حالة من «اليأس وخيبة الأمل» سادت أوساط الليبيين لعدم التمكن من إجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها المُحدد اليوم، ورأى كثيرون منهم أن «تضارب المصالح الشخصية والتدخلات الخارجية والعقبات القانونية، ووجود (المرتزقة)»، من أهم الأسباب التي أفشلت هذا الاستحقاق التاريخي، الذي انتظروه طويلاً واستعدوا له.
وقبل 48 ساعة من إجراء الانتخابات المُرتقبة، قررت المفوضية العليا للانتخابات تأجيلها واقترحت على مجلس النواب إجراءها بعد شهر من الآن، وسارع المجلس إلى تشكيل لجنة تضم عشرة من أعضائه لإعداد مقترح بخريطة طريق جديدة لما بعد 24 ديسمبر (كانون الأول) الجاري.
وبالنظر إلى جملة العقبات التي تكرست في طريق الانتخابات، لا تزال السلطات المحلية تتبادل الاتهامات بالتسبب في «إضاعة الفرصة»، بينما اكتفت الأطراف الدولية بتشجيع الليبيين على إجراء الاستحقاق في القريب العاجل. لكن سياسيين ليبيين يرجعون هذا الإخفاق إلى إصرار شخصيات مثيرة للجدل على خوض السباق، بالإضافة إلى القانون (لانتخاب الرئيس) الذي يعتقدون أن رئيس مجلس النواب عقيلة صالح اعتمده منفرداً من دون التصويت الجماعي عليه، ما عطل مسار خريطة الطريق.
وبالتالي لم تتفق المؤسسات الليبية المعنية، إلى جانب الفصائل الرئيسية والمرشحين المحتملين، على قواعد الانتخابات ومنها جدولها الزمني، وسلطات الرئيس الجديد أو البرلمان، ومن يحق له الترشح.
وفي إطار مشاوراتها المكوكية، انتقلت المستشارة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة ستيفاني ويليامز إلى مدينة القبة، شرق ليبيا، حيث ناقشت مع المنفي وصالح المستجدات المتعلقة بموعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، وسبل حلحلة الصعوبات التي تواجه مفوضية الانتخابات.
وكانت ويليامز، أعلنت أنها بحثت على مدى اليومين الماضيين في العاصمة طرابلس مع عدد من المرشحين الرئاسيين، سبل حماية العملية الانتخابية والدفع بها إلى الأمام وضمان منح الشعب الليبي الفرصة لاختيار من يمثله.
وأوضحت أنها شددت لدى اجتماعها مع المنفي، على أهمية الإسراع بعملية المصالحة الوطنية وما وصفته بالدور الهام للمجلس.
ودعا مبعوث الولايات المتحدة الخاص وسفيرها إلى ليبيا ريتشارد نورلاند الأطراف الليبية إلى التعجيل بمعالجة كافة العقبات القانونية والسياسية لإجراء الاستحقاق، بما في ذلك «وضع اللمسات الأخيرة على قوائم المرشحين للانتخابات الرئاسية»، وهو ما توافق معه مرشحون رئاسيون خلال اجتماعهم في مدينة الزاوية (غرب ليبيا) للتباحث بشأن السيناريوهات المتوقعة والأخطار المحتملة لتعطيل الاستحقاق.
وأبدى المرشحون في بيان مشترك، مساء أول من أمس، ترحيبهم بمقترح المفوضية على أن تجرى الجولة الأولى من الانتخابات في 24 يناير (كانون الثاني) المقبل، مع ضرورة «الالتزام بالموعد النهائي للانتخابات غير القابل للتعطيل مرة أخرى تحت أي ظرف، تجنباً لعودة الاقتتال».
وطالب المرشحون المفوضية بإعلان القائمة النهائية للمرشحين للانتخابات الرئاسية والقائمة الأولية للمرشحين للانتخابات البرلمانية بأسرع وقت ممكن، ودعوا إلى «عدم السماح بالتدخل في الشؤون الليبية والإيمان التام بالتداول السلمي على السلطة واعتبار صندوق الاقتراع الطريق الوحيد لبناء الدولة، وعدم مصادرة حق الليبيين في اختيار من يمثلهم لرئاسة دولتهم».
ويخوض السباق المرتقب 96 مرشحاً، بعضهم اعتبر غير مقبول في مناطق من البلاد أو بالنسبة لميليشيات مسلحة، منهم سيف الإسلام نجل الرئيس الراحل معمر القذفي، المطلوب من المحكمة الجنائية الدولية لاتهامه بـ«جرائم حرب» تتعلق بوأد الانتفاضة التي أطاحت بحكم والده قبل عِقد مضى.
كما تتحفظ تشكيلات مسلحة في غرب البلاد على خوض المشير خليفة حفتر القائد العام لـ«الجيش الوطني»، الانتخابات، نظراً للهجوم الذي شنته قواته على طرابلس العاصمة ودام قرابة 14 شهراً. بالإضافة إلى رفض كثير من الليبيين، وخصوصاً في شرق البلاد، ترشح عبد الحميد الدبيبة رئيس حكومة «الوحدة الوطنية»، لكونه سبق وتعهد بعدم خوض الانتخابات عند تعيينه قبل عشرة أشهر. وفي ظل هذه التحديات السياسية والمعضلات القانونية، يتوقع سياسيون ليبيون أن تفشل المفوضية في فض هذه الاشتباكات ثانية، في غياب توافق حقيقي بين الأفرقاء على شكل الاستحقاق المرتقب.
وبموجب قانون انتخاب الرئيس، ومع استمرار العمل بوثيقة دستورية «مؤقتة» منذ 2011، لا توجد نصوص قانونية توضح وتحدد صلاحيات الرئيس الذي سيتم انتخابه، لا سيما مع استمرار الخلاف حول «مسودة الدستور» المقترحة، التي ظلت حبيسة الإدراج ورهينة الخلافات ولم تعرض على الاستفتاء الشعبي منذ سنوات.
وفي ظل تحركات البرلمان والأطراف الدولية الداعمة لمسار الانتخابات، ربما لا يكون التأخير لفترة وجيزة كافياً لحل الخلافات التي عطلت التصويت اليوم. وربما يتطلب حل هذه المشكلات مزيداً من الوقت، ما يثير تساؤلات عما إذا كان بإمكان الحكومة المؤقتة البقاء في موقعها.
وطالبت «المنظمة العربية لحقوق الإنسان» و«المنظمة العربية لحقوق الإنسان في ليبيا» بوضع سقف زمني لإتمام الانتخابات، واعتبرتا أن استمرار وجود القوات الأجنبية و«المرتزقة» الأجانب «شكل عائقاً أساسياً في مواجهة إجراء الانتخابات» و«شجع بعض الأطراف الليبية الرافضة للانتخابات على انتهاج سياسات وسلوكيات لعرقلتها»، ما تسبب في حرمان المواطنين من تقرير مصيرهم.
وفي تقدير هاتين المنظمتين، يشكل التراجع عن إجراء الانتخابات في موعدها، و«المحاولات الحثيثة لإجهاض إجرائها مستقبلاً عنواناً على فشل المجتمع الدولي في النهوض بمسؤولياته وتوفير المساعدة الواجبة للمجتمع الليبي على فرض إرادته الحرة والفكاك من أسر الاحتراب والانقسام». ورأت المنظمتان أن «كل يوم إضافي يمر على ليبيا في ظل الانقسام والاحتراب يؤدي لمزيد من انتهاكات حقوق الإنسان دون رادع، ويدفع ثمنه الليبيون أصحاب المصلحة الأصليون في نهضة بلدهم».
ويترقب الليبيون ماذا سينتج عن برلمانهم، ومقره طبرق (شرق البلاد)، بعد تشكيله «لجنة العشرة» المكلفة وضع خريطة طريق جديدة للمرحلة المقبلة، والمفترض أن تقدم تقريرها إلى مكتب هيئة الرئاسة خلال أسبوع «لعرضه على مجلس النواب خلال جلسته المقبلة».
لماذا فشلت ليبيا في إجراء الانتخابات الرئاسية؟
مرشحون محتملون يطالبون بالتزام جدول زمني تجنباً لـ«عودة الاقتتال»
لماذا فشلت ليبيا في إجراء الانتخابات الرئاسية؟
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة