«قناص» مجلة ثقافية عُمانية تدشن عددها الأول

«قناص» مجلة ثقافية عُمانية تدشن عددها الأول
TT

«قناص» مجلة ثقافية عُمانية تدشن عددها الأول

«قناص» مجلة ثقافية عُمانية تدشن عددها الأول

دشّنت مجلة «قناص» الثقافية، التي تصدر من سلطنة عمان، عددها الأول، رافعة شعار «الأدب والفن في مواجهة العنف»، وتنفتح من خلاله على شتى أشكال التجريب في الفنون والآداب في تموجها الزمني والاعتداد بالتنوع والشمولية، في الذهاب نحو الجهات والضفاف.
«قناص» مجلة إلكترونية، تنهض فكرتها على خلطة شيقة بين الشعر والسرد والصورة، في محاولة لتأسيس تشكيل أبعد، وكما تقول: «الحرية في أن نقتنص تلك اللحظة الهاربة، نُعمل فيها رغباتنا، نتشاركها في مساحة قناص؛ وفي تفاعلها وتلاطمها نحتفل بها».
تفتتح المجلة باب الشعر بهذه الجملة: «حيث المفردة تنطوي وتنكشف، مفردة نقرأها فتنبعث فيها الروح، تلك الروح الكامنة». نقرأ في هذا الباب لكل من الشعراء عاشور الطويبي، ومنعم رحمة، وصالح العامري، وزاهر السالمي.
ويطل علينا باب السرد بجملة افتتاحية: «السرد حكاية، شفهية نتداولها في زمن إلى زمن، أقصوصة، قصة، رحلة، رواية، وهناك ألف ليلة فبريق نهار»، حيث نقرأ لكل من: صفاء بلحساوية، وشيماء النجار، وأحمد يوسف عقيلة، وخالد شاطي.
ويشمل باب مكتبة بورخيس أربعة محاور؛ القراءات، والترجمات، والدراسات، وصدر حديثاً. في افتتاحية هذا الباب نقرأ: «في مكتبة بورخيس، أصطدم بمكتبة بابل، ذات الرفوف السداسية غير المتناهية... أدخل في تلك المتاهة الشيقة، بحثاً عن ذلك الكتاب، كتاب كل الكتب». في محور قراءات، كتبت الأديبة فاطمة غندور «عشرة أعوام في طرابلس»، وكتب الناقد السوري أنور محمد عن «حياة متوسطية» لأمجد ناصر، فيما كتب الشاعر المصري شريف الشافعي عن رواية «برونز وعباد الشمس»، بدوره كتب الشاعر المغربي رشيد الخديري «البحث عن الذات بين جيلين» الذي يناقش سيرورة محمد برادة الإبداعية. وفي محور الدراسات كتبت الكاتبة السورية إينانة الصالح عن «القارئ والكاتب على ضفة واحدة» تداولياً، وكتب زاهر السالمي «مدخل لقراءة قصيدة بورتريه شخصي في مرآة محدبة للشاعر الأميركي جون آشبيري». في محور الترجمة نقرأ «قصة استراحة القهوة» لـروب بتلر بترجمة الدكتورة علياء الداية، وقصائد للبورتريكية لوز ماريا لوبيز. ويشمل باب عين قناص أربعة محاور: التشكيل، والفوتوغراف، والسينما، والمسرح. في افتتاحية هذا الباب نقرأ: «فلاش يضيء عَتَمَة، ووهج ألوان، وظلال خشبة المسرح، وقبلة السينما... تلك عين قناص» في محور التشكيل: حوار مع الفنان العراقي فاخر محمد «الروح الداخلية وحدسية الأشكال» أجراه الناقد العراقي خضير الزيدي، وفي محور السينما عرض لفيلم «غروب الشمس» للمخرج لازلو نيمس، وفي محور فوتوغراف حاور هاني السالمي الفنان زياد دحلان تحت عنوان «قناص الصورة». في محور المسرح: كتب بسام الكلباني عن مسرحية «الشقيقات الثلاث» لتشيخوف.
في باب فيديو تقرأ الأكاديمية والأديبة الليبية فاطمة غندور مقطعاً من كتاب «عشرة أعوام في طرابلس». وفي باب أخبار ثقافية ثمة تغطيات عدة عن «معرض فرانكفورت للكتاب»، وعن «أيام قرطاج السينمائية»، وكذلك عن معرض الشارقة الدولي للكتاب، فيما كتبت رولا حسن في وداع الشخصية المكتنزة سهير البابلي، التي رحلتْ عن دنيانا مؤخراً.
يتكون مجلس تحرير المجلة من: الشاعر العُماني زاهر السالمي رئيساً للتحرير والكاتب والصحافي السوري عماد الدين موسى مديراً للتحرير، والكاتب الفلسطيني هاني السالمي سكرتيراً للتحرير. أسهمت في العدد الأول مجموعة من الكتاب والنقاد والمبدعين.



سوريا الماضي والمستقبل في عيون مثقفيها

هاني نديم
هاني نديم
TT

سوريا الماضي والمستقبل في عيون مثقفيها

هاني نديم
هاني نديم

بالكثير من التفاؤل والأمل والقليل من الحذر يتحدث أدباء وشعراء سوريون عن صورة سوريا الجديدة، بعد الإطاحة بنظام الأسد الديكتاتوري، مشبهين سقوطه بالمعجزة التي طال انتظارها... قراءة من زاوية خاصة يمتزج فيها الماضي بالحاضر، وتتشوف المستقبل بعين بصيرة بدروس التاريخ، لأحد أجمل البلدان العربية الضاربة بعمق في جذور الحضارة الإنسانية، وها هي تنهض من كابوس طويل.

«حدوث ما لم يكن حدوثه ممكناً»

خليل النعيمي

بهذه العبارة يصف الكاتب الروائي خليل النعيمي المشهد الحالي ببلاده، مشيراً إلى أن هذه العبارة تلخص وتكشف عن سر السعادة العظمى التي أحس بها معظم السوريين الذين كانوا ضحية الاستبداد والعَسْف والطغيان منذ عقود، فما حدث كان تمرّداً شجاعاً انبثق كالريح العاصفة في وجه الطغاة الذين لم يكونوا يتوقعونه، وهو ما حطّم أركان النظام المستبد بشكل مباشر وفوري، وأزاح جُثومه المزمن فوق القلوب منذ عشرات السنين. ونحن ننتظر المعجزة، ننتظر حدوث ما لم نعد نأمل في حدوثه وهو قلب صفحة الطغيان: «كان انتظارنا طويلاً، طويلاً جداً، حتى إن الكثيرين منا صاروا يشُكّون في أنهم سيكونون أحياءً عندما تحين الساعة المنتظرة، والآن قَلْب الطغيان لا يكفي، والمهم ماذا سنفعل بعد سقوط الاستبداد المقيت؟ وكيف ستُدار البلاد؟ الطغيان فَتّت سوريا، وشَتّت أهلها، وأفْقرها، وأهان شعبها، هذا كله عرفناه وعشناه. ولكن، ما ستفعله الثورة المنتصرة هو الذي يملأ قلوبنا، اليوم بالقلَق، ويشغل أفكارنا بالتساؤلات».

ويشير إلى أن مهمة الثورة ثقيلة، وأساسية، مضيفاً: «نتمنّى لها أن تنجح في ممارستها الثورية ونريد أن تكون سوريا لكل السوريين الآن، وليس فيما بعد، نريد أن تكون سوريا جمهورية ديمقراطية حرة عادلة متعددة الأعراق والإثنيّات، بلا تفريق أو تمزيق. لا فرق فيها بين المرأة والرجل، ولا بين سوري وسوري تحت أي سبب أو بيان. شعارها: حرية، عدالة، مساواة».

مشاركة المثقفين

رشا عمران

وترى الشاعرة رشا عمران أن المثقفين لا بد أن يشاركوا بفاعلية في رسم ملامح سوريا المستقبل، مشيرة إلى أن معجزة حدثت بسقوط النظام وخلاص السوريين جميعاً منه، حتى لو كان قد حدث ذلك نتيجة توافقات دولية ولكن لا بأس، فهذه التوافقات جاءت في مصلحة الشعب.

وتشير إلى أن السوريين سيتعاملون مع السلطة الحالية بوصفها مرحلة انتقالية ريثما يتم ضبط الوضع الأمني ويستقر البلد قليلاً، فما حدث كان بمثابة الزلزال، مع الهروب لرأس النظام حيث انهارت دولته تماماً، مؤسساته العسكرية والأمنية والحزبية كل شيء انهار، وحصل الفراغ المخيف.

وتشدد رشا عمران على أن النظام قد سقط لكن الثورة الحقيقية تبدأ الآن لإنقاذ سوريا ومستقبلها من الضياع ولا سبيل لهذا سوى اتحاد شعبها بكل فئاته وأديانه وإثنياته، فنحن بلد متعدد ومتنوع والسوريون جميعاً يريدون بناء دولة تتناسب مع هذا التنوع والاختلاف، ولن يتحقق هذا إلا بالمزيد من النضال المدني، بالمبادرات المدنية وبتشكيل أحزاب ومنتديات سياسية وفكرية، بتنشيط المجتمع سياسياً وفكرياً وثقافياً.

وتوضح الشاعرة السورية أن هذا يتطلب أيضاً عودة كل الكفاءات السورية من الخارج لمن تسمح له ظروفه بهذا، المطلوب الآن هو عقد مؤتمر وطني تنبثق منه هيئة لصياغة الدستور الذي يتحدد فيه شكل الدولة السورية القادمة، وهذا أيضاً يتطلب وجود مشاركة المثقفين السوريين الذين ينتشرون حول العالم، ينبغي توحيد الجهود اليوم والاتفاق على مواعيد للعودة والبدء في عملية التحول نحو الدولة الديمقراطية التي ننشدها جميعاً.

وداعاً «نظام الخوف»

مروان علي

من جانبه، بدا الشاعر مروان علي وكأنه على يقين بأن مهمة السوريين ليست سهلة أبداً، وأن «نستعيد علاقتنا ببلدنا ووطننا الذي عاد إلينا بعد أكثر من خمسة عقود لم نتنفس فيها هواء الحرية»، لافتاً إلى أنه كان كلما سأله أحد من خارج سوريا حيث يقيم، ماذا تريد من بلادك التي تكتب عنها كثيراً، يرد قائلاً: «أن تعود بلاداً لكل السوريين، أن نفرح ونضحك ونكتب الشعر ونختلف ونغني بالكردية والعربية والسريانية والأرمنية والآشورية».

ويضيف مروان: «قبل سنوات كتبت عن (بلاد الخوف الأخير)، الخوف الذي لا بد أن يغادر سماء سوريا الجميلة كي نرى الزرقة في السماء نهاراً والنجوم ليلاً، أن نحكي دون خوف في البيت وفي المقهى وفي الشارع. سقط نظام الخوف وعلينا أن نعمل على إسقاط الخوف في دواخلنا ونحب هذه البلاد لأنها تستحق».

المساواة والعدل

ويشير الكاتب والشاعر هاني نديم إلى أن المشهد في سوريا اليوم ضبابي، ولم يستقر الأمر لنعرف بأي اتجاه نحن ذاهبون وأي أدوات سنستخدم، القلق اليوم ناتج عن الفراغ الدستوري والحكومي ولكن إلى لحظة كتابة هذه السطور، لا يوجد هرج ومرج، وهذا مبشر جداً، لافتاً إلى أن سوريا بلد خاص جداً بمكوناته البشرية، هناك تعدد هائل، إثني وديني ومذهبي وآيديولوجي، وبالتالي علينا أن نحفظ «المساواة والعدل» لكل هؤلاء، فهي أول بنود المواطنة.

ويضيف نديم: «دائماً ما أقول إن سوريا رأسمالها الوحيد هم السوريون، أبناؤها هم الخزينة المركزية للبلاد، مبدعون وأدباء، وأطباء، وحرفيون، أتمنى أن يتم تفعيل أدوار أبنائها كل في اختصاصه وضبط البلاد بإطار قانوني حكيم. أحلم أن أرى سوريا في مكانها الصحيح، في المقدمة».

خالد حسين

العبور إلى بر الأمان

ومن جانبه، يرصد الأكاديمي والناقد خالد حسين بعض المؤشرات المقلقة من وجهة نظره مثل تغذية أطراف خارجية للعداء بين العرب والأكراد داخل سوريا، فضلاً عن الجامعات التي فقدت استقلالها العلمي وحيادها الأكاديمي في عهد النظام السابق بوصفها مكاناً لتلقي العلم وإنتاج الفكر، والآن هناك من يريد أن يجعلها ساحة لنشر أفكاره ومعتقداته الشخصية وفرضها على الجميع.

ويرى حسين أن العبور إلى بر الأمان مرهونٌ في الوقت الحاضر بتوفير ضروريات الحياة للسوريين قبل كلّ شيء: الكهرباء، والخبز، والتدفئة والسلام الأهلي، بعد انتهاء هذه المرحلة الانتقالية يمكن للسوريين الانطلاق نحو عقد مؤتمر وطني، والاتفاق على دستور مدني ديمقراطي ينطوي بصورة حاسمة وقاطعة على الاعتراف بالتداول السلمي للسلطة، وحقوق المكوّنات الاجتماعية المذهبية والعرقية، وحريات التعبير وحقوق المرأة والاعتراف باللغات الوطنية.

ويشير إلى أنه بهذا الدستور المدني المؤسَّس على الشرعية الدولية لحقوق الإنسان يمكن أن تتبلور أحلامه في سوريا القادمة، حينما يرى العدالة الاجتماعية، فهذا هو الوطن الذي يتمناه دون تشبيح أو أبواق، أو طائفية، أو سجون، موضحاً أن الفرصة مواتية لاختراع سوريا جديدة ومختلفة دون كوابيس.

ويختتم قائلاً: «يمكن القول أخيراً إنّ مهام المثقف السوري الآن الدعوة إلى الوئام والسلام بين المكوّنات وتقويض أي شكل من أشكال خطاب الهيمنة والغلواء الطائفي وإرادة القوة في المستقبل لكي تتبوّأ سوريا مكانتها الحضارية والثقافية في الشرق الأوسط».