قتلى باشتباكات في ريف الحسكة غداة تسيير دورية أميركية

جريمة قتل «يومية» في مخيم الهول شرق سوريا

دورية عسكرية أميركية في ريف الحسكة في 26 الشهر الماضي (أ.ف.ب)
دورية عسكرية أميركية في ريف الحسكة في 26 الشهر الماضي (أ.ف.ب)
TT

قتلى باشتباكات في ريف الحسكة غداة تسيير دورية أميركية

دورية عسكرية أميركية في ريف الحسكة في 26 الشهر الماضي (أ.ف.ب)
دورية عسكرية أميركية في ريف الحسكة في 26 الشهر الماضي (أ.ف.ب)

تصاعدت حدة الاشتباكات في ريف محافظة الحسكة الشمالي وبلدة عين عيسى شمال غربي الرقة، وانسحب جزء منها إلى ريف حلب الشمالي، حيث شهدت جبهات القتال قصفاً طال منازل مأهولة بالسكان أسفرت عن وقوع ضحايا مدنيين، بينهم أطفال ونساء، وسط حالة من الذعر والخوف سادت بين أهالي المناطق الذين أُجبروا إلى النزوح وترك أعمالهم الزراعية جراء شدة القصف واستمراره.
واستهدفت المدفعية التركية ناحية أبو راسين ومنطقة زركان وقرى بلدة تل تمر الواقعة بريف مدينة الحسكة الشمالي، وقصفت بالأسلحة الثقيلة وراجمات الصواريخ مواقع «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد)، وطال القصف ممتلكات المدنيين ومحال تجارية خلفت أضراراً مادية ضخمة في الموقع المستهدفة، كما تسببت الضربات الصاروخية باستهداف الجامع الكبير ولحقت أضرار بالطريق العامة وأراضٍ زراعية، وأدت إلى تحطم زجاج أبنية سكنية وسيارات متوقفة في منطقة قريبة من المواقع، وكان بالإمكان سماع أصوات القصف والضربات على بعد أميال من مركز البلدة.
وأعلنت «قسد» في بيان، أن الهجوم التركي العنيف أسفر عن سقوط امرأتين وطفل وإصابة ثلاثة مدنيين على منطقة زركان وقرى تل تمر، في حين أكد مصدر طبي وفاة جومانة النهار، وهي موظفة في بلدية قرية الأسدية بريف أبو راسين وتنحدر من القرية نفسها، فقدت حياتها متأثرة بجراحها جراء القصف التركي بعد نقلها إلى المستشفى، وأشار البيان إلى أن القصف كان كثيفاً وعنيفاً طال قرى الدردارة وتل شنان وبجارية وتل كيفجي وأم الكيف وطويلة والطريق الدولية «كما أُصيب ثلاثة مدنيين بجروح بليغة وأسمائهم هم، الطفلة علا علي العيسى 5 أعوام، والطفل محمد عيسى العمر عامين، ومحمد خلف 33 عاماً، تم نقلهم لمشافي الحسكة والقامشلي».
واللافت، أن القوات الأميركية سيرت دورية عسكرية من 7 مدرعات قبل القصف بيوم نهاية ديسمبر (كانون الأول) العام الماضي، وتفقدت نقاط التماس وخطوط المواجهة وتوقفت لساعات في قرى عدة تقع بريف أبو راسين الجنوبي، وهذه كانت أول دورية عسكرية من نوعها تنفذها القوات الأميركية في هذه المنطقة بعد مغادرتها نهاية أكتوبر (تشرين الأول) 2019، باتفاق على خفض التصعيد مع موسكو وأنقرة بعد عملية «نبع السلام» التركية.
في سياق متصل، شنّت فصائل «الجيش الوطني السوري» والمدفعية التركية هجوماً بالأسلحة الثقيلة على قرى زنوبة في ريف بلدة تل أبيض الغربي التابعة لمحافظة الرقة، تسببت في انقطاع التيار الكهربائي عن تلك القرى، في حين طال القصف التركي قرى الفاطسة والصفاوية بريف بلدة عين عيسى الشرقي واستهدفت الهجمات محيط مركز البلدة، وسقطت في الساعات الأولى من صباح الجمعة الماضية أكثر من 60 قذيفة مدفعية على تلك القرى ومحيط الطريق الدولية السريعة.
وفي ريف حلب الشرقي والشمالي، قصفت القوات التركية والفصائل السورية الموالية قرى تقع في خطوط التماس بريف منبج الشمالي الغربي، وذكر شرفان درويش الناطق الرسمي لـ«مجلس منبج العسكري» أحد تشكيلات قوات «قسد» بأن المنطقة تعرضت لأكثر من 45 قذيفة يومي الخميس والجمعة الماضيين، وقال «استمر القصف خلال ساعات المساء واستمر حتى منتصف الليل وفجر الجمعة، استهدف كلاً من قرى البوغاز بريف الباب الشرقي واليالنلي والمحسنلي بريف منبج»، وانتقد الصمت الروسي حيال التصعيد التركي الأخير على كامل خطوط التماس بريف مدن وبلدات منبج والباب بحلب وعين عيسى وتل أبيض بالرقة وريف الحسكة الشمالي ليقول «مطلوب من القوات الروسية كبح قصف القوات التركية والفصائل الموالية لها، والعمل على وقف إطلاق النار لتجنيب المدنيين القتل والنزوح والتشرد الذي غالباً ما يستهدف المناطق السكنية».
وتعرضت قريتا قنيطرة وصوغوناكه في ناحية شيراوا التابعة لمدينة عفرين ذات الغالبية الكردية بريف محافظة حلب الشمالي، لهجوم شنّته القوات التركية وفصائل مسلحة موالية استخدمت أسلحة ثقيلة وقصفت بالمدفعية والهاون عشرات القذائف سقطت بشكل عشوائي، وتتعرض هذه المنطقة إلى قصف متكرر التي يقطنها الآلاف من نازحي عفرين الذين فروا من مسقط رأسهم بعد عملية «غصن الزيتون» التركية سنة 2018.
إلى ذلك؛ فرضت قوى الأمن الداخلي في مخيم الهول شرقي الحسكة حظراً للتجوال بعد مقتل نازح سوري من أبناء مدينة حلب جراء استهدافه بطلق ناري، بعد أقل من 24 ساعة على مقتل لاجئ عراقي عبر مسدس كاتم صوت داخل خيمته في القطاع الخامس الخاص باللاجئين العراقيين. وتعد هذه الجريمة العاشرة خلال شهر ديسمبر (كانون الأول) للعام الفائت لترتفع حصيلة عمليات القتل إلى 126 استهدفت بمعظمها لاجئين عراقيين ونازحين سوريين.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.