لبنان: الأحزاب تتخبط في طرابلس وعكار بغياب التحالفات الانتخابية

القوى المستقلة تتحضر للمعركة وتقر بصعوبة المواجهة

TT

لبنان: الأحزاب تتخبط في طرابلس وعكار بغياب التحالفات الانتخابية

تتفاوت استعدادات القوى والأحزاب في لبنان، وكذلك مجموعات «المجتمع المدني»، لخوض الانتخابات البرلمانية بين منطقة وأخرى، ورغم أن فشل المجلس الدستوري باتخاذ قرار بشأن الطعن الذي تقدم به تكتل «لبنان القوي» برئاسة النائب جبران باسيل، ما دفع بعض الأحزاب إلى تفعيل ماكيناتها الانتخابية، تبدو دائرتا لبنان الشمالي الأولى والثانية، أي طرابلس وعكار أقل حماسة للانتخابات، لأسباب عدة أبرزها عدم وضوح الرؤية بالنسبة للقوى السياسية بعد انتفاضة 17 أكتوبر (تشرين الأول) 2019، وغياب التحالفات التقليدية التي طالما شهدتها الدائرتان ذات الثقل السني.
ولا يزال الناخب الشمالي يتوعد بمحاسبة الأحزاب التي شاركت بالسلطة على مدى ثلاثة عقود وأوصلت البلاد إلى الانهيار المالي والاقتصادي، ووضعت الناس على حافة المجاعة، خصوصاً في مدينة طرابلس الأكثر فقراً في لبنان، إلا أن الرهان على هذا التغيير يبقى مبالغاً فيه، على حد تعبير السياسي اللبناني الدكتور خلدون الشريف، الذي يرى أنه «في غياب القيادات البديلة سيبقى القديم على قدمه»، مستبعداً تبدل الصورة في طرابلس بشكل كبير، ويؤكد الشريف لـ«الشرق الأوسط»، أنه «في حال عزوف تيار «المستقبل» ورئيسه سعد الحريري عن خوض الانتخابات، فإن «القوة الضاربة» تتمثل برئيس الحكومة نجيب ميقاتي والنائب فيصل كرامي والحالة الحريرية التي لا تزال موجودة».
ومع كثافة ورش العمل التي يعقدها ناشطو الحراك المدني في طرابلس وعكار لوضع برنامجها تحضيراً للاستحقاق ترشيحاً واقتراعاً، يسأل الشريف: «أين هي قوى الثورة وأين رموزها؟» ويذكر بأن «الانتخابات لا تقوم على شعارات فقط، بل على ثلاثة أسس، الأول: الخطاب السياسي الواضح. والثاني، بناء ماكينة انتخابية لمواجهة التقليد السياسي والمال السياسي. والثالث: وسائل الإعلام التي يعتد بها، والكل يعرف أن الإعلام في لبنان مرتبط بشكل أساسي بقيادات الأحزاب السياسية، وبالتالي ليس سهلاً على المعارضين أن يخوضوا الانتخابات بالشعارات فقط».
هذه القراءة لواقع الحراك المدني والتقليل من تأثيراته في الانتخابات، يخالفها الناشط السياسي والاجتماعي الدكتور رامي فنج، الذي يجزم بأن «التغيير حاصل وأن الصناديق هي من يجيب على هذه الأسئلة». ويقول فنج لـ«الشرق الأوسط» إن «قوى الثورة تدرك أن الأحزاب لها جمهورها ومحازبيها، وأعدادهم تتراوح بين 23 و32 في المائة في طرابلس، وهذا الرقم استقيناه نتيجة إحصاءات دقيقة أجريت بشكل مهني وسياسي وانتخابي، لكن هذه الأحزاب ستفاجأ بقوة الثورة، إذا وصلوا إلى هذه الحقيقة قريباً، نخشى أن يدفعوا باتجاه إلغاء الانتخابات». وأضاف: «سيسعون إلى تطيير الاستحقاق بالطرق القانونية، وإذا فشلوا قد يلجأون إلى الأساليب الأمنية».

ولا يختلف المراقبون على عقم الأداء السياسي لأحزاب السلطة، ويلفت خلدون الشريف إلى أنه «من المبكر وقبل دعوة الهيئات الناخبة، معرفة من هي القوى التقليدية التي ستخوض الانتخابات ومن هي القوى التجديدية التي ستواجهها»، داعياً إلى الأخذ بعين الاعتبار أن «القوى التقليدية لم تقدم أي قصة نجاح للناس في طرابلس وعكار وكل لبنان».
وإذا كانت المعركة في طرابلس غير واضحة المعالم، فإن واقع منطقة عكار أكثر ضياعاً، وإن بدأت الأحزاب التقليدية في شحن ماكيناتها، وهنا تحدث عضو كتلة «الجمهورية القوية» والنائب عن منطقة عكار وهبة قاطيشا، عن «جهوزية شبه مكتملة للماكينة الانتخابية للقوات اللبنانية». وأوضح لـ«الشرق الأوسط»، أن «ماكينة القوات بدأت إحصاءاتها للأصوات الحزبية في عكار وللقريبين من طروحاتها السياسية». وإذ لفت إلى أن الصورة ما زالت غامضة بالنسبة للتحالفات، أكد أن القوات «لن تتحالف إلا مع من يشبهها مثل المستقلين وتيار «المستقبل»، وإن لم يكن الأخير حسم خياراته بعد لخوض الانتخابات». وأضاف: «إذا انكفأ «المستقبل» فعلياً عن الانتخابات، قد نذهب إلى تشكيل لائحة مع مستقلين ومرشحين يدورون في فلك «المستقبل» من أصحاب الخيارات السيادية، ولن نترك المنطقة للفراغ». وجزم قاطيشا بأنه «لا تحالف في عكار تحت أي ظرف مع أحزاب التيار الوطني الحر والقومي السوري الاجتماعي وحزب البعث الاشتراكي وحلفاء النظام السوري»، وقال إن «المعركة بالنسبة لنا لا تتوقف عند السعي إلى فوز مرشحينا وشركائنا في اللائحة، بل سنعمل من أجل إسقاط خصومنا في هذه المعركة».
أحد الناشطين في الحراك الشعبي في عكار رفض ذكر اسمه، شدد على أن «قوى الثورة ستخوض الانتخابات في عكار وكل لبنان، تحت عناوين ثورة 17 تشرين (أكتوبر 2017) وشعار كلن يعني كلن». وإذ لفت لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن المواجهة «ليست سهلة مع منظومة السلطة»، اعترف بوجود «صعوبة في توحيد موقف مجموعات الحراك المدني حتى الآن». وقال: «المعضلة الأساسية لدى مجموعات الثورة، أنها ما زالت منقسمة على الأولويات وأطر مواجهة أحزاب السلطة، لذلك نحن نعكف على فتح ورشة عمل في عكار لتوحيد الثورة حول البرنامج الانتخابي، طالما هناك صعوبة حالياً في الاتفاق على قيادة موحدة». وكشف أن «مشكلة اليسار في الثورة أنه يرفض التحالف مع الجميع بما فيها الأحزاب التي تقف اليوم في صف المعارضة مثل «القوات اللبنانية» وحزب «الكتائب» وبعض الشخصيات التي كانت في السلطة سابقاً، في حين أن اليمين يصوب معركته على حزب الله وحلفائه».



«الجبهة الوطنية»... حزب مصري جديد يثير تساؤلات وانتقادات

مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
TT

«الجبهة الوطنية»... حزب مصري جديد يثير تساؤلات وانتقادات

مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)

ما زال حزب «الجبهة الوطنية» المصري الجديد يثير انتقادات وتساؤلات بشأن برنامجه وأهدافه وطبيعة دوره السياسي في المرحلة المقبلة، خاصة مع تأكيد مؤسسيه أنهم «لن يكونوا في معسكر الموالاة أو في جانب المعارضة».

وكان حزب «الجبهة الوطنية» مثار جدل وتساؤلات في مصر، منذ الكشف عن اجتماعات تحضيرية بشأنه منتصف الشهر الماضي، انتهت بإعلان تدشينه في 30 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

وتمحورت التساؤلات حول أسباب ظهوره في هذه المرحلة، وهل سيكون بديلاً لحزب الأغلبية في البرلمان المصري (مستقبل وطن)، لا سيما أن مصر مقبلة على انتخابات برلمانية نهاية العام الجاري.

هذه التساؤلات حاول اثنان من مؤسسي الحزب الإجابة عنها في أول ظهور إعلامي مساء السبت، ضمن برنامج «الحكاية» المذاع على قناة «إم بي سي»، وقال وكيل مؤسسي حزب «الجبهة الوطنية» ووزير الإسكان المصري السابق عاصم الجزار، إن «الحزب هو بيت خبرة هدفه إثراء الفكر وإعادة بناء الوعي المصري المعاصر»، مؤكداً أن الحزب «لا يسعى للأغلبية أو المغالبة، بل يستهدف التأثير النوعي وليس الكمي».

وأضاف: «هدفنا تشكيل تحالف من الأحزاب الوطنية القائمة، إذ لن نعمل وحدنا»، معلناً استعداد الحزب الجديد، الذي لا يزال يستكمل إجراءات تأسيسه رسمياً، للتحالف مع «أحزاب الأغلبية مستقبل وطن وحماة وطن والمعارضة والمستقلين أيضاً بهدف خدمة المصلحة الوطنية»، مستطرداً: «لن نكون أداة لتمرير قرارات، بل أداة للإقناع بها».

وشدد الجزار على أن «الحزب لا ينتمي لمعسكر الموالاة أو للمعارضة»، وإنما «نعمل لمصلحة الوطن».

وهو ما أكده رئيس «الهيئة العامة للاستعلامات» بمصر وعضو الهيئة التأسيسية لحزب «الجبهة الوطنية»، ضياء رشوان، الذي قال: «سنشكر الحكومة عندما تصيب ونعارضها عندما تخطئ»، مشيراً إلى أن «مصر ليس لها حزب حاكم حتى يكون هناك حديث عن موالاة ومعارضة».

الانتقادات الموجهة للحزب ارتبطت بتساؤلات حول دوره في ظل وجود نحو 87 حزباً سياسياً، وفق «الهيئة العامة للاستعلامات»، منها 14 حزباً ممثلاً في البرلمان الحالي، يتصدرها حزب «مستقبل وطن» بأغلبية 320 مقعداً، يليه حزب «الشعب الجمهور» بـ50 مقعداً، ثم حزب «الوفد» بـ39 مقعداً، وحزب «حماة الوطن» بـ27 مقعداً، وحزب «النور» الإسلامي بـ11 مقعداً، وحزب «المؤتمر» بـ8 مقاعد.

ورداً على سؤال للإعلامي عمرو أديب، خلال برنامج «الحكاية»، بشأن ما إذا كان الحزب «طامحاً للحكم ويأتي بوصفه بديلاً لحزب الأغلبية»، قال رشوان: «أي حزب سياسي يسعى للحكم، لكن من السذاجة أن نقول إن حزباً يعمل على إجراءات تأسيسه اليوم سيحصد الأغلبية بعد 8 أو 10 أشهر»، مشيراً إلى أن «الحزب لن يعيد تجارب (الهابطين من السماء)». واستطرد: «لن نسعى للأغلبية غداً، لكن قد يكون بعد غد».

وأضاف رشوان أن «الحزب يستهدف في الأساس إعادة بناء الحياة السياسية في مصر بعد فشل تجربة نظام الحزب الواحد في مصر منذ عام 1952»، مشيراً إلى أن «الحزب يستهدف إحياء تحالف 30 يونيو (حزيران)»، لافتاً إلى أن «التفكير فيه هو ثمرة للحوار الوطني الذي أثار زخماً سياسياً».

طوال ما يزيد على ساعة ونصف الساعة حاول الجزار ورشوان الإجابة عن التساؤلات المختلفة التي أثارها إعلان تدشين الحزب، والتأكيد على أنه «ليس سُلمة للوصول إلى البرلمان أو الوزارة»، وليس «بوابة للصعود»، كما شددا على أن «حزب الجبهة يضم أطيافاً متعددة وليس مقصوراً على لون سياسي واحد، وأنه يضم بين جنباته المعارضة».

وعقد حزب «الجبهة الوطنية» نحو 8 اجتماعات تحضيرية على مدار الأسابيع الماضي، وتعمل هيئته التأسيسية، التي تضم وزراء ونواباً ومسؤولين سابقين، حالياً على جمع التوكيلات الشعبية اللازمة لإطلاقه رسمياً.

ويستهدف الحزب، بحسب إفادة رسمية «تدشين أكبر تحالف سياسي لخوض الانتخابات البرلمانية المقبلة، عبر صياغة تفاهمات سياسية واسعة مع الأحزاب الموجودة»، إضافة إلى «لمّ الشمل السياسي في فترة لا تحتمل التشتت».

ومنذ إطلاق الحزب تم ربطه بـ«اتحاد القبائل والعائلات المصرية» ورئيسه رجل الأعمال إبراهيم العرجاني، حتى إن البعض قال إن «الحزب هو الأداة السياسية لاتحاد القبائل». وعزز هذه الأحاديث إعلان الهيئة التأسيسية التي ضمت رجل الأعمال عصام إبراهيم العرجاني.

وأرجع الجزار الربط بين الحزب والعرجاني إلى أن «الاجتماعات التحضيرية الأولى للحزب كانت تجري في مكتبه بمقر اتحاد القبائل؛ كونه أميناً عاماً للاتحاد»، مؤكداً أن «الحزب لا علاقة له باتحاد القبائل». وقال: «العرجاني واحد من عشرة رجال أعمال ساهموا في تمويل اللقاءات التحضيرية للحزب». وأضاف: «الحزب لا ينتمي لشخص أو لجهة بل لفكرة».

وحول انضمام عصام العرجاني للهيئة التأسيسية، قال رشوان إنه «موجود بصفته ممثلاً لسيناء، ووجوده جاء بترشيح من أهل سيناء أنفسهم».

وأكد رشوان أن «البعض قد يرى في الحزب اختراعاً لكتالوج جديد في الحياة السياسية، وهو كذلك»، مشيراً إلى أن «الحزب يستهدف إعادة بناء الحياة السياسية في مصر التي يقول الجميع إنها ليست على المستوى المأمول».

بينما قال الجزار: «نحن بيت خبرة يسعى لتقديم أفكار وحلول وكوادر للدولة، ونحتاج لكل من لديه القدرة على طرح حلول ولو جزئية لمشاكل المجتمع».

وأثارت تصريحات الجزار ورشوان ردود فعل متباينة، وسط تساؤلات مستمرة عن رؤية الحزب السياسية، التي أشار البعض إلى أنها «غير واضحة»، وهي تساؤلات يرى مراقبون أن حسمها مرتبط بالانتخابات البرلمانية المقبلة.

كما رأى آخرون أن الحزب لم يكن مستعداً بعد للظهور الإعلامي.

بينما أشار البعض إلى أن «الحزب ولد بمشاكل تتعلق بشعبية داعميه»، وأنه «لم يفلح في إقناع الناس بأنه ليس حزب موالاة».

وقال مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية الدكتور عمرو الشوبكي لـ«الشرق الأوسط» إن «الحزب قدم حتى الآن كلاماً عاماً دون تصور أو رؤية واضحة للإصلاح التدريجي»، موضحاً أنه «من حيث المبدأ من حق أي جماعة تأسيس حزب جديد».

وبينما أكد الشوبكي أن ما عرضه المسؤولون عن الحزب الجديد بشأن «عدم طموحه للحكم لا يختلف عن واقع الحياة السياسية في مصر الذي يترك للدولة تشكيل الحكومة»، مطالباً «بتفعيل دور الأحزاب في الحياة السياسية»، فالمشكلة على حد تعبيره «ليست في إنشاء حزب جديد، بل في المساحة المتاحة للأحزاب».