قرار فرنسي يربط بين إغلاق مسجد وتجنب أعمال إرهابية

TT

قرار فرنسي يربط بين إغلاق مسجد وتجنب أعمال إرهابية

أعلن جيرالد دارمانان، وزير الداخلية، قبل أسبوعين، عن بدء إجراءات إغلاق مسجد مدينة بوفيه، الواقعة على مسافة 114 كلم شمال غربي العاصمة باريس. وحجة الوزير الفرنسي أن سبب الإغلاق يعود للخطب المتطرفة التي تُلقى في المسجد المذكور. وما أعلنه دارمانان تحول أمس إلى واقع، إذ صدر عن كورين أورزشوفسكي، محافظ منطقة «لواز» التي تضم مدينة بوفيه، أمر إداري بالإغلاق لمدة ستة أشهر بحيث يصبح نافذاً خلال مدة لا تزيد على 48 ساعة. ويفند القرار أسباب الإغلاق مركّزاً على الخُطب التي يلقيها أحد أئمة المسجد الذي «يمجّد الجهاد ويعده واجباً دينياً» كما يمجّد المقاتلين الذين يرى فيهم أبطالاً يدافعون عن الديانة التي يراها مهدَّدة في المجتمعات الغربية. ويضيف القرار أن خطب الإمام المذكور «تحثّ على ممارسة متشددة ومتطرفة للإسلام وترى أن القوانين الدينية تتفوق على القوانين الوضعية، وبالتالي فإنها تشرّع التمرد عليها». ونتيجة لذلك، يرى القرار أن هذه الخطب «تدفع المؤمنين إلى الانطواء على هويتهم» بحيث إنها تدفعهم إلى «الانفصال عن قيم الجمهورية» لا بل إلى اعتبار أن غير المسلمين «أعداء». وخلاصة القرار أنه بالنظر إلى استمرار المستوى المرتفع للتهديد الإرهابي «في فرنسا»، فإن هناك ما يبرر «إغلاق مكان العبادة «مسجد بوفيه» لمدة ستة أشهر بهدف تلافي قيام أعمال إرهابية. واستبق القرار اعتراضات القيمين على المسجد الذين أشاروا إلى أن الإمام المعنيّ ليس إماماً دائماً بل هو «ظرفي»، بتأكيد العكس، آخذاً عليهم أنهم لم يعمدوا إلى إدانة الخطب موضع الجدل، لا بل إن أحد المسؤولين قام بالدعاية لكتابات الإمام المعنيّ على وسائل التواصل الاجتماعي.
ويريد القيمون على المسجد الاستفادة من مهلة الـ48 ساعة للاعتراض على القرار الإداري أمام المحاكم سعياً وراء إبطاله. وفي هذا السياق، وبعد أن أعلنت الجمعية التي تدير المسجد «الأمل والأخوة» أنها أوقفت الإمام المعنيّ عن العمل، فإن محاميها واسمه صميم بولاكي، أكد أنه قدم دعوى إبطال أمام المحكمة الإدارية في مجنيه أميان، مركز المنطقة، وأن جلسة ستُعقد للنظر في الدعوى خلال الساعات الـ48، أي قبل انتهاء المهلة التي حددها القرار الإداري. ودافع بولاكي عن جمعية «الأمل والأخوة» مؤكداً أنها «حاربت دوماً الإرهاب وحثت باستمرار على العيش المشترك»، مندداً بقرار «غير متلائم» ومعتبراً أن كل المآخذ التي سيقت ضد الجمعية تعود مسؤوليتها للإمام المعنيّ وحده الذي تم وقفه عن عمله.
إذا صحت الاتهامات الرسمية، فإنها تنطبق تماماً على ما تسمى في فرنسا «الانفصالية الإسلاموية» التي أُقر بداية العام المنتهي قانون لمحاربتها. كذلك، فإن قرار الإغلاق يمثل السياسة الجديدة المتشددة التي تنتهجها الحكومة إزاء ما تعدها انحرافات اجتماعية وثقافية. وليس قرار محافظ منطقة «لواز» كورين أورزشوفسكي، إلا تطبيقاً لتعليمات وزير الداخلية الذي هو، في الوقت عينه، وزير لشؤون العبادة. وللتذكير، فإن دارمانان الذي أُعطي حقيبة الداخلية في آخر تعديل وزاري، يأتي من اليمين ومن حزب «الجمهوريون» الذي كان مقرباً من رئيس الجمهورية الأسبق نيكولا ساركوزي وجيء به ليتبع سياسة متشددة في ملفي الهجرات والإسلام السياسي لقطع الطريق على اليمين المتطرف والكلاسيكي ومنعهم من استغلال هذين الملفين للانقضاض على الرئيس إيمانويل ماكرون. وترجمةً للسياسة المتشددة الجديدة، فإن 21 مسجداً تم إغلاقها في الأشهر الأخيرة من أصل 99 مسجداً تمت مراقبتها وكانت تحوم حولها شبهات بالدعوة إلى ممارسة متشددة للإسلام. وتضم فرنسا 2623 مسجداً ومكاناً للعبادة. وحسب وزير الداخلية، فإن ستة مساجد إضافية يرجّح إغلاقها في الفترة اللاحقة. وفي المقابل، فإن 36 مسجداً تم تبييض صفحتها بعد تجاوبها مع المطالب التي قُدمت إليها مثل التخلص من الأئمة المشتبه بتشددهم أو رفض تلقي مساعدات مالية أجنبية.
ورغم السياسة المتشددة، فإن الدولة الفرنسية ممثلةً برئيس الجمهورية والحكومة، تحرص دوماً على التمييز بين المتطرفين «الإسلامويين» وبين المواطنين المسلمين العاديين. وقال دارمانان إن الحكومة «لا تخلط بطبيعة الحال، بين الأقلية التي نشكّ بانتهاجها خطاً انفصالياً وبين الأكثرية الساحقة للمسلمين الذين لا يثيرون أي مشكلات». ويريد وزير الداخلية تنظيم منتدى واسع في شهر فبراير (شباط) القادم من أجل «تنظيم جديد للإسلام في فرنسا»، يمكن أن يحل محل «المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية» الذي تأسس في عام 2003 والذي تعتمله الانقسامات الداخلية. وكان يراد لهذا المجلس أن يكون «المحاور الرسمي» عن المسلمين للدولة الفرنسية. إلا أن الرأي الغالب أنه «لم يكن أبداً على قدر المسؤولية». ومع اقتراب استحقاق انتخابات رئاسة الجمهورية التي ستُجرى يومي 10 و24 أبريل (نيسان)، ستكون مواضيع الهجرات والإسلام والتطرف والإرهاب على رأس الملفات الجدلية، خصوصاً أن اليمين المتطرف وإلى حد بعيد اليمين الكلاسيكي يرى فيها باباً للانقضاض على ماكرون. من هنا، يتعين انتظار أن تعمد الحكومة خلال الأشهر القليلة القادمة إلى عدد من التدابير والإجراءات لإظهار حزمها في التعاطي مع الإسلام السياسي من جهة وتسريع ترحيل اللاجئين الذين رفضت طلبات بقائهم على الأراضي الفرنسية.



هل يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة عن «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
TT

هل يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة عن «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)

تخضع «هيئة تحرير الشام»، التي قادت قوات المعارضة للإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد، لعقوبات من الأمم المتحدة منذ فترة طويلة، وهو ما وصفه المبعوث الخاص للمنظمة الدولية إلى سوريا غير بيدرسون، بأنه «عامل تعقيد لنا جميعاً».

كانت «هيئة تحرير الشام» تُعرف في السابق باسم «جبهة النصرة»، الجناح الرسمي لتنظيم «القاعدة» في سوريا، حتى قطعت العلاقات بالتنظيم في عام 2016. ومنذ مايو (أيار) 2014، أُدرجت الجماعة على قائمة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لعقوبات تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، كما فُرض عليها تجميد عالمي للأصول وحظر أسلحة.

ويخضع عدد من أعضاء «هيئة تحرير الشام» أيضاً لعقوبات الأمم المتحدة مثل حظر السفر، وتجميد الأصول، وحظر الأسلحة، ومنهم زعيمها وقائد إدارة العمليات العسكرية أحمد الشرع، المكنى «أبو محمد الجولاني»، المدرج على القائمة منذ يوليو (تموز) 2013.

وقال دبلوماسيون إنه لا يوجد حالياً أي مناقشات عن رفع العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة على الجماعة. ولا تمنع العقوبات التواصل مع «هيئة تحرير الشام».

لماذا تفرض الأمم المتحدة عقوبات على «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟ (رويترز)

لماذا تفرض الأمم المتحدة عقوبات على «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

فرضت الأمم المتحدة عقوبات على «جبهة النصرة»، لأن الجماعة مرتبطة بتنظيم «القاعدة»، ولأنها كانت «تشارك في تمويل أو تخطيط أو تسهيل أو إعداد أو ارتكاب أعمال أو أنشطة» مع «القاعدة» أو دعماً لها وتستقطب أفراداً وتدعم أنشطة «القاعدة».

وجاء في قائمة العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة: «في يناير (كانون الثاني) 2017، أنشأت جبهة النصرة (هيئة تحرير الشام)، وسيلة لتعزيز موقعها في التمرد السوري وتعزيز أهدافها باعتبارها فرعاً لتنظيم (القاعدة) في سوريا»... ورغم وصف ظهور «هيئة تحرير الشام» بطرق مختلفة (على سبيل المثال كاندماج أو تغيير في الاسم)، فإن جبهة «النصرة» استمرت في الهيمنة والعمل من خلال «هيئة تحرير الشام» في السعي لتحقيق أهدافها.

وفُرضت عقوبات على الجولاني بسبب ارتباطه بتنظيم «القاعدة» وعمله معه.

كيف يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة؟

تستطيع أي دولة عضو في الأمم المتحدة في أي وقت تقديم طلب لرفع العقوبات عن كيان أو شخص إلى لجنة عقوبات تنظيمي «داعش» و«القاعدة» التابعة لمجلس الأمن الدولي المؤلف من 15 دولة.

وإذا جاء الطلب من دولة لم تقترح في البداية فرض عقوبات الأمم المتحدة، فإن اللجنة تتخذ القرار بالإجماع.

وإذا تقدمت الدولة التي اقترحت في البداية فرض العقوبات بطلب الشطب من القائمة، فسيمحى الاسم من القائمة بعد 60 يوماً، ما لم توافق اللجنة بالإجماع على بقاء التدابير.

لكن إذا لم يتم التوصل إلى إجماع، يستطيع أحد الأعضاء أن يطلب إحالة الطلب إلى مجلس الأمن للتصويت عليه في غضون 60 يوماً.

ولم تتضح بعد الدول التي اقترحت فرض عقوبات على جبهة «النصرة» والجولاني.

ويستطيع أيضاً الشخص أو الكيان الخاضع للعقوبات أن يطلب إزالة التدابير عن طريق الاتصال بأمين عام المظالم، وهو منصب أنشأه المجلس في عام 2009، ليقوم بمراجعة الطلب.

وإذا أوصى أمين عام المظالم بإبقاء اسم ما على القائمة، فسيظل مدرجاً على القائمة. وإذا أوصى أمين عام المظالم بإزالة اسم ما، فسترفع العقوبات بعد عملية قد تستغرق ما يصل إلى 9 أشهر، ما لم توافق اللجنة في وقت أسبق بالإجماع على اتخاذ إجراء أو الإحالة إلى المجلس لتصويت محتمل.

هل هناك استثناءات من العقوبات؟

يستطيع الأشخاص الخاضعون لعقوبات الأمم المتحدة التقدم بطلب للحصول على إعفاءات فيما يتعلق بالسفر، وهو ما تقرره اللجنة بالإجماع.

ويقول المجلس إن عقوباته «لا تستهدف إحداث عواقب إنسانية تضر بالسكان المدنيين».

وهناك استثناء إنساني للأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة يسمح «بتوفير أو معالجة أو دفع الأموال أو الأصول المالية الأخرى أو الموارد الاقتصادية، أو توفير السلع والخدمات اللازمة لضمان تقديم المساعدات الإنسانية في الوقت المناسب، أو لمساندة الأنشطة الأخرى التي تدعم الاحتياجات الإنسانية الأساسية».