المستشارون الإعلاميون للفنانين... حيث الثقة على المحكّ

يجتهدون في الظل حفاظاً على بريق نجومهم

سعيد الحريري
سعيد الحريري
TT

المستشارون الإعلاميون للفنانين... حيث الثقة على المحكّ

سعيد الحريري
سعيد الحريري

يعمل المستشارون الإعلاميون في مجالات متنوعة، وهم موجودون في عالم التصميم والأزياء والغناء، كما في السياسة والاقتصاد والعلوم.
غالبية المهن الحرة، يبحث أصحابها عن إعلامي ذي خبرة يسهم في الترويج لأفكارهم ومشاريعهم، وكذلك لصورة منتجهم وتوسيع انتشاره. ولذا يُعد المستشار الإعلامي مصدر ثقة تعزّزها علاقاته مع المحرّر الصحافي والمُعدّ التلفزيوني والمذيع وأصحاب المواقع الإعلامية الإلكترونية... أي باختصار يشكل صلة الوصل بين أهل الفن وعالم الإعلام. وكم من مرة يلجأ الصحافي إلى هذا المستشار أو ذاك، كي يتأكد من معلومة أو خبر يتعلق بنجم معين. فمصداقية المحرر وتفرّده بخبر معين، يقف وراءهما مرات كثيرة المستشار الإعلامي.
البعض يصف المستشار الإعلامي بـ«كاتم الأسرار»، وغيرهم يرون فيه الـ«فلتر» (المصفاة) الذي يعرف كيف يبرز الجزء اللماع من شخصية النجم أمام الرأي العام.
مهمته الصعبة... تولد منافسة له على الساحة، لأن المطلوب منه أن يتمتّع بشبكة علاقات عامة قوية مع وسائل الإعلام، ويعرف كيفية كتابة خبر أو بيان إعلامي. أما التحدّي الجديد الذي يواجه مستشاري الفنانين هذه الأيام، فيتمثل بإتقانهم لغة الـ«سوشيال ميديا»... هذه «اللغة» المهمة التي باتت بين الأهم والأكثر حساسية.

المستشار مصدر ثقة
مستشارون إعلاميون كثر ارتبط اسمهم بنجوم وشركات ومؤسسات... حتى باتوا جزءاً لا يتجزأ منها، بعضهم أمضى نصف عمره المهني مع مغنٍ أو ممثل وشركة إنتاج، وبعضهم الآخر آثر التنقل بين مكان وآخر، ليجمع الخبرة.
تملك المستشارة الإعلامية إليان الحاج خبرات طويلة، إلى حدّ سمح لها بالخروج من دائرة العمل المحلي إلى العالمي. واليوم ترافق إليان نجوماً ينتمون لشركة «يونيفرسال مينا»، أمثال عبير نعمة ومساري وعصام النجار. كذلك هي المستشارة الإعلامية لأحد كبار مديري أعمال الفنانين العالميين وسام صليبي. لم تنحصر خبرة إليان - التي تملك شركة «ميديوم» للاستشارات - مع أهل الغناء بل طالت في حقبة سابقة شركة «الصبّاح إخوان» للإنتاج الدرامي، ومن الممثلين ترافق ريتا حرب وكارلوس عازار وستيفاني صليبا، ومعهم الموسيقي هاروت فازيليان. وخلال لقاء مع «الشرق الأوسط» قالت شارحة: «مهمتي رسم الصورة والخطة الملائمتين للفنان. ومن خلالها يطلّ على عالم إعلامي واسع يثبت من خلاله هويته الفنية. أنا أدرك تماماً كيف يجب أن تكون طبيعة كل إطلالة، إذ لا بد أن تختلف بين شاشة صغيرة، ومسرح، حفلات، وسوشيال ميديا».
إليان الحاج، تركز في عملها على الجزء الأفضل لدى النجم الذي تتعامل معه. وتعلق قائلة: «من منا بلا عيوب؟ ولكن في الإعلام يجب التركيز على نقاط القوة في شخصية الفنان».
أما أمين حمادة، فهو يعمل في هذا المجال منذ عام 2012. عندما مارس مهمته مستشاراً إعلامياً لمسلسلات عديدة كـ«خاتون» و«كواليس المدينة» و«فخامة الشك» وغيرها. وفي تصريح لـ«الشرق الأوسط» أوضح: «حاولت منذ خطوتي الأولى ألا أحصر عملي بشركة إنتاج واحدة. ولكوني ناقداً فنياً، لم أرغب في الخلط بين مهنتي كصحافي وعملي كمستشار إعلامي، حفاظاً على مصداقيتي. بعض الأحيان نرى نقاداً كثراً يطبِّلون لمنتج درامي أكثر من غيره، لأنهم يتعاونون مع الشركة المنتجة له. هذا أمر أرفضه بالكامل لأنني أحب وأحترم عملي كناقد».
علاقات طويلة ومديدة تربط حمادة بعدد من الممثلين، عرباً ولبنانيين. وهو واقع يعتزّ به إلى حد يسمح له بتوجيه بعض النقد لهم من دون أن ينزعجوا، «لأنهم - كما يقول - يثقون بقلمي وبأسلوب عملي، ويعرفون تماماً أني صاحب وجه واحد، ولا أتلون. لذلك أحافظ على علاقاتي الوثيقة بهم».
من جهته، يعدّ الصحافي سعيد الحريري صاحب خبرة طويلة في عالم الاستشارات الإعلامية تتجاوز الـ20 سنة. إذ تنقّل في مجالات مختلفة حاملاً مهمته هذه معه، مواكباً الجمال والتجميل والطب والفن والرياضة والفنادق وغيرها. عمل سعيد مع راغب علامة وميريام فارس ومع اختصاصي التجميل بسام فتّوح ومصفف الشعر جو رعد ومصمم الأزياء نيكولا جبران. وحسب كلامه «صلة التواصل مع الناس طيلة هذه السنوات ألفت عندي عشرة عمر وعلاقات عامة وطيدة، مع نجوم ورؤساء تحرير وصحف ومجلات، هي بمثابة متعة أتلذذ بطعم ونكهة كل منها لأني شغوف بمهنتي». ويضيف: «لكل عالم عملت فيه أسلوبه الخاص في التعاطي معه كمستشار إعلامي. عالم الترفيه والتسلية مغاير تماماً لعالم الفن والطب، وكذلك الأمر بالنسبة لعالم تصميم الأزياء والرياضة. في هذا الأخير اكتشفت أشياءً كثيرة كنت أجهلها. نجوم الرياضة هم من نوع آخر يزوّدونك بخبرة واسعة الآفاق. كذلك الأمر بالنسبة للفنادق في لبنان وخارجه».

