل لسلطة مدنية كاملة تفتح الطريق أمام التحول السلمي والانتقال الديمقراطي.
وبدوره، وصف وزير المالية في حكومة حمدوك المنحلة، جبريل إبراهيم، استقالة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، في هذا التوقيت، بالأمر المؤسف للغاية، داعياً إلى تحويل هذه المحنة إلى فرصة للمّ الشمل والعبور بالوطن إلى برّ الأمان. وأضاف أن القوى السياسية أمام مسؤولية لمراجعة مواقفها أكبر من أي وقت مضى.
وعلمت «الشرق الأوسط» أن رئيس الوزراء رفض طلباً من رئيس مجلس السيادة الانتقالي، الفريق عبد الفتاح البرهان، ونائبه محمد حمدان دقلو «حميدتي» بتصريف أعمال الحكومة لحين تعيين رئيس وزراء جديد. وكشفت دوائر مقربة من رئيس الوزراء خلال الأيام التي سبقت استقالته، أن بعض قيادات أطراف عملية السلام (حركات الكفاح المسلح)، سعت لتجاوز أزمة التوافق الوطني التي اشترطها حمدوك للاستمرار في الوزارة، بالضغط على العسكريين لإشراك قوى الحرية والتغيير «المجلس المركزي» بعدد من الوزارات في الحكومة الجديدة.
وقال القيادي في «تجمع المهنيين السودانيين» الفاتح حسين، إن رئيس الوزراء تنحى ولم يستقل، تحت الضغط الكبير من الشارع الذي خرج يناهض الانقلاب العسكري الذي يعدّ الاتفاق السياسي الموقع بين قائد الجيش ورئيس الوزراء، امتداداً له. وأضاف أن الشراكة بين العسكريين والمدنيين كانت خصماً على الدولة المدنية، وأن قادة الجيش عملوا على عرقلة الفترة الانتقالية، وأصبحت الآن غير مفيدة. وأشار إلى أن تنحي حمدوك لن يغير كثيراً في موقف «تجمع المهنيين» الذي يعمل مع الشعب السوداني على الوضع الحالي، والتوصل إلى ميثاق سياسي مع القوى الثورية صاحبة المصلحة الحقيقية في التغيير.
في غضون ذلك، أعلنت اللجنة الفنية لمجلس الأمن والدفاع عن إغلاق جميع الجسور أمام حركة السير، عدا جسري الحلفايا وسوبا في أطراف العاصمة، اعتباراً من مساء أمس (الاثنين)، وبالفعل لاحظ سكان العاصمة تشدد الإجراءات الأمنية، وسط القوات العسكرية والشرطية، فيما دعت لجان المقاومة الشعبية وتجمع المهنيين إلى مواكب اليوم (الثلاثاء) للمطالبة بنقل السلطة إلى المدنيين.



نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
TT

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)

شيّعت الجماعة الحوثية خلال الأسبوع الماضي أكثر من 15 قتيلاً من قيادييها العسكريين والأمنيين من دون إعلان ملابسات سقوطهم. ورغم توقف المعارك العسكرية مع القوات الحكومية اليمنية في مختلف الجبهات؛ فإن النزيف البشري المستمر لقياداتها وعناصرها يثير التساؤلات عن أسبابه، بالتزامن مع مقتل العديد من القادة في خلافات شخصية واعتداءات على السكان.

ولقي قيادي بارز في صفوف الجماعة مصرعه، الأحد، في محافظة الجوف شمال شرقي العاصمة صنعاء في كمين نصبه مسلحون محليون انتقاماً لمقتل أحد أقاربهم، وذلك بعد أيام من مقتل قيادي آخر في صنعاء الخاضعة لسيطرة الجماعة، في خلاف قضائي.

وذكرت مصادر قبلية في محافظة الجوف أن القيادي الحوثي البارز المُكنى أبو كمال الجبلي لقي مصرعه على يد أحد المسلحين القبليين، ثأراً لمقتل أحد أقاربه الذي قُتل في عملية مداهمة على أحد أحياء قبيلة آل نوف، التي ينتمي إليها المسلح، نفذها القيادي الحوثي منذ أشهر، بغرض إجبار الأهالي على دفع إتاوات.

من فعالية تشييع أحد قتلى الجماعة الحوثية في محافظة حجة دون الإعلان عن سبب مقتله (إعلام حوثي)

ويتهم سكان الجوف القيادي القتيل بممارسات خطيرة نتج عنها مقتل عدد من أهالي المحافظة والمسافرين وسائقي الشاحنات في طرقاتها الصحراوية واختطاف وتعذيب العديد منهم، حيث يتهمونه بأنه كان «يقود مسلحين تابعين للجماعة لمزاولة أعمال فرض الجبايات على المركبات المقبلة من المحافظات التي تسيطر عليها الحكومة، وتضمنت ممارساته الاختطاف والتعذيب والابتزاز وطلب الفدية من أقارب المختطفين أو جهات أعمالهم».

وتقول المصادر إن الجبلي كان يعدّ مطلوباً من القوات الحكومية اليمنية نتيجة ممارساته، في حين كانت عدة قبائل تتوعد بالانتقام منه لما تسبب فيه من تضييق عليها.

وشهدت محافظة الجوف مطلع هذا الشهر اغتيال قيادي في الجماعة، يُكنى أبو علي، مع أحد مرافقيه، في سوق شعبي بعد هجوم مسلحين قبليين عليه، انتقاماً لأحد أقاربهم الذي قُتِل قبل ذلك في حادثة يُتهم أبو علي بالوقوف خلفها.

في الآونة الأخيرة تتجنب الجماعة الحوثية نشر صور فعاليات تشييع قتلاها في العاصمة صنعاء (إعلام حوثي)

وتلفت مصادر محلية في المحافظة إلى أن المسلحين الذين اغتالوا أبو علي يوالون الجماعة الحوثية التي لم تتخذ إجراءات بحقهم، مرجحة أن تكون عملية الاغتيال جزءاً من أعمال تصفية الحسابات داخلياً.

قتل داخل السجن

وفي العاصمة صنعاء التي تسيطر عليها الجماعة الحوثية منذ أكثر من 10 سنوات، كشفت مصادر محلية مطلعة عن مقتل القيادي الحوثي البارز عبد الله الحسني، داخل أحد السجون التابعة للجماعة على يد أحد السكان المسلحين الذي اقتحم السجن الذي يديره الحسني بعد خلاف معه.

وتشير المصادر إلى أن الحسني استغل نفوذه للإفراج عن سجين كان محتجزاً على ذمة خلاف ينظره قضاة حوثيون، مع المتهم بقتل الحسني بعد مشادة بينهما إثر الإفراج عن السجين.

وكان الحسني يشغل منصب مساعد قائد ما يسمى بـ«الأمن المركزي» التابع للجماعة الحوثية التي ألقت القبض على قاتله، ويرجح أن تجري معاقبته قريباً.

وأعلنت الجماعة، السبت الماضي، تشييع سبعة من قياداتها دفعة واحدة، إلى جانب ثمانية آخرين جرى تشييعهم في أيام متفرقة خلال أسبوع، وقالت إنهم جميعاً قتلوا خلال اشتباكات مسلحة مع القوات الحكومية، دون الإشارة إلى أماكن مقتلهم، وتجنبت نشر صور لفعاليات التشييع الجماعية.

جانب من سور أكبر المستشفيات في العاصمة صنعاء وقد حولته الجماعة الحوثية معرضاً لصور قتلاها (الشرق الأوسط)

ويزيد عدد القادة الذين أعلنت الجماعة الحوثية عن تشييعهم خلال الشهر الجاري عن 25 قيادياً، في الوقت الذي تشهد مختلف جبهات المواجهة بينها وبين القوات الحكومية هدوءاً مستمراً منذ أكثر من عامين ونصف.

ورعت الأمم المتحدة هدنة بين الطرفين في أبريل (نيسان) من العام قبل الماضي، ورغم أنها انتهت بعد ستة أشهر بسبب رفض الجماعة الحوثية تمديدها؛ فإن الهدوء استمر في مختلف مناطق التماس طوال الأشهر الماضية، سوى بعض الاشتباكات المحدودة على فترات متقطعة دون حدوث أي تقدم لطرف على حساب الآخر.

قتلى بلا حرب

وأقدمت الجماعة الحوثية، أخيراً، على تحويل جدران سور مستشفى الثورة العام بصنعاء، وهو أكبر مستشفيات البلاد، إلى معرض لصور قتلاها في الحرب، ومنعت المرور من جوار السور للحفاظ على الصور من الطمس، في إجراء أثار حفيظة وتذمر السكان.

وتسبب المعرض في التضييق على مرور المشاة والسيارات، وحدوث زحام غير معتاد بجوار المستشفى، ويشكو المرضى من صعوبة وصولهم إلى المستشفى منذ افتتاح المعرض.

ويتوقع مراقبون لأحوال الجماعة الحوثية أن يكون هذا العدد الكبير من القيادات التي يجري تشييعها راجعاً إلى عدة عوامل، منها مقتل عدد منهم في أعمال الجباية وفرض النفوذ داخل مناطق سيطرة الجماعة، حيث يضطر العديد من السكان إلى مواجهة تلك الأعمال بالسلاح، ولا يكاد يمرّ أسبوع دون حدوث مثل هذه المواجهات.

ترجيحات سقوط عدد كبير من القادة الحوثيين بغارات الطيران الأميركي والبريطاني (رويترز)

ويرجح أن يكون عدد من هؤلاء القادة سقطوا بقصف الطيران الحربي للولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا اللتين شكلتا منذ قرابة عام تحالفاً عسكرياً للرد على استهداف الجماعة الحوثية للسفن التجارية وطرق الملاحة في البحر الأحمر، وتنفذان منذ ذلك الحين غارات جوية متقطعة على مواقع الجماعة.

كما تذهب بعض الترجيحات إلى تصاعد أعمال تصفية الحسابات ضمن صراع وتنافس الأجنحة الحوثية على النفوذ والثروات المنهوبة والفساد، خصوصاً مع توقف المعارك العسكرية، ما يغري عدداً كبيراً من القيادات العسكرية الميدانية بالالتفات إلى ممارسات نظيرتها داخل مناطق السيطرة والمكاسب الشخصية التي تحققها من خلال سيطرتها على أجهزة ومؤسسات الدولة.

وبدأت الجماعة الحوثية خلال الأسابيع الماضية إجراءات دمج وتقليص عدد من مؤسسات وأجهزة الدولة الخاضعة لسيطرتها، في مساعِ لمزيد من النفوذ والسيطرة عليها، والتخفيف من التزاماتها تجاه السكان بحسب المراقبين.