«وساطات مركبة» لحسم الخلاف بين الصدر والمالكي

وفد من «الإطار التنسيقي» يستطلع في أربيل طبيعة التحالفات المقبلة

المالكي خلال مؤتمر صحافي مشترك سابق مع مقتدى الصدر (أ.ف.ب)
المالكي خلال مؤتمر صحافي مشترك سابق مع مقتدى الصدر (أ.ف.ب)
TT

«وساطات مركبة» لحسم الخلاف بين الصدر والمالكي

المالكي خلال مؤتمر صحافي مشترك سابق مع مقتدى الصدر (أ.ف.ب)
المالكي خلال مؤتمر صحافي مشترك سابق مع مقتدى الصدر (أ.ف.ب)

يتحرك قادة «قوى الإطار التنسيقي» يتقدمهم نوري المالكي، بين مكاتب الأحزاب السنية والكردية لاستطلاع طبيعة التحالفات الممكنة في الحكومة العتيدة بانتظار المصادقة النهائية على نتائج الانتخابات، فيما يلتزم زعيم «التيار الصدري» مقتدى الصدر الصمت، مستقراً في معقله «الحنانة» في النجف.
وإذا كانت الفجوة بين الصدر والمالكي تسببت في تجميد الحوار بينهما قبل نحو أسبوع، فإن وساطات مركبة فتحت قنوات غير مباشرة بينهما، لاختبار نموذج مقبول للاتفاق على الحكومة المقبلة. واللافت في بعض هذه الوساطات أنها من خارج دائرة النزاع، كما يقول مصدر سياسي رفيع المستوى. ويحاول المالكي، بحسب المعلومات الواردة من أربيل، حيث التقى أمس قادة «الحزب الديمقراطي الكردستاني»، إقناع الصدر عن طريق أطراف موثوقة بالقبول بالمشاركة في تحالف شيعي لتشكيل حكومة توافقية، مع تنازلات غير جوهرية، في حين أن ما يطلبه من الكرد غير واقعي تماماً، بحسب مسؤولين في الإقليم.
حركة المالكي تواجه عقبة انعدام وجود صيغة توافقية قابلة للعيش في الحياة السياسية، باعتبار أن اعتماد الطرق التقليدية التي نجحت بعد انتخابات 2010 و2018 لم يعد يصلح الآن، بسبب طبيعة نتائج الانتخابات الأخيرة والانقسام الحاد بين طرفي الخلاف الشيعي، الذي يصل للمرة الأولى منذ العام 2003 إلى تقاطع بشأن آلية الحكم، وتدوير مصادر النفوذ داخل المكون الواحد.
ورغم أن الصدر فائز بنحو 73 مقعداً، ويقترب منه تحالف المالكي مع «قوى الإطار التنسيقي» فإن الكتلة الأكبر هذه المرة لن تكون «حاصل جمع» الطرفين الشيعيين والذهاب إلى السنة والكرد للتفاوض على تشكيل الحكومة.
يدرك المالكي أنه لن يغامر في إعلان تحالف حكومي من دون مقتدى الصدر، بينما الأخير لن يستصعب الذهاب إلى المعارضة في هذه الحالة، وهو الأمر الذي قد يدفع المالكي للاتفاق مع «الحنانة» على حل وسط. وتحاول أطراف من خارج الطرفين المتنازعين بناء وساطة «سرية» بين المالكي والصدر، على أن يعود نجاحها بمكاسب سياسية للمبادرين بالتوسط.
يقول مصدر سياسي رفيع المستوى إن مجموعة مصغرة أجرت حوارات منفصلة في بغداد والنجف مع المالكي والصدر، لاختبار المنطقة المشتركة بينهما، وقد يكون ما يطرحه المالكي بشأن حكومة ائتلافية ينسجم، مع بعض التعديلات، مع مشروع الصدر.
ولم تسفر الوساطات المذكورة عن تقدم ملحوظ، لكنها وفرت «رسائل متبادلة» بين الطرفين. ويقول مصدر سياسي إن زيارة المالكي لأربيل واحدة من تلك الرسائل للنجف، رغم نفي «دولة القانون» ذلك.
وكان المالكي زار أمس أربيل على رأس وفد من «قوى الإطار التنسيقي»، حيث التقى زعيم «الحزب الديمقراطي الكردستاني» مسعود بارزاني، الذي أصدر مكتبه بياناً قال فيه إن «الاجتماع سلط الضوء على ضرورة إعادة النظر في نظام الحكم في العراق والاستفادة من التجارب السابقة»، مشدداً على «مبدأ الشراكة والتوافق والتوازن في عملية الحكم». وأكد البيان أن «الطرفين تبادلا الآراء حول التحديات أمام مستقبل العراق، وموضوع الخدمات وتهديدات (داعش)، ومشكلة البيئة ونقص المياه، ومطالب المواطنين، وأكدا استمرار المحاولات في تقارب وجهات نظر الأطراف واستحقاق المكونات من أجل إيجاد حلول مناسبة للمرحلة المقبلة وتجاوز التحديات أمام تشكيل الحكومة العراقية الجديدة».
ووفق النتائج النهائية للانتخابات، فإن «الكتلة الصدرية» حلت أولاً برصيد 73 مقعداً، يليها تحالف «تقدم» بزعامة محمد الحلبوسي 37 مقعداً، تبعه «دولة القانون» بزعامة المالكي بـ33 مقعداً و«الحزب الديمقراطي الكردستاني» بـ31 مقعداً.
وكان «الإطار التنسيقي» عقد اجتماعاً، في الثاني من الشهر الحالي، مع زعيم «التيار الصدري» مقتدى الصدر، في محاولة لإقناعه بتشكيل حكومة توافقية، وهو ما رفضه الصدر حيث كتب تغريدة بعد الاجتماع: «حكومة أغلبية وطنية لا شرقية ولا غربية».
وفيما لم يعرف بعد الوقت الذي ستستغرقه المحكمة الاتحادية العليا في المصادقة على نتائج الانتخابات، فإنها حددت موعداً جديداً للنطق في أمر الطعون التي قدمها لها ائتلاف الخاسرين في الانتخابات.
وكانت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات رفعت النتائج النهائية للانتخابات بعد حسم الطعون المقدمة إليها، البالغة 1400 طعن، من قبل الهيئة القضائية مطلع الشهر الحالي. وبينما كان من المتوقع المصادقة على النتائج في غضون أيام، مثلما كانت عليه الانتخابات في الدورات الأربع الماضية، فإن الطعون التي قدمها تحالف «الفتح» بزعامة هادي العامري باسم «قوى الإطار» إلى المحكمة الاتحادية جعلها ترجئ النظر في المصادقة بهدف حسم الطعون والاستماع إلى المزيد من الأدلة، التي تثبت من وجهة نظر الخاسرين أن الانتخابات البرلمانية المبكرة، التي جرت في العاشر من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي شابها التزوير.
وبعد استماع المحكمة الاتحادية إلى أدلة جديدة قدمها العامري، أعلنت أنها ستصدر حكمها في الطعون في السادس والعشرين من هذا الشهر.
وأدلى العامري بإفادة أمام قضاة المحكمة الاتحادية، كرر فيها موقفه الرافض لنتائج الانتخابات، مطالباً بإلغائها. وقال إن مفوضية الانتخابات حرمت أكثر من مليوني مواطن من الإدلاء بأصواتهم من خلال نوع الأجهزة التي استخدمتها.
ورغم لجوء «الإطار التنسيقي» يضم «الفتح» و«دولة القانون» و«عصائب أهل الحق» بزعامة قيس الخزعلي، و«تيار الحكمة» بزعامة عمار الحكيم، و«النصر» بزعامة حيدر العبادي، و«العقد الوطني» بزعامة فالح الفياض إلى اتباع السبل القانونية في التعامل مع نتائج الانتخابات من خلال الطعون، التي قدمها إلى الهيئة القضائية في مفوضية الانتخابات، وبعدها إلى المحكمة العليا، فإنه لا يزال ينصب الخيم أمام بوابات المنطقة الخضراء لمئات من المعتصمين من جمهوره منذ أكثر من شهرين.



​تأثيرات كارثية للصقيع في اليمن على السكان والزراعة

مزارعان يمنيان يتحسران على تلف مزروعاتهما بسبب شدة الصقيع (إكس)
مزارعان يمنيان يتحسران على تلف مزروعاتهما بسبب شدة الصقيع (إكس)
TT

​تأثيرات كارثية للصقيع في اليمن على السكان والزراعة

مزارعان يمنيان يتحسران على تلف مزروعاتهما بسبب شدة الصقيع (إكس)
مزارعان يمنيان يتحسران على تلف مزروعاتهما بسبب شدة الصقيع (إكس)

يتكبد المزارعون اليمنيون خسائر كبيرة بسبب موجة الصقيع التي تشهدها البلاد بفعل الموجة الباردة التي تمر بها منطقة شبه الجزيرة العربية تزامناً مع عبور منخفض جوي قطبي، فيما يحذر خبراء الأرصاد من اشتدادها خلال الأيام المقبلة، ومضاعفة تأثيراتها على السكان والمحاصيل الزراعية.

واشتكى مئات المزارعين اليمنيين في مختلف المحافظات، خصوصاً في المرتفعات الغربية والوسطى من تضرر محاصيلهم بسبب الصقيع، وتلف المزروعات والثمار، ما تسبب في خسائر كبيرة لحقت بهم، في ظل شحة الموارد وانعدام وسائل مواجهة الموجة، مع اتباعهم طرقاً متعددة لمحاولة تدفئة مزارعهم خلال الليالي التي يُتوقع فيها زيادة تأثيرات البرد.

وشهد عدد من المحافظات تشكّل طبقات رقيقة من الثلج الناتجة عن تجمد قطرات الندى، خصوصاً فوق المزروعات والثمار، وقال مزارعون إن ذلك الثلج، رغم هشاشته وسرعة ذوبانه، فإنه أسهم في إتلاف أجزاء وكميات من محاصيلهم.

وذكر مزارعون في محافظة البيضاء (270 كيلومتراً جنوب شرقي صنعاء) أن موجة الصقيع فاجأتهم في عدد من الليالي وأتلفت مزروعاتهم من الخضراوات، ما دفعهم إلى محاولات بيع ما تبقى منها قبل اكتمال نضوجها، أو تقديمها علفاً للمواشي.

خضراوات في محافظة عمران أصابها التلف قبل اكتمال نضجها (فيسبوك)

وفي مديرية السدة التابعة لمحافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء)، اشتكى مزارعو البطاطس من تلف الثمار خلال الأيام الماضية، بينما كانوا ينتظرون اكتمال نضوجها للبدء في تسويقها ونقلها إلى منافذ البيع.

ويعتزم غالبية المزارعين التوقف عن الزراعة خلال الأسابيع المقبلة حتى تنتهي موجة الصقيع، مشيرين إلى أن تأثير الموجة يكون أشد على المزروعات في بداية نموها، بينما يمكن للمزروعات التي نمت بشكل كافٍ أن تنجو وتكمل نموها، إلا أنها لن تصل إلى مستوى عالٍ من الجودة.

أسبوع من الخطر

في غضون ذلك حذّر مركز الإنذار المبكر في محافظة حضرموت السكان من موجة برد شديدة، وتشكّل الصقيع على مناطق الداخل، خلال الأيام المقبلة، داعياً إلى اتخاذ أقصى التدابير، واتباع الإرشادات الصحية للوقاية من ضربات البرد القارس، واستخدام وسائل التدفئة الآمنة مع رعاية كبار السن والأطفال من تأثيراتها.

طفلة يمنية بمحافظة تعز تساعد عائلتها في أعمال الزراعة (فيسبوك)

ونبّه المركز المزارعين لضرورة اتباع إرشادات السلامة لحماية محاصيلهم من آثار تشكل الصقيع المتوقع تحديداً على المرتفعات والأرياف الجبلية في مختلف المحافظات.

وخصّ بتحذيراته الصيادين والمسافرين بحراً من اضطراب الأمواج، واشتداد الرياح في مجرى المياه الإقليمية وخليج عدن وحول أرخبيل سقطرى في المحيط الهندي، وسائقي المركبات في الطرق الطويلة من الغبار وانتشار العوالق الترابية نتيجة هبوب رياح نشطة السرعة، وانخفاض مستوى الرؤية الأفقية.

وطالب المركز باتخاذ الاحتياطات لتجنيب مرضى الصدر والجهاز التنفسي مخاطر التعرض للغبار خاصة في المناطق المفتوحة والصحراوية.

وتتضاعف خسائر المزارعين في شمال اليمن بسبب الجبايات التي تفرضها الجماعة الحوثية عليهم، فعلى الرغم من تلف محاصيلهم بسبب الصقيع، فإن الجماعة لم تعفهم من دفع المبالغ المقررة عليهم، خصوصاً أنها - كما يقولون - لجأت إلى فرض إتاوات على محاصيلهم قبل تسويقها وبيعها.

طبقة من الثلج تغطي خيمة نصبها مزارع يمني لحماية مزروعاته من الصقيع (إكس)

ومن جهتهم، حذّر عدد من خبراء الأرصاد من خلال حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي من موجة برد شديدة تستمر حتى مطلع الأسبوع المقبل، على مختلف المناطق والمحافظات، بما فيها الصحارى، وتصل فيها درجة الحرارة إلى ما دون الصفر، مع احتمالات كبيرة لإتلاف مختلف المزروعات والمحاصيل.

صقيع وجراد

وتؤثر موجات الصقيع على أسعار الخضراوات والفواكه بسبب تراجع الإنتاج وارتفاع تكلفته، وإلى جانب ذلك تقل جودة عدد من المنتجات.

وأوضح خبير أرصاد في مركز الأرصاد الخاضع لسيطرة الجماعة الحوثية أن كتلة هوائية قطبية بدأت، أخيراً، التقدم باتجاه المناطق الشمالية والصحراوية، مع هبوب الرياح الشمالية الجافة، متوقعاً أن تسهم في إثارة ونقل كميات كبيرة من الغبار يمتد تأثيرها إلى خارج البلاد.

يمني في محافظة ذمار يتجول على دراجته ملتحفاً بطانية (فيسبوك)

ووفق الخبير الذي طلب التحفظ على بياناته، بسبب مخاوفه من أي عقوبات توقعها الجماعة الحوثية عليه بسبب حديثه لوسائل إعلام غير تابعة لها، فمن المحتمل أن تكون هذه الكتلة الهوائية القطبية هي الأشد على البلاد منذ سنوات طويلة، وأن تمتد حتى السبت، مع وصول تأثيراتها إلى كامل المحافظات.

وبيّن أن التعرض للهواء خلال هذه الفترة قد يتسبب في كثير من المخاطر على الأفراد خصوصاً الأطفال وكبار السن، في حين سيتعرض كثير من المزروعات للتلف، خصوصاً في المرتفعات والسهول المفتوحة، مع احتمالية أن تنخفض هذه المخاطر على المزارع في الأودية والمناطق المحاطة بالمرتفعات.

ووفقاً للخبراء الزراعيين، فإن الصقيع يتسبب في تجمد العصارة النباتية في أوراق النباتات وسيقانها الطرية، وبمجرد شروق الشمس، وتغيّر درجات الحرارة، تتشقق مواضع التجمد أو تذبل، تبعاً لعوامل أخرى.

تحذيرات أممية من عودة الجراد إلى اليمن خلال الأسابيع المقبلة (الأمم المتحدة)

وطبقاً لعدد من الخبراء استطلعت «الشرق الأوسط» آراءهم، فإن تأثيرات الصقيع تختلف بحسب تعرض المزارع للرياح الباردة، إلا أن تعرض المزروعات للرياح الباردة في المرتفعات لا يختلف كثيراً عن وقوع نظيرتها في الأودية والسهول تحت تأثير الهواء الساكن شديد البرودة.

وفي سياق آخر، أطلقت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (فاو) تحذيراً من غزو الجراد في اليمن، بعد انتشار مجموعات قليلة منه على سواحل عدة دول مطلة على البحر الأحمر، بما فيها السواحل اليمنية.

وتوقعت المنظمة في تقرير لها أن تزداد أعداد الجراد وتتكاثر في اليمن خلال فصل الشتاء، وأن تتجه الأسراب إلى سواحل البحر الأحمر للتكاثر، ما سيؤدي إلى زيادة كبيرة في أعداد الجراد في المنطقة، بما يشمل اليمن.

ويعدّ الجراد من أكثر التهديدات التي تواجهها الزراعة في اليمن، ويخشى أن يؤثر وصول أسرابه إلى البلاد على الأمن الغذائي.