حين يتغير العالم تبقى الثقافة

أدونيس
أدونيس
TT

حين يتغير العالم تبقى الثقافة

أدونيس
أدونيس

لما أُثير سؤال الثقافة في المجتمعات العربية تبادر إلى الذهن واقع بلداننا التي انحسرت فيها تيارات التنوير وتراجع دور المثقف وحُجمت مكانته الاعتبارية داخل المؤسسات وفي الحاضنة الاجتماعية أيضاً... حالة التراجع التي شهدها العالم العربي معرفياً لا يمكن أن تُختَصَر في السياسات التعليمية، أو أنْ تُحشَر داخل غُرف المنظومة التربوية. مما لا شك فيه أن المؤسسات غير الفاعلة ساهمت وتساهم في معادلة النكوص المعرفي والحضاري الذي أصاب بنيات الوعي الجماعي، وعطل الحراك المعرفي في المجتمعات العربية منذ عصور. لكن تبسيط المنظور العام قد لا يكون مفيداً من حيث الصدقية في الفهم والتحليل. على الأرجح هناك ما يمكن أن نبحث في تفاصيله ثقافياً وبصفة بنيوية علنا نعثر على جذور الأزمة التي تتجاوز حالاتٍ معزولة هنا وهناك، فالأمر يتعلق بظاهرة عامة تكشف عن عدد من الإسقاطات التي أحدثتها التحولات الكبرى في العالم ككل وليس فقط في منطقتنا. للأمر ارتباط وثيق طبعاً بمخرجات النيولبرالية وما أحدثته في واقع الفن والثقافة والجانب الرمزي من الحضارة الإنسانية، الأمر إذن كوني. فنحن إزاء عالم متسارع الإيقاع تكنولوجياً، عالم انتصرت فيه التقنية لمشروعها الميكانيكي والرقمي والاستهلاكي ورسختْ واقعاً تُهيمن فيه المعارف الإجرائية النفعية على الاختيارات الكبرى للأمم، وتتراجع فيه الفنون والآداب والأفكار النظرية التي لا سند تقني مباشر لها. إنه نصف كأس من الحضارة يحجب عنا النصف الآخر، لكن هل غاب دور الثقافة تماماً في مشروع العالم المتقدم غرباً وشرقاً؟ هل انتهى زمن المثقف المنظر للمجتمع؟ وهل سئمت الشعوب المنتجِة للمعرفة من دوائر الثقافة وأدوارها؟
المؤكد هو أن الرأسمالية المادية غيرت ترتيب الأرقام في المعادلة الاجتماعية حديثاً، لكنها لم تقلب أركان هذه المعادلة، بقيت الثقافة معياراً لا غنى عنه لقياس الوعي العام، وشرطاً للاستجابة الشعبية.
قد لا تكون القراءة وحدها هي المحدد الرئيسي لثقافة الشعوب، لكنها مؤشر على وجود سلوك معرفي يؤسس لعلاقة اجتماعية مع المعرفة العلمية التي هي لبنة البناء المدني، وهي حجر الزاوية في مشروع التقدم... مشروعٌ تشتغل عليه البشرية منذ بداية التاريخ دون أن يمسها الملل. نعم، القراءة تتراجع ورقياً ولا تتراجع واقعاً، يخسر الأدب وتتطور تجلياته الثقافية في زوايا أخرى غير الكتب والصالونات المعزولة، يخسر الشعر أفقياً جزءاً كبيراً من جماهيريته، لكنه يكسب عمودياً كل ما خسره.
هكذا يشرح أدونيس واقع الشعر في المشهد العالمي، غير العربي طبعاً. فالشعر بهذا المسلك الخاص يصل إلى أعلى مستويات المجد الفني بفضل خصوصيته الفنية أولاً، وبفضل حوارييه الأوفياء من ذوي القراءات العالية، وممن يرون في الشعر ملكوت الفكر الإنساني الخلاق الذي يبصر النور في آخر النفق وينذر العالم بما يراه مجهولاً وملتبساً وغير محسوم، إنه قلقُ الشعر الذي ظلت حضارة العالم مدينة له بفضل السؤال والشك. إنه الشعر القلِق، من يلد الحقيقة ويغذي عقل الابتكار. هكذا إذن لا يبدو أن الثقافة بتمثلها الرمزي قد تراجعت في العالم المتقدم، ولا يبدو أن الأمر قابل للتبسيط على هذا النحو، إن الشعوب الحية ظلت وفية لدور الثقافة متشبثة بمعانيها السامية ومؤمنة بها كعقيدة إنسانية تمنح للعقل حاضنَتَهُ التي لا يبدع في غيابها، وتمتح في الوقت نفسه من قدرات هذا العقل إنسانياً واجتماعياً، إنه العقل الاجتماعي الذي تسميه الثقافة عقلاً. إن التراجع الذي يتسارع في العالم العربي معرفي في الأساس، يحدث ذلك لأن الثقافة كمفهوم أولاً وكمشروع عملي ثانياً وكشرطٍ حضاري ثالثاً تم اختزالها وتقزيم حضورها داخل هامش صغير لا يكادُ يؤثر وربما لا يكاد يُرى، هكذا أصبحت الثقافة مجرد قطاع مؤسساتي رتيب، تزينه في الحالات الجيدة بعض النشاطات التي لا تصل أبداً إلى مستوى الصناعة الثقافية الرائدة بمفهومها الاقتصادي، والتي باتت تصنفها الأدبيات الاقتصادية اليوم كقطاع اقتصادي رابع... جديدٍ وواعد.
ومع امتداد الصراعات وتعقد القضايا والأزمات، وأمام تحديات الاستهلاك والإكراهات الجيوسياسية في منطقة شمال أفريقيا والشرق الأوسط، أصبحت المسألة الثقافة برمتها قضية ثانوية للغاية لا تكاد تُطرَح سوى من باب التأثيث على طاولات الخطط المسماة «استراتيجية» في بلدانٍ عربية عديدة غير معنية بالتخطيط أصلاً. لقد ظلت هذه البلدان طوال العقود الأخيرة مشغولة بالراهن من الواجبات على حساب الأساسي والجوهري، لكن إدغار موران الفيلسوف الفرنسي الذي اشتهر عنه إيمانه بالتعقيد كفلسفة للفهم سبق أن حذر من التضحية بما هو رئيسي من القضايا لمصلحة المستعجل منها، لأن ذلك يجعلنا ننسى أن القضايا الجوهرية هي دائماً مستعجلة ولا ينبغي مطلقاً تأجيل التعاطي معها. لعل هذا ما حدث ويحدث باستمرار في عالمنا العربي، فلفرط التوجه للمعضلات الهيكلية الطارئة تم التغاضي عن سؤال الثقافة، وخلع الكثيرون عن الثقافة ثوب الجوهرية. لكن التخبط الذي تعيشه البلدان العربية هيكلياً ليس سوى إحدى التمثلات الطبيعية جداً لأسباب أخرى خلقت الأزمة، وكرست مُحددات البوَار الحضاري الذي نعيشه منذ الاستقلال في رحلة بناء الدولة العربية المتعثرة فصولُها حتى الآن، أما الاستثناءات التي تبرز هنا أو هناك فلا يُمكن القياس عليها، غير أن البناء على فكرتها المبدعة هو المطلوب الآن.
* شاعر وكاتب مغربي



مجلة «المسرح» الإماراتية: مهرجان الشارقة للمسرح الصحراوي

مجلة «المسرح» الإماراتية: مهرجان الشارقة للمسرح الصحراوي
TT

مجلة «المسرح» الإماراتية: مهرجان الشارقة للمسرح الصحراوي

مجلة «المسرح» الإماراتية: مهرجان الشارقة للمسرح الصحراوي

صدر حديثاً عن دائرة الثقافة في الشارقة العدد 62 لشهر نوفمبر (تشرين الثاني) 2024 من مجلة «المسرح»، وضمَّ مجموعة من المقالات والحوارات والمتابعات حول الشأن المسرحي المحلي والعربي والعالمي.

في «مدخل» مواكبة لحفل تكريم الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، في إطار الدورة السابعة من مهرجان «المهن التمثيلية للمسرح المصري»، تثميناً لإسهاماته ومجهوداته في دعم ورعاية المسرح والفن في الوطن العربي؛ إذ تسلَّم عبد الله بن محمد العويس، رئيس دائرة الثقافة، ممثلاً عن حاكم الشارقة، درع التكريم، خلال افتتاح المهرجان في العاصمة المصرية القاهرة مساء التاسع من أكتوبر (تشرين الأول) 2024.

وبمناسبة انعقاد مهرجان الشارقة للمسرح الصحراوي في دورته الثامنة من 13 إلى 17 ديسمبر (كانون الأول) 2024، تضمَّن العدد استطلاعاً ضمَّ آراء مجموعة من الفنانين الإماراتيين حول مسيرة المهرجان ودوره في فتح آفاق جديدة للممارسة المسرحية المحلية والعربية، كما ضمَّ باب «رؤى» مقالتين حول التحديات والحلول الإخراجية والتمثيلية التي يقترحها المهرجان الذي ينظم في فضاء مفتوح بمنطقة «الكهيف» على العروض المشاركة فيه. في باب «قراءات» نطالع مجموعة مراجعات حول أبرز العروض التي شهدتها المسارح العربية في الفترة الأخيرة، حيث كتبت آنا عكاش عن عرض «ساعة واحدة فقط» للمخرج السوري منتجب صقر، وكتبت إكرام الزقلي عن مسرحية «بلا عنوان» أحدث أعمال المخرجة التونسية مروى المناعي، وتناول شريف الشافعي مونودراما «ودارت الأيام» للمخرج المصري فادي فوكيه، وتناول سامر محمد إسماعيل «تبادل إطلاق نار» للمخرجة السورية هيا حسني، وكتب إبراهيم الحسيني عن مسرحية «وحدي في الفراغ» للمخرج المصري رأفت البيومي.

في باب «حوار» مقابلة أجراها إبراهيم حاج عبدي مع الكاتب السوري أحمد إسماعيل إسماعيل الذي حاز عدداً من الجوائز في مجال الكتابة المسرحية للأطفال، وتحدث في الحوار عن بداياته، وأبرز المؤثرات الاجتماعية والثقافية التي شكَّلت شخصيته، وإشكاليات التأليف المسرحي للصغار.

وفي «أسفار» كتب الحسام محيي الدين عن رحلته إلى المملكة المغربية، حيث تعرف إلى جوانب من مشهدها المسرحي، انطلاقاً من متابعته للدورة السادسة والعشرين من المهرجان الدولي للمسرح الجامعي الذي نظمته جامعة الحسن الثاني.

وفي «أفق» مقابلة أجراها محمود سعيد مع الناقدة والباحثة والمترجمة المسرحية المصرية مروة مهدي التي أنجزت رسالتها للدكتوراه حول المتفرِّج المفترض في مسرح برتولد برشت، وأسهمت أخيراً في نقل أربعة من أبرز المؤلفات النظرية المعاصرة في مجال المسرح من اللغة الألمانية إلى اللغة العربية.

في باب «متابعات» مقالة عن تجربة المسرحي الفلسطيني جورج إبراهيم في تأسيس وإدارة مسرح «القصبة» الفلسطيني، وحوار مع الممثلة المغربية هند بلعولة، وآخر مع المخرجة التونسية وفاء الطبوبي. وكتب صبري حافظ في «رسائل» عن تجربة الفنان المصري خالد عبد الله الذي نجح في فرض نفسه على المسرح الإنجليزي في السنوات الأخيرة، وفي الباب ذاته نقرأ تغطيات للدورة الحادية عشرة من مهرجان كلباء للمسرحيات القصيرة، والدورة الرابعة عشرة لمهرجان الإسكندرية المسرحي الدولي، والدورة الثامنة لمهرجان المسرح العماني، إضافة إلى تقرير عن انطلاق الموسم المسرحي في الجزائر.