فر آلاف المدنيين من منازلهم ببلدة أبو راسين شمال شرقي سوريا، عقب الهجوم التركي العنيف على المنطقة، منذ بداية العام الجديد، في وقت حذرت فيه الإدارة الذاتية ومنظمات حقوقية، من أكبر موجة نزوح، منذ توغل أنقرة داخل مناطق سيطرة «قوات سوريا الديمقراطية»، نهاية عام 2019.
ولقي ما يصل إلى 10 أشخاص، بينهم طفل عمره 6 أشهر وسيدتان، مصرعهم في القصف الأخير، وكثف الجيش التركي هجماته على مناطق «قسد» بعد مقتل موظف مدني تركي الجنسية في منطقة عملية «نبع السلام». وشن الجيش التركي وفصائل سورية مسلحة موالية، قصفاً بالأسلحة الثقيلة وراجمات الصواريخ والمدفعية مواقع «قسد»، استهدفت قرى بلدة تل تمر وناحية أبو راسين ومنطقة زركان شمال محافظة الحسكة. وطالت الهجمات ممتلكات المدنيين ومحال تجارية، وتعرض الجامع الكبير ومقر مبنى المجلس المحلي للبلدة، لنيران القذائف التي خلفت أضراراً مادية ضخمة في الموقع، وأدت إلى تحطم زجاج أبنية سكنية وسيارات متوقفة في منطقة قريبة من المواقع. وكان بالإمكان سماع أصوات القصف والضربات على بعد أميال من مركز أبو راسين.
وبحسب الإدارة المدنية في أبو راسين وشهود وسكان محليين، فر أكثر من 1500 مدني تاركين منازلهم، وقصدوا مناطق أكثر أمناً، ونزحت مئات العائلات من مركز البلدة وقريتي الخضراوي والأسدية المجاورتين لمناطق الجيش التركي. واستهدف القصف التركي قرى الدردارة وتل شنان وبجارية وتل كيفجي وأم الكيف وطويلة والطريق السريع (إم 4)، الواقعة جنوب أبو راسين وشمال شرقي تل تمر المحاذية للطريق الرئيسي الواصل بين هذه البلدات.
ونقل فلمز (38 سنة) المنحدر من أبو راسين ويمتلك مخزناً لبيع قطع تبديل السيارات، أنه نزح العام الماضي، ثلاث مرات، وهذا نزوحه الأول في العام الجديد، وقال إن حياته انقلبت «رأساً على عقب». معتبراً، أنه «بعد سيطرة الجيش التركي على رأس العين، ارتبكت حياتنا، حتى سوق الناحية التجارية أصيب بالشلل والجمود الاقتصادي بعد نزوح السكان». ولم يخف خشيته من تجدد الحرب ويبحث عن منزل يستأجره في مدينة الحسكة أو بلدة الدرباسية المجاورة، قائلاً: «سيارتي تحولت إلى محل متنقل لبيع القطع ومكان مؤقت للنوم، لأننا نهرب باستمرار».
يذكر أن أبو راسين تقع بمحاذاة الحدود مع تركيا، وتحولت إلى مسرح للهجمات التركية ضد مناطق سيطرة قوات «قسد» التي تسيطر على مركز البلدة وريفها الجنوبي والشرقي، وتبعد عن محافظة الحسكة نحو 75 كيلومتراً كما تبعد قرابة 30 كيلومتراً عن مدينة رأس العين، وباتت خاضعة لسيطرة فصائل سورية مسلحة موالية لتركيا. وشهدت المنطقة مرور عربات عسكرية تركية وروسية وأميركية وتسيير دوريات تفقدية لخطوط التماس، إلى جانب تنقل سيارات عسكرية تابعة لقوات النظام من وإلى الخطوط الفاصلة بين الأطراف المتحاربة.
في قرية جديدة ميرزو التي تبعد قرابة 5 كيلومترات من جهة الشرق عن مركز البلدة، قال عيسى (45 سنة) إنه لم يهاجر إلى أوروبا كحال بقية إخوته، كان يشاهد ألسنة الدخان والنيران فوق إحدى النقاط التي قصفها الجيش التركي في مسقط رأسه، وعلق بغضب: «هذه حالنا منذ عامين و3 أشهر، حروب ومعارك وقتال، وتسيير دوريات عسكرية لثلاثة جيوش عالمية وانتشار 3 قوات عسكرية سورية، لم تفلح في خفض التصعيد، أما المدنيون، فيدفعون فاتورة الحروب».
باتت شوارع البلدة فارغة ومتاجرها مغلقة وأبواب المنازل موصدة تنتظر عودة أصحابها. وبين عشرة آلاف نسمة كانوا يسكنونها قبل أعوام؛ لم يتبق سوى بضع مئات من الأسر يتخوفون من تجدد المعارك واشتدادها في الأيام المقبلة.
وحذرت الإدارة الذاتية ومنظمات حقوقية من أكبر موجة نزوح، فيما كانت القوات الأميركية قد سيرت دوريات عسكرية في أبو راسين وتل تمر، نهاية ديسمبر (كانون الأول) الماضي، ووصلت إلى نقاط التماس وخطوط المواجهة، وجالت في قرى عدة تقع بريف أبو راسين الجنوبي وريف تل تمر الشرقي، وجابت في قرية الدردارة التي تتعرض لقصف عنيف منذ أشهر.
تقول خانكي التي نزحت من رأس العين نهاية 2019 وقصدت أبو راسين لتعيش فيها، إن عائلتها انقسمت بين الحدود العسكرية كحال الكثير من العائلات السورية: «القسم الأكبر من سكانها فضلوا الابتعاد عنها وسافروا نحو مناطق الداخل، والقليل مثلي يعانون مرارة النزوح، والجميع ينتظر تحديد مصيرها». خانكي التي قصدت مزرعة أحد أقرباء زوجها مع أبنائها، لديها قناعة بأن «الحياة لن تعود إلى منطقتها في ظل الظروف الراهنة، فمن نزح وهاجر، لن يعود أبداً مع استمرار المعارك وتوتر الوضع الميداني ونيران الحروب». تقول بمرارة: «أنتظر وزوجي والكثيرون من أبناء المنطقة، عودة أهلي والجيران لرأس العين وأبو راسين، حقيقة أخشى أن تجبرنا هذه الحروب على الخروج من وطننا».
فرار المئات هرباً من هجمات تركية على ريف الحسكة
تحذير من أكبر موجة نزوح منذ توغل أنقرة في المنطقة
فرار المئات هرباً من هجمات تركية على ريف الحسكة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة