ميقاتي يرعى {تنظيم الاختلاف} بين عون وبري

TT

ميقاتي يرعى {تنظيم الاختلاف} بين عون وبري

يتعامل المجتمع الدولي مع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي على أنه «الحارس القضائي» للحفاظ على آخر ما تبقى من مؤسسات في الدولة اللبنانية ويراهن عليه كونه الأقدر على التواصل مع جميع المكونات السياسية أكانت في الموالاة أو في المعارضة بخلاف رئيس الجمهورية ميشال عون الذي لم يبق له من حليف سوى «حزب الله» وبعض «إخوانه» في محور الممانعة بعد أن أهدر الفرص التي أُتيحت له للعب دور الجامع للبنانيين والعامل على التوفيق بينهم بدلاً من أن يتحول إلى طرف في النزاعات التي ما زالت تحاصر الحكومة الميقاتية.
فرهان المجتمع الدولي على ميقاتي لا ينطلق من فراغ، وإنما من حاجته إلى استمرارية حكومته تحسباً لتكون قادرة على مواجهة كل الاحتمالات بما فيها إقحام البلد في فراغ قاتل في حال تعذر إجراء الانتخابات النيابية في موعدها وما يترتب على ترحيلها من تداعيات سلبية يمكن أن تنسحب على إحداث فراغ في سدة رئاسة الجمهورية فور انتهاء الولاية الرئاسية لعون في 31 أكتوبر (تشرين الأول) المقبل.
ومع أن ترحيل الانتخابات النيابية وعدم إنجازها في موعدها في مايو (أيار) المقبل قبل انتهاء ولاية البرلمان الحالي في 21 منه سيلقى مقاومة من المجتمع الدولي تضطره لاتخاذ عقوبات ضد من يعطل إتمام هذا الاستحقاق الذي يشكل محطة لإعادة تكوين السلطة في لبنان، فإن التحسب لقطع الطريق على إحداث فراغ في المؤسسات الدستورية يبقى في محله، وهذا ما يكمن وراء إصرار المجتمع الدولي على منع الانهيار الشامل.
وفي هذا السياق، يقول مصدر سياسي بارز لـ«الشرق الأوسط» إن المجتمع الدولي بادر إلى رسم خطوط حمراء يؤسس عليها لتوفير الدعم للحكومة لمنع الانهيار وللإبقاء عليها مجتمعة لملء الفراغ إذا ما تعذر إجراء الانتخابات النيابية التي ستؤدي حكماً إلى إحداث فراغ في سدة الرئاسة الأولى لأن المجلس النيابي المنتخب هو من ينتخب رئيس الجمهورية.
ويلفت إلى أن المجتمع الدولي يتدارك منذ الآن أسوأ الاحتمالات، وهذا ما يدفعه لوضع خطة طوارئ لملء الشغور المؤقت في المؤسسات الدستورية تأخذ بعين الاعتبار تمسكه ببقاء الحكومة وتصديه لاستقالتها لأنها مضطرة بشغور سدة الرئاسة لاتخاذ قرارات يراد منها تدبير شؤون المواطنين وتأمين استمرارية الدولة بدلاً من أن تتحول إلى حكومة لتصريف الأعمال.
ويؤكد المصدر نفسه أن ميقاتي يرعى تنظيم الاختلاف بين عون وبين رئيس المجلس النيابي نبيه بري ويقف إلى جانب الأخير بدعوته إلى فتح دورة استثنائية للبرلمان مع انتهاء العقد الثاني للمجلس النيابي في نهاية العام الحالي، ويقول إن هناك ضرورة لفتحها إفساحاً في المجال أمام السلطة التشريعية لإقرار الموازنة لعام 2022 من جهة، ولمواكبة التفاوض مع صندوق النقد الدولي الذي بلغ مرحلة متقدمة للانتقال بلبنان من دائرة التأزم الذي وصل إلى ذروته إلى التعافي المالي من جهة أخرى، ولإضفاء الشرعية على اتفاقيتي استجرار الغاز من مصر والكهرباء من الأردن عبر الأراضي السورية لزيادة التغذية بالتيار الكهربائي.
ويؤكد أن مسار التفاوض مع صندوق النقد برعاية ميقاتي قوبل بارتياح من الإدارة الجديدة للصندوق، وأيضاً من المنسق الفرنسي للمساعدات الدولية للبنان بيار دوكان، ويكشف أن ميقاتي طرح مع عون ضرورة التوقيع على المرسوم الخاص بفتح دورة استثنائية للبرلمان تستمر حتى بدء العقد الأول في منتصف مارس (آذار) المقبل.
ويضيف أن عون لم يقفل الباب أمام فتح هذه الدورة، لكنه ليس مع تسهيل فتحها ما لم تقترن بالإفراج عن جلسات مجلس الوزراء التي ما زالت عالقة على إصرار الوزراء الشيعة بحصر صلاحية ملاحقة الرؤساء والوزراء في ملف انفجار مرفأ بيروت بالمجلس الأعلى لمحاكمتهم.
ويتوقف المصدر نفسه أمام ما آلت إليه الاتصالات لتسريع استجرار الغاز من مصر والكهرباء من الأردن، ويقول إن المفاوضات مع القاهرة وعمان قطعت شوطاً على طريق زيادة التغذية بالتيار الكهربائي، لكن ليس على الطريقة التركية التي كبدت الخزينة مئات الملايين من الدولارات باستئجار البواخر بدلاً من بناء المعامل لتوليد الطاقة.
ويكشف أنه لم يعد من عائق أمام استجرار الكهرباء من الأردن بعد أن تلقت عمان رسالة من الخارجية الأميركية تؤمن لها الحماية السياسية من «قانون قيصر» الذي يفرض عقوبات على سورية لأن استجرارها يأتي لأسباب محض إنسانية ولا يمت بصلة إلى ما أخذ البعض يروج له بأنه يمهد لإعادة تطبيع العلاقات بين واشنطن ودمشق.
ويؤكد أن لقاء ميقاتي بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال زيارته للقاهرة حقق تقدماً ملموساً على طريق استجرار الغاز المصري، خصوصا أن القاهرة تلقت رسالة من الخارجية الأميركية أبلغتها فيها بأنها محمية من مفاعيل «قانون قيصر»، لكنها طلبت إيداعها ملحقاً يصدر عن الكونغرس يتبنى حرفياً ما ورد في رسالة الخارجية لطمأنتها بأن مضامينها تبقى سارية بمفاعيلها في حال تبدلت الإدارة الأميركية.
لذلك فإن الإفراج عن جلسات مجلس الوزراء، كما يقول المصدر، سيحصل عاجلاً أم آجلاً مهما طال الانتظار، خصوصاً إذا ما اقتربت مفاوضات ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل برعاية الأمم المتحدة وبوساطة أميركية من نهايتها وتستدعي الموافقة عليها من مجلس الوزراء لإحالتها إلى البرلمان للتصديق عليها.



غروندبرغ في صنعاء لحض الحوثيين على السلام وإطلاق المعتقلين

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

غروندبرغ في صنعاء لحض الحوثيين على السلام وإطلاق المعتقلين

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

بعد غياب عن صنعاء دام أكثر من 18 شهراً وصل المبعوث الأممي هانس غروندبرغ إلى العاصمة اليمنية المختطفة، الاثنين، في سياق جهوده لحض الحوثيين على السلام وإطلاق سراح الموظفين الأمميين والعاملين الإنسانيين في المنظمات الدولية والمحلية.

وجاءت الزيارة بعد أن اختتم المبعوث الأممي نقاشات في مسقط، مع مسؤولين عمانيين، وشملت محمد عبد السلام المتحدث الرسمي باسم الجماعة الحوثية وكبير مفاوضيها، أملاً في إحداث اختراق في جدار الأزمة اليمنية التي تجمدت المساعي لحلها عقب انخراط الجماعة في التصعيد الإقليمي المرتبط بالحرب في غزة ومهاجمة السفن في البحر الأحمر وخليج عدن.

وفي بيان صادر عن مكتب غروندبرغ، أفاد بأنه وصل إلى صنعاء عقب اجتماعاته في مسقط، في إطار جهوده المستمرة لحث الحوثيين على اتخاذ إجراءات ملموسة وجوهرية لدفع عملية السلام إلى الأمام.

وأضاف البيان أن الزيارة جزء من جهود المبعوث لدعم إطلاق سراح المعتقلين تعسفياً من موظفي الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية والمجتمع المدني والبعثات الدبلوماسية.

صورة خلال زيارة غروندبرغ إلى صنعاء قبل أكثر من 18 شهراً (الأمم المتحدة)

وأوضح غروندبرغ أنه يخطط «لعقد سلسلة من الاجتماعات الوطنية والإقليمية في الأيام المقبلة في إطار جهود الوساطة التي يبذلها».

وكان المبعوث الأممي اختتم زيارة إلى مسقط، التقى خلالها بوكيل وزارة الخارجية وعدد من كبار المسؤولين العمانيين، وناقش معهم «الجهود المتضافرة لتعزيز السلام في اليمن».

كما التقى المتحدث باسم الحوثيين، وحضه (بحسب ما صدر عن مكتبه) على «اتخاذ إجراءات ملموسة لتمهيد الطريق لعملية سياسية»، مع تشديده على أهمية «خفض التصعيد، بما في ذلك الإفراج الفوري وغير المشروط عن المعتقلين من موظفي الأمم المتحدة والمجتمع المدني والبعثات الدبلوماسية باعتباره أمراً ضرورياً لإظهار الالتزام بجهود السلام».

قناعة أممية

وعلى الرغم من التحديات العديدة التي يواجهها المبعوث الأممي هانس غروندبرغ، فإنه لا يزال متمسكاً بقناعته بأن تحقيق السلام الدائم في اليمن لا يمكن أن يتم إلا من خلال المشاركة المستمرة والمركزة في القضايا الجوهرية مثل الاقتصاد، ووقف إطلاق النار على مستوى البلاد، وعملية سياسية شاملة.

وكانت أحدث إحاطة للمبعوث أمام مجلس الأمن ركزت على اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، مع التأكيد على أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام ليس أمراً مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وأشار غروندبرغ في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

الحوثيون اعتقلوا عشرات الموظفين الأمميين والعاملين في المنظمات الدولية والمحلية بتهم التجسس (إ.ب.أ)

وقال إن العشرات بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

يشار إلى أن اليمنيين كانوا يتطلعون في آخر 2023 إلى حدوث انفراجة في مسار السلام بعد موافقة الحوثيين والحكومة الشرعية على خريطة طريق توسطت فيها السعودية وعمان، إلا أن هذه الآمال تبددت مع تصعيد الحوثيين وشن هجماتهم ضد السفن في البحر الأحمر وخليج عدن.

ويحّمل مجلس القيادة الرئاسي اليمني، الجماعة المدعومة من إيران مسؤولية تعطيل مسار السلام ويقول رئيس المجلس رشاد العليمي إنه ليس لدى الجماعة سوى «الحرب والدمار بوصفهما خياراً صفرياً».