طرح عون للامركزية المالية يدخل لبنان في انقسام طائفي

تأييد من «القوات»... ومخاوف مقابلة من «تقسيم مقنّع»

TT

طرح عون للامركزية المالية يدخل لبنان في انقسام طائفي

عكس خطاب الرئيس اللبناني ميشال عون حول اللامركزية المالية الموسعة، خلافاً جوهرياً بين المكونات السياسية اللبنانية أثار مخاوف أطراف لبنانية رأت فيه مدخلاً للتقسيم المقنّع.
ولا يختلف اثنان في لبنان على أهمية اعتماد اللامركزية الإدارية الموسعة التي نصّ عليها صراحة اتفاق الطائف الذي انبثقت منه وثيقة الوفاق الوطني والدستور، إلا أن اللامركزية المالية باتت موضع انقسام طائفي واضح، بحيث إن أغلب القوى المسيحية لا تعترض على هذا الطرح، وإن لم ير فيه البعض أي جدّية، لا سيما أن مبادرة عون تأتي في الأشهر الأخيرة من عهده.
ويرى النائب والوزير السابق بطرس حرب أن «الطائف نصّ بوضوح على اللامركزية الإدارية الموسعة لتكون على مستوى القضاء، عبر إنشاء مجالس محليّة لإدارة شؤون المنطقة، وأن تتضمن مشاريع إنمائية سواء لدى البلديات أو إدارات الدولة». ويؤكد في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «اللامركزية المالية إن ترافقت مع اللامركزية المالية والإنمائية، لا تعني لا مركزية القرار السياسي أو الفيدرالية، بمعنى أنها لا تستطيع أن تتخذ قرارات سياسية بمعزل عن الدولة المركزية»، معترفاً بأنها «فكرة جديدة أتت نتيجة هيمنة بعض الأحزاب المسلّحة على قرار الدولة المركزية ومواردها المالية».
ولا يجد حرب حرجاً في تقبّل فكرة اللامركزية المالية «شرط ألا تتعارض مع وحدة الدولة اللبنانية». ويقول: «لو طبقنا الطائف بكل بنوده ومنها اللامركزية الإدارية لكنّا وصلنا تلقائياً إلى اللامركزية المالية، ولما بقيت البلاد تحت قبضة السلاح والفاسدين»، معتبراً أن هذا الأمر «يعطي المناطق حقّ الاستفادة المالية من دون المساس بالشأن الوطني العام ومن دون أن تكون مدخلاً للفيدرالية أو التقسيم».
اللافت أن أشدّ خصوم عون في الشارع المسيحي (القوات اللبنانية) يؤيد فكرة اللامركزية المالية، وإن شكك بنوايا رئيس الجمهورية وفريقه، حيث وصف قيادي في حزب «القوات اللبنانية» كلام الرئيس عون بأنه «مجرّد تمنيات» لا ترجمة لها على أرض الواقع. وقال لـ«الشرق الأوسط»: «اللامركزية الإدارية والمالية كانت جزءاً من إعلان النوايا بين (القوات) والتيار الوطني الحرّ، وتمّ إقرارها في اتفاق معراب الذي انتهى وسقط منذ سنوات»، لافتاً إلى أن «اللامركزية المالية عبارة عن مشروع تنموي لا يرتبط بالفيدرالية أو التقسيم، إلا أن مبادرة عون أتت متأخرة ولا تعدو كونها كلاماً للمزايدة والاستهلاك والاستنهاض الشعبي في الشارع المسيحي».
الترجمة الدستورية لكلام عون، لا يمكن فصلها عن الواقع السياسي المتأزم، الذي يطرح عناوين خلافية في ذروة الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي يعيشها لبنان، وفي البعد القانوني يشير الخبير الدستوري المحامي سعيد مالك إلى أن «نصوص الطائف واضحة لجهة اللامركزية الإدارية الموسعة». وأوضح لـ«الشرق الأوسط»، أن «اللامركزية الإدارية في حال تطبيقها ستستتبع بلامركزية مالية حكماً، وهذا لا يعني إطلاقاً انفصال عن الدولة المركزية».
وبغض النظر عن خلفيات طرح الرئيس عون في هذه المرحلة، يشدد مالك على أنه «لا سبيل للخروج من الأزمات والتراجع في الخدمات واستشراء حالة الفساد، إلا باعتماد اللامركزية، وهذا يحتاج إلى شرح واتفاق مسبق على كيفية تطبيقها، وإلّا تكون مبرراً لطروحات الفدرلة أو التقسيم». هذه الأفكار المقبولة في الوسط المسيحي، تلاقي رفضاً قاطعاً في الشارع الإسلامي، إذ نبّه النائب ياسين جابر، عضو كتلة «التحرير والتنمية» ورئيس لجنة تطبيق القوانين في البرلمان، إلى أن «طروحات الرئيس عون تجاوزت ما هو متفق عليه في الطائف». وذكّر في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «المقصود باللامركزية الإدارية هو تسهيل المعاملات الإدارية للمواطنين». وعبّر عن تخوفه من جنوح البعض نحو فكرة انسلاخ كل فريق عن الآخر. وقال: «عندما كنّا نناقش في اللجان النيابية موضوع اللامركزية الإدارية، تفاجأنا بأن أفكار بعض الزملاء (نواب التيار الوطني الحرّ) تنسف ما جاء في الطائف وتظهر الجنوح نحو الرغبة بأن يعيش كل فريق لوحده، وهذا ما تسبب بتوقف الاجتماعات التي خصصت لبحث تطبيق اللامركزية الإدارية».
ولفت النائب جابر إلى أن «التجربة السويسرية في الفيدرالية مختلفة عمّا يريده البعض في لبنان»، وأضاف: «في سويسرا معلوم أن المناطق الغنية تموّل المناطق الفقيرة، أما نحن وبعد 100 عام على قيام دولة لبنان الكبير، يريدون العودة إلى التقسيم»، مشيراً إلى أن «ثمة مناطق استفادت إلى أبعد الحدود من خيرات الدولة وأنشأت بناها التحتية على حساب مناطق أخرى، واليوم يطالبون بالاستقلال»، مذكراً بأن «الدول لا تبنى على قاعدة الغني يأكل الفقير».
من جهته، أعلن الوزير السابق ونقيب المحامين الأسبق رشيد درباس، أنها «ليست المرة الأولى التي تطرح فيها اللامركزية المالية»، مستغرباً «إمعان البعض في فرز المواطنين على قدر الضرائب التي يسددونها». وقال درباس لـ«الشرق الأوسط»: «هذا الطرح لا يدفع إلى الفيدرالية فحسب، بل إلى الاستقلال وهذا انقلاب على الطائف». وحذّر من «محاولة خلق مالية مستقلّة لكلّ فريق توطئة لإنشاء جيش مستقلّ ثم سياسة خارجية مستقلّة، وهذا يدغدغ حساسية البعض على أبواب الانتخابات النيابية»، مشدداً على أن «الضريبة التي يدفعها اللبنانيون، يعود صرفها لسياسة الحكومة وليس لسياسة الكنتونات، وبالتالي فإن اللامركزية المالية ليست سوى هرطقة لن توصل إلّا لمزيد من الشرخ والانقسام».



بن مبارك: الحرب الاقتصادية الحوثية أشد أثراً من الصراع العسكري

رئيس الحكومة اليمنية خلال كلمة له أمام ممثلي التكتل الحزبي الجديد (سبأ)
رئيس الحكومة اليمنية خلال كلمة له أمام ممثلي التكتل الحزبي الجديد (سبأ)
TT

بن مبارك: الحرب الاقتصادية الحوثية أشد أثراً من الصراع العسكري

رئيس الحكومة اليمنية خلال كلمة له أمام ممثلي التكتل الحزبي الجديد (سبأ)
رئيس الحكومة اليمنية خلال كلمة له أمام ممثلي التكتل الحزبي الجديد (سبأ)

أكد رئيس مجلس الوزراء اليمني أحمد عوض بن مبارك تطلع حكومته للتفاعل الإيجابي مع التكتل السياسي الحزبي الجديد للقوى اليمنية الذي أُشهر من العاصمة المؤقتة عدن، وقال إن الحرب الحوثية الاقتصادية باتت أشد أثراً على معيشة اليمنيين من الصراع العسكري.

وكانت الأحزاب والقوى اليمنية قد أشهرت، الثلاثاء، تكتلاً حزبياً واسعاً في عدن هدفه العريض استعادة الدولة وإنهاء الانقلاب الحوثي والحفاظ على الجمهورية وفق دولة اتحادية.

بن مبارك تعهد بالاستمرار في مكافحة الفساد وتعزيز الشفافية في حكومته (سبأ)

وقال بن مبارك: «ننظر لهذا التكتل على أنه صوت جديد، ورؤية متجددة، وأداة للتغيير البناء وجهد بارز في السياق الوطني يضاف للجهود التي تسعى لرص الصفوف وتهيئة السبل لإنقاذ اليمن من براثن ميليشيا الحوثي».

وأضاف أن حكومته «تتطلع وبانفتاح كامل للتفاعل إيجابياً» مع هذا التكتل الحزبي وبما يقود لتوحيد الجهود لاستكمال استعادة الدولة وهزيمة الانقلاب وتحقيق السلام.

وشدد رئيس الوزراء اليمني على ضرورة تكاتف الجهود في إطار رؤية وطنية شاملة تهدف إلى تحقيق الاستقرار، وتعزيز السيادة، وبناء يمن اتحادي موحد وقوي، وقال: «ندرك جميعاً التحديات، ونعلم أن الطريق لن يكون سهلاً، ولكن بإيماننا العميق بقضيتنا وبإرادة أبناء شعبنا، يمكننا أن نصنع الفارق».

حرب الاقتصاد

استعرض رئيس الحكومة اليمنية الحرب الاقتصادية الحوثية وقال إن آثارها التدميرية «تتجاوز الآثار الناتجة عن الصراع العسكري»، مشيراً إلى أنها أضرت بحياة المواطنين وسبل عيشهم، واستنزفت موارد البلاد، وتسببت بارتفاع معدلات الفقر والبطالة، وانهيار الخدمات الأساسية.

ورأى بن مبارك أن ذلك «يتطلب توحيد الصفوف ودعم مؤسسات الدولة، لمواجهة هذه الحرب الاقتصادية وحماية الاقتصاد الوطني والتخفيف عن المواطنين الذين يتحملون أعباء كبيرة».

جانب من حفل إشهار التكتل الجديد للقوى والأحزاب اليمنية (سبأ)

وقال: «الحرب الاقتصادية المستمرة التي تشنها ميليشيات الحوثي، إلى جانب استهدافها المنشآت النفطية، أثرت بشكل كبير على استقرار الاقتصاد اليمني وأسهمت في التدهور السريع لسعر صرف العملة الوطنية، وتقويض قدرة الحكومة على الحفاظ على استقرار العملة، ونتيجة لذلك، واجه الريال اليمني انخفاضاً كبيراً في قيمته، مما أدى إلى ارتفاع أسعار السلع الأساسية وتفاقم الأزمة الإنسانية التي يعاني منها الملايين في جميع أنحاء البلاد».

وأكد بن مبارك أن إعادة تصدير النفط ورفد الخزينة العامة بالعملة الصعبة حق من حقوق الشعب يجب العمل على انتزاعه وعدم السماح للحوثيين باستمرار عرقلة الاستفادة من هذا المورد الذي يعد العصب الرئيسي للاقتصاد الوطني.

وأوضح أن حكومته تمضي «بكل جدية وتصميم» لمكافحة الفساد وتعزيز الشفافية والمساءلة في جميع مؤسسات الدولة، وإرساء ثقافة النزاهة واحترام القانون، وأنها ستقوم باتخاذ خطوات عملية لتقوية الأجهزة الرقابية وتفعيل آليات المحاسبة.

تكتل واسع

كانت القوى اليمنية قد أشهرت من عدن «التكتل الوطني للأحزاب والمكونات السياسية» عقب سلسلة لقاءات تشاورية، توصلت إلى إعلان التكتل الجديد الذي يضم نحو 22 حزباً ومكوناً سياسياً وإقرار لائحته التنظيمية.

وتم التوافق على أن تكون رئاسة التكتل في دورته الأولى لحزب «المؤتمر الشعبي»، حيث سمى الحزب أحمد عبيد بن دغر رئيساً للمجلس الأعلى للتكتل في هذه الدورة.

وبحسب بيان الإشهار، يلتزم التكتل بالدستور والقوانين النافذة، والمرجعيات المتفق عليها وطنياً وإقليمياً ودولياً، والتعددية السياسية والتداول السلمي للسلطة، والعدالة والمواطنة المتساوية، إضافة إلى التوافق والشراكة والشفافية والتسامح.

رئيس الحكومة اليمنية أحمد عوض بن مبارك مع رئيس مجلس الشورى أحمد عبيد بن دغر (سبأ)

كما يضع التكتل برنامجاً سياسياً لتحقيق عدد من الأهداف؛ بينها استعادة الدولة وتوحيد القوى الوطنية لمواجهة التمرد وإنهاء الانقلاب وحل القضية الجنوبية بوصفها قضية رئيسية ومفتاحاً لمعالجة القضايا الوطنية، ووضع إطار خاص لها في الحل السياسي النهائي، والتوافق على رؤية مشتركة لعملية السلام.

ويؤكد برنامج عمل التكتل على دعم سلطات الدولة لتوحيد قرارها وبسط نفوذها على التراب الوطني كافة، ومساندة الحكومة في برنامجها الاقتصادي لتقديم الخدمات ورفع المعاناة عن كاهل المواطنين، وعودة جميع مؤسسات الدولة للعمل من العاصمة المؤقتة عدن.

وأكد بيان الإشهار أن هذا التكتل باعثه الأساسي هو تعزيز الاصطفاف الوطني من أجل إنهاء انقلاب الحوثيين واستعادة الدولة، وأنه ليس موجهاً ضد أحد من شركاء العمل السياسي.