أميركا تؤكد دعمها لإعادة جدولة «انتخابات واقعية» في ليبيا

توجس وسط ميليشيات طرابلس بعد وصول حشد عسكري من مصراتة لتأمين العاصمة

مبعوث أميركا الخاص سفيرها لدى ليبيا ريتشارد نورلاند في زيارة سابقة إلى طرابلس (السفارة الأميركية)
مبعوث أميركا الخاص سفيرها لدى ليبيا ريتشارد نورلاند في زيارة سابقة إلى طرابلس (السفارة الأميركية)
TT

أميركا تؤكد دعمها لإعادة جدولة «انتخابات واقعية» في ليبيا

مبعوث أميركا الخاص سفيرها لدى ليبيا ريتشارد نورلاند في زيارة سابقة إلى طرابلس (السفارة الأميركية)
مبعوث أميركا الخاص سفيرها لدى ليبيا ريتشارد نورلاند في زيارة سابقة إلى طرابلس (السفارة الأميركية)

بينما أكدت الإدارة الأميركية دعمها لجهود «القادة الليبيين» لإجراء انتخابات «واقعية مبكرة»، رصد ناشطون وشهود عيان استمرار توافد أرتال مسلحة لميليشيات قادمة من مدينة مصراتة (غرب)، إلى داخل العاصمة طرابلس.
وقال المبعوث الأميركي الخاص وسفيرها إلى ليبيا، ريتشارد نورلاند، في رسالة وجهها إلى الليبيين، أمس، بمناسبة العام الميلادي الجديد، إن بلاده تشارك الليبيين «خيبات الأمل» بسبب تأجيل الانتخابات، لكنه أوضح في المقابل أنها تدعم عمل «القادة الليبيين لإعادة جدولة انتخابات واقعية في إطار زمني مبكر»، لافتاً إلى أن «زخم الانتخابات بالبلاد لا يزال قويا»، وهو ما يظهر من خلال تسجيل المواطنين للحصول على بطاقاتهم الانتخابية، متعهدا بمواصلة بلاده العمل مع القادة الليبيين والشركاء الدوليين.
وروى نورلاند في رسالته أنه «اندهش من إجابة إحدى الفتيات خلال زيارته لإحدى المدارس في العاصمة طرابلس، عندما سألها إن كانت تعتقد أن ليبيا بلد ديمقراطي فردت قائلة: (إن شاء الله)، مشيرا إلى أنه من الضروري بناء مستقبل أفضل (لأطفال ليبيا الديمقراطية)». كما تحدث عما وصفه بالتطورات الإيجابية التي حدثت خلال العام الماضي، بما في ذلك الاتفاق على وقف إطلاق النار، والتواصل بين الأطراف الليبية، وإعادة فتح الطريق الساحلي، وعقد مؤتمر استقرار ليبيا الذي وصفه بالناجح.
بدورها شددت ستيفاني ويليامز، مستشارة الأمين العام للأمم المتحدة بشأن ليبيا، على أهمية توفير وضمان الظروف الملائمة للحفاظ على تقدم العملية الانتخابية «على أسس متينة، ومن منطلق تكافؤ الفرص، بحيث لا يتمتع أي مرشح دون غيره بمزايا غير عادلة».
وقالت في بيان لها مساء أول من أمس، عبر «تويتر»، إنها تكرر في كل اتصالاتها مع الأطراف الليبية والشركاء الدوليين، التزام الأمم المتحدة الراسخ بدعم السلطات الوطنية، المعنية بالاستجابة للتطلعات المشروعة، والقائمة لـ2.8 مليون ناخبة وناخب في أرجاء ليبيا.
في غضون ذلك، بحث رئيس مجلس النواب المكلف، فوزي النويري، في طرابلس مع عبد الغني الككلي، رئيس «جهاز دعم الاستقرار»، الأوضاع الأمنية، ودور الجهاز في حفظ الأمن والاستقرار، وسبل تعزيز التواصل والتنسيق بين كل الأجهزة الأمنية بالبلاد، بهدف الحفاظ على أمن المواطن وسلامته، وفقا لما أعلنه عبد الله بليحق، المتحدث الرسمي باسم المجلس.
ويعتبر هذا هو أول اجتماع من نوعه لمسؤول رفيع المستوى في مجلس النواب، الذي يتخذ من مدينة طبرق بأقصى شرق البلاد مقرا له، مع أحد أبرز قادة الميليشيات المسلحة، الموجودة في العاصمة طرابلس.
ويتحدر عبد الغني الككلي، المعروف باسم (غنيوة)، الذي يعد أحد أهم قادة ميليشيات طرابلس، من مدينة ككلة، علما بأن فائز السراج، رئيس حكومة «الوفاق» السابقة، عينه بموجب قرار رسمي مطلع العام الماضي رئيسا لـ«جهاز الأمن القومي ودعم الاستقرار»، الذي أنشئ لدعم السلطات الحاكمة في العاصمة.
إلى ذلك، رصد ناشطون وشهود عيان استمرار توافد أرتال مسلحة لميليشيات قادمة من مدينة مصراتة (غرب)، إلى داخل العاصمة طرابلس. ونقلت وسائل إعلام محلية عن مصدر بالمجلس الرئاسي أن الأخير شرع، باعتباره القائد الأعلى للجيش الليبي، في تنفيذ خطة لحفظ الأمن في العاصمة طرابلس، بإشراك المنطقتين العسكريتين الغربية والوسطى، وأدرج وصول التعزيزات العسكرية تباعا إلى المدينة ضمن هذه الخطة الأمنية.
وأعلنت «قوة مكافحة الإرهاب» رسميا عن وصول تعزيزات عسكرية جديدة لمقراتها في طرابلس، بينما أظهرت لقطات مصورة، خروج لواء الحلبوص من مصراتة باتجاه طرابلس، التي تشهد حالة من الاستنفار الأمني المكثف.
وقال بيان للمركز الإعلامي لمحور «قوة مكافحة الإرهاب»، مساء أول من أمس، إن من بين التعزيزات الجديدة «لواء الشهيد محمد الحلبوص»، وعدة كتائب عسكرية أخرى، مشيرا إلى وصول تعزيزات عسكرية لشعبة الاحتياط بطرابلس، بقيادة مختار الجحاوي في وقت سابق، تطبيقا لما وصفه بالترتيبات الأمنية الموضوعة للمساهمة في الحفاظ على أمن العاصمة وسلامة مواطنيها.
وأثار وصول هذه التعزيزات توجسا وانزعاجا في أوساط قادة ميليشيات طرابلس، الذين اجتمعوا بشكل عاجل مساء أول من أمس لتدارس الموقف.
وتجاهلت وزارة الداخلية هذه التطورات، لكنها نفت مساء أول من أمس ما تردد عن إيقاف وكيلها للشؤون الفنية، فرج أقعيم عن العمل احتياطياً، وقالت في بيان مقتضب، إن البيان «مزور»، وأكدت أنها سوف تتابع مصدره لاتخاذ ما يفرضه القانون من إجراءات.



الحوثيون يفرضون مقرراً دراسياً يُضفي القداسة على زعيمهم

شقيق زعيم الجماعة الحوثية يشرف على طباعة الكتب الدراسية (إعلام حوثي)
شقيق زعيم الجماعة الحوثية يشرف على طباعة الكتب الدراسية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يفرضون مقرراً دراسياً يُضفي القداسة على زعيمهم

شقيق زعيم الجماعة الحوثية يشرف على طباعة الكتب الدراسية (إعلام حوثي)
شقيق زعيم الجماعة الحوثية يشرف على طباعة الكتب الدراسية (إعلام حوثي)

ازدادت مساحة التدخلات الحوثية في صياغة المناهج الدراسية وحشوها بالمضامين الطائفية التي تُمجِّد قادة الجماعة وزعيمها عبد الملك الحوثي، مع حذف مقررات ودروس وإضافة نصوص وتعاليم خاصة بالجماعة. في حين كشف تقرير فريق الخبراء الأمميين الخاص باليمن عن مشاركة عناصر من «حزب الله» في مراجعة المناهج وإدارة المخيمات الصيفية.

في هذا السياق، كشف ناشطون يمنيون على مواقع التواصل الاجتماعي عن أعمال تحريف جديدة للمناهج، وإدراج المضامين الطائفية الخاصة بالجماعة ومشروعها، واستهداف رموز وطنية وشعبية بالإلغاء والحذف، ووضع عشرات النصوص التي تمتدح قادة الجماعة ومؤسسيها مكان نصوص أدبية وشعرية لعدد من كبار أدباء وشعراء اليمن.

إلى ذلك، ذكرت مصادر تربوية في العاصمة المختطفة صنعاء أن الجماعة الحوثية أقرّت خلال الأسابيع الأخيرة إضافة مادة جديد للطلاب تحت مسمى «الإرشاد التربوي»، وإدراجها ضمن مقررات التربية الإسلامية للمراحل الدراسية من الصف الرابع من التعليم الأساسي حتى الثانوية العامة، مع إرغام الطلاب على حضور حصصها يوم الاثنين من كل أسبوع.

التعديلات والإضافات الحوثية للمناهج الدراسية تعمل على تقديس شخصية مؤسس الجماعة (إكس)

وتتضمن مادة «الإرشاد التربوي» -وفق المصادر- دروساً طائفية مستمدة من مشروع الجماعة الحوثية، وكتابات مؤسسها حسين الحوثي التي تعرف بـ«الملازم»، إلى جانب خطابات زعيمها الحالي عبد الملك الحوثي.

وبيّنت المصادر أن دروس هذه المادة تعمل على تكريس صورة ذهنية خرافية لمؤسس الجماعة حسين الحوثي وزعيمها الحالي شقيقه عبد الملك، والترويج لحكايات تُضفي عليهما هالة من «القداسة»، وجرى اختيار عدد من الناشطين الحوثيين الدينيين لتقديمها للطلاب.

تدخلات «حزب الله»

واتهم تقرير فريق الخبراء الأمميين الخاص باليمن، الصادر أخيراً، الجماعة الحوثية باعتماد تدابير لتقويض الحق في التعليم، تضمنت تغيير المناهج الدراسية، وفرض الفصل بين الجنسين، وتجميد رواتب المعلمين، وفرض ضرائب على إدارة التعليم لتمويل الأغراض العسكرية، مثل صناعة وتجهيز الطائرات المسيّرة، إلى جانب تدمير المدارس أو إلحاق الضرر بها أو احتلالها، واحتجاز المعلمين وخبراء التعليم تعسفياً.

تحفيز حوثي للطلاب على دعم المجهود الحربي (إكس)

وما كشفه التقرير أن مستشارين من «حزب الله» ساعدوا الجماعة في مراجعة المناهج الدراسية في المدارس الحكومية، وإدارة المخيمات الصيفية التي استخدمتها للترويج للكراهية والعنف والتمييز، بشكل يُهدد مستقبل المجتمع اليمني، ويُعرض السلام والأمن الدوليين للخطر.

وسبق لمركز بحثي يمني اتهام التغييرات الحوثية للمناهج ونظام التعليم بشكل عام، بالسعي لإعداد جيل جديد يُربَّى للقتال في حرب طائفية على أساس تصور الجماعة للتفوق الديني، وتصنيف مناهضي نفوذها على أنهم معارضون دينيون وليسوا معارضين سياسيين، وإنتاج هوية إقصائية بطبيعتها، ما يُعزز التشرذم الحالي لعقود تالية.

وطبقاً لدراسة أعدها المركز اليمني للسياسات، أجرى الحوثيون تغييرات كبيرة على المناهج الدراسية في مناطق سيطرتهم، شملت إلغاء دروس تحتفي بـ«ثورة 26 سبتمبر (أيلول)»، التي أطاحت بحكم الإمامة وأطلقت الحقبة الجمهورية في اليمن عام 1962، كما فرضت ترديداً لـ«الصرخة الخمينية» خلال التجمعات المدرسية الصباحية، وتغيير أسماء المدارس أو تحويلها إلى سجون ومنشآت لتدريب الأطفال المجندين.

مواجهة حكومية

في مواجهة ما تتعرض له المناهج التعليمية في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية من تحريف، تسعى الحكومة اليمنية إلى تبني سياسات لحماية الأجيال وتحصينهم.

اتهامات للحوثيين بإعداد الأطفال ذهنياً للقتال من خلال تحريف المناهج (أ.ف.ب)

ومنذ أيام، أكد مسؤول تربوي يمني عزم الحكومة على مواجهة ما وصفه بـ«الخرافات السلالية الإمامية العنصرية» التي تزرعها الجماعة الحوثية في المناهج، وتعزيز الهوية الوطنية، وتشذيب وتنقية المقررات الدراسية، وتزويدها بما يخدم الفكر المستنير، ويواكب تطلعات الأجيال المقبلة.

وفي خطابه أمام ملتقى تربوي نظمه مكتب التربية والتعليم في محافظة مأرب (شرق صنعاء) بالتعاون مع منظمة تنموية محلية، قال نائب وزير التربية والتعليم اليمني، علي العباب: «إن ميليشيات الحوثي، تعمل منذ احتلالها مؤسسات الدولة على التدمير الممنهج للقطاع التربوي لتجهيل الأجيال، وسلخهم عن هويتهم الوطنية، واستبدال الهوية الطائفية الفارسية بدلاً منها».

ووفقاً لوكالة «سبأ» الحكومية، حثّ العباب قيادات القطاع التربوي، على «مجابهة الفكر العنصري للمشروع الحوثي بالفكر المستنير، وغرس مبادئ وقيم الجمهورية، وتعزيز الوعي الوطني، وتأكيد أهداف ثورتي سبتمبر وأكتوبر (تشرين الأول) المجيدتين».

قادة حوثيون في مطابع الكتاب المدرسي في صنعاء (إعلام حوثي)

ومنذ أيام توفي الخبير التربوي اليمني محمد خماش، أثناء احتجازه في سجن جهاز الأمن والمخابرات التابع للجماعة الحوثية، بعد أكثر من 4 أشهر من اختطافه على خلفية عمله وزملاء آخرين له في برنامج ممول من «يونيسيف» لتحديث المناهج التعليمية.

ولحق خماش بزميليه صبري عبد الله الحكيمي وهشام الحكيمي اللذين توفيا في أوقات سابقة، في حين لا يزال بعض زملائهم محتجزين في سجون الجماعة التي تتهمهم بالتعاون مع الغرب لتدمير التعليم.

وكانت الجماعة الحوثية قد أجبرت قبل أكثر من شهرين عدداً من الموظفين المحليين في المنظمات الأممية والدولية المختطفين في سجونها على تسجيل اعترافات، بالتعاون مع الغرب، لاستهداف التعليم وإفراغه من محتواه.