«المجلس الدستوري» يرفض طعن «الوطني الحر» في قانون الانتخابات

TT

«المجلس الدستوري» يرفض طعن «الوطني الحر» في قانون الانتخابات

في اليوم الأخير للمهلة المحددة لاتخاذ قرار بشأن الطعن في قانون الانتخابات، أعلن «المجلس الدستوري» في لبنان في اجتماعه السابع الذي عقده أمس، عدم التوصل إلى قرار لتعذر تأمين أكثرية سبعة أعضاء، وبالتالي اعتبار القانون الذي طعن فيه «التيار الوطني الحر» نافذاً، وتم تنظيم المحضر لإبلاغه إلى كل من رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب ورئيس الحكومة، على أن يُنشر في الجريدة الرسمية.
وقال رئيس المجلس القاضي طنوس مشلب بعد الاجتماع «بعد سبع جلسات لم نتمكن من الوصول إلى رأي موحد؛ فاضطررنا إلى القول إننا لم نصدر قراراً، ويُعتبر القرار المطعون به ساري المفعول وتتم الانتخابات وفق القانون كما تحددها وزارة الداخلية بمرسوم» (القانون المعدل في مجلس النواب)، وبالتالي تأجيل إجراء الانتخابات في الدائرة 16 (المخصصة للمغتربين) لعام 2026، ومساواتهم مع المقيمين بالاقتراع لـ128 نائباً.
ورأى، أن «موضوع الطعن لا يحتاج إلى كل هذه الضجة، ولا نتيجة أيضاً تستأهل كل هذه الضجة»، مضيفاً «الكل ينتظر موضوع الطعن كأنه سيحل أزمة لبنان وفي الحالتين، إن قبلنا الطعن أو لم نقبله ستحصل الانتخابات وما يتغير فقط هي دائرة المغتربين».
ونفى تعرض القضاة لضغوط سياسية، مؤكداً «لم يطلب أحد منا شيئاً في السياسة، والصفقة التي تحصل تكون بين أصحابها ولا تصل إلى أبواب (الدستوري) والنقاش كان قانونيّاً»، ومشيراً إلى أن الانقسام لم يكن لا طائفيّاً ولا مذهبيّاً، ولم يكن المجلس منقسماً بالنصف وناقشنا النقاط كافة، ووصلنا إلى النقاط حول اقتراع المغتربين، حيث كانت الآراء مختلفة. ثم عاد مشلب، وقال «لا أعرف إذا كان هناك تدخّل لدى أحد من الزملاء، ولكن لا أشكّ بأحد».
وكان لافتاً إعلان مشلب، أنه «ليس راضياً عن عدم صدور قرار ولكن لم يكن بالإمكان أكثر مما كان وما حصل قد يكون سقطة في نقطة معيّنة للمجلس الدستوري»، بحسب قوله. وأردف «لا أحد (يمون علي وبرأيي يجب ألا يمون) أحد على الزملاء، ولا تواصل بين أحد منّا ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي».
وفي حين يتردد أن مشلب مقرّب أو محسوب على رئاسة الجمهورية، قال «أؤكّد أنّه حتى هذه الساعة لم يطلب منّي الرئيس ميشال عون أي طلب، لا فيما يخصّ هذا الموضوع ولا غيره رغم أنّ البعض يحسبني عليه بما أنّه هو من سمّاني (لرئاسة المجلس)».
واعتبرت مصادر مطلعة على موقف رئاسة الجمهورية، أن ما حصل هو سقطة للمجلس الدستوري بلسان رئيسه، وقالت لـ«الشرق الأوسط»، «عدم التوصل إلى قرار يؤشر إلى أن النقاش والتصويت غلب عليه الطابع السياسي أكثر منه القانوني أو الدستوري، حيث إنه كان يمكن أن يصدر قرار بالرفض مع التعليل أو القبول مع التعليل، وهو ما لم يحصل وكان ذلك أفضل لـ(الدستوري) لو شرح موقفه». من هنا ترى المصادر، أن «المرحلة المقبلة ستكون مقاربتها سياسية وسيتم خلالها تقييم لمواقف الأطراف ليبنى على الشيء مقتضاه، وربما تقود إلى واقع جديد».
وفيما يتعلق بـ «لا قرار الدستوري»، قال الخبير الدستوري سعيد مالك لـ«الشرق الأوسط»، «تعذر الوصول إلى قرار يعني أن القانون موضع الطعن بات محصناً، وبذلك أسدل المجلس الدستوري الستار على الطعن وانتقلت الكرة إلى ملعب الحكومة، وتحديداً إلى وزير الداخلية الذي تقع عليه مهمة تحديد موعد الانتخابات». وبعدما كان البرلمان قد أوصى بتقريب الموعد إلى شهر مارس (آذار) بدلاً من مايو (أيار)، وهو ما رفضه رئيس الجمهورية ميشال عون الذي سبق أن ردّ القانون إلى البرلمان وأعلن أنه لن يوقع على مرسوم إجراء الانتخابات في مارس، قال مالك «هذا حق دستوري لرئيس الجمهورية وبالتالي وانطلاقا من موقفه المعارض لتقديم الموعد يعني أن الانتخابات ستجرى في مايو».
وفي حين رفض مالك الإجابة عن سؤال حول الجهة الخاسرة من قرار الدستوري، قال «انتصرت العدالة والمجلس الدستوري في وجه كل المقايضات التي كان البعض يعمل عليها كما المغتربون في دوائرهم بمساواتهم في حقهم بالاقتراع مع المقيمين».
من جهته، رفض مسؤول الإعلام والتواصل في «حزب القوات» شارل جبور اعتبار أن «المجلس الدستوري» لم يأخذ قراراً، وأكد لـ«الشرق الأوسط»، «أن النتيجة التي صدرت تعني قراراً واضحاً بحق المغتربين بالتصويت على خلاف ما كان يريده البعض لأهداف واعتبارات سياسية». وأوضح «لأن المغتربين موزعون في شقين أساسيين، الأول من الذين غادروا لبنان منذ سنوات طويلة وهم ينتمون إلى الخط السيادي، ومن الطبيعي ألا يؤيدوا سلاح (حزب الله) الذي أوصل لبنان إلى ما هو عليه، والهجرة الحديثة من اللبنانيين الذين يعتبرون أن العهد وسياسة العهد دفعتهم إلى الهجرة ومغادرة لبنان»، مضيفاً «لذا كانوا يريدون التخلص من المغتربين لأنهم يدركون تأثيرهم في المشهد السياسي اللبناني وينعكس على وضعهم المتراجع أساساً، وبالتالي هدف الطعن الأساسي كان قطع الطريق أمام هؤلاء المغتربين الذين هم جزء من الرأي العام اللبناني الذي كان له أيضاً دور في كل ما حصل».
ويذكر أن 244 ألفاً و244 ناخباً من المغتربين سجّلوا أسماءهم في السفارات والقنصليات اللبنانية في الخارج ليعود وينخفض عددهم إلى 225 ألفاً و114 ناخباً بعد تنقيح اللوائح واستبعاد من لا تتوافر فيهم الشروط القانونية للمشاركة في الانتخابات النيابية. وأظهرت النتائج الأولوية لتوزيع هؤلاء، أن النسبة الأكبر منهم هي في منطقة الشمال، وتحديداً في الدائرة الثالثة التي تضم زغرتا وبشري والكورة والبترون، وهي ما باتت تعرف في لبنان بـ«الدائرة الرئاسية» انطلاقاً من أنها تجمع المرشحين للرئاسة النائب جبران باسيل ورئيس تيار المردة النائب السابق سليمان فرنجية ورئيس حزب «القوات» سمير جعجع، وهو السبب الذي يرى فيه البعض رفض «التيار» لانتخاب المغتربين لـ128 نائباً وتقديمه الطعن، لا سيما في ظل الحديث عن تراجع لشعبية «الوطني الحر» والمزاج الشعبي «المنتفض» ضد الأحزاب، لا سيما بعد انتفاضة 2019، ويذهب البعض للقول، إن «التيار» سيكون الخاسر الأكبر من بين الأحزاب.



أحياء منكوبة بلا مياه وكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي في مدينة صور الساحلية

جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
TT

أحياء منكوبة بلا مياه وكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي في مدينة صور الساحلية

جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)

قرب ركام مبنى ما زال الدخان يتصاعد منه في مدينة صور، تحمل عائلة حقائب وتصعد على سلم مظلم إلى شقة خُلعت أبوابها ونوافذها، ولا يوجد فيها ماء ولا كهرباء، بعد أن استهدف القصف الإسرائيلي البنى التحتية والطرق، إضافة إلى الأبنية والمنازل.

في اليوم الثاني من سريان وقف إطلاق النار بين «حزب الله» وإسرائيل، كانت مئات العائلات صباح الخميس تتفقّد منازلها في أحياء استهدفتها الغارات الإسرائيلية، وحوّلتها إلى منطقة منكوبة.

لم تسلم سوى غرفة الجلوس في شقة عائلة نجدة. تقول ربّة المنزل دنيا نجدة (33 عاماً)، وهي أم لطفلين، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، بينما تقف على شرفتها المطلة على دمار واسع: «لم نتوقّع دماراً إلى هذا الحدّ. رأينا الصور لكن وجدنا الواقع مغايراً وصعباً».

وغطّى الزجاج أسرّة أطفالها وألعابهم، في حين تناثرت قطع من إطارات النوافذ الحديدية في كل مكان. وتضيف دنيا نجدة: «عندما وصلنا، وجدنا الدخان يتصاعد من المكان، وبالكاد استطعنا معاينة المنزل».

على الشرفة ذاتها، يقف والد زوجها سليمان نجدة (60 عاماً)، ويقول: «نشكو من انقطاع المياه والكهرباء... حتى المولدات الخاصة لا تعمل بعد انقطاع خطوط الشبكات».

ويقول الرجل، الذي يملك استراحة على شاطئ صور، الوجهة السياحية التي تجذب السكان والأجانب: «صور ولبنان لا يستحقان ما حصل... لكن الله سيعوضنا، وستعود المدينة أفضل مما كانت عليه».

وتعرّضت صور خلال الشهرين الماضيين لضربات عدّة؛ دمّرت أو ألحقت أضراراً بمئات الوحدات السكنية والبنى التحتية، وقطعت أوصال المدينة.

وأنذرت إسرائيل، خلال الأسابيع القليلة الماضية، مراراً سكان أحياء بأكملها بإخلائها، ما أثار الرعب وجعل المدينة تفرغ من قاطنيها، الذين كان عددهم يتجاوز 120 ألفاً.

لن يحصل بنقرة

خلال جولة في المدينة؛ حيث تعمل آليات على رفع الردم من الطرق الرئيسة، يحصي رئيس بلدية صور واتحاد بلدياتها، حسن دبوق لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «أكثر من 50 مبنى، مؤلفة من 3 إلى 12 طابقاً دُمّرت كلياً جراء الغارات الإسرائيلية»، غير تضرّر عشرات الأبنية في محيطها، بنسبة تصل إلى 60 في المائة. ويضيف: «يمكن القول إنه يكاد لم يبقَ أي منزل بمنأى عن الضرر».

وشهدت شوارع المدينة زحمة سير مع عودة المئات من السكان إلى أحيائهم، في حين أبقت المؤسسات والمحال التجارية والمطاعم أبوابها موصدة.

ويوضح دبوق: «يتفقّد السكان منازلهم خلال النهار، ثم يغادرون ليلاً بسبب انقطاع الماء عن أنحاء المدينة والكهرباء عن الأحياء التي تعرّضت لضربات إسرائيلية قاسية».

ويقول إن الأولوية اليوم «للإسراع في إعادة الخدمات إلى المدينة، وتأمين سُبل الحياة للمواطنين»، مقرّاً بأن ذلك «لن يحصل بنقرة، ويحتاج إلى تعاون» بين المؤسسات المعنية.

ويضيف: «من المهم أيضاً إزالة الردم لفتح الشوارع حتى يتمكّن الناس من العودة».

واستهدفت غارة إسرائيلية في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) شركة مياه صور، ما أسفر عن تدميرها، ومقتل موظفيْن، وانقطاع المياه عن 30 ألف مشترك في المدينة ومحيطها، وفق ما قال رئيس مصلحة مياه صور وليد بركات.

ودمّرت الغارة مضخّات المياه وشبكة الأنابيب المتفرّعة منها، وفق ما شاهد مراسلو «وكالة الصحافة الفرنسية»، الخميس، في إطار جولة نظمها «حزب الله» للصحافيين في عدد من أحياء المدينة.

وتحتاج إعادة بنائها إلى فترة تتراوح بين 3 و6 أشهر، وفق بركات، الذي قال إن العمل جارٍ لتوفير خيار مؤقت يزوّد السكان العائدين بالمياه.

ويقول بركات: «لا صواريخ هنا، ولا منصات لإطلاقها، إنها منشأة عامة حيوية استهدفها العدوان الإسرائيلي».

قهر ومسكّنات

بحزن شديد، يعاين أنس مدللي (40 عاماً)، الخيّاط السوري المُقيم في صور منذ 10 سنوات، الأضرار التي لحقت بمنزله جراء استهداف مبنى مجاور قبل ساعة من بدء سريان وقف إطلاق النار. كانت أكوام من الركام تقفل مدخل المبنى الذي تقع فيه الشقة.

ويقول بأسى: «بكيت من القهر... منذ يوم أمس، وأنا أتناول المسكنات جراء الصدمة. أنظر إلى ألعاب أولادي والدمار وأبكي».

وغابت الزحمة، الخميس، عن سوق السمك في ميناء المدينة القديمة، الذي كان يعجّ بالزبائن قبل الحرب، بينما المراكب راسية في المكان منذ أكثر من شهرين، وينتظر الصيادون معجزة تعيدهم إلى البحر لتوفير قوتهم.

بين هؤلاء مهدي إسطنبولي (37 عاماً)، الذي يروي أنه ورفاقه لم يبحروا للصيد منذ أن حظر الجيش اللبناني في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) حركة القوارب في المنطقة البحرية جنوب لبنان.

ويقول: «لم يسمح الجيش لنا بعد بالخروج إلى البحر حفاظاً على سلامتنا» باعتبار المنطقة «حدودية» مع إسرائيل.

ويقول إسطنبولي: «نراقب الوضع... وننتظر»، مضيفاً: «نحن خرجنا من أزمة، لكن الناس سيعانون الآن من أزمات نفسية» بعد توقف الحرب.

ويقول أب لأربعة أطفال: «أحياناً وأنا أجلس عند البحر، أسمع صوت الموج وأجفل... يتهيّأ لي أن الطيران يقصف. نعاني من الصدمة».