القاعدة الذهبية للنجاح
يعزز تراكم الخبرات في أي مهنة الثقة بالنفس لدى صاحبها، وكذلك الالمام بثقافات متنوعة. وبحسب المستشارين الإعلاميين الذين التقتهم «الشرق الأوسط»، فإن مهنتهم تقوم على ركائز لا تتغير، هي بمثابة قاعدة ذهبية متبعة لدى المستشار الناجح.
إذ ترى إليان الحاج أنه «يجب على المستشار الإعلامي أن يكون قد اختبر كل زوايا الإعلام لسنوات طويلة، كي يصبح ملماً بها ويعرف زواريبها. منذ 29 سنة أمارس عملي هذا، وكل يوم أكتشف الجديد. اطلاعي على عالم الإعلام عن قرب ولّد عندي الجرأة كي أخوض مهمتي كمستشارة إعلامية. لقد جمعت من خبراتي في المرئي والمكتوب والمسموع، مهاراتي على مستويات مختلفة. واليوم بتّ أعرف النصيحة والخطة والصورة التي يجب أن أرسمها للآخر بفضل معرفتي هذه».
والحقيقة أن إليان الحاج وجدت صعوبة في المرحلة الأولى من انطلاقها في هذه المهمة، كونها من أوائل من خاضوها. «لم تكن المهنة منتشرة ومعروفة بعد، كانت تقتصر على المجال السياسي. كنت أسأل نفسي باستمرار، ماذا يريد بالتحديد الفنان والملحن أو الممثل والمغني من الاستشارة الإعلامية؟ في منطقة الشرق الأوسط رأي الفنان أو النجم بشكل عام هو السائد. بعضهم لا يقدّر عملنا، ولكن شريحة لا يستهان بها باتت تثق بقدراتنا، وتعرف النتائج الأكيدة التي بإمكاننا تحقيقها».
سؤال يطرحه كثيرون حول طبيعة عمل المستشار الإعلامي لدى الفنان. فهل هو بمثابة مدير أعمال أو ملحق إعلامي أم متحدث باسمه؟
يرد سعيد الحريري قائلاً إنه الشخص الذي يلجأ إليه صاحب العمل ليروج له منتجه إعلامياً وإعلانياً. وذلك يحصل ضمن مؤتمر صحافي أو لقاءات مع إعلاميين أو إطلالات عبر الشاشة الصغيرة. لذلك على المستشار الإعلامي أن يتمتع بخبرة صحافية، ويكون صلة وصل مميزة مع زملائه الصحافيين. كذلك يجب أن يتمتع بشبكة علاقات عامة واسعة تخوله أن يدق الأبواب من دون أن تقفل بوجهه لأي سبب كان. عليه أن يمشي بين النقاط، أن يحافظ على مسافة واحدة مع الجميع، فالمستشار معلن من نوع آخر، لا يدفع الأموال بل يستفيد من الخدمات بفضل علاقاته العامة هذه. والكارثة الكبرى تتمثل في جهله بأصول الصحافة، وفي كتابة بيان صحافي، عندها سيكون الفشل له بالمرصاد».
من ناحية أخرى، مع تطور الإنتاجات الدرامية، ولدت منافسة قوية. إذ لم يعد المسلسل ينحصر عرضه على الشاشة الصغيرة المحلية، بل توسعت لتطال منصات إلكترونية وقنوات فضائية. هذه المنافسة انعكست على مهمة المستشارين الإعلاميين أيضاً، وهكذا صار يحاول كلّ من ناحيته أن يطور خططه الإعلامية، ويضعها في خطها المستقيم كي، لا تتشابك مع عناوين تجارية تفقده مصداقيته. وهنا يعلق أمين حمادة: «لكل عمل ظروفه ووجهته الخاصة لجذب المشاهد، كما أن لكل شركة منتجة سياستها، ويجب احترامها من قبل المستشار الإعلامي. البيانات التي تطال حبكة العمل وأبطاله، والأحاديث التي يصرّح بها الممثلون تتطلب مناقبية من المستشار الإعلامي، ولذا عليه أن يطّلع عليها ويتحمّل مسؤولية ما يرد فيها. وفي موضوع الأخبار والشائعات الكاذبة عليه أن يصحّحها، وبالتالي عليه أن يحرص على ألا تخرج تفاصيل تسيء إلى صورة العمل، فتنعكس سلباً عليه. بكلام آخر، مهمة المستشار الإعلامي خدمة هذا العمل إعلامياً وليس العكس».

وسائل التواصل الاجتماعي
في سياق موازٍ، يدخل المستشارون الإعلاميون اليوم تجربة جديدة، ألا وهي ميديا وسائل التواصل الاجتماعي. وهنا يشرح الحريري: «على المستشار الإعلامي أن يتكيّف مع لغة العمل الجديدة هذه ويتعلمها. فالتحوّل إلى وسائل التواصل بات الملعب الأكبر والأكثر شهرة في عالم الإعلام، وكبريات الشركات تخصّص محتوى إعلامياً خاصاً لهذه الوسائل. ومَن يتشبّث بالماضي ويرفض تعلّم هذه اللغة، سيبقى هو أيضاً من الماضي ولن يتطور».
ماذا تعلم أمين حمادة من تجربته كمستشار إعلامي؟ أجابنا: «علمتني أهمية الثقة التي تربطني بمن أعمل معهم. لم أصادف أي مشاكل لأنني مهني وموضوعي».
وعن الإنجازات التي حققتها آليان الحاج قالت: «من الصعب أن يحكي الشخص عن إنجازاته، ولكنني فخورة بما وصلت إليه حتى صار بمقدوري أن أقرأ الناس من داخلهم. الأهم هو هذه المسؤولية التي يوكلها النجم لنا، فهو يسلّمنا أحلامه ومهنته، فهو إذا ما انكسر لا بد أن ننكسر معه. إن علاقاتنا مع نجومنا هي مشوار حياة... ومن دون الخبرة لن نعرف كيف نرشده».


مقالات ذات صلة

«حالة من الصمت» يحصد «جائزة الشرق الوثائقية»

يوميات الشرق الفيلم يتناول مخاطرة صحافيين بحياتهم لتغطية «سياسات المخدّرات» في المكسيك (الشرق الأوسط)

«حالة من الصمت» يحصد «جائزة الشرق الوثائقية»

فاز الفيلم الوثائقي «حالة من الصمت» للمخرج سانتياغو مازا بالنسخة الثانية من جائزة «الشرق الوثائقية».

«الشرق الأوسط» (جدة)
رياضة عربية المهندس خالد عبد العزيز رئيس المجلس الأعلى للإعلام في مصر (صفحة المجلس على «فيسبوك»)

مصر: قرارات جديدة لمواجهة «فوضى الإعلام الرياضي»

أصدر المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام في مصر، برئاسة المهندس خالد عبد العزيز مجموعة قرارات، اعتماداً لتوصيات لجنة ضبط أداء الإعلام الرياضي.

محمد الكفراوي (القاهرة)
أوروبا مراسلات يتحدثن أمام الكاميرات خلال تغطية صحافية في البرازيل (رويترز)

ثلثهم على أيدي الجيش الإسرائيلي... مقتل 54 صحافياً في عام 2024

قُتل 54 صحافياً حول العالم أثناء قيامهم بعملهم أو بسبب مهنتهم في عام 2024، ثلثهم على أيدي القوات الإسرائيلية، وفق ما أظهر تقرير سنوي.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق الصحافي سامح اللبودي والزميلة بيسان الشيخ من «الشرق الأوسط»

«الشرق الأوسط» تفوز ببرونزية «أريج» للصحافة الاستقصائية

فازت «الشرق الأوسط» بالجائزة البرونزية للصحافة الاستقصائية العربية التي تمنحها مؤسسة «أريج»، عن تحقيق: قصة الإبحار الأخير لـ«مركب ملح» سيئ السمعة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق صورة تذكارية لعدد من أعضاء مجلس الإدارة (الشركة المتحدة)

​مصر: هيكلة جديدة لـ«المتحدة للخدمات الإعلامية»

تسود حالة من الترقب في الأوساط الإعلامية بمصر بعد إعلان «الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية» إعادة تشكيل مجلس إدارتها بالتزامن مع قرارات دمج جديدة للكيان.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )

«حرب الإعلام» التضليلية... الهاجس الجديد للاتحاد الأوروبي

مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
TT

«حرب الإعلام» التضليلية... الهاجس الجديد للاتحاد الأوروبي

مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)

«المعارضة الحقيقية هي وسائل الإعلام، ومواجهتها تقتضي إغراقها بالمعلومات المفبركة والمضللة».

هذا ما قاله ستيف بانون، كبير منظّري اليمين المتطرف في الولايات المتحدة عندما كان مشرفاً على استراتيجية البيت الأبيض في بداية ولاية دونالد ترمب الأولى عام 2018.

يومذاك حدّد بانون المسار الذي سلكه ترمب للعودة إلى الرئاسة بعد حملة قادها المشرف الجديد على استراتيجيته، الملياردير إيلون ماسك، صاحب أكبر ثروة في العالم، الذي يقول لأتباعه على منصة «إكس» «X» (تويتر سابقاً): «أنتم اليوم الصحافة».

رصد نشاط بانون

في أوروبا ترصد مؤسسات الاتحاد وأجهزته منذ سنوات نشاط بانون ومراكز «البحوث» التي أنشأها في إيطاليا وبلجيكا والمجر، ودورها في صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة في غالبية الدول الأعضاء، والذي بلغ ذروته في انتخابات البرلمان الأوروبي مطلع الصيف الماضي.

وتفيد تقارير متداولة بين المسؤولين الأوروبيين بأن هذه المراكز تنشط بشكل خاص على منصات التواصل الاجتماعي، وأن إيلون ماسك دخل أخيراً على خط تمويلها وتوجيه أنشطتها، وأن ثمة مخاوف من وجود صلات لهذه المراكز مع السلطات الروسية.

درع ضد التضليل

أمام هذه المخاوف تنشط المفوضية الأوروبية منذ أسابيع لوضع اللمسات الأخيرة على ما أسمته «الدرع ضد التضليل الإعلامي» الذي يضمّ حزمة من الأدوات، أبرزها شبكة من أجهزة التدقيق والتحقق الإلكترونية التي تعمل بجميع لغات الدول الأعضاء في الاتحاد، إلى جانب وحدات الإعلام والأجهزة الرقمية الاستراتيجية الموجودة، ومنها منصة «إي يو فس ديسانفو» EUvsDisinfo المتخصّصة التي انطلقت في أعقاب الغزو الروسي لشبه جزيرة القرم وضمّها عام 2014. و«هي باتت عاجزة عن مواجهة الطوفان التضليلي» في أوروبا... على حد قول مسؤول رفيع في المفوضية.

الخبراء، في بروكسل، يقولون إن الاتحاد الأوروبي يواجه اليوم «موجة غير مسبوقة من التضليل الإعلامي» بلغت ذروتها إبان جائحة «كوفيد 19» عام 2020، ثم مع نشوب الحرب الروسية الواسعة النطاق ضد أوكرانيا في فبراير (شباط) 2022.

وإلى جانب الحملات الإعلامية المُضلِّلة، التي تشّنها منذ سنوات بعض الأحزاب والقوى السياسية داخلياً، تعرّضت الساحة الأوروبية لحملة شرسة ومتطورة جداً من أطراف خارجية، في طليعتها روسيا.

ومع أن استخدام التضليل الإعلامي سلاحاً في الحرب الهجينة ليس مُستجدّاً، فإن التطوّر المذهل الذي شهدته المنصّات الرقمية خلال السنوات الأخيرة وسّع دائرة نشاطه، وضاعف تداعياته على الصعيدين: الاجتماعي والسياسي.

الهدف تعميق الاستقطاب

وراهناً، تحذّر تقارير عدة وضعتها مؤسسات أوروبية من ازدياد الأنشطة التضليلية بهدف تعميق الاستقطاب وزعزعة الاستقرار في مجتمعات البلدان الأعضاء. وتركّز هذه الأنشطة، بشكل خاص، على إنكار وجود أزمة مناخية، والتحريض ضد المهاجرين والأقليات العرقية أو الدينية، وتحميلها زوراً العديد من المشاكل الأمنية.

وتلاحظ هذه التقارير أيضاً ارتفاعاً في كمية المعلومات المُضخَّمة بشأن أوكرانيا وعضويتها في حلف شمال الأطلسي «ناتو» أو انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، فضلاً عن معلومات مضخمة حول مولدافيا والاستفتاء الذي أجري فيها حول الانضمام إلى الاتحاد، وشهد تدخلاً واسعاً من جانب روسيا والقوى الموالية لها.

ستيف بانون (آ ب)

التوسّع عالمياً

كذلك، تفيد مصادر الخبراء الأوروبيين بأن المعلومات المُضلِّلة لا تنتشر فحسب عبر وسائط التواصل الاجتماعي داخل الدول الأعضاء، بل باتت تصل إلى دائرة أوسع بكثير، وتشمل أميركا اللاتينية وأفريقيا، حيث تنفق الصين وروسيا موارد ضخمة خدمة لمصالحها وترسيخ نفوذها.

كلام فون دير لاين

وفي الكلمة التي ألقتها أخيراً أورسولا فون در لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، بمناسبة الإعلان عن مشروع «الدرع» الذي ينتظر أن يستلهم نموذج وكالة «فيجينوم» الفرنسية ورديفتها السويدية «وكالة الدفاع النفسي»، قالت فون دير لاين: «إن النظام الديمقراطي الأوروبي ومؤسساته يتعرّضون لهجوم غير مسبوق يقتضي منّا حشد الموارد اللازمة لتحصينه ودرء المخاطر التي تهدّده».

وكانت الوكالتان الفرنسية والسويدية قد رصدتا، في العام الماضي، حملات تضليلية شنتها روسيا بهدف تضخيم ظهور علامات مناهضة للسامية أو حرق نسخ من القرآن الكريم. ويقول مسؤول أوروبي يشرف على قسم مكافحة التضليل الإعلامي إن ثمة وعياً متزايداً حول خطورة هذا التضليل على الاستقرار الاجتماعي والسياسي، «لكنه ليس كافياً توفير أدوات الدفاع السيبراني لمواجهته، بل يجب أن تضمن الأجهزة والمؤسسات وجود إطار موثوق ودقيق لنشر المعلومات والتحقق من صحتها».

إيلون ماسك (رويترز)

حصيلة استطلاعات مقلقة

في هذه الأثناء، تفيد الاستطلاعات بأن ثلث السكان الأوروبيين «غالباً» ما يتعرضون لحملات تضليلية، خاصة في بلدان مثل اليونان والمجر وبلغاريا وإسبانيا وبولندا ورومانيا، عبر وسائل التواصل الاجتماعي والتلفزيون. لكن المفوضية تركّز نشاطها حالياً على الحملات والتهديدات الخارجية، على اعتبار أن أجهزة الدول الأعضاء هي المعنية بمكافحة الأخطار الداخلية والسهر على ضمان استقلالية وسائل الإعلام، والكشف عن الجهات المالكة لها، منعاً لاستخدامها من أجل تحقيق أغراض سياسية.

وللعلم، كانت المفوضية الأوروبية قد نجحت، العام الماضي، في إقرار قانون يلزم المنصات الرقمية بسحب المضامين التي تشكّل تهديداً للأمن الوطني، مثل الإرهاب أو الابتزاز عن طريق نشر معلومات مضلِّلة. لكن المسؤولين في المفوضية الأوروبية يعترفون بأنهم يواجهون صعوبات في هذا المضمار؛ إذ يصعب وضع حدودٍ واضحة بين الرأي والمعلومات وحرية التعبير، وبالتالي، يضطرون للاتجاه نحو تشكيل لجان من الخبراء أو وضع برامج تتيح للجمهور والمستخدمين تبيان المعلومات المزوَّرة أو المضلِّلة.