ثلاثون عاماً على إنزال العلم السوفياتي: قفزة إلى عالم جديد

رئيس الاتحاد السوفياتي ميخائيل غورباتشوف (غيتي)
رئيس الاتحاد السوفياتي ميخائيل غورباتشوف (غيتي)
TT

ثلاثون عاماً على إنزال العلم السوفياتي: قفزة إلى عالم جديد

رئيس الاتحاد السوفياتي ميخائيل غورباتشوف (غيتي)
رئيس الاتحاد السوفياتي ميخائيل غورباتشوف (غيتي)

يوم عيد الميلاد، أطل رئيس الاتحاد السوفياتي ميخائيل غورباتشوف على مواطنيه وأبلغهم أن منصبه لم يعد موجوداً وأن كل صلاحياته بما فيها السيطرة على الأسلحة النووية قد انتقلت إلى رئيس جمهورية روسيا الاشتراكية السوفياتية بوريس يلتسين. وغادر الكرملين عند السابعة مساء وأنزل العلم السوفياتي الأحمر عن المبنى الرئيس في المجمع التاريخي الذي شَغَل العالم طوال سبعين عاماً.
كانت نهاية متوقعة لانهيار استمر نحو ست سنوات وشهد اضمحلال الدولة القوية السابقة وحزبها الحاكم واستحواذ أزمة متعددة الوجوه والأبعاد على كل نواحي حياة أكثر من 300 مليون إنسان كانوا يشكلون مواطني «اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية» الممتد من بحر البلطيق والحدود البولندية غرباً إلى المحيط الهادئ والحدود الكورية الشمالية شرقاً.
لم يفتر بعد النقاش حول تفاصيل الانهيار وأسبابه والعوامل والشخصيات التي أدت أدواراً كبيرة وصغيرة في وقوعه. صدور المئات من المؤلفات لسياسيين ومؤرخين وباحثين اقتصاديين وعسكريين حول ما جرى في الأعوام الأخيرة من عمر الاتحاد السوفياتي، لن يوقف ظهور وثائق ومواد أرشيفية جديدة تضيف عناصر لم تكن معروفة أو مفهومة بالقدر الكافي إلى مجريات تلك أعوام زعامة غورباتشوف للحزب الشيوعي والدولة السوفياتية وهي المرحلة التي يركز الدارسون عليها أكثر من غيرها. فبين 1985 و1991 ظهرت إلى السطح كل أشكال المآزق السياسية والآيديولوجية والقومية التي أفلح الكرملين في طمسها منذ ثورة أكتوبر (تشرين الأول) 1917 البلشفية وتأسيس الاتحاد في 1922.
ولن تختفي كذلك التساؤلات عما إذا كان الاتحاد السوفياتي يملك فرصة حقيقية للبقاء ككيان سياسي موحد لو لم يظهر غورباتشوف و«تفكيره الجديد» الذي قامت عليه سياسة «البريسترويكا» (إعادة البناء) و«الغلاسنوست» (الشفافية). مؤرخون كثر يرون اليوم أن علة السقوط رافقت الاتحاد منذ قيامه وتشمل تنويعات تتراوح بين انعدام الحريات العامة والفردية وبين تحجر نموذج اقتصادي أصم صانعوه آذانهم عن حقائق الواقع الروسي والسوفياتي عموماً غير المتطور مقارنة بالدول الغربية. وصولاً إلى الفوارق الشاسعة، الاجتماعية والثقافية بين القوميات التي صُبت في القالب السوفياتي الحديدي. كانت محاولة غورباتشوف الإصلاحية الضخمة ومن خلفه مُنظر البريسترويكا الأبرز ألكسندر ياكوفليف الذي آثر البقاء بعيداً عن الأضواء، قفزة جسورة بقدر ما هي خيالية فوق عقود من الاستبداد والتسلط الحزبي والحكم بالأمر المباشر، للوصول إلى «اشتراكية ذات وجه إنساني» أو إلى اشتراكية ديمقراطية على الطريقة الإسكندنافية. ما كان الروس بقادرين على قفزة بهذا الاتساع ولم يكن الغرب ليغفر للاتحاد السوفياتي انخراطه في صراعات على مدى الكوكب ضد كل السياسات والمصالح الغربية.
كانت رحلة عاصفة تخللتها أفكار وأحلام وكوابيس ورعب وانتصارات يجوز وصفها بأنها تكثيف لكل مسار القرن العشرين أو «القرن القصير» الذي يبدأ مع الحرب العالمية الأولى وينتهي بسقوط الاتحاد السوفياتي، بحسب تعريف المؤرخ إريك هوبسباوم. كانت لروسيا حصة كبيرة في رسم تفاصيل القرن هذا بل توجيهه وقيادته في بعض اللحظات وتقديم نموذج عالمي تحدى الرأسمالية على اتساع العالم، لينتهي إلى انهيار مدوٍ وصفه الرئيس الروسي الحالي فلاديمير بوتين بـ«أسوأ كارثة جيو - سياسية في القرن العشرين».
مهما يكن من أمر، وبالعودة إلى كلمة غورباتشوف التلفزيونية القصيرة في آخر أيام الاتحاد السوفياتي، تبدو تلك المرحلة كأن قروناً قد مرت عليها وليس مجرد أقل من ثلث قرن. الخوف الذي سيطر بعد اختفاء الاتحاد السوفياتي وغيابه كعنصر توازن عالمي، سرعان ما انقلب حروباً أهلية داخل دول الاتحاد السابق على نحو ما جرى في طاجيكستان وأوزبكستان وجورجيا ومولدافيا وروسيا ذاتها في منطقة القوقاز، أو حروباً بين تلك الدول مثل الحرب بين أذربيجان وأرمينيا. ناهيك عن اضطرابات سياسية لم تهدأ حتى اليوم في أوكرانيا وبيلاروس.
ومثلما انتقلت عدوى صراعات الهوية والانتماء القومي والإثني والديني من الداخل السوفياتي إلى الخارج خصوصاً إلى البلقان وحروب التسعينات في يوغوسلافيا السابقة، انتقل كذلك الانهيار الاقتصادي واكتشاف الصعوبة الهائلة للانتقال من اقتصاد موجه تتحكم به خطط خمسية يضعها بيروقراطيون قليلو التماس مع الواقع ويستجيبون لإملاءات رؤسائهم وحسابات هؤلاء الآيديولوجية وتمسكهم بموقع دولي مكلف وصعب، انتقل إلى الدول الأوروبية الشرقية والوسطى التي قررت العودة إلى اقتصاد سوق غادرته مع دخول الدبابات السوفياتية إليها في نهاية الحرب العالمية الثانية وقيام «الديمقراطيات الشعبية» وتشكيل حلف وارسو والكتلة الاقتصادية الاشتراكية «الكوميكون» التي بدت كشبيه باهت للاتحاد الأوروبي.
إلى جانب عناصر الانهيار الداخلية، ثمة اتفاق بين الدارسين اليوم على أن الدولة السوفياتية بمؤسساتها وأسلوب عملها، ما كانت لتستمر في عصر العولمة وانفتاح الأسواق وحركة رأس المال العابرة للحدود وثورة المعلومات والاتصالات. وأن دولة مغلقة يستحيل أن تستمر كقطب عالمي وأن ما يمكن أن تنجح فيه كوريا الشمالية من حفظ النظام الحاكم عبر العزلة الكاملة عن العالم، لا تستطيع بلاد تمتد على ملايين الكيلومترات المربعة أن تمارسه. بكلمات ثانية، أن النموذج السوفياتي قد أدى دوره التاريخي وأحيل إلى التقاعد. على الرغم مما في التقاعد هذا من خسائر ودماء وفقر ميزت عقد التسعينات في شرق أوروبا وفي روسيا خصوصاً، التي تمثل سياستها اليوم، برأي أنصار الكرملين، مشروعاً لمنع إبقائها في المقعد الخلفي في الشؤون الدولية التي تمس أمنها ومصالحها الاقتصادية.
يضاف إلى ذلك أن الاتحاد قصة الاتحاد السوفياتي لا يمكن أن تختصر في رحلة تكلس دولة واحتضارها وفشلها في تحقيق الشعارات الكبيرة التي أطلقتها ثورة أكتوبر فحسب. بل إن جانباً مهماً من تلك الرحلة تمثل في المشروع العالمي الذي قام على أساس تحقيق العدالة الاجتماعية ووضع حد للاستغلال والاستعباد الممارس في أطر رأسمالية لا يضبطها ضابط. نهاية الاتحاد السوفياتي، ترافقت مع تغول مشاريع الليبرالية الجديدة التي حمل لواءها الرئيس الأميركي رونالد ريغان ورئيسة الوزراء البريطانية مارغريت تاتشر واعتبرت علامة لا يخطئها البصر عن فقدان النموذج السوفياتي لجاذبيته ولقدرته على حشد المتضررين من الخصخصة وسيطرة رأس المال في نقابات وأحزاب تلجم اندفاع السوق وانفلاتها على النحو الذي أسهم فيه الاتحاد السوفياتي في قيام دولة الرفاهية والرعاية الاجتماعية في الغرب الساعي إلى احتواء الضغط العمالي والنقابي في أعقاب الحرب العالمية الثانية عندما نصح ستالين ممثلي الأحزاب الشيوعية الأوروبية بالتقدم والتقاط راية السلطة «الملقاة على قارعة الطريق».
من ينظر إلى الحملات الانتخابية في أوروبا خصوصاً وفي العالم، يلمس التفاوت الهائل بين الطروحات العنصرية والشعبوية والمعادية للاجئين ولكل ما هو مختلف ومغاير، وبين ما كانت تدور حوله المنافسة في الستينات والسبعينات والثمانينات من القرن الماضي. غني عن البيان أن إنزال العلم السوفياتي أطلق مرحلة جديدة ومختلفة جذرياً في التاريخ العالمي، بكل سلبياتها وإيجابيتها وحاجتها إلى الدراسة والتفكير.



جرائم العنف الأسري تحصد امرأة كل 10 دقائق في العالم

نساء يشاركن في احتجاج لإحياء اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة أمام بوابة براندنبورغ ببرلين (أ.ب)
نساء يشاركن في احتجاج لإحياء اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة أمام بوابة براندنبورغ ببرلين (أ.ب)
TT

جرائم العنف الأسري تحصد امرأة كل 10 دقائق في العالم

نساء يشاركن في احتجاج لإحياء اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة أمام بوابة براندنبورغ ببرلين (أ.ب)
نساء يشاركن في احتجاج لإحياء اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة أمام بوابة براندنبورغ ببرلين (أ.ب)

قُتلت 85 ألف امرأة وفتاة على الأقل عن سابق تصميم في مختلف أنحاء العالم عام 2023، معظمهن بأيدي أفراد عائلاتهنّ، وفقاً لإحصاءات نشرتها، (الاثنين)، الأمم المتحدة التي رأت أن بلوغ جرائم قتل النساء «التي كان يمكن تفاديها» هذا المستوى «يُنذر بالخطر».

ولاحظ تقرير لمكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة في فيينا، وهيئة الأمم المتحدة للمرأة في نيويورك أن «المنزل يظل المكان الأكثر خطورة» للنساء، إذ إن 60 في المائة من الـ85 ألفاً اللاتي قُتلن عام 2023، أي بمعدّل 140 كل يوم أو واحدة كل عشر دقائق، وقعن ضحايا «لأزواجهن أو أفراد آخرين من أسرهنّ».

وأفاد التقرير بأن هذه الظاهرة «عابرة للحدود، وتؤثر على كل الفئات الاجتماعية والمجموعات العمرية»، مشيراً إلى أن مناطق البحر الكاريبي وأميركا الوسطى وأفريقيا هي الأكثر تضرراً، تليها آسيا.

وفي قارتَي أميركا وأوروبا، يكون وراء غالبية جرائم قتل النساء شركاء حياتهنّ، في حين يكون قتلتهنّ في معظم الأحيان في بقية أنحاء العالم أفرادا من عائلاتهنّ.

وأبلغت كثيرات من الضحايا قبل مقتلهنّ عن تعرضهنّ للعنف الجسدي أو الجنسي أو النفسي، وفق بيانات متوافرة في بعض البلدان. ورأى التقرير أن «تجنّب كثير من جرائم القتل كان ممكناً»، من خلال «تدابير وأوامر قضائية زجرية» مثلاً.

وفي المناطق التي يمكن فيها تحديد اتجاه، بقي معدل قتل الإناث مستقراً، أو انخفض بشكل طفيف فقط منذ عام 2010، ما يدل على أن هذا الشكل من العنف «متجذر في الممارسات والقواعد» الاجتماعية ويصعب القضاء عليه، بحسب مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، الذي أجرى تحليلاً للأرقام التي استقاها التقرير من 107 دول.

ورغم الجهود المبذولة في كثير من الدول فإنه «لا تزال جرائم قتل النساء عند مستوى ينذر بالخطر»، وفق التقرير. لكنّ بياناً صحافياً نقل عن المديرة التنفيذية لهيئة الأمم المتحدة للمرأة، شدّد على أن هذا الواقع «ليس قدراً محتوماً»، وأن على الدول تعزيز ترسانتها التشريعية، وتحسين عملية جمع البيانات.