تونس: ملف الحقوق والحريات على طاولة رئيسة الحكومة

TT

تونس: ملف الحقوق والحريات على طاولة رئيسة الحكومة

سعت نجلاء بودن، رئيسة الحكومة، لامتصاص غضب المنظمات الحقوقية والاجتماعية وممثلي وسائل الإعلام، باستقبالها وفداً يمثل الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، ووفداً مماثلاً عن الجامعة التونسية لمديري الصحف، وذلك بعد أن واجهت انتقادات عدة، اتهمتها بمنع معارضي الخيارات الرئاسية من نصب خيام للاعتصام السلمي في الشارع الرئيسي للعاصمة، وصدور حكم يقضي بسجن الرئيس التونسي الأسبق المنصف المرزوقي، وكذلك صدور حكم بالسجن لمدة 6 أشهر ضد الناشطة السياسية والحقوقية بشرى بلحاج حميدة.
وإثر اجتماع، جمع جمال مسلم برئيسة الحكومة، قال مسلم إن اللقاء تناول عدداً من المسائل ذات العلاقة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وملف الحقوق والحريات في تونس، كما تطرق إلى التعامل المستقبلي مع مؤسسة رئاسة الحكومة في اتجاه حلحلة بعض الملفات العالقة، من بينها وضع الحقوق والحريات، مؤكداً أن النقاش كان مفتوحاً على أغلب القضايا الحقوقية الراهنة.
من ناحيتها، أكدت بودن «حرص الحكومة على ارتكاز عملها على مقاربة تقوم على احترام حقوق الإنسان والحريات، بما يحقق التكامل والعمل الإيجابي بين الحكومة والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان في مختلف جوانبها».
وكانت الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات (جمعية حقوقية مستقلة) قد أعربت عن تضامنها مع بشرى بلحاج حميدة، رئيســــــــة لجنة الحريات الفردية في الجمعية، وذلك إثر صدور حكم غيابي عن الدائرة الجنائية بالمحكمة الابتدائية بتونس ضدها يقضي بسجنها لمدة 6 أشهر، على خلفية اتهامها وزير الرياضة التونسية السابق طارق ذياب سنة 2012 بالفساد.
ونددت الجمعية بشدة بحملة الأحكام الغيابية الصادرة ضد الحقوقيات والناشطات، معتبرة أن في ذلك «محاولة لتكميم الأفواه والمس من حرية التعبير»، واستنكرت ما سمـــــــته «سياسة الكيل بمكيالين، في ظل عدالــــــة مروضة لتصفية حسابات سياسية»، على حد تعبيــــــرها.
على صعيد متصل، تحادثت رئيسة الحكومة مع الطيب الزهار رئيس الجامعة التونسية لمديري الصحف، وتطرق اللقاء إلى أهم مشاغل أهل المهنة والإشكاليات التي يتعرّض لها القطاع والصعوبات الماليّة الراهنة، خاصة في مجال الصحف الورقية والإلكترونية، التي قال إنها تعيش أزمة تهدد وجودها، وتعطل دورها الفعّال في خدمة المعلومة الإخبارية.
يذكر أن «أنطوني بيلانجي»، أمين عام الاتحاد الدولي للصحافيين، قد طالب السلطات التونسية بالسحب الفوري للمنشور الصادر عن رئيسة الحكومة نجلاء بودن، المتعلق بقواعد الاتصال الحكومي.
وقال إن هذا المنشور «يهدف إلى الحد من تعددية وسائل الإعلام»، واصفاً حرية الصحافة في تونس بأنها في حالة «ســـــــقوط حر منذ عدة أشهر»، على حد تعبيره.
واعتبر أن هذه الخطوة «تقيد بشـــــــكل كبيـــــــر من الحق في الوصول إلى المعلومــــــــات، ويمكن أن تخــــــلق الخـــــــــوف لدى أعضـــــــاء الحكومــة الراغبين في التواصل مع الصحــــــافة».
وكانت رئيسة الحكومة التونسية قد أصدرت في العاشر من هذا الشهر منشوراً حكومياً يطالب أعضاء الحكومة بضرورة التنسيق المسبق مع مصالح الاتصال، برئاسة الحكومة، بخصوص شكل ومضمون كل ظهور إعلامي، والامتناع عن الحضور والمشاركة في القنوات التلفزيونيــة والإذاعات المخالفة للقانون ولقرارات الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري (الهايكا)، علاوة على عدم دخولهم في أي عملية تفاوض مع الطرف النقابي، وهو ما أثار حفيظة نقابة الصحافيين التونسيين من ناحية والاتحاد العام التونسي للشغل (نقابة العمال) من ناحية ثانية.



«الجبهة الوطنية»... حزب مصري جديد يثير تساؤلات وانتقادات

مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
TT

«الجبهة الوطنية»... حزب مصري جديد يثير تساؤلات وانتقادات

مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)

ما زال حزب «الجبهة الوطنية» المصري الجديد يثير انتقادات وتساؤلات بشأن برنامجه وأهدافه وطبيعة دوره السياسي في المرحلة المقبلة، خاصة مع تأكيد مؤسسيه أنهم «لن يكونوا في معسكر الموالاة أو في جانب المعارضة».

وكان حزب «الجبهة الوطنية» مثار جدل وتساؤلات في مصر، منذ الكشف عن اجتماعات تحضيرية بشأنه منتصف الشهر الماضي، انتهت بإعلان تدشينه في 30 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

وتمحورت التساؤلات حول أسباب ظهوره في هذه المرحلة، وهل سيكون بديلاً لحزب الأغلبية في البرلمان المصري (مستقبل وطن)، لا سيما أن مصر مقبلة على انتخابات برلمانية نهاية العام الجاري.

هذه التساؤلات حاول اثنان من مؤسسي الحزب الإجابة عنها في أول ظهور إعلامي مساء السبت، ضمن برنامج «الحكاية» المذاع على قناة «إم بي سي»، وقال وكيل مؤسسي حزب «الجبهة الوطنية» ووزير الإسكان المصري السابق عاصم الجزار، إن «الحزب هو بيت خبرة هدفه إثراء الفكر وإعادة بناء الوعي المصري المعاصر»، مؤكداً أن الحزب «لا يسعى للأغلبية أو المغالبة، بل يستهدف التأثير النوعي وليس الكمي».

وأضاف: «هدفنا تشكيل تحالف من الأحزاب الوطنية القائمة، إذ لن نعمل وحدنا»، معلناً استعداد الحزب الجديد، الذي لا يزال يستكمل إجراءات تأسيسه رسمياً، للتحالف مع «أحزاب الأغلبية مستقبل وطن وحماة وطن والمعارضة والمستقلين أيضاً بهدف خدمة المصلحة الوطنية»، مستطرداً: «لن نكون أداة لتمرير قرارات، بل أداة للإقناع بها».

وشدد الجزار على أن «الحزب لا ينتمي لمعسكر الموالاة أو للمعارضة»، وإنما «نعمل لمصلحة الوطن».

وهو ما أكده رئيس «الهيئة العامة للاستعلامات» بمصر وعضو الهيئة التأسيسية لحزب «الجبهة الوطنية»، ضياء رشوان، الذي قال: «سنشكر الحكومة عندما تصيب ونعارضها عندما تخطئ»، مشيراً إلى أن «مصر ليس لها حزب حاكم حتى يكون هناك حديث عن موالاة ومعارضة».

الانتقادات الموجهة للحزب ارتبطت بتساؤلات حول دوره في ظل وجود نحو 87 حزباً سياسياً، وفق «الهيئة العامة للاستعلامات»، منها 14 حزباً ممثلاً في البرلمان الحالي، يتصدرها حزب «مستقبل وطن» بأغلبية 320 مقعداً، يليه حزب «الشعب الجمهور» بـ50 مقعداً، ثم حزب «الوفد» بـ39 مقعداً، وحزب «حماة الوطن» بـ27 مقعداً، وحزب «النور» الإسلامي بـ11 مقعداً، وحزب «المؤتمر» بـ8 مقاعد.

ورداً على سؤال للإعلامي عمرو أديب، خلال برنامج «الحكاية»، بشأن ما إذا كان الحزب «طامحاً للحكم ويأتي بوصفه بديلاً لحزب الأغلبية»، قال رشوان: «أي حزب سياسي يسعى للحكم، لكن من السذاجة أن نقول إن حزباً يعمل على إجراءات تأسيسه اليوم سيحصد الأغلبية بعد 8 أو 10 أشهر»، مشيراً إلى أن «الحزب لن يعيد تجارب (الهابطين من السماء)». واستطرد: «لن نسعى للأغلبية غداً، لكن قد يكون بعد غد».

