شنت القوات الحكومية الإثيوبية هجمة مضادة على قوات «جبهة تحرير شعب تيغراي» وحققت انتصارات كبيرة عليها بعدما اقتربت كثيراً من العاصمة أديس أبابا، وذلك بعد سنة من الحرب بين القوات الفيدرالية وتلك التابعة لإقليم تيغراي، وبذلك رجح توازن القوى لصالح الحكومة المركزية، لكن لا أحد يستطيع الجزم بمآلات الأوضاع في البلد الذي سجل أعلى معدلات نمو في أفريقيا قبل اندلاع الحرب في نوفمبر 2019.
في 20 ديسمبر (كانون الأول) 2021 أعلنت «جبهة تحرير شعب تيغراي» انسحابها من إقليمي أمهرا وعفر شمال وشرق إثيوبيا، بعدما سيطرت على مواقع مهمة في الإقليمين، إبان الهجمة المرتدة التي شنتها على القوات الحكومية وحققت فيها مكاسب كبيرة، في خطوة القصد منها وقف إطلاق النار والحرب التي استمرت نحو 13 شهراً.
وكانت القوات التابعة للجبهة استعادت زمام المبادرة، وسيطرت على معظم إقليم تيغراي، بما في ذلك عاصمته ميكلي، وتقدمت إلى إقليمي أمهرا المجاورتين لها واقتربت من العاصمة أديس أبابا، ما اضطر رئيس الوزراء آبي أحمد إلى إعلان حالة الطوارئ والتعبئة العامة في البلاد، وتسليم مهام منصبه لنائبه وقيادة الجيش بنفسه.
بدأت الحرب في تيغراي في 4 نوفمبر 2020، بين القوات الحكومية الفيدرالية، المعروفة بـ«قوات الدفاع الوطني»، والقوات الرديفة من جهة، وبين قوات «جبهة تحرير شعب تيغراي» من جهة أخرى. واستطاعت القوات الحكومية استعادة السيطرة على الإقليم وعاصمته ميكلي، وطردت قوات تيغراي خارج المدن الرئيسية في غضون أسبوعين. وأعلن رئيس الوزراء الإثيوبي أن الحرب «انتهت».
بيد أن «جبهة تحرير شعب تيغراي» أعلنت استمرارها في القتال «حتى خروج الغزاة» كما وصفت القوات الحكومية، واستعادت زمام المبادرة في يونيو (حزيران) الماضي، وأعادت السيطرة على معظم مدن الإقليم، واتجهت شرقاً وجنوباً باتجاه إقليمي عفر وأمهرا، وسيطرت على مدن مهمة، ووصلت حتى مدينة ديسي التي تبعد عن العاصمة أديس أبابا نحو 200 كيلومتر، وأقامت تحالفات مع قوات «جبهة تحرير أورومو» المعارضة وقوات أخرى، وهددت باجتياح أديس أبابا.
وفي 24 نوفمبر الماضي، توجه آبي أحمد إلى جبهات القتال لقيادة جيشه، وأوكل صلاحياته إلى نائبه ديمكي ميكونن، وقاد المعارك التي أدت إلى تراجع تقدم قوات تيغراي، وشن هجمات على الإقليم نفسه.
ونتج عن القتال الذي استمر أكثر من عام مقتل الآلاف وتشريد ونزوح ولجوء أكثر من مليوني شخص حسب تقديرات أممية.
وأعلنت الحكومة الاتحادية في الثاني من نوفمبر حالة الطوارئ الوطنية لمدة ستة أشهر، ودعت السكان إلى تنظيم صفوفهم للدفاع عن مدنهم في وجه قوات تيغراي.
وبُذلت جهود دولية وإقليمية قادها مبعوث الرئيس الأميركي للقرن الأفريقي جيفري فيلتمان، ومبعوث الاتحاد الأفريقي الرئيس النيجيري الأسبق أولوسيغون أوباسانجو، للتوصل إلى وقف لإطلاق النار، وهو ما لم يحدث حتى الآن.
وتعد «جبهة تحرير شعب تيغراي» العضو المؤسس ذا النفوذ الأكبر، الذي كان يقوده رئيس الوزراء الأسبق مليس زيناوي حتى وفاته في 2012، وخلفه رئيس الوزراء السابق هيلا مريام ديسالين الذي استقال فجأة وخلفة رئيس الوزراء الحالي آبي أحمد الذي أطاح بالجبهة من الحكومة الاتحادية في أبريل (نيسان) 2018 وأبعدها من السلطة، فآلت السيطرة التامة لقوميات أمهرا وأورمو وشعوب جنوب إثيوبيا بقيادة آبي أحمد، فعاد قادة الجبهة إلى إقليمهم ليحكموه لمدة ثلاث سنوات، وحدثت أثناء ذلك عمليات عصيان للسلطات الاتحادية.
كون آبي أحمد «حزب الازدهار» من مجموعة الأحزاب القومية الموالية له، ورفضت «جبهة تحرير شعب تيغراي» الانضمام إليه، بعد أن كانت تهيمن على السلطة منذ إسقاط حكومة منقستو هيلا مريام في 1991.
وبنهاية دورته الرئاسية المقررة في 29 أغسطس (آب) 2020، أرجأ آبي أحمد الانتخابات العامة مرتين، تحت ذريعة جائحة «كورونا»، فاعتبره التيغراي «حاكماً غير شرعي». لذلك ارتفعت حدة التوتر بين أديس أبابا وميكلي، واتهم آبي أحمد تيغراي بالضلوع في محاولات لتقويض حكومته، وتمسكت تيغراي بإجراء الانتخابات البرلمانية في إقليمها، وهو ما رفضته أديس أبابا واعتبرت انتخابات الإقليم «غير قانونية».
وبعد زيارات متبادلة بين آبي أحمد ورئيس إريتريا آسياس أفورقي، تحسنت العلاقات بين الرجلين بعد قطيعة طويلة بين البلدين، ونتج عن ذلك عمل عسكري وأمني مشترك الهدف منه القضاء على «جبهة تحرير شعب تيغراي».
وفي 4 نوفمبر 2020، بلغ التوتر ذروته وصنف البرلمان الإثيوبي «جبهة تحرير شعب تيغراي» منظمة إرهابية. بعدها مباشرة، شنت القوات الاتحادية هجوماً كبيراً على تيغراي، استخدمت فيه قوات كبيرة وسلاح الجو الاتحادي فألحقت هزيمة سريعة بقوات تيغراي، وسط اتهامات لدولة إريتريا بمعاونة قوات آبي أحمد. وأسفر القصف الجوي لميكلي والقتال عن خسائر مادية وبشرية كبيرة، وتشرد نتيجة لها أكثر من 40 ألفاً لجأوا إلى السودان المجاور. واتهمت الأمم المتحدة الطرفين بارتكاب جرائم حرب في المنطقة أثناء الحرب.
زعيم «جبهة تحرير شعب تيغراي» دبرسيون غبرمايكل أمر مقاتليه بالعودة، وأعلن وقفاً فورياً لإطلاق النار والدخول في مفاوضات، لتدخل الحرب مرحلة المواجهات التفاوضية بين تيغراي وأديس أبابا. ولا أحد يدري ماذا سيكون رد أديس أبابا، لكن الراجح أن جذور القتال ذات الطابع السياسي ستظل كامنة، لأن مرارات الأحزاب «القومية» ستظل باقية ما لم تحل المفاوضات جذور الأزمات.
قاربت المواجهات المسلحة من النهاية، لكن إثيوبيا دخلت في مواجهات حقوقية مع مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، والذي ألف لجنة تحقيق دولية ضدها باتهامات إبادة جماعية واستخدام الطعام كسلاح حرب، لكن أديس أبابا وصفت هذا التحقيق بأنه «ذو دوافع سياسية»، وهو أمر قد تهدم صورة رئيس الوزراء آبي أحمد الحائز على جائزة نوبل للسلام في 2019 لنجاحه في إيقاف الحرب مع إريتريا، الجارة المستقلة عن بلاده، التي استمرت منذ إعلان الأخيرة استقلالها في 1991.