لماذا أصبح التحكيم في الدوري الإنجليزي الممتاز مقتصراً على البيض فقط؟

وصف الكتاب المتخصصون في الشؤون الرياضية انتصار ليفربول على توتنهام بهدفين دون رد على ملعب «وايت هارت لين» في 11 مايو (أيار) 2008 في ذلك الوقت، بأنه أمر باهت. لكن اتضح بعد ذلك أنها كانت مباراة تاريخية، إذ كانت هذه هي المرة الأخيرة التي يدير فيها حكم أسود إحدى مباريات الدوري الإنجليزي الممتاز! وكان من المأمول أن يكون أوريا ريني، أول حكم أسود في الدوري الإنجليزي الممتاز، الرائد لجيل جديد من الحكام المنتمين للأقليات العرقية. وبدلاً من ذلك، كان خريج إدارة الأعمال والقانون، الذي أدار أكثر من 170 مباراة في الدوري الإنجليزي الممتاز، مجرد استثناء.
وبينما يركع لاعبو كرة القدم على الركبة كل أسبوع في إشارة إلى دعم مناهضة العنصرية، تشير الإحصائيات إلى أنه لم يقم أي حكم أسود أو آسيوي بتحكيم أي مباراة في الدوري الإنجليزي الممتاز منذ أكثر من عقد من الزمان.
هناك 40 حكماً مسجلاً في موسم 2021 - 2022 في الدوري الإنجليزي الممتاز ودوري الدرجة الأولى - كلهم من أصحاب البشرة البيضاء. ومن بين نحو 200 حكم في الدوريات السبعة الأولى في إنجلترا، هناك أربعة حكام فقط من السود أو الآسيويين (بنسبة 2 في المائة): هم سام أليسون، وجويل مانيكس، وآجي أجيبولا، وصني غيل.
وهناك ما يقرب من 24500 حكم في إنجلترا، معظمهم يديرون مباريات في دوريات الهواة لكرة القدم يوم الأحد من كل أسبوع، وزعم الاتحاد الإنجليزي لكرة القدم مؤخراً أن نحو 2000 (8.2 في المائة) منهم من أقليات عرقية. وبالتالي، فإن السؤال الآن هو: لماذا يفشل الحكام السود والآسيويون والمنتمون للأقليات العرقية في الوصول إلى التحكيم بالدوري الإنجليزي الممتاز ودوري الدرجة الأولى؟
يقول كبار الحكام المنتمين لأقليات عرقية إن الإجابة عن هذا السؤال تكمن في تقرير حول التنوع في التحكيم قُدم إلى الاتحاد الإنجليزي لكرة القدم في صيف العام الماضي. ويزعم التقرير، المكون من 53 صفحة والذي تم تجميعه من قبل مجموعة دعم الحكام السود والآسيويين والمنتمين للأقليات العرقية، أن بعض مراقبي الاتحاد الإنجليزي لكرة القدم الذين يقيمون الحكام للترقي إلى الدوريات العليا عنصريون.
ووفقاً للتقرير، يُزعم أن أحد المراقبين قال لأحد الحكام: «يمكنكم جميعاً الركض بسرعة، لكن هذا هو الشيء الوحيد الذي تجيدونه». ويُزعم أن مراقباً آخر قال لأحد الحكام: «إذا كنت تريد التقدم، فأنت بحاجة إلى التخلص من ضفائرك». في حين أدلى آخر بتعليق مسيء حول رمي الموز داخل الملعب. وواجه الاتحاد الإنجليزي لكرة القدم في نهاية هذا الأسبوع دعوات لفتح تحقيق في برنامج الحكام ومزاعم بالعنصرية، وسط مطالبات بمزيد من الشفافية حول سياسات التنوع، ومراجعة نظام تعيين الحكام.
وقال روبن سايمون، البالغ من العمر 49 عاماً والذي يقيم في هانورث غرب العاصمة البريطانية لندن وكان حكماً في جنوب إنجلترا بين عامي 2005 و2015، إنه كان يشعر بالحيرة في البداية بسبب العدد الكبير من الحكام السود والآسيويين والمنتمين للأقليات العرقية المختلفة الذين يديرون مباريات في الدوريات الدنيا، لكنهم عاجزون عن الترقي بالسرعة التي يترقى بها الحكام البيض. وخلص سيمون إلى أن العنصرية والتحيز اللاواعي كانا يعيقان تقدم الحكام السود.
وقال سايمون: «هناك كثير من الحكام السود على مستوى القاعدة، لكنهم لا يترقون عبر هذا النظام. من المحتمل أن يكون كل حكم أسود سيئاً، لكن إذا كان هذا الأمر سخيفاً، فما النتيجة الأخرى؟ في الحقيقة، يتم حظرهم بسبب التحيز العنصري». وأضاف: «ليس كل مراقب متحيزاً عنصرياً، لكن الهوامش تكون صغيرة جداً كلما صعدت إلى أعلى النظام لدرجة أنه إذا قام شخص واحد فقط بالتحيز ضدك فسينتهي الأمر تماماً».
وقال سايمون إنه أخبر مسؤولاً بارزاً في الاتحاد الإنجليزي لكرة القدم في عام 2011 بأن إجراء عمليات تدقيق منتظمة وشفافة للمراقبين، سيعالج مسألة العنصرية والتحيز اللاواعي. لكن لم يتم العمل بهذا الاقتراح. ويتم تصنيف معظم الحكام بناء على مقياس تصاعدي من المستوى السابع إلى المستوى الأول، مع وجود فرص سنوية للترقية. وينقسم حكام النخبة في الدوري الإنجليزي الممتاز ودوري الدرجة الأولى إلى مجموعتين: مجموعة الاختيار الأولى ومجموعة الاختيار الثانية. وتستند تقييمات التعيين في المستوى التالي إلى تقارير مراقبي الاتحاد الإنجليزي لكرة القدم وبيانات من أندية كرة القدم.
أما المستوى الأول ومجموعتا الاختيار الأولى والثانية فكل ذلك يخضع لإشراف شركة حكام مباريات اللعبة المحترفين، وهي شركة يسيطر عليها جزئياً الاتحاد الإنجليزي لكرة القدم والدوري الإنجليزي الممتاز؛ في حين أن المستويات من الثاني إلى الرابع يشرف عليها الاتحاد الإنجليزي لكرة القدم؛ والمستويات من الخامس وما دونها يشرف عليها اتحادات المقاطعات. ويحصل الحكم في الدرجة الأدنى عادةً على ما يتراوح بين 25 و40 جنيهاً إسترلينياً للمباراة الواحدة، بينما يمكن للحكم المحترف في الدوري الإنجليزي الممتاز أن يربح أكثر من 100 ألف جنيه إسترليني سنوياً.
وقال جويل مانيكس، الذي يرأس مجموعة دعم السود والآسيويين والمنتمين للأقليات العرقية، وهو حكم من المستوى الثاني: «يُعرف المستويان الثالث والرابع باسم (مقبرة الرجل الأسود)، لأن هناك مراقبين عنصريين يحكمون على الحكام سلبياً بناء على ألوانهم». ويشير مانيكس إلى أن معظم المراقبين كانوا من «كبار السن من الذكور البيض». ويتفاقم الإحباط بسبب حقيقة أن لجنة الحكام المؤلفة من 14 فرداً والتي تشرف على مبادرات التنوع ليس بها أعضاء من ذوي الأصول السوداء أو الآسيوية أو المختلطة. ويترأس هذه اللجنة ديفيد إليراي، وهو حكم سابق عوقب من قبل الاتحاد الإنجليزي لكرة القدم في عام 2014 بعد أن أدلى بتعليقات عنصرية بحق حكم آخر.
وقال مانيكس إن الاتحاد الإنجليزي لكرة القدم حريص على معالجة قضية التنوع، لكنه لم ينفذ التغييرات الأساسية المطلوبة. وروى كيف - خلال أحد الاجتماعات المنعقدة لمناقشة قضية التنوع - أشار مسؤول كبير في الاتحاد الإنجليزي لكرة القدم إلى أنه يمكن تعيين حكام سود إضافيين من بين الأشخاص الذين يغادرون السجون! وقال مانيكس: «لقد كانت هذه إهانة لا تُصدق». وقال توني بورنيت، الرئيس التنفيذي لمنظمة «كيت إت أوت» الخيرية المناهضة للعنصرية: «الحكام السود والآسيويون لا يستطيعون الوصول إلى نخبة التحكيم، وهذا يشير إلى وجود مشكلة منهجية. إننا نحتاج إلى مراجعة حتى نتمكن من فهم الأرقام والعودة إلى أصل المشكلة. لن يكون هناك حل سريع، وسيستغرق الأمر عدة سنوات».
ولا يمكن التعويل كثيراً على أرقام التنوع الرسمية الصادرة عن الاتحاد الإنجليزي لكرة القدم، لأنه تم تعزيزها من خلال اعتبار الحكام الآيرلنديين البيض والبولنديين البيض كأقليات عرقية! وقال الاتحاد الإنجليزي لكرة القدم لصحيفة «الأوبزرفر»، إن أي حكام «ليسوا من خلفيات بريطانية بيضاء» يتم تضمينهم ضمن الأقليات العرقية. وقد أطلق الاتحاد الآن مراجعة وتحديثاً لهذه البيانات.
وقال الاتحاد الإنجليزي لكرة القدم إن أي ادعاء بالتمييز سيؤخذ على محمل الجد. ويتم توفير تدريب على التحيز اللاواعي للحكام والمدربين والمراقبين العاملين في جميع مراحل اللعبة الاحترافية والبطولات الوطنية. وقال متحدث باسم الاتحاد الإنجليزي لكرة القدم: «نريد أن نطور خط إمداد لتحكيم عالي الأداء عبر كل من القاعدة الشعبية وكرة القدم على مستوى النخبة، وأن يمثل هذا الإناث، والسود، والآسيويين، والمجموعات العرقية المختلطة، أو غيرها من الأشخاص ذوي الإعاقة». وقال مايك رايلي، العضو المنتدب لشركة حكام مباريات اللعبة المحترفين: «نعتقد أنه لا ينبغي أن تكون هناك عوائق لفرص البعض في كرة القدم. لقد أنشأنا مجموعة استشارية للتركيز على إنشاء وتنفيذ مبادرات لمعالجة نقص تمثيل الأقليات، فضلاً عن مراجعة ممارساتنا وسياساتنا الحالية».