كان المرء يعتقد دائمًا أن تجاوز ليونيل ميسي وكريستيانو رونالدو في الإنجازات الفردية يكاد يكون مستحيلا ويتطلب نهجًا مختلفًا، بل ومعايير مختلفة، فلا يمكن لأحد أن يضاهي أرقامهما الغريبة، وبالتالي فإن من يتفوق عليهما في هذه الحقبة الجديدة يجب أن يمتلك إمكانيات لوكا مودريتش، أو القدرة على الدفاع بشكل استثنائي مثل المدافع الهولندي العملاق فيرجيل فان دايك، على سبيل المثال.
إن الجانب الأكثر بروزًا في صعود المهاجم البولندي روبرت ليفاندوفسكي إلى قمة اللعبة العالمية، يتمثل إذن في أنه فعل ذلك من خلال التفوق على أعظم لاعبين في عالم كرة القدم خلال السنوات العشر الماضية أو نحو ذلك.
وإذا كان هناك شعور بأن الجوائز الفردية في كرة القدم يجب أن تكون مبررة من خلال انتصارات الفريق - كان الفوز بكأس العالم للأندية في فبراير (شباط) الماضي يعني أن بايرن أصبح ثاني نادٍ فقط، بعد برشلونة بقيادة جوسيب غوارديولا، يحصد ستة ألقاب في موسم واحد – فإن صعود ليفاندوفسكي إلى القمة وهو في الثالثة والثلاثين من عمره يعد حالة استنثائية تستحق كل الثناء والإشادة.
وعلى المستوى الفردي البحت، كان تحطيم الرقم القياسي المسجل باسم غيرد مولر لأكبر عدد من الأهداف في موسم واحد في الدوري الألماني الممتاز هو الأفضل. ففي أوائل يناير (كانون الثاني)، كان ليفاندوفسكي قد تجاوز الرقم القياسي المسجل باسم مولر من حيث عدد الأهداف التي تم تسجيلها في النصف الأول من موسم واحد بالبوندسليغا - سجل ليفاندوفسكي 21 هدفا، مقارنة بـ20 هدفا لمولر في موسم 1968 - 1969. وبحلول شهر مايو (أيار) وبإحرازه هدفه الأخير في الموسم من آخر تسديدة تقريبا في الموسم، ضد أوغسبورغ، تفوق ليفاندوفسكي على رصيد مولر البالغ 40 هدفا في موسم 1971 - 1972، بإحرازه 41 هدفا. وقد تم الاحتفال بهذا الإنجاز على نطاق واسع، وكانت لحظة رائعة كشفت مدى تأثير ذلك على هذا اللاعب الذي يتحلى بالتواضع الشديد.
وفي عهد ميسي ورونالدو أصبحنا مُخدرين تقريبًا بتميزهما في الإحصائيات الفردية. ومع ذلك، دخل ليفاندوفسكي نفس دائرة التميز التي يوجد بها هذان النجمان العالميان، وبات يتعين علينا البحث عن مفردات جديدة لوصف تألقه الرائع. لقد حقق المهاجم البولندي الفذ الكثير والكثير خلال عام 2021 – أكثر اللاعبين تسجيلا للأهداف في مباريات متتالية في الدوري الألماني الممتاز، وأكثر اللاعبين تسجيلا للأهداف في المباريات التي تقام على ملعب فريقه على التوالي، والتسجيل في تسع مباريات متتالية في دوري أبطال أوروبا في مواسم متعددة، وتجاوز كلاوس فيشر ليصبح في المركز الثاني في قائمة أكثر اللاعبين تسجيلا للأهداف في تاريخ البوندسليغا، وتجاوز راؤول ليحتل المركز الثالث في قائمة أكثر اللاعبين تسجيلا للأهداف في تاريخ دوري أبطال أوروبا.
لكن تحطيمه للرقم القياسي الذي كان مسجلا باسم مولر هو الأهم في حقيقة الأمر. ودائما ما كان ليفاندوفسكي يعبر عن احترامه الشديد لمولر، وكشف عن قميص عليه صورة هذا النجم العظيم بعد معادلة الرقم القياسي له في فرايبورغ، وقضى بعض الوقت مع زوجة مولر، أوشي، لكي يعبر لها عن إعجابه الشديد بزوجها قبل وفاته في أغسطس (آب).
ويعود ذلك أيضا إلى الإنجازات الهائلة التي حققها مولر منذ ما يقرب من 50 عامًا. وإذا كنا لا نشعر بالأعداد الكبيرة على مستوى النخبة هذه الأيام، فإن ذلك لا يمكن أن ينطبق أبدا على ذلك الموسم التاريخي الذي تألق فيه مولر وصنع لنفسه مكانة استثنائية في كرة القدم الألمانية. لقد كان معظم مشجعي كرة القدم والصحفيين الألمان يعتقدون ببساطة أنه لن يتم تحطيم هذا الرقم القياسي أبدًا. وبالتالي، فإن نجاح ليفاندوفسكي في القيام بذلك يعكس مكانته الاستثنائية في ذلك البلد الذي يلعب به منذ أكثر من عقد من الزمان.
لكن الطريق لم يكن مفروشا بالورود أمام النجم البولندي، الذي تعرض لإصابة قوية في الركبة في المباراة التي فازت فيها بولندا على أندورا في مارس (آذار) الماضي (سجل هدفين قبل أن يخرج مصابا)، وهو الأمر الذي كان يبدو أنه بدد فرصه في المنافسة على الحصول على الكرة الذهبية لأفضل لاعب في العالم، كما غاب عن مبارتي الذهاب والعودة في الدور ربع النهائي لدوري أبطال أوروبا أمام باريس سان جيرمان، وكان غيابه مؤثرا للغاية، حيث سيطر العملاق البافاري على مقاليد الأمور تماما لكنه فشل في تحويل الفرص السهلة أمام المرمى إلى أهداف وودع المسابقة بفارق هدف خارج ملعبه.
والآن، يحتل ليفاندوفسكي المركز الثالث في قائمة هدافي دوري أبطال أوروبا عبر التاريخ، خلف النجمين الكبيرين رونالدو وميسي. وتتمثل قوة ليفاندوفسكي الحالية في قدرته على التطور والتحسن بمرور الوقت، وليس مجرد الحفاظ على مستواه. وسجل النجم البولندي 82 هدفا في دوري أبطال أوروبا، وهو ما يعني أنه قريب من أن يصبح ثالث لاعب يحرز 100 هدف في دوري أبطال أوروبا، وهو الإنجاز الذي يمكن له تحقيقه في مرحلة ما خلال الموسم المقبل إذا سارت الأمور على ما يرام.
وحتى الرقم القياسي المسجل باسم مولر كأثر اللاعبين تسجيلا للأهداف في تاريخ الدوري الألماني الممتاز بـ365 هدفا – والذي كان من الصعب التفكير في أنه يمكن تحطيمه – لم يعد بعيدا عن ليفاندوفسكي، الذي يبلغ رصيد أهدافه حتى الآن 296 هدفا، وبالتالي فإنه لن يكون بعيدا عن تحطيم رقم مولر إذا قرر إنهاء مسيرته في بايرن ميونيخ.
ولا يقتصر الأمر على تسجيل الأهداف فقط، إذ يعد ليفاندوفسكي لاعبا متكاملا، فهو قادر على التفوق في الصراعات البدنية مع مدافعي الفرق المنافسة، وما زال يتمتع بالنشاط والحيوية وكأنه في بداية مسيرته الكروية، بل إنه ربما يكون الآن في مستويات بدنية أفضل مما كان عليها في السابق، فمن الواضح أن تكوينه العضلي الآن أصبح أفضل كثيرا مما كان عليه عندما انضم إلى بوروسيا دورتموند في عام 2010.
ولم يرحم ليفاندوفسكي حتى ناديه السابق، حيث سجل 22 في مرمى بوروسيا دورتموند خلال 15 مباراة في الدوري الألماني الممتاز وحده، واحتفل بهذه الأهداف جميعا، ليذكرنا جميعا بأنه لاعب من الطراز العالمي وبأنه لا يمكن لشيء أن يوقفه عن هز الشباك. وبعد عام كشف خلاله أنه يمكنه منافسة ميسي ورونالدو بشكل أكبر مما كنا نعتقد، يمكن أن يكون متحمسًا لتحقيق إنجازات أكبر في عام 2022.
روبرت ليفاندوفسكي... مهاجم بولندي لا يشبع
تحطيمه العديد من الأرقام القياسية جعله يأتي في صدارة تصنيف {الغارديان} لأفضل اللاعبين
روبرت ليفاندوفسكي... مهاجم بولندي لا يشبع
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة