إصرار حوثي على تدمير معالم صنعاء وتغيير ديموغرافيتها

الجماعة حوّلت «بيت الثقافة» إلى معرض ملابس ونُصب الجندي المجهول إلى مقبرة

TT

إصرار حوثي على تدمير معالم صنعاء وتغيير ديموغرافيتها

رغم المقاومة المجتمعية تواصل ميليشيات الحوثي تدمير معالم العاصمة اليمنية وتحويلها إلى رمز طائفي مذهبي، حيث أقدمت على إزالة وتغيير كل المواقع التي ترمز إلى شخصية المدينة كعاصمة لكل اليمنيين وأغرقت شوارعها ومساجدها والمباني العامة بصورة قادتها وشعاراتها الطائفية.
إلى ذلك، تواصل الجماعة مساعي تغيير التركيبة السكانية للعاصمة من خلال تمكين مشرفيها من الاستيلاء على مساحات كبيرة وبناء عمارات وأسواق تجارية ضخمة من الأموال التي يتم مصادرتها من المعارضين أو من بيع مؤسسات الدولة واحتكار تجارة الوقود وقطاع المقاولات والنقل.
وفي هذا السياق، حوّلت الميليشيات الحوثية مبنى بيت الثقافة في صنعاء والذي يعد أحد أهم المعالم الثقافية في المدينة إلى معرض لبيع الملابس والأحذية في خطوة مثّلت صدمة للوسط الثقافي والسياسي معاً، وبرّرت تلك الخطوة بأنه معرض مؤقت يتم من خلاله بيع الملابس بأسعار رمزية، لكنّ ذلك لم يكن مبرراً لدى اليمنيين.
وسبق أن حوّلت ميلشيات الحوثي المركز الثقافي بصنعاء الذي يعد أهم منشأة ومسرح للأعمال الثقافية والفنية في المدينة إلى مقر للأنشطة الطائفية وإحياء ذكرى قتلاها.
هذه الخطوة أتت بعد أن قامت الميليشيات بتحويل منطقة النصب التذكاري للجندي المجهول في ميدان السبعين إلى مقبرة لزعمائها وأغرقته بالشعارات الطائفية، وهو الميدان الذي يرمز لملحمة هزيمة المشروع الإمامي على يد الجمهوريين في نهاية ستينات القرن الماضي.
كما عبثت الميليشيات بميدان التحرير في قلب العاصمة، وبه رمز انتصار النظام الجمهوري على حكم الأئمة في شمال البلاد، وقامت بتحويل «جامع الصالح» في ميدان السبعين إلى مقر للأنشطة المذهبية المتطرفة بعد أن غيّرت اسمه لأنه كان يحمل اسم الرئيس السابق علي عبد الله صالح.
أيادي العبث الحوثٌية طالت مَعلماً آخر من معالم العاصمة اليمنية هو نادي الفروسية في جنوب المدينة والذي كان قِبلة السكان والزائرين، حيث منحت مساحته لأحد المتنفذين وقامت بنقل ما تبقى من الخيول الجائعة إلى منطقة «أرتل» ووضعوها داخل مستودعات في منطقة قاحلة لا يوجد بها أي شيء في حين كان النادي في موقعه السابق حديقة متكاملة تعجّ بالزوار وبالمطاعم ومحلات الألعاب والتسلية.
يقول علي توفيق وهو اسم مستعار لأحد السكان، إنه وبعد أسبوع من العمل الشاق قرر وعائلته قضاء الإجازة الأسبوعية في نادي الفروسية فقام بشراء جميع الاحتياجات الخاصة بالرحلة وبسعادة غامرة استقلّ السيارة مع أطفاله. كان يتحدث معهم عن النادي كأحد الأماكن التي كان يذهب إليها منذ سنوات، ويصف صالة لعب «البلياردو» والمطاعم والحديقة التي يلعب بها الصغار وساحة خاصة بركوب الخيل.
الطريق طويلة بين شمال صنعاء وجنوبها حيث يوجد النادي، وكانت مليئة بالكثير من المُتعبين في كل تقاطع، كما ينتشر فيها المتسولون والأطفال والنساء، والباعة المتجولون. لكن المفاجأة كانت عند وصولهم بعد ساعة ونصف الساعة من السفر، إذ لم يعد يعرف المنطقة التي أصبحت شوارعها مليئة بالحفر ومن دون إسفلت، فاضطر للسؤال عن النادي وسلك شارعاً خلفياً، حيث وجد منطقة قاحلة خالية من أي علامة لأي حديقة، باستثناء البوابة الرئيسية، تعتليها صورة حصان غطاها الغبار.
دخل الرجل مع أبنائه الموقع فوجد نفسه أمام مجموعة من الحجار والأتربة وسور متهالك تستند إليه مجموعة من المسلحين الحوثيين يتناولون نبتة «القات»، وحين سألهم عما إذا كان هذا هو نادي الفروسية رد أحدهم ضاحكاً: «أي نادٍ وأي فروسية؟ لقد نقلناه منذ زمن طويل».
في الموقع الجديد الذي اهتدت إليه الأسرة، كانت الصدمة مضاعفة؛ مكان قاحل آخر، خالٍ من أي شيءٍ له علاقة بالأندية أو الحدائق، كانت مجرد قطعة من الأرض شُيّد في أطرافها مستودع صغير، وإلى جانبه طاولة وأربعة مقاعد وست غرف متجاورة، كان من المفترض أن تُخصص للأحصنة، لكنها فارغة، ومع ذلك قام أحد المتنفذين في الميليشيات ببناء معمل لإنتاج الطوب الإسمنتي في جزء كبير من المساحة. عندها قرر علي وأسرته العودة من حيث أتوا.
عبد الله حسن، أحد ساكني صنعاء، يقول: «هناك توجه لتغيير معالم المدينة لم تعد صنعاء بمعالمها المعروفة، فكل شيء يتم تدميره وطمس هوية المدينة الجامعة لكل اليمنيين وتحويلها إلى كانتون طائفي سلالي». ويضيف: «إن المدينة القديمة (صنعاء التاريخية) تمتلئ بالشعارات الحوثية، والمساجد تحولت إلى مواقع للتحريض المذهبي وتكريس العنصرية والسلالية، مع وجود تغيير ديموغرافي ملموس حيث ظهرت فجأة طبقة من الأغنياء يشترون مساحات كبيرة من الأراضي ويبنون عمارات فخمة وأسواقاً تجارية حديثة، بينما غالبية الناس يعانون من الجوع ويعيشون على المساعدات التي تقدمها المنظمات الإغاثية».



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم