لبنان... حكومة مأزومة ورهان على «النقد الدولي»

2021 سنة الانهيارات الاقتصادية والتصعيد السياسي على خط المرفأ ـ الطيونة

احتجاجات أمام أحد المصارف في شارع الحمراء وسط بيروت في 3 ديسمبر (إ.ب.أ)
احتجاجات أمام أحد المصارف في شارع الحمراء وسط بيروت في 3 ديسمبر (إ.ب.أ)
TT

لبنان... حكومة مأزومة ورهان على «النقد الدولي»

احتجاجات أمام أحد المصارف في شارع الحمراء وسط بيروت في 3 ديسمبر (إ.ب.أ)
احتجاجات أمام أحد المصارف في شارع الحمراء وسط بيروت في 3 ديسمبر (إ.ب.أ)

لم تكد تمضي أسابيع قليلة من العام 2021 حتى اكتشف اللبنانيون أن رهانهم على عام أفضل من السابق كان في غير محله، وأن سنوات السوء سوف تلاحقهم في هذا العام، ومن غير المرجح أن يتركوا صحبتها في العام المقبل... على أقل تقدير.
دخل اللبنانيون في العام 2021 وهم مثخنون بالجراح. الانهيار المالي والاقتصادي، الذي ضرب البلاد، خلق موجة من عدم اليقين عند اللبنانيين الذين كانوا يشاهدون عملتهم الوطنية تنهار أمام الدولار، ومدخراتهم في المصارف تطير في مهب الريح، فيما «كورونا» يفتك بهم، وجراح تفجير المرفأ الذي ضرب قلب بيروت كانت لا تزال ساخنة. وفي المقابل، كان السياسيون يتلهون بمعارك «طواحين الهواء» ويختلفون على حصصهم في الحكومة، التي كان من المفترض بها أن تساهم في عملية تخفيف الارتطام الناجم عن الانهيار الاقتصادي، وهو ما لم يحدث.
كان اللبنانيون يأملون بولادة حكومة مستقلة حيادية تقود عملية إصلاح البنية الاقتصادية والسياسية. ويأملون في أن تكون الحقيقة قد ظهرت في ملف التفجير الذي ضرب قلب العاصمة. لكن الحكومة لم تُشكل إلا بعد توافقات سياسية بين القوى المشاركة فيها، ومن ضمنها توزيع الحصص على الطوائف، وهو ما شكل صدمة للناشطين المدنيين والمعارضين الذين أدانوا الاستمرار بتطبيق الأعراف نفسها في عمليات تشكيل الحكومات القائمة على المحاصصة، وفي مقدم المعترضين حزبا «الكتائب اللبنانية» و«القوات اللبنانية» اللذان لم يشاركا بالحكومة.

أنهى تشكيل الحكومة برئاسة الرئيس نجيب ميقاتي حالة من الشلل السياسي استمرت 13 شهراً. فقد ظل لبنان من دون حكومة منذ قدم رئيس الوزراء حسان دياب استقالته عقب الانفجار في مرفأ بيروت في 4 أغسطس (آب) 2020 الذي أدى إلى تدمير المرفأ والمناطق المحيطة به. فشل السفير مصطفى أديب في تشكيل حكومته بداية، ثم فشل الرئيس سعد الحريري في تشكيل حكومة منسجمة مع شروطه لجهة تأليف حكومة من الاختصاصيين المستقلين لا تتضمن ثلثاً معطلاً لأحد. بعد تنحيه، سمى البرلمان الرئيس ميقاتي الذي لم يُقابل بشروط تشبه الشروط التي تمت مواجهة الحريري بها، فنجح بالتأليف.
كان الملف الحكومي من أبرز معالم العام. قضى اللبنانيون هذا العام من دون حكومة في بدايته، وأنهوه بحكومة مشلولة غير قادرة حتى على الاجتماع. فالحكومة التي هلل كثيرون لتأليفها، وانخفض سعر صرف الدولار إلى حدود الـ15 ألف ليرة مقابل الدولار الواحد بعدما وصل قبل تأليفها إلى 23 ألفاً، علقت جلساتها بعد جلستين عقدتهما. انفجر ملف التحقيقات في انفجار مرفأ بيروت في وجهها، وحوصرت بخلافات مكوناتها. انقسمت القوى السياسية الممثلة فيها، بين مؤيد لتحقيقات وإجراءات المحقق العدلي في ملف المرفأ القاضي طارق البيطار، وبين رافض لها اتهم إجراءاته بالتسييس والاستنسابية. ووصل الخلاف إلى مجلس الوزراء حيث انفجر الصراع بين فريق «التيار الوطني الحر» من جهة، وفريق «حزب الله» و«حركة أمل» و«تيار المردة» من جهة ثانية. تأزم الوضع أكثر، وانفجر على شكل تطور أمني في الشارع بين منطقتي الشياح وعين الرمانة، خطوط التماس السابقة في الحرب اللبنانية بين المسلمين والمسيحيين، وتم احتواء الموقف من غير أن تهدأ تداعياته.
والواقع أن الخلافات السياسية التي عطلت اجتماع الحكومة، علقت المساعي الحكومية لتحقيق الإنجازات. لا مفاوضات مع صندوق النقد الدولي اكتملت، ولا ضبط لأسعار صرف الدولار. واصلت العملة المحلية انهيارها، وانزلق معظم اللبنانيين إلى ما دون خط الفقر. لم يتغير أي شيء على أزمات كانت قائمة قبل تشكيلها، وخصوصاً لجهة انقطاع الكهرباء. الفارق الوحيد، أن اللبنانيين قضوا الصيف بلا كهرباء ولا ضوء، بفعل انقطاع المحروقات التي تشغل مولدات الشبكة الرديفة. بعد تشكيل الحكومة، رُفع الدعم عن المحروقات، وارتفع ثمنها بشكل كبير، فتوفرت الكهرباء لدى فئات معينة قادرة على دفع رسوم الشبكة الرديفة، فيما حلقت أسعار المحروقات إلى مستويات وصلت إلى 1500 في المائة ارتفاعاً خلال عامين.
الأزمات التي تحاصر اللبنانيين لم تنتهِ. تدهور سعر الصرف قلص قدراتهم على العيش، بفعل التراجع الكبير في الرواتب نتيجة انهيار القيمة الشرائية. المؤسسات الحكومية شبه معطلة، والبطالة ترتفع، والنخب الأكاديمية والعلمية، ومن بينها الكوادر الطبية، تغادر إلى خارج البلاد، فيما تضرب البلاد موجة جديدة من الإصابات بـ(كوفيد – 19) مع ارتفاع حوادث السرقة والقتل.
وخلال أقل من عامين، خسر عشرات الآلاف وظائفهم أو جزءاً من رواتبهم، وتراجع سعر صرف الليرة أمام الدولار تدريجاً إلى أن فقدت أكثر من 90 في المائة من قيمتها، وبات أكثر من نصف السكان تحت خط الفقر، وارتفع معدل البطالة.
وقال البنك الدولي في تقرير نشره في مايو (أيار) الماضي، إن الأزمة الاقتصادية في البلاد يمكن أن «تصنف ضمن الأزمات الثلاث الأولى في العالم خلال الـ150 عاما الماضية». بتقديره، هي أسوأ من أزمة اليونان، التي اندلعت عام 2008، وتسببت في تشريد عشرات الآلاف من الأشخاص ودخول سنوات من الاضطرابات الاجتماعية، وأكثر حدة من أزمة عام 2001 في الأرجنتين، والتي أسفرت أيضا عن اضطرابات واسعة النطاق.
وتحاول القوى السياسية محاصرة الاضطرابات. تعد بالإصلاحات، وتراهن على مفاوضات مع صندوق النقد الدولي، وتعد بدفع مساعدات اجتماعية بالدولار الأميركي بدءاً من شهر مارس (آذار) المقبل. هي مساعدات ينظر إليها المعارضون على أنها «مسكنات» بهدف «منع الانفجار». ويتصاعد التصعيد السياسي بين القوى الداخلية قبل الانتخابات النيابية المزمعة في مايو المقبل.
لم يبقَ أمام لبنان إلا التفاوض مع صندوق النقد الدولي لاستدراج مساعدات أجنبية. المفاوضات التقنية شارفت على نهايتها لتبدأ بعدها مرحلة المفاوضات على السياسات النقدية والاقتصادية. يراهن لبنان على الحصول على الأموال التي تقدر بأربعة مليارات، بحسب ما أعلن حاكم المصرف المركزي رياض سلامة، و«يمكن أن ترتفع إلى مبلغ يتراوح بين 12 مليار دولار و15 ملياراً». وأوضح أن «هذا المبلغ يساعد لبنان لينطلق مجدداً ويستعيد الثقة». وأضاف: «بقدر ما نتمكن من استقطاب أموال... بقدر ما نتعافى بسرعة... هذا هو المفتاح لأن ينطلق لبنان ويستعيد البلد نشاطه الطبيعي».



الداخلية السورية تعلن مقتل شخص واعتقال 8 بعملية أمنية ضد خلية لـ«داعش»

من العملية الأمنية في تدمر عقب هجوم «داعش» (أرشيفية - وزارة الداخلية)
من العملية الأمنية في تدمر عقب هجوم «داعش» (أرشيفية - وزارة الداخلية)
TT

الداخلية السورية تعلن مقتل شخص واعتقال 8 بعملية أمنية ضد خلية لـ«داعش»

من العملية الأمنية في تدمر عقب هجوم «داعش» (أرشيفية - وزارة الداخلية)
من العملية الأمنية في تدمر عقب هجوم «داعش» (أرشيفية - وزارة الداخلية)

أعلنت السلطات السورية، الثلاثاء، أن قواتها قتلت زعيم خلية مرتبطة بتنظيم «داعش» واعتقلت 8 آخرين، على خلفية الهجوم الدامي الذي استهدف، الأحد، قوات الأمن بشمال البلاد.

ووفقاً لوكالة الصحافة الفرنسية، قالت الوزارة في بيان إن العملية «استهدفت موقع خلية إرهابية تتبع لتنظيم (داعش) الإرهابي»، وأدت العملية إلى «إلقاء القبض على جميع أفراد الخلية وعددهم 8، وحُيّد (قُتل) العنصر التاسع، متزعم الخلية، أثناء المداهمة».

وأفادت الوزارة بعملية أمنية ثانية بناء على المعلومات التي جمعتها من العملية الأولى، وأسفرت العمليتان عن «ضبط أحزمة ناسفة، وكواتم صوت، وصواريخ من نوع ميم-دال، إلى جانب أسلحة رشاشة».

وقالت الداخلية إن المجموعة المستهدفة «مسؤولة عن تنفيذ عدد من العمليات الإرهابية التي استهدفت دوريات أمنية وعسكرية في محافظتي إدلب وحلب».

وتأتي هذه العملية بعد هجوم استهدف، الأحد، دورية لإدارة أمن الطرق في ريف إدلب، ما أسفر عن مقتل أربعة من عناصر قوى الأمن الداخلي وإصابة خامس، حسب وزارة الداخلية السورية.

وأفادت وكالة الأنباء الرسمية «سانا» بأن مسلحين أطلقوا النار على الدورية أثناء تنفيذ مهامها على طريق معرة النعمان جنوب المحافظة.

وتبنى تنظيم «داعش» لاحقاً الهجوم، وفق ما أورده موقع «سايت» المتخصص في شؤون الجماعات الجهادية.

ويأتي ذلك بعد أيام من استهداف وفد عسكري مشترك في مدينة تدمر وسط سوريا، ما أدى إلى مقتل ثلاثة أميركيين، بينهم جنديان ومدني يعمل مترجماً، إضافة إلى إصابة عناصر من القوات الأميركية والسورية، حسب واشنطن ودمشق.


تسهيلات مصرية لمستثمرين في السياحة بسيناء لتعويض خسائر حرب غزة

أحد المنتجعات السياحية الفاخرة في مدينة طابا (هيئة تنشيط السياحة)
أحد المنتجعات السياحية الفاخرة في مدينة طابا (هيئة تنشيط السياحة)
TT

تسهيلات مصرية لمستثمرين في السياحة بسيناء لتعويض خسائر حرب غزة

أحد المنتجعات السياحية الفاخرة في مدينة طابا (هيئة تنشيط السياحة)
أحد المنتجعات السياحية الفاخرة في مدينة طابا (هيئة تنشيط السياحة)

أقرت مصر حزمة واسعة من التسهيلات لمستثمري منطقة طابا ونويبع، الواقعتين على شاطئ البحر الأحمر بجنوب سيناء، بعد تضرر الأنشطة السياحية هناك على مدار العامين الماضيين، نتيجة الحرب في قطاع غزة والتوترات الأمنية المحيطة بالمنطقة.

وبحسب تصريحات إعلامية لرئيس الهيئة العامة للتنمية السياحية في مصر، مصطفى منير، فإنه تمت الموافقة من جانب إدارة الهيئة على منح المستثمرين عاماً إضافياً لتأجيل سداد المديونيات، مع وقف المطالبة بالسداد لمدة 18 شهراً دون فوائد، لافتاً إلى أن هذه القرارات جاءت استجابة لمطالب المستثمرين وبعد عدة اجتماعات ميدانية وجولات تفقدية للمنطقة.

وتضمنت حزمة التسهيلات المقررة مد فترة الإعفاء من سداد قيمة الأراضي إلى 3 سنوات بدلاً من عامين، إلى جانب تجميد المديونيات لمدة سنة ونصف السنة دون فرض أي أعباء إضافية.

وأوضح أن المنطقة تعرضت لضغوط استثنائية أدت إلى توقّف غالبية المقاصد السياحية، مشيراً إلى أن عدد الفنادق العاملة حالياً لا يتجاوز 6 فنادق من بين 55 فندقاً مسجلة في المنطقة.

حوافز حكومية لمنتجعات جنوب سيناء في مصر لتنشيط السياحة (هيئة تنشيط السياحة)

وفي أكتوبر (تشرين الأول) 2023، أشارت تقارير إعلامية مصرية إلى «إغلاق نحو 90 في المائة من المنشآت السياحية في مدينتي طابا ونويبع الواقعتين بسيناء على شاطئ البحر الأحمر وتراجع معدل الإشغالات الفندقية في منتجع شرم الشيخ ومدن جنوب سيناء نتيجة الحرب على غزة».

الدكتور يسري الشرقاوي، مستشار الاستثمار الدولي ورئيس جمعية رجال الأعمال المصريين الأفارقة، عدّ التسهيلات المالية التي تقدمها الحكومة المصرية لمساندة المشروعات السياحية المتعثرة خطوة مهمة، لكنها لا تمثل حلاً كاملاً في مواجهة تداعيات الظروف الجيوسياسية الراهنة، مشدداً على ضرورة تبني استراتيجية متعددة المحاور.

وقال الشرقاوي، لـ«الشرق الأوسط»: «تُعد السياحة أحد أهم المصادر للعملة الصعبة في مصر، وكان تأثير الظروف الجيوسياسية على مناطق سيناء، خصوصاً المناطق الجنوبية المتضررة جغرافياً، تأثيراً مباشراً وحاداً».

وتابع: «اليوم، تنظر الحكومة المصرية إلى عام 2026 بوصفه عاماً مرتقباً للهدوء النسبي والاستقرار، وهو العام الذي سيأتي أيضاً بعد شهور من الافتتاح الكامل للمتحف المصري الكبير، والتدابير المتخذة تهدف إلى جعل عام 2026 عاماً ذهبياً لقطاع السياحة إذا ما تلاشت التأثيرات الخارجية»، مؤكداً أن الحلول المالية المطروحة حالياً ستسهم في سداد الفواتير الكبيرة المستحقة على أصحاب المشروعات السياحية المتعثرة في سيناء، ومتوقعاً المزيد من المساعدات التدريجية في هذا الصدد.

وبحسب تصريحات رئيس الهيئة العامة للتنمية السياحية في مصر، مصطفى منير، فإن الهيئة حرصت على جمع مطالب المستثمرين، وإقرار ما يدعم استمرارية النشاط في المنطقة التي تمثل أحد أهم المقاصد في جنوب سيناء.

واستقبلت مصر، وفق بيانات رسمية 15.7 مليون سائح خلال عام 2024، ما يُعدّ أعلى رقم تحققه البلاد في تاريخها. كما أعلنت زيادة أعداد السائحين خلال الربع الأول من العام الحالي 2025 بنسبة 25 في المائة مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، رغم التحديات الجيوسياسية التي تواجهها المنطقة.

ودعا الشرقاوي إلى ضرورة تدخل أوسع من الحكومة على 3 محاور متزامنة لضمان جذب أعداد أكبر من السائحين؛ أولها المحور الدبلوماسي والسياسي، عبر استمرار الجهد المكثف، ممثلاً في وزارة الخارجية وتحت توجيهات القيادة السياسية، لضمان التحسن التدريجي المستقر في الظروف الجيوسياسية وتلاشي أثرها، إلى جانب الترويج النوعي، من خلال إعداد وزارة السياحة والآثار المصرية برامج ترويجية جاذبة تستهدف إعادة تثبيت الرؤية الآمنة لأسواق السياحة الدولية تدريجياً، خاصة للوافدين إلى سيناء.

وتابع: «كما يجب أن يكون هناك ترويج مدعوم للسياحة الداخلية للحفاظ على نسب الإشغال داخل هذه المنطقة، فلا يمكن لأي منطقة في العالم أن تتجاوز جميع الآثار إلا إذا تضافرت الأيدي الداخلية مع الدعم الخارجي».


«الخط الأصفر» يشعل التوترات بين مصر وإسرائيل

منظر عام لكتلة خرسانية تمثل «الخط الأصفر» الذي رسمه الجيش الإسرائيلي في البريج وسط قطاع غزة (أرشيفية - أ.ف.ب)
منظر عام لكتلة خرسانية تمثل «الخط الأصفر» الذي رسمه الجيش الإسرائيلي في البريج وسط قطاع غزة (أرشيفية - أ.ف.ب)
TT

«الخط الأصفر» يشعل التوترات بين مصر وإسرائيل

منظر عام لكتلة خرسانية تمثل «الخط الأصفر» الذي رسمه الجيش الإسرائيلي في البريج وسط قطاع غزة (أرشيفية - أ.ف.ب)
منظر عام لكتلة خرسانية تمثل «الخط الأصفر» الذي رسمه الجيش الإسرائيلي في البريج وسط قطاع غزة (أرشيفية - أ.ف.ب)

في وقت تحدث فيه إعلام إسرائيلي عن زيادة وتيرة التوتر بين مصر وإسرائيل في الفترة الحالية، بسبب ممارسات حكومة بنيامين نتنياهو في قطاع غزة، قال مصدر مصري مسؤول لـ«الشرق الأوسط»، إن «الأجهزة المصرية رصدت ما تقوم به إسرائيل من مخالفات لاتفاق شرم الشيخ، وأعدت به ملفاً وأبلغت به واشنطن للتأكيد على أن القاهرة ملتزمة ومصرة على تنفيذ الاتفاق».

ووفق عسكريين سابقين بمصر، فإن «القاهرة ترى في ممارسات إسرائيل بغزة محاولة للتملص من خطة ترمب المتفق عليها، واللجوء لترسيخ وجود عسكري إسرائيلي دائم فيما يعرف بالخط الأصفر بغزة، مما يهدد الأمن القومي المصري».

و«الخط الأصفر» هو خط تقسيم يفصل قطاع غزة إلى جزأين، وفقاً لخطة السلام الموقعة بشرم الشيخ في 10 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، بحضور الرئيس الأميركي دونالد ترمب، وهي الخطة التي تهدف إلى إنهاء حرب غزة. ويفصل الخط الأصفر 47 في المائة من الأراضي في المنطقة الغربية التي يسيطر عليها الفلسطينيون، عن 53 في المائة من قطاع غزة التي تسيطر عليها إسرائيل، وتقريباً جميع الفلسطينيين في غزة نزحوا إلى المنطقة الغربية من الخط.

قمة مرتقبة بين ترمب ونتنياهو آخر الشهر تناقش خطة السلام في غزة (أ.ف.ب)

وكشف تقرير لـ«القناة 14» الإسرائيلية عن نشاط للجيش الإسرائيلي فيما يعرف بـ«الخط الأصفر»، وتعديل التضاريس الجغرافية لقطاع غزة، وهو ما تعدّه القاهرة «تهديداً مباشراً لمصالحها الإقليمية»، وفق القناة، التي ذكرت أن «ذلك أغضب مصر ودفعها للشكوى إلى الولايات المتحدة، متهمة إسرائيل بأنها تعمل على تقسيم قطاع غزة إلى جزأين، وتغيير التركيبة الديموغرافية والتضاريسية للمنطقة».

وحسب التقرير، فإن القاهرة «تنظر بقلق بالغ لما يجري في قطاع غزة، خصوصاً بعد تصريحات رئيس الأركان الإسرائيلي إيل زامير، حول الخط الأصفر، باعتباره خطاً دفاعياً وهجومياً جديداً»، حيث إن نشاط الجيش الإسرائيلي في المنطقة «الصفراء» - الذي يشمل تدمير بنية تحتية للأنفاق وهدم منازل - «يفسر في القاهرة على أنه استعداد لترسيخ وجود عسكري طويل الأمد في غزة، ما دفع مصر إلى التحرك الدبلوماسي العاجل باتجاه واشنطن»، وفق القناة العبرية.

وأكد نائب مدير المخابرات الحربية ورئيس جهاز الاستطلاع السابق بمصر، لواء أركان حرب أحمد كامل، أن «مصر غاضبة بشدة من محاولات إسرائيل التملص من التزامها بخطة السلام المتفق عليها، وتحركاتها في المنطقة الصفراء توحي برغبتها في تثبيت وجود عسكري دائم في غزة وقرب الحدود المصرية، مما يمثل تهديداً للأمن القومي المصري».

مصادر تتحدث عن اشتراطات مصرية لعقد قمة بين السيسي ونتنياهو (إعلام عبري)

كامل، وهو مستشار بالأكاديمية العسكرية المصرية للدراسات العليا والاستراتيجية قال لـ«الشرق الأوسط»: «الموقف المصري واضح ومحدد وثابت في عده قضايا رئيسية تخص الأمن القومي المصري، ويقوم على أن السلام هو الهدف الرئيسي والاستراتيجي للسياسة الخارجية المصرية، واحترام مصر للاتفاقيات الموقعة مع الجانب الإسرائيلي، خصوصاً اتفاقيه السلام الموقعة عام 1979، والملحق العسكري المرفق بالاتفاقية وتعديلاته الخاصة بزيادة أعداد القوات المسلحة المصرية في سيناء، وضرورة احترام إسرائيل للاتفاقيات الموقعة بين الجانبين».

