نائب رئيس «النهضة» يخوض إضراباً عن الطعام في تونس

البحيري رفض تناول الغذاء والدواء

نور الدين البحيري (أ.ف.ب)
نور الدين البحيري (أ.ف.ب)
TT

نائب رئيس «النهضة» يخوض إضراباً عن الطعام في تونس

نور الدين البحيري (أ.ف.ب)
نور الدين البحيري (أ.ف.ب)

رفض نائب رئيس حزب «النهضة» التونسي، نور الدين البحيري الذي نُقل في حالة خطرة إلى المستشفى، بعد يومين من توقيفه الجمعة، تناول الطعام والدواء، حسبما أفاد أمس مصدر مطلع لوكالة «الصحافة الفرنسية».
وقام وفد من «الهيئة الوطنية للوقاية من التعذيب»، وهي هيئة مستقلة تابعة للدولة، ومن «مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان بتونس» بزيارة إلى مستشفى بمحافظة بنزرت، نُقل إليه البحيري، وزير العدل السابق، على ما أوضح المصدر نفسه الذي أكد أن البحيري «ليس في حالة حرجة (...) إنه حي وواعٍ، وتم إيواؤه في غرفة بمفرده في قسم أمراض القلب بالمستشفى»؛ لكنه «يرفض منذ الجمعة الغذاء والدواء، ولذلك تم نقله إلى المستشفى، وهو تحت المراقبة».
وقال المحامي والنائب سمير ديلو الذي استقال من حزب «النهضة»، في مؤتمر صحافي أمس، إن قضية البحيري، البالغ 63 عاماً: «سياسية، وتم توظيف القضاء فيها».
وأوضح ديلو أنه «تم تقديم شكاية في الاختطاف ضد الرئيس قيس سعيّد، وتوفيق شرف الدين (وزير الداخلية)».
من جانبها، أكدت سعيدة العكرمي، زوجة البحيري، في مؤتمر صحافي أمس، أنها لم تدخل لزيارة زوجها في المستشفى، ورفضت توقيع أوراق طلبها منها رئيس الفرقة الأمنية؛ موضحة أن زوجها «تعرض لأزمة قلبية، وهو في قسم الإنعاش بالمستشفى».
كما كشفت العكرمي عن تفاصيل جديدة تخص عملية توقيف زوجها، مؤكدة أن من نفذوا الاعتقال رفضوا الكشف عن هوياتهم، وأن زوجها دخل في إضراب عن الطعام.
وبشأن مكان احتجاز البحيري قبل نقله إلى المستشفى، تحدث ديلو عن 3 أماكن يمكن أن تمثل فضاء للاحتجاز في مدينة بنزرت، وهي ثكنة في منطقة الرمال تقع عند مدخل المدينة، أو في مركز تدريب فلاحي، أو في منزل كان يُستعمل قبل الثورة لتعذيب المعارضين.
يُذكَر أن هيئة الدفاع عن البحيري دخلت بدورها في اعتصام بمقر دار المحامين في تونس، احتجاجاً على إيقافه ووضعه قيد الإقامة الجبرية، وللمطالبة بإطلاق سراحه. وقد قام عبد الفتاح مورو، القيادي في حركة «النهضة»، وأحمد نجيب الشابي، رئيس حركة «أمل» وأحد أهم رموز المعارضة لنظام بن علي، بزيارة إلى مكان الاعتصام، للإعلان عن دعمهما لمطالب هيئة الدفاع.
وقال شهود عيان إنه مباشرة بعد نقل البحيري إلى المستشفى الجامعي «الحبيب بوقطفة» في مدينة بنزرت، بعد أن ساءت حالته الصحية، تم الدفع بتعزيزات أمنية مكثفة بمحيط المستشفى؛ خصوصاً بعد حضور عائلة البحيري، وعدد من المواطنين، وقيادات في حركة «النهضة»، وأنه تم السماح لزوجته سعيدة بالدخول لزيارته، رفقة طبيب يتم اختياره من قبل العائلة. وندد شكري الزعيري، المكلف الإعلامي بالنقابة العامة للحرس الوطني، بما اعتبره «اعتداء» على أحد مراكز الأمن العمومي بولاية (محافظة) بنزرت من قبل هيئة الدفاع عن البحيري، وبعض الأطراف السياسية. ودعا الزعيري رئيس الجمهورية ووزير الداخلية إلى حماية مقرات الأمن من مثل هذه الاعتداءات.
يُذكر أن راشد الغنوشي، رئيس حركة «النهضة»، ورئيس البرلمان المجمد، قد وجه رسالة إلى الرئيس قيس سعيد، حمَّله فيها «مسؤولية الكشف عن مصير البحيري»، وطمأنة أهله والرأي العام حول سلامته، وتمكين فريق طبي وحقوقي من زيارته، والاطِّلاع على وضعه. كما دعا إلى التعجيل بإطلاق سراحه؛ مستنكراً الإجراءات «غير القانونية» التي اتُّبعت ضد نور البحيري، وضد عدد آخر من نواب البرلمان المجمدة أنشطته.
من جهة ثانية، أعلنت وزارة الدفاع التونسية، أمس، مقتل عسكريين اثنين، إثر تحطُّم مروحية تابعة للجيش في شمال تونس خلال مهمة طيران. وقال الناطق الرسمي باسم الوزارة، محمد زكري، إن مروحية عسكرية «سقطت بمنطقة بنزرت الجنوبية ظهر اليوم (أمس) أثناء قيامها بتنفيذ مهمة طيران عادية».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.