هل يحتاج العالم إلى طائرات ركاب من دون طيارين؟

تجارب حثيثة لتطوير طيار ـ روبوت يستغني عن البشر

هل يحتاج العالم إلى طائرات ركاب من دون طيارين؟
TT

هل يحتاج العالم إلى طائرات ركاب من دون طيارين؟

هل يحتاج العالم إلى طائرات ركاب من دون طيارين؟

أثارت الأدلة المتزايدة على تعمد الطيار المساعد، التسبب في اصطدام طائرة ألمانية بجبل في فرنسا جدلا عالميا حول كيفية فحص أفراد طاقم الطيارين للتأكد من خلوهم من أي أمراض عقلية، وكيفية ضمان عدم وجود أي شخص لوحده داخل مقصورة القيادة. ومع ذلك فقد اتخذ النقاش بين الكثير من الخبراء في مجال الملاحة الجوية منحى مختلفا، حيث تساءل البعض عن عدد الطيارين البشر اللازم وجودهم على متن طائرات الركاب. وهل هناك حاجة إلى وجود طيار واحد؟ أم لا أحد إطلاقا؟

* قيادة آلية
* أدى التطور في تكنولوجيا المستشعرات، والكومبيوترات، والذكاء الصناعي، إلى تراجع الحاجة إلى طيارين من البشر داخل كابينة القيادة أكثر من أي وقت مضى. وتجري هيئات حكومية بالفعل تجارب تستهدف الاستغناء عن الطيارين المساعدين، وربما كلا الطيارين على طائرات الشحن، لتحل محلهم روبوتات أو مشرفي تحكم عن بعد.
وقال باريمال كوبارديكار، مدير مشروع عمليات نظام السلامة الذاتي في مركز أبحاث «آميس» التابع لوكالة «ناسا»: «بدأ العاملون في تلك الصناعة في التعبير عن رغبتهم في استثمار أموال الأبحاث والتطوير في هذا المجال».
خلال عام 2014 بلغ عدد المسافرين على الخطوط الجوية، 838.4 مليون على متن أكثر من 8.5 مليون رحلة. وتتجه الملاحة الجوية التجارية نحو ذاتية العمل. وتعمل الطائرة الحديثة بنظام الطيار الآلي، الذي يرصد موقعها باستخدام مستشعرات حركة، وتكهنات عشوائية، يتم تصحيحها عند الضرورة من خلال نظام التموضع العالمي «جي بي إس». وفي مسح أجري أخيرا عن الطيارين، ذكر قادة طائرة «بوينغ 777» أنهم قضوا نحو سبع دقائق في استخدام نظام الطيران اليدوي خلال الرحلة الواحدة. وقضى الطيارون، الذين يقودون طائرة «آير باص»، نصف هذا الوقت. ويزداد وجود نظم الذكاء الاصطناعي في عالم طائرات الركاب يوما بعد يوم. وقال ديفيد مينديل، أستاذ علم الطيران والفضاء الجوي بمعهد «ماساتشوستس» للتكنولوجيا: «لدى قائد الطائرة الـ(آير باص) من المعلومات ما يكفي لمنعه من الاصطدام بجبل. وهناك نظام إنذار يحذر الطيار. لكنه لا يتولى القيادة بدلا منه». ويمكن لهذا النظام السيطرة على الطائرة إذا تم السماح له بذلك. وبالفعل، نشرت وزارة الدفاع الأميركية استخدام نظام طيران يعمل ذاتيًا في الطائرات الحربية «إف 16».

* طيار ـ روبوت
* ويُذكر أن النظام الآلي لتفادي الارتطام بالأرض أنقذ طائرة وطيارا خلال شهر نوفمبر (تشرين الثاني) أثناء مهمة قتالية ضد مقاتلي تنظيم داعش. واستثمرت وزارة الدفاع الأميركية مبالغ كبيرة في الطائرة الآلية. ومنذ عام 2013، كان هناك أكثر من 11 ألف طائرة تعمل دون طيار في ترسانة الأسلحة الأميركية، لكن عادة ما يتم تشغيل الطائرات، التي تعمل دون طيار، عن بعد لا بشكل ذاتي. وشارك أكثر من 150 شخصا في المهام القتالية التي تمت باستخدام طائرة دون طيار. ومن المقرر أن تتخذ وكالة مشروعات أبحاث الدفاع المتقدمة، وهي المؤسسة البحثية التابعة لوزارة الدفاع، خلال الصيف الحالي الخطوة التالية في تحويل الطائرات إلى النظام الآلي، وبالتحديد إلى نظام عمل طاقم الطيران الآلي داخل مقصورة القيادة. وفي وقت ما خلال العام الحالي سوف تبدأ الوكالة في تجربة روبوت يمكن وضعه سريعا على المقعد الأيمن داخل طائرة عسكرية من أجل العمل كطيار مساعد. وسيكون الروبوت القابل للحمل على متن الطائرة قادرًا على الحديث، والاستماع، واستغلال وسائل التحكم في الطائرة، وقراءة الأجهزة.
وستتمتع هذه الآلة، بالكثير من مهارات الطيار البشري، ومن بينها القدرة على الهبوط والإقلاع بالطائرة. كذلك سوف تساعد الطيار البشري في رحلات الطيران الروتينية، وتكون قادرة على تولي القيادة في حالات الطوارئ. وتعمل عدد من الشركات، والجامعات في صناعة الطيران والفضاء الجوي، ضمن 3 فرق متنافسة، على صناعة هذا الروبوت.
وتستهدف الوكالة جعل الروبوت، الذي يقوم بدور الطيار المساعد، يتمتع بـ«إدراك بصري» في مقصورة القيادة، وكذلك يكون قادرا على التحكم في الطائرة من خلال استغلال المعدات التي أعدت ليستخدمها البشر، مثل البدالات الخاصة بالطيار، والمقابض المتعددة، والأزرار.
من المفترض أن تعتمد الروبوتات على تقنيات التعرف على الصوت، ونظام إصدار أصوات مشابهة لأصوات البشر، من أجل التواصل مع الطيارين البشريين، وموظفي برج التحكم في الرحلة. وقال دانييل بات، مدير برنامج في مكتب التكنولوجيا التكتيكية في وكالة مشروعات أبحاث الدفاع المتقدمة: «الأمر يتعلق بكيفية دعمنا لنوع جديد من الآلية التي تتمحور حول تعزيز العنصر البشري».