وأضاف رشوان أن «الحزب يستهدف في الأساس إعادة بناء الحياة السياسية في مصر بعد فشل تجربة نظام الحزب الواحد في مصر منذ عام 1952»، مشيراً إلى أن «الحزب يستهدف إحياء تحالف 30 يونيو (حزيران)»، لافتاً إلى أن «التفكير فيه هو ثمرة للحوار الوطني الذي أثار زخماً سياسياً».

طوال ما يزيد على ساعة ونصف الساعة حاول الجزار ورشوان الإجابة عن التساؤلات المختلفة التي أثارها إعلان تدشين الحزب، والتأكيد على أنه «ليس سُلمة للوصول إلى البرلمان أو الوزارة»، وليس «بوابة للصعود»، كما شددا على أن «حزب الجبهة يضم أطيافاً متعددة وليس مقصوراً على لون سياسي واحد، وأنه يضم بين جنباته المعارضة».

وعقد حزب «الجبهة الوطنية» نحو 8 اجتماعات تحضيرية على مدار الأسابيع الماضي، وتعمل هيئته التأسيسية، التي تضم وزراء ونواباً ومسؤولين سابقين، حالياً على جمع التوكيلات الشعبية اللازمة لإطلاقه رسمياً.

ويستهدف الحزب، بحسب إفادة رسمية «تدشين أكبر تحالف سياسي لخوض الانتخابات البرلمانية المقبلة، عبر صياغة تفاهمات سياسية واسعة مع الأحزاب الموجودة»، إضافة إلى «لمّ الشمل السياسي في فترة لا تحتمل التشتت».

ومنذ إطلاق الحزب تم ربطه بـ«اتحاد القبائل والعائلات المصرية» ورئيسه رجل الأعمال إبراهيم العرجاني، حتى إن البعض قال إن «الحزب هو الأداة السياسية لاتحاد القبائل». وعزز هذه الأحاديث إعلان الهيئة التأسيسية التي ضمت رجل الأعمال عصام إبراهيم العرجاني.

وأرجع الجزار الربط بين الحزب والعرجاني إلى أن «الاجتماعات التحضيرية الأولى للحزب كانت تجري في مكتبه بمقر اتحاد القبائل؛ كونه أميناً عاماً للاتحاد»، مؤكداً أن «الحزب لا علاقة له باتحاد القبائل». وقال: «العرجاني واحد من عشرة رجال أعمال ساهموا في تمويل اللقاءات التحضيرية للحزب». وأضاف: «الحزب لا ينتمي لشخص أو لجهة بل لفكرة».

وحول انضمام عصام العرجاني للهيئة التأسيسية، قال رشوان إنه «موجود بصفته ممثلاً لسيناء، ووجوده جاء بترشيح من أهل سيناء أنفسهم».

وأكد رشوان أن «البعض قد يرى في الحزب اختراعاً لكتالوج جديد في الحياة السياسية، وهو كذلك»، مشيراً إلى أن «الحزب يستهدف إعادة بناء الحياة السياسية في مصر التي يقول الجميع إنها ليست على المستوى المأمول».

بينما قال الجزار: «نحن بيت خبرة يسعى لتقديم أفكار وحلول وكوادر للدولة، ونحتاج لكل من لديه القدرة على طرح حلول ولو جزئية لمشاكل المجتمع».

وأثارت تصريحات الجزار ورشوان ردود فعل متباينة، وسط تساؤلات مستمرة عن رؤية الحزب السياسية، التي أشار البعض إلى أنها «غير واضحة»، وهي تساؤلات يرى مراقبون أن حسمها مرتبط بالانتخابات البرلمانية المقبلة.

كما رأى آخرون أن الحزب لم يكن مستعداً بعد للظهور الإعلامي.

بينما أشار البعض إلى أن «الحزب ولد بمشاكل تتعلق بشعبية داعميه»، وأنه «لم يفلح في إقناع الناس بأنه ليس حزب موالاة».

وقال مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية الدكتور عمرو الشوبكي لـ«الشرق الأوسط» إن «الحزب قدم حتى الآن كلاماً عاماً دون تصور أو رؤية واضحة للإصلاح التدريجي»، موضحاً أنه «من حيث المبدأ من حق أي جماعة تأسيس حزب جديد».

وبينما أكد الشوبكي أن ما عرضه المسؤولون عن الحزب الجديد بشأن «عدم طموحه للحكم لا يختلف عن واقع الحياة السياسية في مصر الذي يترك للدولة تشكيل الحكومة»، مطالباً «بتفعيل دور الأحزاب في الحياة السياسية»، فالمشكلة على حد تعبيره «ليست في إنشاء حزب جديد، بل في المساحة المتاحة للأحزاب».