وأوضح أن «هناك اشتراطات مصرية للتهدئة مع إسرائيل تتعلق بتنفيذ اتفاق غزة طبقاً لمبادرة الرئيس الأميركي ترمب بمراحلها المختلفة، والبدء فوراً في المرحلة الثانية دون عرقلة أو أسباب واهية، مع التأكيد على تثبيت وقف إطلاق النار الدائم والتحول إلى مرحلة السلام، وقيام إسرائيل بالتنفيذ الدقيق للاتفاقية ودخول المساعدات الإنسانية بالكميات المتفق عليها، وفتح معبر رفح في الاتجاهين».

ومن الشروط كذلك بحسب كامل، «رفض مصر الهجرة القسرية أو الطوعية لسكان قطاع غزة، وكذلك الإجراءات الإسرائيلية بالضفة الغربية الخاصة بإقامة المستوطنات وضم الضفة الغربية لإسرائيل، وانسحاب الجيش الإسرائيلي من كامل أراضي القطاع بما فيها محور فيلادلفيا والعودة لحدود 7 أكتوبر 2023، والتأكيد أن الوجود الإسرائيلي الحالي هو وضع مؤقت مرهون بتطور تنفيذ مراحل الاتفاق، وأن الخطوط الملونة ومنها الخط الأصفر، هي خطوط وهمية لا يعتد بها».

الشرط الرابع، وفق كامل، متعلق بـ«مدى تجاوب نتنياهو وحكومته مع المطالب العربية الواضحة في المبادرة العربية، والخاصة بالانسحاب من الأراضي العربية المحتلة، والشروع والموافقة على حل الدولتين وعدم التهجير للفلسطينيين؛ سواء بغزة أو الضفة، وإبداء النوايا الحسنة الخاصة بحسن الجوار وعدم الاعتداء، والتجاوب مع المطالب الدولية الخاصة بإخلاء المنطقة من التهديد بالسلاح النووي، وانضمام إسرائيل للاتفاقيات الدولية بذات الشأن».

مسلحون من «حماس» يرافقون أعضاء «الصليب الأحمر» نحو منطقة داخل «الخط الأصفر» الذي انسحبت إليه القوات الإسرائيلية في مدينة غزة (أرشيفية - رويترز)

ويعتقد أن «مصر لن تتجاوب مع المساعي الأميركية والإسرائيلية الخاصة بعقد اجتماع بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ورئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، دون تقديم إسرائيل مبادرة واضحة ومحددة لرغبتها في السلام واستقرار المنطقة، وتكون قابلة للتنفيذ».

وذكرت التقارير الإسرائيلية أن الولايات المتحدة حاولت فعلياً تنظيم قمة ثلاثية في واشنطن؛ بين السيسي ونتنياهو بحضور ترمب، لكن الفكرة ارتطمت بجدار الشروط المصرية التي وصفها الإعلام العبري بـ«غير المقبولة» من وجهة النظر الإسرائيلية، لكن التقارير ذاتها أشارت إلى أن القاهرة تتوقع أن يمارس ترمب ضغوطاً خلال لقائه المرتقب مع نتنياهو في فلوريدا نهاية الشهر الحالي، لـ«كبحه» والحد من خطواته في غزة.

وقال مدير إدارة الشؤون المعنوية الأسبق بالجيش المصري، اللواء سمير فرج، إن «هناك تعويلاً كبيراً على القمة التي ستعقد بين ترمب ونتنياهو ومخرجاتها، وإن ترمب بالقطع سيضغط على نتنياهو للالتزام بخطة السلام في غزة، التي تحمل اسم ترمب شخصياً».

ونوه فرج في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، بأن مصر ستقيم الموقف في إطار ما ستتمخض عنه قمة ترمب ونتنياهو، ولكن في الوقت ذاته، فإن موقفها واضح وثابت في أنها لا تقبل أبداً بتثبيت الوجود العسكري الإسرائيلي في الخط الأصفر، أو في أي منطقة من غزة، وكل ما تفعله حكومة نتنياهو تدرك القاهرة تماماً أنه محاولة لعرقلة خطة السلام التي تنص على الانسحاب الكامل للجيش الإسرائيلي من جميع أراضي غزة.