* تحكم عن يعد
* وتستكشف وكالة «ناسا» إمكانية ذات صلة وهي إخراج الطيار المساعد من مقصورة القيادة في رحلات طائرات الركاب، والاستعانة بمسؤول تشغيل ليقوم بمهام الطيار المساعد في عدد من الطائرات. وطبقا لهذا السيناريو، قد يعمل الشخص الموجود في برج التحكم على الأرض كمشرف مرسل يدير عددا من الرحلات على نحو متزامن. وقد يكون متاحًا لذلك الشخص «الدخول» على طائرات أفراد عند الحاجة، والهبوط بالطائرة عن بعد في حال عجز الطيار، أو وقوع ما هو أسوأ.
وأثارت حادثة الخطوط الجوية الألمانية التساؤل التالي: هل ينبغي أن تكون هناك طرق للتحكم خارجيا في طائرة ركاب أم لا؟ كما أوضحت ماري كيومينغز، مديرة مختبر البشر والتحكم الآلي في جامعة «ديوك»، والطيارة السابقة لـ«إف 18»، والباحثة في مشروع وكالة مشروعات أبحاث الدفاع المتقدمة. وتساءلت: «هل يمكن أن يكون لدينا طائرة يقودها طيار واحد مع وجود إمكانية التحكم عن بعد في الطائرة من الأرض بطريقة أكثر أمانا من الطريقة المستخدمة في الأنظمة المتوفرة حاليا؟ والإجابة هي نعم».
والمبلغ المالي المقدر توفيره في حال التحول لاستخدام طائرة تعمل بشكل آلي، ونظام تحكم في حركة المرور، هائل، وحسب تقديرات تقرير بحثي صدر عن وكالة «ناسا» في عام 2007، تصل تكاليف العمل المتعلقة بوضع طيار مساعد وحده في طائرة ركاب إلى مليارات الدولارات سنويا.
لذا قد يوفر استخدام النظام الآلي المال، لكن هل سيوافق الركاب على ركوب طائرة تقودها روبوتات، أو يتحكم بها بشر يوجدون على بعد آلاف الأميال من مقصورة القيادة؟ وقالت كيومينغز: «إنك بحاجة إلى بشر في أي مكان يوجد فيه بشر. إذا كان لديك مجموعة من البشر على متن طائرة، فإنك بحاجة إلى قائد على تلك الطائرة. لم أر يوما وسيلة نقل ركاب تتحول إلى طائرة دون طيار».
في شهادة مكتوبة قدمت إلى مجلس الشيوخ خلال الشهر الماضي، حذر اتحاد الطيارين قائلا: «من المهم جدا ألا يدفع الضغط من أجل الاتجاه نحو استغلال التكنولوجيا إلى أكبر حد ممكن إلى عمل تحليل أمان غير كامل بشأن الطائرات والعمليات». ودافع الاتحاد عن المهارات التي يتفرد بها أي طيار بشري. وأوضح: «يمكن لطيار على متن طائرة أن يرى، أو يشعر، أو يشم، أو يسمع الكثير من المؤشرات الأولية التي تسبق حدوث مشكلة، ويبدأ في التفكير فيما يمكن عمله حتى قبل رصد مستشعرات، ومؤشرات متطورة لمشكلة».
وفي ندوة عقدت أخيرا بوكالة «ناسا»، شعر خبراء بالقلق من نشر أنظمة يزداد العنصر الآلي بها. ولا يعتقد كل العلماء، والمهندسين، الذين حضروا الندوة، أن الطائرات التي تزداد درجة تطورها سوف تكون أكثر أمانا في كل الأحوال. وقالت إيمي بريتشيت، أستاذ مساعد في علم هندسة الطيران والفضاء الجوي بمعهد جورجيا للتكنولوجيا: «هناك تكاليف للتكنولوجيا في حد ذاتها. وإذا استخدمت المزيد من التكنولوجيا في كابينة القيادة، فسيكون هناك المزيد من الخواص التكنولوجية التي قد لا تعمل بكفاءة».

* خدمة «نيويورك تايمز»



«جراح آلي» بذكاء اصطناعي دُرّب على مشاهدة فيديوهات طبية

«جراح آلي» بذكاء اصطناعي دُرّب على مشاهدة فيديوهات طبية
TT

«جراح آلي» بذكاء اصطناعي دُرّب على مشاهدة فيديوهات طبية

«جراح آلي» بذكاء اصطناعي دُرّب على مشاهدة فيديوهات طبية

«تخيل أنك بحاجة إلى إجراء عملية جراحية في غضون بضع دقائق لأنك قد لا تنجو... لا يوجد جراحون في الجوار ولكن يوجد روبوت جراحي مستقل متاح يمكنه إجراء هذا الإجراء باحتمالية عالية جداً للنجاح، هل ستغتنم الفرصة؟» هذا ما أجابني به طالب ما بعد الدكتوراه بجامعة جونز هوبكنز عبر البريد الإلكتروني، لدى سؤالي عن التطوير الجديد.

تعليم الروبوت بمقاطع فيديو للجراحة

لأول مرة في التاريخ، تمكن كيم وزملاؤه من تعليم الذكاء الاصطناعي استخدام آلة جراحة آلية لأداء مهام جراحية دقيقة، من خلال جعلها تشاهد آلاف الساعات من الإجراءات الفعلية التي تحدث في ردهات جراحية حقيقية. ويقول فريق البحث إنه تطور رائد يتجاوز حدوداً طبية محددة ويفتح الطريق لعصر جديد في الرعاية الصحية.

وفقاً لورقتهم البحثية المنشورة حديثاً، يقول الباحثون إن الذكاء الاصطناعي تمكن من تحقيق مستوى أداء مماثل لجراحي البشر دون برمجة مسبقة.

جراحة بتوظيف الروبوت

تدريب على العروض بدلاً من البرمجة

وبدلاً من محاولة برمجة الروبوت بشق الأنفس للعمل -وهو ما تقول ورقة البحث إنه فشل دائماً في الماضي- قاموا بتدريب هذا الذكاء الاصطناعي من خلال شيء يسمى التعلم بالتقليد، وهو فرع من الذكاء الاصطناعي حيث تراقب الآلة وتكرر الأفعال البشرية. سمح هذا للذكاء الاصطناعي بتعلم التسلسلات المعقدة للأفعال المطلوبة لإكمال المهام الجراحية عن طريق تقسيمها إلى مكونات حركية. وتترجم هذه المكونات إلى أفعال أبسط -مثل زوايا المفاصل ومواضعها ومساراتها- والتي يسهل فهمها وتكرارها وتكييفها أثناء الجراحة.

توظيف روبوت «دافنشي» للتدريب

استخدم كيم وزملاؤه نظام دافنشي الجراحي كأيدٍ وعيون لهذا الذكاء الاصطناعي. ولكن قبل استخدام المنصة الروبوتية الراسخة (التي يستخدمها الجراحون حالياً لإجراء عمليات دقيقة محلياً وعن بُعد) لإثبات نجاح الذكاء الاصطناعي الجديد، قاموا أيضاً بتشغيل محاكاة افتراضية. وقد سمح هذا بتكرار أسرع وتحقق من السلامة قبل تطبيق الإجراءات التي تم تعلمها على الأجهزة الفعلية.

«كل ما نحتاجه هو إدخال الصورة، ثم يجد نظام الذكاء الاصطناعي هذا الإجراء الصحيح»، كما يقول كيم. كانت روبوتات دافنشي أيضاً مصدر مقاطع الفيديو التي حللها الذكاء الاصطناعي، باستخدام أكثر من 10000 تسجيل تم التقاطها بواسطة كاميرات المعصم أثناء العمليات الجراحية التي يقودها الإنسان.

تعلّم 3 مهام جراحية

وكان الهدف تعلم ثلاث مهام جراحية: التعامل مع إبرة جراحية وتحديد موضعها، ورفع الأنسجة والتلاعب بها بعناية، والخياطة -كلها مهام معقدة تتطلب تحكماً دقيقاً وحساساً للغاية.

مكنت مجموعة البيانات واسعة النطاق هذه الذكاء الاصطناعي من تعلم الاختلافات الدقيقة بين الإجراءات الجراحية المتشابهة، مثل شدة التوتر المناسب اللازم للتعامل مع الأنسجة دون التسبب في ضرر.

تعد مقاطع الفيديو التدريبية هذه جزءاً صغيراً جداً من مستودع واسع النطاق للبيانات الجراحية. مع ما يقرب من 7000 روبوت دافنشي قيد الاستخدام في جميع أنحاء العالم، هناك مكتبة ضخمة من العروض الجراحية للمراقبة والتعلم منها، والتي يستخدمها فريق البحث الآن لتوسيع ذخيرة الذكاء الاصطناعي الجراحية لدراسة جديدة لم تُنشر بعد.

«في عملنا المتابع، والذي سنصدره قريباً، ندرس ما إذا كانت هذه النماذج يمكن أن تعمل في الإجراءات الجراحية طويلة المدى التي تنطوي على هياكل تشريحية غير مرئية»، يكتب كيم، في إشارة إلى الإجراءات الجراحية المعقدة التي تتطلب التكيف مع حالة المريض في أي وقت معين، مثل إجراء عملية جراحية على جرح داخلي خطير.

التحقق من صحة النموذج المطور

أثناء التطوير، عمل الفريق عن كثب مع الجراحين الممارسين لتقييم أداء النموذج وتقديم ملاحظات حاسمة (خاصة فيما يتعلق بالتعامل الدقيق مع الأنسجة)، والتي قام الروبوت بدمجها في عملية التعلم الخاصة به.

أخيراً، للتحقق من صحة النموذج، استخدموا مجموعة بيانات منفصلة غير مدرجة في التدريب الأولي لإنشاء محاكاة افتراضية، ما يضمن قدرة الذكاء الاصطناعي على التكيف مع السيناريوهات الجراحية الجديدة وغير المرئية قبل الشروع في اختبارها في الإجراءات المادية. أكد هذا التحقق المتبادل قدرة الروبوت على التعميم بدلاً من مجرد حفظ الإجراءات، وهو أمر بالغ الأهمية بالطبع نظراً للعدد المجهول المحتمل الذي قد ينشأ في غرفة العمليات.

جراح آلي «ذو خبرة»

كل شيء سار بشكل جميل إذ تعلم نموذج الروبوت هذه المهام إلى مستوى الجراحين ذوي الخبرة. يقول أكسل كريغر، الأستاذ المساعد في الهندسة الميكانيكية في جامعة جونز هوبكنز والمؤلف الرئيسي للدراسة، في بيان عبر البريد الإلكتروني: «إنه لأمر سحري حقاً أن يكون لدينا هذا النموذج حيث كل ما نقوم به هو تلقيمه مدخلات الكاميرا، ويمكنه التنبؤ بالحركات الروبوتية اللازمة للجراحة». «نعتقد أن هذا يمثل خطوة مهمة إلى الأمام نحو أفق جديد في مجال الروبوتات الطبية».

تطوير رائد

إن أحد مفاتيح هذا النجاح هو استخدام الحركات النسبية بدلاً من التعليمات المطلقة. ففي نظام دافنشي قد لا تنتهي الأذرع الآلية إلى حيث هي مقصودة تماماً بسبب التناقضات الطفيفة في حركة المفصل التي تتراكم على مدار عدة حركات ويمكن أن تؤدي في النهاية إلى أخطاء كبيرة -خاصة في بيئة حساسة مثل الجراحة. كان على الفريق إيجاد حل، لذا بدلاً من الاعتماد على هذه القياسات، قام بتدريب النموذج على التحرك بناءً على ما يلاحظه في الوقت الفعلي أثناء إجراء العملية.

لكن الابتكار الرئيسي هنا هو أن التعلم بالتقليد يزيل الحاجة إلى البرمجة اليدوية للحركات الفردية. قبل هذا الاختراق، كانت برمجة الروبوت للخياطة تتطلب ترميزاً يدوياً لكل حركة بالتفصيل. يقول كيم إن هذه الطريقة كانت أيضاً عرضة للخطأ وتشكل قيداً رئيسياً في تقدم الجراحة الروبوتية. إذ إنها حدت مما يمكن للروبوت فعله بسبب جهود التطوير، والافتقار إلى المرونة التي جعلت من الصعب للغاية على الروبوتات القيام بمهام جديدة.

ومع ذلك، يسمح التعلم بالتقليد للروبوت بالتكيف بسرعة مع أي شيء يمكن مشاهدته، والتعلم على غرار طالب الجراحة. «(نحن) نحتاج فقط إلى جمع بيانات التعلم التقليدي لإجراءات مختلفة، ويمكننا تدريب الروبوت على تعلمها في غضون يومين»، كما يقول كريغر. «هذا يسمح لنا بالتعجيل نحو هدف الاستقلالية مع تقليل الأخطاء الطبية وتحقيق جراحة أكثر دقة».

تقييم مدى النجاح

لقياس مدى نجاح الذكاء الاصطناعي، حدد الباحثون مقاييس الأداء الرئيسية، مثل الدقة في وضع الإبرة والاتساق في التلاعب بالأنسجة باستخدام مجموعة من البيئات الجراحية الوهمية المادية، والتي تضمنت محاكيات الأنسجة الاصطناعية والدمى الجراحية. وكانت النتائج مذهلة. يقول كريغر: «النموذج جيد جداً في تعلم الأشياء التي لم نعلمه إياها. على سبيل المثال، إذا أسقط الإبرة، فسوف يلتقطها تلقائياً ويستمر».

لا تعد هذه القدرة على التكيف مهمة فقط لمواصلة تعلم مهارات جديدة ولكنها أيضاً ضرورية للتعامل مع الأحداث غير المتوقعة في الجراحات الحية، مثل تمزق الشريان أو تغير العلامات الحيوية للمريض فجأة. بالإضافة إلى ذلك، أظهر النموذج كفاءة زمنية محسنة، ما أدى إلى تقليل وقت الانتهاء للمهام الجراحية القياسية مثل الخياطة بنحو 30 في المائة، وهو أمر واعد بشكل خاص للعمليات الحرجة من حيث الوقت.

ويتصور العلماء سيناريو حيث تساعد هذه الروبوتات الجراحين في المواقف عالية الضغط، وتعزيز قدراتهم وتقليل الخطأ البشري. سيؤثر جراحو الذكاء الاصطناعي المستقبليون بشكل كبير على توفر الرعاية الجراحية، مما يجعل التدخلات الطبية عالية الجودة متاحة لعدد أكبر.

اللوائح التنظيمية وأخلاقيات الطب

هناك أيضاً تحديات أخلاقية وتنظيمية يجب معالجتها قبل نشر مثل هذا الذكاء الاصطناعي في بيئات جراحية حقيقية دون إشراف بشري. فالقفزة نحو الروبوتات الجراحية المستقلة تثير مخاوف أخلاقية جديدة.

هناك قضية المساءلة: من سيكون مسؤولاً إذا حدثت مشكلة؟ الشركة التي صنعت الجراح الذكي؟ المهنيون الطبيون الذين يشرفون عليه (إذا كان هناك أي إشراف)؟ هناك أيضاً مسألة موافقة المريض، والتي ستتطلب تثقيف كل من الشخص الذي يخضع للجراحة والأشخاص المحيطين به حول ماهية هذا الذكاء الاصطناعي، وما الذي يمكنهم فعله بالضبط، وما هي المخاطر التي تشكلها الروبوتات مقارنة بالجراحين البشر.

يعترف كيم بأن المستقبل الآن في منطقة رمادية حيث يمكن للجميع مجرد التكهن بما يجب أن يحدث أو سيحدث. ستكون أيدي السلطات التنظيمية مشغولة، من معالجة المساءلة والمخاوف الأخلاقية عند السماح لجراحي الذكاء الاصطناعي بالعمل بشكل مستقل، إلى وضع معايير للحصول على موافقة مستنيرة من المرضى.

ولكن عند الاختيار بين إجراء عملية جراحية طارئة منقذة للحياة بواسطة جراح مستقل أو عدم تلقي العلاج لأن الجراح البشري غير متاح (مثلاً في مكان بعيد أو منطقة متخلفة)، يزعم كيم أن الخيار الأفضل واضح. يمكنني بسهولة أن أتخيل مستقبلاً قريباً حيث يبدأ الناس في اختيار روبوتات الذكاء الاصطناعي على نظرائهم من البشر - في ظل وجود دليل إحصائي على أن جراحي الذكاء الاصطناعي يعملون بأمان.

وبعيداً عن التحديات الأخلاقية والقانونية، هناك حاجة إلى المزيد من العمل لتمكين التنفيذ العملي. ستحتاج المستشفيات إلى الاستثمار في البنية الأساسية التي تدعم جراحة الروبوتات بالذكاء الاصطناعي، بما في ذلك الأجهزة المادية والخبرة الفنية للتشغيل والصيانة. بالإضافة إلى ذلك، سيكون تدريب الفرق الطبية على إدارة العملية أمراً بالغ الأهمية. فالأطباء سيحتاجون إلى فهم الآلة ومتى يكون التدخل ضرورياً، وفي النهاية تحويل الجراحين البشريين من المهام الجراحية المباشرة إلى أدوار تركز على الإشراف والسلامة.

جراحات بسيطة أولاً

على المستوى العملي، يتصور الباحثون تقدماً تدريجياً، بدءاً بجراحات أبسط وأقل خطورة مثل إصلاح الفتق والتقدم تدريجياً إلى عمليات أكثر تعقيداً. سيساعد النهج التدريجي في التحقق من موثوقية الروبوت مع معالجة المخاوف التنظيمية والأخلاقية بمرور الوقت، فضلاً عن مساعدة السكان على الثقة في الذكاء الاصطناعي لإجراء العمليات الحرجة للحياة.

يقول كريغر: «ما زلنا في المراحل الأولى من فهم ما يمكن أن تحققه هذه الآلات حقاً. الهدف النهائي هو الحصول على أنظمة جراحية مستقلة تماماً وموثوقة وقابلة للتكيف وقادرة على إجراء العمليات الجراحية التي تتطلب حالياً اختصاصياً مدرباً تدريباً عالياً».

* مجلة «فاست كومباني» خدمات «تريبيون ميديا»

اقرأ أيضاً