انطلاق جولة آستانة... وموسكو تنتقد «شروط» المعارضة

بوتين أشاد بـ«دور العسكريين الروس» في ضمان استقرار سوريا

TT

انطلاق جولة آستانة... وموسكو تنتقد «شروط» المعارضة

انطلقت أمس، في العاصمة الكازاخية نور سلطان جولة المفاوضات الـ«17» في إطار ما يعرف بـ«مسار آستانة»، بحضور وفود البلدان الثلاثة الضامنة وقف النار في سوريا (روسيا وإيران وتركيا) وممثلين عن الحكومة والمعارضة، وبمشاركة المبعوث الدولي غير بيدرسن، ووفود مراقبة من الأمم المتحدة والعراق والأردن ولبنان.
ولم يشهد تمثيل الأطراف المشاركة تغييراً عن الجولات السابقة، إذ ترأس الوفد الروسي المبعوث الرئاسي الروسي إلى سوريا ألكسندر لافرنتييف، وشارك من الجانب التركي مدير مكتب سوريا في الخارجية سلجوق أونال، ومن إيران مساعد وزير الخارجية علي أصغر حاجي، فيما ترأس الوفد الحكومي معاون وزير الخارجية أيمن سوسان، ووفد المعارضة رئيس «الحكومة الانتقالية» أحمد طعمة.
وقالت مصادر مشاركة في الجولة لـ«الشرق الأوسط»، إن التركيز ينصب خلال أعمال الجولة الحالية على مناقشة فكرة المبعوث الدولي إلى سوريا بشأن التحرك «خطوة مقابل خطوة»، فضلاً عن بحث مسائل الحفاظ على نظام وقف النار والأوضاع «على الأرض» في عدد من المناطق السورية. وأضاف المصدر أن «ملف المعتقلين والمحتجزين ينتظر أن يشغل حيزاً مهماً على خلفية السعي الروسي لتحقيق تقدم في هذا المسار بعد تعثر طويل في الجولات السابقة، وسيكون ملف اللجنة الدستورية حاضراً بقوة وسط توقعات بعقد الجولة المقبلة من أعمال اللجنة الشهر المقبل».
ووفقاً لمصدر في وفد المعارضة فإن موسكو «لم تبد حماسة لفكرة بيدرسن، لأنها ترى فيها التفافاً على مسار عمل اللجنة الدستورية وعلى التوجهات الروسية في ترتيب أولويات التسوية السياسية، فضلاً عن عدم ثقة موسكو بقدرة النظام على تقديم خطوات ملموسة لدعم هذا المسار». لكن في المقابل، لم يصدر أي تعليق على المستوى الرسمي الروسي على هذا الطرح.
وكان لافتاً أن الوفد الروسي استهل المناقشات بتوجيه انتقادات مباشرة إلى المعارضة السورية، وتحميلها مسؤولية الجمود الذي أصاب عمل اللجنة الدستورية. وقال ألكسندر لافرنتييف في ختام لقاءين مع وفدي تركيا وإيران إن المعارضة السورية «تضع شروطا غير مقبولة أمام عمل اللجنة الدستورية». وأوضح أن «مطالب غير مقبولة، ما زالت تعرقل تحقيق التوافق في عمل اللجنة في جنيف».
وشدد على أن بيدرسن زار دمشق وحصل على تأكيد السلطات دعمها لعمل الوفد الحكومي، وأعرب لافرنتييف عن أمله في أن «يتم تنفيذ العمل نفسه من جانب المعارضة». ووفقاً للافرنتييف فإنه «غالباً ما تطرح المعارضة شروطاً مسبقة ومطالب، ويتم ذلك بطريقة، استفزازية في بعض الأحيان، بحيث تجبر الجانب الموالي للحكومة على اتخاذ موقف متشدد إلى حد ما. لذلك يجب السير على طريق إيجاد الحلول الوسط وعدم استفزاز أي طرف للطرف الآخر وعدم دفعه لاتخاذ خطوات متصلبة. لا يجوز إملاء الشروط، ولا يجوز طرح هذه الصيغ غير المقبولة إطلاقا للجانب الآخر».
وتطرق إلى ملف العقوبات، معرباً عن أمل في أن تتراجع وتائر الضغوط المفروضة على سوريا من جانب عدد من بلدان العالم في العام المقبل. وأشار الدبلوماسي الروسي إلى أن استقرار الوضع في سوريا سيكون أمرا صعبا دون تقديم مساعدات إنسانية وإطلاق مشاريع لاستعادة الاقتصاد السوري، قائلاً: «سيستغرق ذلك وقتاً أطول بكثير».
وفي ملف التطورات الميدانية حذر لافرنتييف، من تكثيف نشاط المنظمات الإرهابية «في جميع أنحاء سوريا عملياً، وليس فقط في شمال البلاد». ورأى أن هذا «لا يمكن إلا أن يثير القلق، نشهد تزايداً متواصلاً لنشاطات الجماعات الإرهابية مؤخراً - ليس فقط في الشمال بل عملياً في جميع أنحاء البلاد».
ومع إشارته إلى الأمل بمناقشة هذه المشكلة مع كل الوفود الحاضرة بهدف «توحيد الجهود لمواجهة التهديدات»، جدد المبعوث الرئاسي الروسي خلال اللقاء مع الوفد التركي على ضرورة تمسك كل الأطراف بمبدأ وحدة أراضي سوريا»، وزاد: «رغم أن أنقرة لم تقم بتنفيذ كل الالتزامات، لكننا نرى لديهم رغبة حثيثة في تسهيل هذه العملية». وكان لافتاً خلال هذه الجولة أن الوفد الحكومي واصل تصعيد لهجته حيال تركيا، وحمل سوسان أنقرة مسؤولية بطء التقدم في عملية تسوية الأزمة السورية.
على صعيد آخر، أشاد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بعمل القوات العسكرية الروسية في سوريا وقال خلال اجتماع موسع لكبار الضباط إن «الجنود الروس لعبوا دوراً أساسياً في المحافظة على استقرار سوريا». وأوضح بوتين أن الجيش الروسي «تصرف في سوريا لائق، ووجود قواتنا ومساعدتهم للسكان المدنيين في حل المشاكل الإنسانية مثل مساهمة ملموسة في تعزيز الاستقرار في هذا البلد».
في المقابل، هاجم بوتين بقوة الوجود الأميركي في سوريا، ورأى أنه يعد استمراراً لسياسات واشنطن التي تنتهك القوانين الدولية. وقال إن واشنطن قصفت بلغراد منتهكة القوانين الدولية، ودخلت العراق ودمرته بذريعة البحث عن أسلحة دمار شامل، ثم اتضح عدم وجود هذه الأسلحة، وتساءل: «كيف دخلوا سوريا؟ هل حصلوا على موافقة من مجلس الأمن الدولي؟ بالتأكيد لا. إنهم يتصرفون على هواهم».
وأعلن وزير الدفاع سيرغي شويغو خلال الاجتماع أن القوات الروسية أنجزت مشروع توسيع مدرجات مطار «حميميم». وزاد مخاطباً بوتين: «تم في مطار حميميم، إنجاز العمل على زيادة طول المدرج الغربي في هذا الموقع العسكري». وكانت موسكو أعلنت عن توسيع مدرجات الهبوط في القاعدة لتتمكن من استقبال قاذفات استراتيجية ثقيلة. ورأت أوساط عسكرية روسية أن التوسيع سوف يمكن موسكو من تحويل «حميميم» إلى نقطة انطلاق أساسية لتحرك القدرات الجوية الروسية ليس داخل الأراضي السورية فحسب، بل وفي منطقة حوض المتوسط كلها.



مصر والكويت لتعميق التعاون وزيادة التنسيق الإقليمي

وزير الخارجية المصري يلتقي ولي العهد الكويتي الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصباح (الخارجية المصرية)
وزير الخارجية المصري يلتقي ولي العهد الكويتي الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصباح (الخارجية المصرية)
TT

مصر والكويت لتعميق التعاون وزيادة التنسيق الإقليمي

وزير الخارجية المصري يلتقي ولي العهد الكويتي الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصباح (الخارجية المصرية)
وزير الخارجية المصري يلتقي ولي العهد الكويتي الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصباح (الخارجية المصرية)

أكدت مصر خلال زيارة وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي للكويت، على دعم القاهرة الكامل للأمن الخليجي بوصفه جزءاً لا يتجزأ من الأمن القومي المصري، وسط لقاءات ومباحثات تناولت مجالات التعاون، لا سيما الأمني والعسكري لمواجهة التحديات الأمنية المختلفة.

تلك الزيارة، بحسب خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، تأتي تأكيداً على مساعي مصر والكويت لتعميق التعاون وزيادة التنسيق الإقليمي بوتيرة أكبر ونشاط أوسع، خصوصاً في ضوء علاقات البلدين التاريخية، وكذلك حجم الاستثمارات بين البلدين الكبيرة، مشددين على أهمية التنسيق بين بلدين مهمين في المنطقة.

واستهل عبد العاطي زيارته إلى الكويت بلقاء ولي العهد الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصباح، الأحد، مؤكداً «عمق العلاقات التاريخية والروابط الأخوية التي تجمع البلدين الشقيقين، وتوافر الإرادة السياسية لدى قيادتي البلدين من أجل تطوير العلاقات لآفاق أرحب»، مبدياً «الحرص على تعزيز التعاون والتنسيق مع دولة الكويت وزيادة وتيرته»، وفق بيان صحافي لـ«الخارجية المصرية».

وأبدى الوزير المصري «تطلُّع مصر لتعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري والاستثماري بين البلدين، أخذاً في الحسبان ما اتخذته الحكومة المصرية من خطوات طموحة لجذب الاستثمارات، وتنفيذ خطة الإصلاح الاقتصادي»، مشدداً على «دعم مصر الكامل للأمن الخليجي، بوصفه جزءاً لا يتجزأ من الأمن القومي المصري».

وفي مايو (أيار) الماضي، قال سفير الكويت بالقاهرة، غانم صقر الغانم، في مقابلة مع «القاهرة الإخبارية» إن الاستثمارات الكويتية في مصر متشعبة بعدة مجالات، وتبلغ أكثر من 15 مليار دولار، بينها 10 مليارات دولار للقطاع الخاص.

كما اجتمع عبد العاطي مع الشيخ فهد يوسف سعود الصباح، رئيس الوزراء بالإنابة ووزير الداخلية ووزير الدفاع الكويتي، مؤكداً «الحرص على الارتقاء بعلاقات التعاون إلى آفاق أرحب، بما يحقق طموحات ومصالح الشعبين الشقيقين»، وفق بيان ثانٍ لـ«الخارجية المصرية».

وزير الخارجية المصري يجتمع مع رئيس الوزراء بالإنابة ووزير الداخلية ووزير الدفاع الكويتي الشيخ فهد يوسف سعود الصباح (الخارجية المصرية)

فرص استثمارية

عرض الوزير المصري «الفرص الاستثمارية العديدة التي تذخر بها مصر في شتى القطاعات، والتي يمكن للشركات الكويتية الاستفادة منها، فضلاً عن الاتفاق على تبادل الوفود الاقتصادية، وتشجيع زيادة الاستثمارات الكويتية في مصر»، مبدياً «ترحيب مصر ببحث مجالات التعاون الأمني والعسكري لمواجهة التحديات الأمنية المختلفة».

كما بحث الوزير المصري في لقاء مع وزيرة المالية ووزيرة الدولة للشؤون الاقتصادية والاستثمار، نوره الفصام، الفرص الاستثمارية المتاحة في مصر بشتى القطاعات، وسط تأكيد على حرص الجانب المصري على تعزيز الاستثمارات الكويتية في مصر وإمكانية تعزيز نشاط الشركات المصرية لدعم عملية التنمية في الكويت.

