الكثافة السكانية والنزوح وندرة الأمطار... تفاقم عطش دمشق

«تطمينات» الحكومة لم تخفف قلق السوريين

حصادة في ريف الحسكة شمال شرقي سوريا (الشرق الأوسط)
حصادة في ريف الحسكة شمال شرقي سوريا (الشرق الأوسط)
TT

الكثافة السكانية والنزوح وندرة الأمطار... تفاقم عطش دمشق

حصادة في ريف الحسكة شمال شرقي سوريا (الشرق الأوسط)
حصادة في ريف الحسكة شمال شرقي سوريا (الشرق الأوسط)

لا يحتاج السوريون إلى دعوة وزارة الموارد المائية لتخيل الحياة دون ماء ليدركوا أهمية الحفاظ على كل قطرة ماء، لأن البلاد تعاني منذ عقود من أزمة حادة في توفر المياه، تفاقمت خلال سنوات الحرب بسبب اشتداد أزمة الكهرباء ومواد الطاقة وعمليات التخريب التي طالت البنى التحتية لمنظومة التغذية المائية.
ولم تفلح التطمينات الحكومية بخصوص كفاية المصادر المائية لتأمين احتياج العاصمة وريفها في تبديد المخاوف من استفحال أزمة المياه التي تعاني منها محافظتا دمشق وريفها بعد موجة جفاف تزامنت مع تفاقم أزمة الكهرباء ومواد الطاقة في العام الأخير، التي أدت إلى حرمان معظم مناطق ريف دمشق من المياه لفترات طويلة.
وتتغذى العاصمة دمشق وأجزاء من الغوطة الشرقية بشكل رئيسي من مياه نبع عين الفيجة، بمعدل 700 ألف متر مكعب يومياً، بالإضافة إلى 120 ألف متر مكعب توفرها الآبار التي يبلغ عددها في دمشق والمناطق المتصلة بها نحو 200 بئر، وتغطي بمجموعها في المواسم الماطرة نسبة 90 في المائة من احتياج العاصمة الفعلي، بحسب الأرقام الرسمية.
أما مناطق محافظة ريف دمشق فتعتمد بشكل ثانوي على نبع عين الفيجة، بعد تغطية احتياج العاصمة، حيث يتم تزويد بعض أحياء مناطق الريف بحوالي 77 ألف متر مكعب يومياً، ليبقى الاعتماد الرئيسي على مياه الآبار. وهناك نحو 84 بئرا في الغوطة الشرقية، وأكثر من 55 بئراً في مناطق جنوب وغرب العاصمة، التي يعاني معظم بلداتها، مثل جديدة عرطوز والمعضمية وداريا وصحنايا وأشرفية صحنايا، من شح شديد في المياه، إذ يتم تزويدها ليوم واحد في الأسبوع، ويتراجع خلال الصيف ليصبح يوماً واحداً كل أسبوعين.
وتعتمد تغذية مصادر المياه في دمشق وريفها بشكل رئيسي على الأمطار ومعدلها السنوي 350 ملم في المواسم الماطرة، حيث يحظى حوض مياه نهري بردى والأعوج بنحو 2297 مليون متر مكعب سنوياً من مياه الأمطار، التي توفر 881 مليون متر مكعب من المياه لمدينة دمشق، ما يجعل انخفاض معدل الأمطار العام الماضي إلى أقل من 200 ملم يهدد العاصمة وريفها بالعطش.
يشار إلى أن نبع عين الفيجة، بغزارته التي تبلغ ضعف غزارة نهر بردى، كان تاريخياً شريان الحياة في العاصمة دمشق، نتيجة اتحاده مع نهر بردى، ما يجعل حماية نبع الفيجة وحوض نهري بردى والأعوج جزءاً لا يتجزأ من حماية العاصمة. وفي هذا الإطار، صدر عام 1989 قانون خاص بحماية هذا النبع ومنع أي نشاطات يمكن أن تؤدي إلى تلوثه، نظراً لكون منطقته ذات طبيعة مسامية عالية، من الممكن أن تنقل الملوثات بسهولة إلى أعماق الحوض.
وخلال سنوات الحرب الدائرة منذ عام 2011 شكلت السيطرة على نبع الفيجة ورقة مساومة بين فصائل المعارضة المسلحة وقوات النظام، أدت في عام 2017 إلى قطع مياه الشرب عن مدينة دمشق لنحو شهر، لكن النظام حسم ملف وادي بردى ببسط سيطرته على المنطقة بعد معارك عنيفة أعقبتها تسوية مضنية.
وتمتد مساحة حوض بردى - الأعوج البالغة 8596 هكتاراً على طول الحدود السورية اللبنانية بطول 60 كم وعرض نحو 12 كم فوق سلسلة جبال لبنان الشرقية. وعند نبع عين الفيجة (18كم شمال غربي دمشق) يتحد نهر بردى، وطوله 60 كم داخل الأراضي السورية، مع نبع الفيجة. وتبلغ النقطة الأكثر انخفاضا في الحوض، في الاتجاه الجنوبي الغربي منه، 823 متراً فوق سطح البحر، فيما يصل ارتفاع بعض القمم الواقعة فيه باتجاه الشمال الشرقي إلى 2629 متراً فوق سطح البحر، ما يجعل معظم المتساقطات فوق تلك القمم في فترة الشتاء ثلجية وبعيدة عن مصادر التلوث. كما تتيح الطبيعة المسامية للصخور تسرب معظم المياه المتساقطة بسرعة إلى باطن الأرض، لتشكل مصدراً استثنائياً للمياه من حيث العذوبة والغزارة.
وهذا المصدر هو المهدد دائماً بسوء إدارة الموارد المائية وزيادة الاستهلاك، نتيجة تركز الكثافة السكانية في العاصمة جراء النزوح إليها من المناطق الساخنة، بالإضافة إلى استنزاف مخزون المياه الجوفية بحفر المزيد من الآبار لحل مشكلة تأمين مياه الشرب. ففي هذا العام، تم منح نحو 423 ترخيصاً لحفر آبار في دمشق وريفها، بينها 60 رخصة حفر آبار جديدة، والبقية توزعت بين تسوية وتعزيل وتجديد.
وتشير المعطيات الدولية إلى انخفاض موارد المياه المتاحة للفرد من 12.185 مترا مكعبا في عام 1992 إلى 809 أمتار مكعبة في عام 2012، في حين بلغ متوسط موارد المياه المتجددة الفعلية 1.250 مترا مكعبا فقط.
مع ذلك، وقياساً إلى واقع المياه في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لا تزال سوريا من أفضل الدول من حيث توافر المياه للفرد، مع أنه أقل من المستوى المحدد دولياً لندرة المياه البالغ 1000 متر مكعب للفرد.


مقالات ذات صلة

تراجع حاد في مستويات المياه العذبة عالمياً

يوميات الشرق مهمة القمر الاصطناعي «GRACE-FO» استهدفت الكشف عن تغيرات كتلة المياه على سطح الأرض وتحتها (ناسا)

تراجع حاد في مستويات المياه العذبة عالمياً

كشفت بيانات الأقمار الاصطناعية التابعة لوكالة الفضاء والطيران الأميركية (ناسا) بالتعاون مع ألمانيا، عن تراجع حاد في إجمالي كميات المياه العذبة على كوكب الأرض.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
علوم «فقاعة المياه»... على وشك الانفجار

«فقاعة المياه»... على وشك الانفجار

بسبب البنية التحتية المتقادمة والإهدار

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
شمال افريقيا الوزير المصري سويلم يلتقي السفير الألماني بالقاهرة (وزارة الموارد المائية والري)

مصر تحذّر دول نهر النيل من تفعيل اتفاقية «عنتيبي»

حذّرت مصر دول نهر النيل، من تفعيل «الاتفاقية الإطارية لدول حوض النيل»، المعروفة باسم اتفاقية «عنتيبي»، مؤكّدةً أنها بشكلها الحالي «تخالف قواعد القانون الدولي».

أحمد إمبابي (القاهرة)
شمال افريقيا وزير الموارد المائية المصري هاني سويلم خلال حفل تخريج متدربين أفارقة (وزارة الموارد المائية والري المصرية)

مصر تتمسك بقاعدة «الإجماع» لحل «الخلافات المائية» في حوض النيل

أكّدت مصر تمسكها بضرورة العمل وفق قاعدة «الإجماع» في إدارة وحل «الخلافات المائية» مع دول حوض النيل.

عصام فضل (القاهرة)
شمال افريقيا سويلم يلتقي سفيرة الإمارات في القاهرة (وزارة الموارد المائية)

مصر تطالب بتكاتف الجهود العربية لمواجهة «الشح المائي»

طالبت مصر بتكاتف الجهود العربية لمواجهة «الشح المائي» الذي تعاني منه المنطقة عبر إيجاد حلول مبتكرة للتعامل مع تحديات المياه الأمر الذي عدّه خبراء «ضرورة ملحة».

عصام فضل (القاهرة)

طارق متري لـ«الشرق الأوسط»: لا بديل عن الـ1701 وإنْ بصياغة جديدة

وزير الخارجية اللبناني الأسبق طارق متري
وزير الخارجية اللبناني الأسبق طارق متري
TT

طارق متري لـ«الشرق الأوسط»: لا بديل عن الـ1701 وإنْ بصياغة جديدة

وزير الخارجية اللبناني الأسبق طارق متري
وزير الخارجية اللبناني الأسبق طارق متري

يشكّل قرار مجلس الأمن الدولي 1701 الركيزة الأساسية لأي حلّ دبلوماسي للحرب الإسرائيلية على لبنان، رغم التصدعات التي أصابته جراء الخروق المتكررة لمضامينه منذ إقراره في شهر أغسطس (آب) 2006. وعلى رغم أن الأحداث المتسارعة تجاوزته وسياسة التدمير التي تنفذها إسرائيل على كامل الأراضي اللبنانية جعلت من الصعب البناء عليه، فإن وزير الخارجية الأسبق طارق متري، تحدث عن «استحالة الاتفاق على قرار بديل عنه بفعل الانقسام الحاد داخل مجلس الأمن الدولي وامتلاك الولايات المتحدة الأميركية وروسيا حق النقض (الفيتو) لتعطيل أي قرار بديل». وشدد متري على أنه «لا بديل لهذا القرار وإن كان يحتاج إلى مقدمة جديدة وإعادة صياغة».

ثغرات تسهل الخرق

ثمة بنود ملتبسة في هذا القرار الدولي، تسببت بخرقه مراراً من إسرائيل و«حزب الله» على السواء؛ لكون كلّ منهما يفسّر هذه البنود بحسب رؤيته ومصلحته. ومتري هو أحد مهندسي الـ1701 عندما مثَّل لبنان وزيراً للخارجية بالوكالة في حكومة الرئيس فؤاد السنيورة، وأشار إلى أن «كل قرارات مجلس الأمن يشوبها بعض الغموض، ومن يقرأ 1701 بتأنٍ يتبيّن أنه ينطوي على لهجة قوية، لكن منطوقه يحمل بعض التأويل». وقال متري في حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «مشكلة القرار 1701 الأساسية والتي كانت سبباً وراء تفسيره من نواحٍٍ مختلفة، أنه يدعو إلى وقف الأعمال العدائية وليس وقف إطلاق النار، وكذلك شابه الغموض أو عدم الوضوح، خصوصاً في الفقرة (8) التي تتحدث عن ترتيبات أمنية في المنطقة الفاصلة ما بين مجرى نهر الليطاني والخطّ الأزرق وجعلها خالية من المسلحين»، مشيراً إلى أن «هذا القرار صدر تحت الفصل السادس، لكن الالتباس الأكبر الذي شابه عندما تطرق إلى مهمة القوات الدولية (يونيفيل)؛ إذ أطلق يدها باتخاذ الإجراءات الضرورية كافة لمنع أي تواجد عسكري أو ظهور مسلّح غير شرعي كما لو أنه جاء تحت الفصل السابع». ويتابع متري قوله: «لكن للأسف هذه القوات لم تقم بدورها، وبدلاً عن أن تكون قوّة مراقبة وتدخل، باتت هي نفسها تحت المراقبة» (في إشارة إلى تعقبها من قِبل مناصري «حزب الله» واعتراضها).

ظروف صدور القرار

فرضت تطورات حرب يوليو (تموز) 2006 إصدار هذا القرار تحت النار والمجازر التي ارتكبتها إسرائيل، ولم يخفِ الوزير متري أن «القرار 1701 لم يشبع درساً، وكان همّ كلّ الأطراف الاتفاق على ما يوقف الأعمال العدائية ولو كان ملتبساً». ويقول متري إن القرار «لم يكن ليصدر لو لم تتخذ حكومة لبنان برئاسة فؤاد السنيورة قراراً بإرسال 15 ألف جندي إلى الجنوب. لكن لأسباب متعددة لم يستطع لبنان أن يفي بوعده بإرسال هذا العدد من الجنود، أولاً لعدم توفر الإمكانات وانشغال الجيش بكثير من المهمات بينها حفظ الأمن الداخلي».

صحيح أن القرار الدولي كان عرضة للخرق الدائم وهذا كان موضع تقييم دائم من مجلس الأمن الدولي الذي لطالما حذّر من تجاوزه، لكنه بقي إطاراً ضابطاً للوضع الأمني على طول الخطّ الأزرق الفاصل ما بين لبنان وفلسطين المحتلّة.

جسر دمَّرته حرب 2006 شمال بيروت (غيتي)

وذكّر متري بأن «الفترة التي فصلت إقرار القانون ووقف الأعمال العدائية في عام 2006، وبين 7 أكتوبر (2023) لم يبادر (حزب الله) إلى الاصطدام بأحد، ولم يكن سلاحه ظاهراً كما غابت نشاطاته العسكرية، واعتبر نفسه مطبّقاً للقرار 1701 على النحو المطلوب، في حين أن إسرائيل خرقت السيادة اللبنانية جوّاً آلاف المرات، حتى أنها امتنعت عن إعطاء لبنان خرائط الألغام؛ وهو ما تسبب بسقوط عشرات الضحايا من المدنيين اللبنانيين». كذلك أشار متري إلى أن «دبلوماسيين غربيين تحدثوا عما يشبه الاتفاق الضمني بأن كلّ ما هو غير ظاهر من السلاح جنوبي الليطاني ينسجم القرار مع 1701، وأن (حزب الله) لم يقم بعمليات تخرق الخطّ الأزرق، بل كانت هناك عمليات في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا».

هل ما زال القرار قابلاً للحياة؟

يتردد طارق متري في الإجابة عن مستقبل هذا القرار؛ لأن «النوايا الفعلية لحكومة بنيامين نتنياهو غير واضحة». وسرعان ما يلفت إلى وجود تناقضات كبيرة في السياسة الدولية اليوم، ويقول: «الأميركيون يحذّرون نتنياهو من الغزو البرّي، لكنّ الأخير يزعم أنه يريد القيام بعمليات محدودة لضرب أهداف لـ(حزب الله)، وهذا غير مضمون»، مذكراً بأن «جناح اليمين المتطرف داخل الحكومة الإسرائيلية يدعو لاحتلال جزء من جنوب لبنان، لكنّ هؤلاء قلّة غير مؤثرة؛ لأن القرار في جنوب لبنان ونوعيّة الغزو البرّي تتخذه المؤسسة العسكرية»، متحدثاً عن «وجود إشارات متضاربة، إذ أنه عندما قدّم الأميركيون والفرنسيون ورقتهم لوقف النار، جاء التصعيد الإسرائيلي سريعاً في لبنان». وأضاف: «قبل الانتخابات الرئاسية يفضل الأميركيون ألا تندلع الحرب، وفي الوقت نفسه يغضون النظر عمّا تلحقه إسرائيل من أذى بحق المدنيين اللبنانيين».

سيناريو 2006

وتنطلق مخاوف وزير الخارجية السابق التجارب الإسرائيلية السابقة، قائلاً: «في عام 2006 زعمت إسرائيل أن الغاية من عملياتها في لبنان ضرب (حزب الله)، لكنها دمرت لبنان، واليوم تطبّق السيناريو نفسه، إن كانت لا تزال تحيّد مطار بيروت الدولي عن الاستهداف وتتجنّب تدمير الجسور، والفرنسيون متفهمون لذلك».

آثار القصف الإسرائيلي على بيروت خلال الحرب مع «حزب الله» عام 2006 (رويترز)

وشدد في الوقت نفسه على «مسؤولية لبنان بفتح نافذة دبلوماسية؛ إذ ليس لديه خيار سوى تطبيق القرار 1701 والاستعداد لإرسال الجيش إلى الجنوب». وتابع: «إسرائيل تعرف أن الحكومة اللبنانية ضعيفة وإذا حصلت على التزام لبناني بتطبيق القرار ستطالب بالأكثر».

وفي حين يسود اعتقاد بأن القرار 1701 لم يعد الوثيقة الدولية الصالحة لإنهاء الحرب القائمة على لبنان اليوم، استبعد طارق متري إصدار مجلس الأمن الدولي قراراً بديلاً عنه. ورأى أنه «يمكن لمجلس الأمن الدولي أن يجدد المطالبة بتنفيذه مع إعادة صياغته ووضع مقدّمة جديدة له». وتحدث عن «استحالة صدور قرار جديد لأن مجلس الأمن الدولي مشلول ولا يمكن إصدار الاتفاق على بديل، لأن الفيتو الأميركي والروسي موجودون ولا إمكانية لقرار آخر». وأكد أن «التقدم الإسرائيلي ميدانياً سيقفل الباب أمام الحلّ الدبلوماسي، أما إذا تمكن (حزب الله) من الصمود أمام التدخل الإسرائيلي فهذا قد يفتح باباً أمام الحلول السياسية».