ووفق خبير شؤون الخليج في «مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» بالقاهرة، الدكتور محمد عز العرب، فإن الزيارة تحمل أبعاداً عديدة، أبرزها الحرص المصري على تطوير العلاقات المصرية العربية، ومنها العلاقات مع الكويت لأسباب ترتبط بالتوافقات المشتركة بين البلدين والتعاون ليس على المستوى السياسي فحسب، بل على المستوى الأمني أيضاً.

التنسيق المشترك

البعد الثاني في الزيارة مرتبط بالاستثمارات الكويتية التي تستحوذ على مكانة متميزة وسط استثمارات خليجية في مصر، وفق عز العرب، الذي لفت إلى أن الزيارة تحمل بعداً ثالثاً هاماً مرتبطاً بالتنسيق المشترك في القضايا الإقليمية والدولية خاصة وهناك إدراك مشترك على أولوية خفض التصعيد والتعاون الثنائي بوصفه صمام أمان للمنطقة.

تحديات المنطقة

يرى الكاتب والمحلل السياسي الكويتي، طارق بروسلي، أن زيارة عبد العاطي «خطوة مهمة في إطار العلاقات التاريخية الوطيدة بين البلدين، وتعكس عمق التفاهم والاحترام المتبادل بين قيادتي البلدين والشعبين الشقيقين».

وتحمل الزيارة قدراً كبيراً من الأهمية، وفق المحلل السياسي الكويتي ورئيس «المنتدى الخليجي للأمن والسلام» فهد الشليمي، خصوصاً وهي تأتي قبيل أيام من القمة الخليجية بالكويت، مطلع الشهر المقبل، وما سيتلوها من ترأس الكويت مجلس التعاون الخليجي على مدار عام، فضلاً عن تحديات كبيرة تشهدها المنطقة، لا سيما في قطاع غزة وحربها المستمرة منذ أكتوبر (تشرين الأول) 2023.

وأفادت وكالة الأنباء الكويتية الرسمية، الأحد، بأن أمير البلاد الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح تلقى رسالة شفهية من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي تتعلق بالعلاقات الأخوية المتميزة بين البلدين والشعبين الشقيقين وآخر المستجدات الإقليمية والدولية، خلال استقبال ولي العهد لوزير الخارجية المصري.

كما نوهت بأن عبد العاطي التقى رئيس الوزراء بالإنابة، و«جرى خلال اللقاء استعراض العلاقات الثنائية وسبل تعزيز التعاون بين البلدين إضافة إلى بحث آخر المستجدات على الساحتين الإقليمية والدولية».

تطوير العمل الدبلوماسي

وتهدف الزيارة، وفق بروسلي، إلى «تعميق التعاون في عدة مجالات والتنسيق المشترك في المواقف على الصعيدين الإقليمي والدولي، لا سيما في قضايا فلسطين وسوريا ولبنان واليمن»، مرجحاً أن تسهم المباحثات المصرية الكويتية في «زيادة فرص التعاون الاقتصادي والتجاري وتعزيز الاستثمارات وزيادة التنسيق الأمني ومواجهة التحديات الأمنية المشتركة».

ويعتقد بروسلي أن الزيارة «ستكون فرصة لبحث تطوير العمل الدبلوماسي، ودعم البرامج التعليمية المتبادلة بين البلدين والخروج بمذكرات تفاهم تكون سبباً في تحقيق التكامل الإقليمي، وتعزيز التعاون في ظل التحديات المشتركة بالمنطقة».

بينما يؤكد الشليمي أن الزيارة لها أهمية أيضاً على مستوى التعاون الاقتصادي والتجاري، خصوصاً على مستوى تعزيز الاستثمارات، إضافة إلى أهمية التنسيق بين وقت وآخر بين البلدين، في ظل حجم المصالح المشتركة الكبيرة التي تستدعي التعاون المستمر.