عبد الله أنس صهر الزعيم الروحي لـ«الأفغان العرب»: ثقافة «قطع الرؤوس» من اختراع «القاعدة»

أبو المجاهدين العرب أكد أن الشباب المسلم الذي يذهب إلى سوريا لن يكون آمنا

عبد الله أنس
عبد الله أنس
TT

عبد الله أنس صهر الزعيم الروحي لـ«الأفغان العرب»: ثقافة «قطع الرؤوس» من اختراع «القاعدة»

عبد الله أنس
عبد الله أنس

في الوقت الذي يشهد فيه الوضع في سوريا مزيدا من التدهور، ويتزايد فيه، في نفس الوقت، تعقد الأمور يوما بعد يوم، تتركز مخاوف المراقبين للموقف على خطر الجهاديين الأجانب الذين سافروا إلى البلد الذي مزقته الحرب للمشاركة في القتال الدائر هناك. ومع اندلاع الفوضى بسبب الأفغان العرب الذين شاركوا في الحرب ضد الاتحاد السوفياتي في أفغانستان في ثمانينات القرن الماضي، والتي ما زالت أحداثها ماثلة في أذهان الأجهزة الأمنية والاستخباراتية، يجدر بنا النظر مرة أخرى في التجارب السابقة لأعضاء تلك المجموعة من الجهاديين. كما يعد عبد الله أنس من ضمن القلائل الذين يأتي عبد الله عزام على رأسهم، والذين هم على دراية بتجارب الأفغان العرب.
ويُعد أنس الذي تزوج ابنة عبد الله عزام (أحد الآباء المؤسسين للقاعدة كما يدعي التنظيم نفسه)، هو الرجل الثاني في قيادة مكتب الخدمات في مدينة بيشاور الباكستانية، و«أبو الأفغان العرب» خلال فترة الجهاد الأفغاني ضد الاتحاد السوفياتي في ثمانينات القرن الماضي. وقام مكتب الخدمات بتوفير الدعم اللازم للمجاهدين إبان سنوات الحرب ضد الروس. ويبدو أنس فخورا بسجله الجهادي الذي يمتد على مدار عشر سنوات، ويعد أحمد شاه مسعود وأسامة بن لادن من أهم رفقاء السلاح.
وقبل لقائه عبد الله عزام، كان أنس قد شارك في تأسيس الحركة الإسلامية في جنوب الجزائر بالفعل، وعمل مع الإسلاميين البارزين هناك مثل محفوظ نحناح وعباس مدني. بعد أن تلقى تعليمه في السعودية والجزائر، ظل أنس يعمل كإمام لأحد المساجد ومحفظ للقرآن الكريم. وبجانب دراسته للعلوم الدينية، حصل أنس على شهادة في السياسة الدولية من المملكة المتحدة. بدأت رحلته إلى أفغانستان عندما عرف بالصدفة فتوى أطلقها عبد الله عزام يقول فيها إنه من الواجب على كل المسلمين أن يذهبوا للقتال في أفغانستان. وقابل أنس بالصدفة عبد الله عزام في مكة، الذي دعاه للذهاب إلى أفغانستان.

بعد خروج الاتحاد السوفياتي من أفغانستان واغتيال عبد الله عزام في عام 1992، أصاب الإحباط أنس بسبب الأفكار التكفيرية التي دخلت إلى أفغانستان مع الوافدين الجدد من أمثال أيمن الظواهري. وقد تركز دور أنس على توفير الاحتياجات اللوجيستية للمجاهدين الأفغان، في الوقت الذي كانت فيه «القاعدة» تتبنى أجندة أكبر. ومع اندلاع الاقتتال الداخلي بين المجاهدين الأفغان، رحل أنس عن أفغانستان إلى الجزائر. لكن انتماءه لجبة الإنقاذ الإسلامية، التي واجهت حملة شديدة من الأجهزة الأمنية بعد نجاحها في الانتخابات، أجبره على العيش في المنفى في فرنسا ثم في المملكة المتحدة.
والآن، يقوم أنس بكتابة مذكراته، كما يعمل مع الشباب على حل النزعات في أفغانستان.
* ما السر وراء الاعتماد على العرب الأفغان بشكل كبير للغاية على النقيض من المقاتلين الأجانب في سوريا؟
- أدركنا أن ذلك الأمر لا يتعلق بحمل أسلحة الكلاشنيكوف أو دعوة المقاتلين للقتال. وأتذكر عندما عدت من رحلتي الأولى التي قمت بها إلى مزار شريف في عام 1984، حيث كتبت تقريرا إلى عبد الله عزام قائلا إننا نحتاج إلى مئات من المسلمين الذين لديهم المهارات الخاصة بأعمال عمال الإغاثة والسياسيين والمستشارين والمرشدين إلى جانب كونهم مقاتلين، بالإضافة إلى وجود اتصال بين الأفغان والعالم الخارجي. وسيكون هؤلاء الرجال مثل سفراء في 29 مقاطعة من مقاطعات أفغانستان. وللأسف أننا أخفقنا في ذلك، ناهيك بأن النتائج قد كانت مختلفة.
* ما أوجه الاختلاف بين المقاتلين العرب الأفغان والمقاتلين الحاليين الموجودين في سوريا؟
- يتمثل الاختلاف في أن معظمهم يذهبون إلى هناك من أجل الاستشهاد. وعندما ذهبت إلى أفغانستان كان الهدف هو تحريرها أو نيل الشهادة، وكانت هذه الفكرة هي التي يقبلها الشيخ عزام ومسعود وبن لادن. وأسهمنا بشكل إيجابي وبنّاء في ذلك الصراع، حيث إننا لم نذهب إلى هناك من أجل نيل الشهادة فقط.
* كيف تتعاملون مع السجناء؟ هل تقطعون رؤوسهم مثلما نشاهد ما يحدث هذه الأيام في سوريا من خلال الـ«يوتيوب»؟
- كان السجناء يتمتعون بحقوقهم كاملة، حيث قدمنا لهم نفس الطعام الذي نتناوله ونفس الملابس التي نلبسها، وكذلك نفس مستوى المعيشة. وبعد مرور عدة أشهر، بدأ الكثير من قوات الاتحاد السوفياتي في الاعتقاد بأنهم ليسوا سجناء بسبب معاملتنا الطيبة لهم. وبالإضافة إلى ذلك، أظهرنا لهم من خلال سلوكنا معهم أننا لسنا أشخاصا متعطشين للدماء. واعتنق بعضهم الإسلام، في حين ظل البعض الآخر أصدقاء لنا حتى الآن. ومن غير المقبول أن نقوم بإعدام هؤلاء الأشخاص تحت ذريعة أن الله سيغفر لنا بسبب مدى خطورتهم. وتكون هناك مسؤولية كبيرة فيما يتعلق بقتل السجناء، حيث يتعين عرضهم للمحاكمة وإصدار أحكام عليهم لأنه من غير الممكن تقرير من الذي يستحق الموت ومن لا يستحق إلا بعد فهم حالتهم. وللأسف، فإن هذه الثقافة اندثرت الآن. وأعتقد أن المسؤول الأول عن ذلك هو تنظيم القاعدة.
* يبرر الكثير من الأشخاص ارتكاب الأعمال الوحشية بسبب الصدامات والضرر الذي تسببه الحروب، فهل توافق على ذلك؟
- لقد سمعت عن هذه الحجة، حيث يجب علينا أن نتفهم أن المقاتلين يرتكبون تلك الأعمال الوحشية بسبب الضرر الذي تسببه لهم الحروب، بيد أن هذا الأمر يتعذر تبريره. إنني مقاتل منذ كان عمري ثماني سنوات وأعرف مئات المقاتلين، بعضهم دمر 300 دبابة، في حين أنهم لم يرتكبوا أي أعمال من هذا القبيل. ولا يعاني المقاتلون ضغوط ما بعد صدمة الحروب، بل يظلوا هادئين ولا يعانون أي أحلام مروعة. إنني لا أؤمن بهذا الأمر، حيث إن صحابة النبي، صلى الله عليه وسلم، لم يتعرضوا لهذا الأمر على الإطلاق على الرغم من الحروب التي خاضوها.
* بعض المحللين يلقون باللائمة على الأفغان العرب بشأن جميع العواقب التي نراها الآن. هل تتفق مع هذا التقييم؟
- لا أوفق على هذا التقييم. قبل أحداث 11 سبتمبر (أيلول)، كان تنظيم القاعدة معروفا عادة باسم «الأفغان العرب». أنا مؤسس «الأفغان العرب»، وأستطيع أن أقول لك إنه كان هناك 300 مقاتل فقط هم الذين يقاتلون باستمرار من بين إجمالي المقاتلين الذين يتراوح عددهم ما بين 3000 و4000 شخص. وكان أغلب هؤلاء المقاتلين في بيشاور، حيث يقومون بأعمال القيادة والتدريس والإدارة وما إلى ذلك. ووفقا لما يراه آباؤنا أو وسائل الإعلام فإننا مجاهدون، ويوجد في بيشاور الأميركيون والبريطانيون والقنصليات الدولية ومنظمات الإغاثة، حيث إننا كنا نعمل معهم. وكان مصطلح «الأفغان العرب» مبالغا فيه لأن الأنظمة مثل نظام مبارك قامت بتصنيفنا على أننا خطر أمني.
* نشأت حركة الشباب عن طريق الأفغان العرب، أليس كذلك؟
- يجب أن نقسم الفترة إلى ثلاث فترات مختلفة. ففي خلال الفترة من عام 1979 إلى 1992، شهدت أفغانستان جهادا مشروعا. وفي الفترة من عام 1996 إلى 2001، كانت هناك حرب أهلية. ومنذ ذلك الحين، 2001، حتى الوقت الحالي تعد تلك الحقبة التاريخية مختلفة. وكانت أفغانستان تواجه حربا أهلية ولم تكن خاضعة لأي احتلال من أي قوى أجنبية. وفي حالة الحرب الأهلية، يأمرنا الله أن نسعى لحل الأزمة، وبخلاف ذلك، فيجب علينا ألا نكون طرفا في هذا النزاع.
* هل تشرح لنا الاختلاف بين رؤية عبد الله عزام ورؤية تنظيم القاعدة؟
- ما كان الشيخ عبد الله عزام ليقبل على الإطلاق الأمور التي تحدث في الوقت الحالي. وعندما قام الصحافيون الغربيون بزيارة أفغانستان، قال الشيخ عزام إن أي صحافي غربي أو عامل إغاثة أو مسؤول رسمي أو غير رسمي جاء إلى هنا بموجب دعوة يعد أمانة في أعناقنا ويجب علينا الحفاظ عليه. وكان يوجد الكثير من الحكومات الغربية والعربية في بيشاور، بيد أن الشيخ عزام لم يأمرنا على الإطلاق بمضايقتهم، حيث كانت مهمتهم هنا تتمثل في مساعدة الأفغان مثل مهمتنا أيضا. وعلاوة على ذلك، لم يحدث أي تعرض للقنصليات الشيوعية في باكستان لأن المعركة كانت داخل الخنادق، بينما كانت المنازل والسيارات والنساء خارج ميدان المعركة آمنة. وللأسف لم يكن الأمر كذلك مع تنظيم القاعدة.
* هل جرت إساءة استخدام أفكار عبد الله عزام؟
- كل شخص يستخدم أفكار عزام للتجنيد سيجيب عن ذلك السؤال في المستقبل، حيث إنهم يتعاملون بدقة مع رسالته. وقد شاهدت مقطعا مصورا على شبكة الإنترنت يقول فيه عزام: «نعم، إذا كان الدفاع عن وطنك إرهابا، فإننا نفتخر جميعا بأننا إرهابيون». وبالإضافة إلى ذلك، كنت موجودا في محاضرة لمدة ساعة واحدة بقرية بنجشير، حيث كان عزام يرد على مسألة تسمية السوفياتيين لنا بأننا إرهابيون بسبب دفاعنا عن أفغانستان. وقد جرى تفسير هذا الأمر خارج السياق الذي ذكر فيه، مع تطبيقه على جميع الأعمال الإرهابية التي تُرتكب الآن. وعلى الرغم من ذلك، يجب أيضا أن نتذكر أن الظروف السياسية في جميع أنحاء العالم تدفعهم للإصرار على صحة أفكارهم.
* الكثير من الذين ينضمون لتنظيم القاعدة في الوقت الحالي يفعلون ذلك اقتداء بمثال عبد الله عزام، فهل تُطبق أفكاره الآن؟
- إذا قال لي شخص إنه يريد أنه يذهب للقتال في الصومال أو سوريا أو وزيرستان في الوقت الحالي، فسوف أنصحه بعدم فعل ذلك. لقد رحلت إلى أفغانستان عندما كانت الظروف آمنة، حيث كانت القيادة الأفغانية تقاتل عدوا واضحا وهو الاتحاد السوفياتي. لقد طورت مجموعة المجاهدين الأفغان علاقة صداقة مع بلاد الغرب، حيث كانت لها مكاتب في كل العواصم الغربية والخليجية. كانت ممارسة الجهاد تقوم على معناه الإسلامي، ولم يكن هناك وجود لفلسفة الكراهية وسفك الدماء. كما جرى الاعتراف بعبد الله عزام أميرا للمجاهدين من الأفغان العرب، وكان يقوم بزيارة سنوية للولايات المتحدة وأوروبا وشارك في جمع الأموال اللازمة لدعم الجهاد في أفغانستان. لم يتبنَ عبد الله عزام مطلقا أفكار الاختطاف أو التفجيرات الانتحارية. ولأن أفكار عبد الله عزام لم يعد لها وجود، أشعر بقلق كبير من أن الشباب المسلم الذي يذهب إلى سوريا لن يكون آمنا، حيث سيجري استخدامه فقط من أجل الإطاحة ببشار الأسد. هناك الكثير من أجهزة الاستخبارات التي تستغل النيات الحسنة لأولئك الشباب، كما أن «القاعدة» لم تعد تطبق نفس المنهجية التي ظهرت على أساسها. إنني أتعجب: لماذا ينفذون هجمات تفجيرية ضد الناس في بريطانيا؟ الجهاد لا يعني نشر الكراهية. في الماضي، كان المرء يذهب للقتال والجهاد، فإذا لم ينل الشهادة يعود لممارسة الحياة المدنية العادية من دون أن يضمر أي مشاعر كراهية تجاه أحد. أما الآن، هناك عمليات غسيل للمخ يجري خلالها الثناء على القيام بعمليات انتحارية خارج نطاق الجهاد الحقيقي.
* ما مستقبل الجهاد على المستوى العالمي؟
- يقول الرسول، صلى الله عليه وسلم، في حديث فيما معناه «الجهاد باق إلى قيام الساعة»، لكن الدعوة إلى الجهاد يجب أن يجري إطلاقها في سياقها الصحيح. وقد قسم ابن قيم الجوزية الجهاد إلى أربع مراتب، والتي يعادلها في الوقت الحالي جهاد قول الحقيقة وجهاد طلب العلم وجهاد القلم والجهاد المسلح. وهناك الكثير من المجالات التي ينبغي للأمة الإسلامية أن تجاهد فيها، فالأمة تحتاج إلى أن تتخلص من الأنظمة الديكتاتورية، وتحتاج إلى أن تحيا بكرامة وسط دول العالم. أما فكرة الجهاد المسلح ضد حكومة البلد الذي يعيش المرء فيه فقد أثبتت فشلها، من دون أن نناقش ما إذا كانت جائزة أم لا. وإذا نظرنا إلى تجارب جميع الجماعات المسلحة خلال الـ20 عاما الماضية، سنجد أن جميعها فشل باستثناء حركة الجهاد في أفغانستان.
* هل اللجوء إلى الصراع المسلح مسموح به في حالة قيام الحكومة بإجهاض العملية الديمقراطية مثلما حدث مع جبهة الإنقاذ الإسلامية في الجزائر والإخوان المسلمين في مصر؟
- قبل 30 عاما، كانت الأفكار الجهادية تقوم على أن التغيير يمكن تحقيقه فقط من خلال استخدام السلاح، لكن ثورات الربيع العربي أثبتت أن الشعوب يمكنها إحداث التغيير بالطرق السلمية. وهذا هو جهاد الكلمة الذي أؤيده.
* لماذا لا ينطبق ذلك على حالة سوريا؟
- عندما تكون مضطرا للدفاع عن نفسك فإن الأمر يصبح مختلفا تماما عن اعتقادك أن اللجوء لحمل السلاح هو السبيل الوحيدة لإحداث التغيير. وكان الأسد قد اعترف بنفسه بأن الأشهر الستة الأولى من الاحتجاجات كانت سلمية، مما يعني أن المدنيين هم الذي أطلقوا شرارة الثورة. أما التنظيمات الجهادية من أمثال «الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش) فلا تتبنى نفس أجندة المدنيين الثوريين.
* الكثيرون من أتباع تنظيم القاعدة يشيرون إلى أسامة بن لادن بوصفه «شيخا»، فهل كان مؤهلا على مستوى العلوم الدينية لنيل ذلك اللقب؟
- لم يفكر أسامة بن لادن أبدا في كونه شيخا بالمعنى الديني. وكان الشيخ عبد الله عزام يخصص ثلاثة شيوخ يؤمون الناس في الصلاة في حالة غيابه: الأول أبو حجر العراقي، والثاني أبو إبراهيم العراقي، وكنت أنا الثالث الذي يتقدم للصلاة في حالة غيابهما. لم يؤم أسامة بن لادن الناس في الصلاة أبدا، ولم يلقِ أي خطب. وهذا لا يعني أنه لم يلقِ الكثير من الخطب البليغة في المملكة العربية السعودية المليئة بأبيات الشعر والتي كان الهدف الأساسي منها هو رفع مستوى الوعي حول أفغانستان.



تكرار وقائع «تحرش» بمدارس مصرية يفاقم أزمات وزير التعليم

وزير التربية والتعليم المصري يلتقي عدداً من أولياء الأمور في أول يوم دراسي بالعام الحالي (وزارة التربية والتعليم)
وزير التربية والتعليم المصري يلتقي عدداً من أولياء الأمور في أول يوم دراسي بالعام الحالي (وزارة التربية والتعليم)
TT

تكرار وقائع «تحرش» بمدارس مصرية يفاقم أزمات وزير التعليم

وزير التربية والتعليم المصري يلتقي عدداً من أولياء الأمور في أول يوم دراسي بالعام الحالي (وزارة التربية والتعليم)
وزير التربية والتعليم المصري يلتقي عدداً من أولياء الأمور في أول يوم دراسي بالعام الحالي (وزارة التربية والتعليم)

فاقم تكرار وقائع تحرش بطلاب داخل مدارس دولية وخاصة الأسابيع الماضية الأزمات داخل وزارة التربية والتعليم، التي صاحبت الوزير محمد عبد اللطيف، الذي تولى المهمة قبل عام ونصف العام، وسط مطالب بإقالته بوصفه «المسؤول الأول»، فيما دافع آخرون عنه على أساس أن الحوادث «فردية»، وأنه قام بإجراءات مشددة لمنع تكرارها.

وشهدت مدارس مصرية منذ نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وقائع تحرش، حيث قررت وزارة التربية والتعليم وضع مدرسة «سيدز» الدولية في القاهرة تحت الإشراف سواء المالي أو الإداري للوزارة، عقب توقيف 4 عاملين فيها في اتهامهم بالتحرش بعدد من طلاب المرحلة التمهيدية، قبل أن يتولى القضاء العسكري القضية، وتتسع دائرة المتهمين فيها.

ولم تكن واقعة مدرسة «سيدز» الأولى من نوعها، إذ سبقها بشهور عدة، قضية الطفل «ي» التي تحولت لقضية رأي عام، وأدانت فيها محكمة الجنايات مشرفاً مالياً سبعينياً بالتحرش بالطفل داخل المدرسة، وقضت بالسجن المؤبد (25 عاماً) في مايو (أيار) الماضي، ثم خففت محكمة الاستئناف الحكم إلى السجن المشدد 10 سنوات في نوفمبر الماضي.

وزير التربية والتعليم خلال تفقده سير العملية الدراسية في إحدى المدارس (أرشيفية - وزارة التربية والتعليم المصرية)

ويُحمل الخبير التربوي عاصم حجازي، وزير التربية والتعليم محمد عبد اللطيف مسؤولية تكرار تلك الوقائع داخل المدارس، قائلاً لـ«الشرق الأوسط» إن «تكرارها يعكس غياب الإجراءات الرادعة لتفادي مثل هذه الحوادث منذ واقعة الطفل (ي)»، عادّاً أن غضب الرأي العام وأولياء الأمور على الوزير وما يحدث في الوزارة طبيعي ومبرر.

وأضاف: «الإجراءات لم تُتخذ سوى بعد واقعة مدرسة سيدز، وكانت متأخرة وغير كافية، بدليل تفجر وقائع أخرى في مدرستين بعدها».

وكانت وزارة التربية والتعليم فرضت إجراءات داخل المدارس الدولية للانضباط، تتمثل في وضع نظام كاميرات، ومنع وجود الطلاب في غير أوقات اليوم الدراسي، وإلزام المدارس بنظام خاص للإشراف على وجود الطلاب خارج الفصول، وإلزام هذه المدارس بإجراء تحليل مخدرات، والكشف عن الحالة الجنائية للعاملين فيها، وتقديم هذه الأوراق للوزارة.

وتساءل حجازي: «لماذا اقتصرت الإجراءات على المدارس الدولية، وهل المدارس الحكومية في مأمن من وقائع تحرش مماثلة؟».

وعقب أيام من واقعة مدرسة «سيدز»، ألقت الأجهزة الأمنية القبض على عامل في مدرسة دولية بالإسكندرية بتهمة التحرش بطلاب، وقررت محكمة جنايات الإسكندرية في 9 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، إحالة أوراق القضية إلى المفتي - هو قرار يمهد لحكم الإعدام - وأجلت النطق بالحكم إلى فبراير (شباط) المقبل. وطالب محامي الضحايا في القضية، طارق العوضي، بإقالة وزير التربية والتعليم خلال منشور على حسابه بموقع «إكس».

وقبل ساعات، انفجرت قضية جديدة بالتحرش بـ12 طالباً في مدرسة «النيل» الدولية بالقاهرة، وقررت وزارة التربية والتعليم، الأحد، وضع المدرسة تحت الإشراف سواء المالي أو الإداري للوزارة، مع «اتخاذ الإجراءات القانونية كافة حيال المسؤولين الذين ثبت تورطهم في تقصير أو إهمال بما أدى لحدوث هذه الواقعة»، وفق بيان الوزارة.

ويرى حجازي أن تكرار تلك الوقائع «يعكس ليس فقط غياب الرقابة داخل المدارس، وإنما أزمات أخرى عميقة، مثل قلة أعداد المعلمين والمُشرفين داخل المدارس، والتركيز على نظام التقييم الذي أقره وزير التعليم استراتيجية للوزارة، للسعي إلى إعادة الطلاب للمدارس، لكن دون وجود الإمكانات الخاصة بذلك».

ويتمثل نظام التقييم في تقسيم درجات التقييمات النهائية بين الاختبار النهائي، وتقييمات أخرى تتكرر على مدار العام، ما يُلزم الطلاب بالحضور.

وأضاف الخبير التربوي: «استراتيجية الوزير تضع أعباءً على المدرسين وأولياء الأمور فيما يتعلق بالتقييمات، مقابل تهميش الجوانب الأخرى المهمة سواء التربوية أو التوعوية، أو الخاصة بالإشراف النفسي».

وبينما تتفق عضوة لجنة التعليم في مجلس النواب (البرلمان) جيهان البيومي، على ضرورة اهتمام الوزارة في المرحلة المقبلة بـ«الجوانب التربوية والنفسية»، فإنها لا تتفق مع مطلب إقالة الوزير أو تحميله مسؤولية حوادث التحرش في المدارس.

وقالت البيومي لـ«الشرق الأوسط» إن «الوزير اتخذ قرارات سريعة ورادعة بعد كل واقعة، وهذه الوقائع تظل فردية، ولا يمكن وصفها بالمتفشية في المدارس أو المجتمع، لذا فالمغالاة في التعامل مع الأزمة بالمطالبة بإقالة الوزير ليست حلاً»، مشيرة إلى أنه «واحد من أنشط الوزراء الذين يقود عمله من الميدان، ويجري كثيراً من الزيارات المفاجئة للمدارس، ونجح في إعادة الطلاب للمدارس، وغيّر المناهج التعليمية، وكلها أمور تُحسب له».

وزير التربية والتعليم مع أحد طلاب الثانوية أبريل 2025 (وزارة التربية والتعليم)

وصاحب اختيار وزير التربية والتعليم جدلاً واسعاً مع تفجر أولى الأزمات المرتبطة به، الخاصة بحقيقة حصوله على شهادة الدكتوراه التي صاحبت سيرته الذاتية، بينما شككت وسائل إعلام محلية فيها. وتجاوزت الحكومة الأزمة بوصف عبد اللطيف في بيانات الوزارة بـ«السيد الوزير» بدلاً من «الدكتور».

ولم يتوقف الجدل حول الوزير عند هذه الأزمة، بل امتدت إلى قراره بتغيير المناهج في أغسطس (آب) 2024، الذي أُلغي بناء عليه تدريس بعض المواد في الشهادة الثانوية مثل «الفلسفة» و«علم النفس»، وتحولت اللغات بخلاف الإنجليزية إلى مواد ثانوية لا تضاف للمجموع، وعقب شهور ظهر جدل جديد خاص بمنظومة «البكالوريا» التي تتيح للطلاب خوض الامتحانات أكثر من مرة، بمقابل مادي، ورغم الانتقادات دخلت منظومة البكالوريا في النظام التعليمي المصري بداية من هذا العام.

ويرى الخبير التربوي وائل كامل في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، «أن شخصية وزير التربية والتعليم تبدو إدارية أكثر منها تربوية، فكل قراراته تعكس ذلك، بداية من إلغاء مواد دراسية أساسية في بناء الشخصية والتربية لدى الطلاب، مثل الفلسفة وعلم النفس، مروراً بنظام التقييمات في المدارس الذي يهتم بالكم على حساب الكيف، ويضع أعباء كبيرة على كل أطراف العملية التعليمية». ومع ذلك لا يرى كامل أن الحل في تغيير الوزير قائلاً: «الوزارة ككل في حاجة إلى إعادة هيكلة».


«محددات حماس» بشأن المرحلة الثانية لـ«اتفاق غزة»... هل تضعف فرص التقدم؟

إزالة حطام المباني والمنازل المدمرة في خان يونس جنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)
إزالة حطام المباني والمنازل المدمرة في خان يونس جنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)
TT

«محددات حماس» بشأن المرحلة الثانية لـ«اتفاق غزة»... هل تضعف فرص التقدم؟

إزالة حطام المباني والمنازل المدمرة في خان يونس جنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)
إزالة حطام المباني والمنازل المدمرة في خان يونس جنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)

شهد اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، المتعثر حالياً، تحفظات ومطالبات علنية من حركة «حماس» بشأن التزامات المرحلة الثانية المعنية بترتيبات إدارية وأمنية، وسط حديث أميركي عن جهود تبذل في «الكواليس» بشأن الانتقال إليها.

تلك المحددات التي أعلنتها «حماس»، الأحد، وشملت 4 بنود رئيسية متعلقة بنزع السلاح ودور مجلس السلام وقوات الاستقرار وتشكيل لجنة إدارة قطاع غزة، هناك تباين بشأنها بين خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، بين مَن يراها تكشف عن أزمات تعيق التقدم للمرحلة الثانية، وأنها مجرد مناورات لتقليل الضغوط عليها، مقابل تقديرات أخرى تؤكد أنها تكشف عن جدية الحركة في تنفيذ الاتفاق وسط عراقيل إسرائيل.

وتتضمن خطة السلام التي طرحها الرئيس الأميركي دونالد ترمب، وجرى بموجبها وقف إطلاق النار في قطاع غزة في أكتوبر (تشرين الأول)، تشكيل مجلس للسلام برئاسته يشرف على لجنة تكنوقراط فلسطينية، ونزع سلاح «حماس»، وألا يكون لها دور في حكم القطاع بعد الحرب، ونشر قوات استقرار.

وقال رئيس حركة «حماس» في قطاع غزة، خليل الحية، الأحد، في الذكرى 38 لتأسيس الحركة، إن السلاح حق كفلته القوانين الدولية للشعوب الواقعة تحت الاحتلال، معبراً عن انفتاح الحركة على دراسة أي مقترحات تحافظ على ذلك الحق مع ضمان إقامة دولة فلسطينية مستقلة.

وشدد على أن مهمة مجلس السلام، الذي ورد في خطة ترمب، ومن المقرر أن يقوده الرئيس الأميركي، هي رعاية تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار والتمويل والإشراف على إعادة إعمار قطاع غزة. ورفض «كل مظاهر الوصاية والانتداب» على الفلسطينيين.

وأضاف: «ندعو لتشكيل لجنة التكنوقراط لإدارة قطاع غزة من مستقلين فلسطينيين بشكل فوري، ونؤكد جاهزيتنا لتسليمها الأعمال كاملة في كل المجالات وتسهيل مهامها»، مشدداً على أن مهمة القوة الدولية المزمع تشكيلها «يجب أن تقتصر على حفظ وقف إطلاق النار، والفصل بين الجانبين على حدود قطاع غزة» دون أن يكون لها أي مهام داخل القطاع.

ودعا الحية «الوسطاء، خصوصاً الضامن الأساسي، (الإدارة الأميركية والرئيس ترمب) إلى ضرورة العمل على إلزام الاحتلال باحترام الاتفاق والالتزام بتنفيذه وعدم تعريضه للانهيار».

نساء يحملن حزماً على رؤوسهن يمررن بخيام أقيمت على أرض تم تطهيرها لإيواء الفلسطينيين النازحين جنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)

وقال مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك، الأسبوع الماضي، إن المفوضية وثقت أكثر من 350 هجوماً إسرائيلياً ومقتل 121 فلسطينياً على الأقل داخل المنطقة الواقعة خلف «الخط الأصفر» في غزة منذ وقف إطلاق النار، فيما لقي القيادي في «حماس» رائد سعد حتفه، في قصف إسرائيلي، السبت، استهدف سيارته في غزة.

وقال مسؤولون إسرائيليون إن الإدارة الأميركية تعمل حالياً على بلورة المرحلة الثانية من الخطة الرامية إلى إنهاء الحرب في قطاع غزة، وتخطِّط لأن يبدأ عمل القوة الدولية متعددة الجنسيات في القطاع اعتباراً من الشهر المقبل، وأبلغ مسؤولون أميركيون نظراءهم الإسرائيليين بهذا في محادثات أُجريت في الأيام الأخيرة، حسب هيئة البث الإسرائيلية.

وسبق أن تحدثت القناة الـ«14» الإسرائيلية أواخر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، بأن الولايات المتحدة حددت منتصف يناير (كانون الثاني) المقبل، موعداً لبدء انتشار «قوة الاستقرار الدولية» في غزة، ونهاية أبريل (نيسان) المقبل موعداً نهائياً لإتمام عملية نزع السلاح من القطاع، مشيرة إلى أن ذلك طموح منفصل عن الواقع، في إشارة لإمكانية تأجيله مجدداً.

ويرى المحلل المصري المتخصص في الشأن الإسرائيلي، بمركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية، الدكتور سعيد عكاشة، أن محددات «حماس» تكشف عن أن «فرص التقدم في المرحلة الثانية ضعيفة وستدفع لمزيد من الضربات الإسرائيلية»، مشيراً إلى أنها «مجرد مناورات، من أجل تقليل الضغوط عليها التي تواجهها قبل تنفيذ التزامات المرحلة الثانية، التي تمر بظروف خطيرة».

ويعتقد المحلل السياسي الفلسطيني، المختص بشؤون «حماس»، إبراهيم المدهون، أنه لا مفر من الذهاب للمرحلة الثانية وتنفيذها، رغم عراقيل متكررة من جانب إسرائيل لإفشال الاتفاق، لافتاً إلى أنه بالنسبة لموضوع السلاح، فإن «حماس» منخرطة في حوار فلسطيني داخلي معمّق، إلى جانب حوار واضح وشفاف مع الوسطاء في القاهرة، حول رؤية قد تتبلور وتكون مقبولة لدى جميع الأطراف، بخلاف أن الحركة راغبة في حضور قوات سلام معنية بفضّ الاشتـباك.

ووسط تلك المحددات من «حماس» التي لم يعلق عليها الوسطاء، أفاد بيان لوزارة الخارجية المصرية، (الأحد)، بأن بدر عبد العاطي وزير الخارجية المصري، شدَّد في اتصال مع نظيرته البريطانية إيفيت كوبر، على أهمية نشر «قوة الاستقرار الدولية» المؤقتة في غزة، مؤكداً أهمية ضمان استدامة وقف إطلاق النار، وتنفيذ استحقاقات المرحلة الثانية من خطة ترمب.

وعلى هامش مشاركته في «منتدى صير بني ياس» بالإمارات، أكد وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، السبت: «ضرورة الانتقال إلى المرحلة الثانية من اتفاق غزة، وأهمية تشكيل قوة الاستقرار الدولية».

وردت المتحدثة باسم البيت الأبيض، كارولين ليفيت، على الصحافيين، الجمعة، بشأن تطورات اتفاق غزة، قائلة إن «هناك كثيراً من التخطيط الهادئ الذي يجري خلف الكواليس في الوقت الحالي للمرحلة الثانية من اتفاق السلام... نريد ضمان سلام دائم ومستمر».

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، السبت، عن مسؤولين القول إن إدارة ترمب تسعى لتجنيد قوة متعددة الجنسيات من 10 آلاف جندي بقيادة جنرال أميركي؛ لتحقيق الاستقرار في قطاع غزة، وذكر المسؤولون أنه لم تُرسل أي دولة قوات؛ بسبب تحفظات على إمكانية توسيع نطاق مهمة القوة لتشمل نزع سلاح حركة «حماس».

وأشارت الصحيفة إلى أن وزارة الخارجية الأميركية طلبت رسمياً من نحو 70 دولة تقديم مساهمات عسكرية أو مالية للقوة المزمع نشرها في غزة، غير أن 19 دولة فقط أبدت رغبتها في المساهمة بقوات أو تقديم المساعدة بطرق أخرى، ومنها المعدات والنقل.

ويرى عكاشة أن ترمب سيضغط خلال لقاء نتنياهو في 29 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، للبدء في المرحلة الثانية، متوقعاً أن تقبل إسرائيل الدخول إليها وبدء مفاوضات إلى ما لا نهاية بشأن تنفيذ الانسحابات.

ويعتقد المدهون أن «القاهرة تدرك العراقيل الإسرائيلية وستطالب بتسريع العمل للانتقال إلى المرحلة الثانية لإنهاء أي ذرائع إسرائيلية متوقعة قد تفشل الاتفاق».


سبعة قتلى جراء استهداف مستشفى في السودان بطائرة مسيَّرة

تعرض مستشفى عسكري في مدينة الدلنج السودانية لهجوم بطائرة مسيرة (أ.ف.ب)
تعرض مستشفى عسكري في مدينة الدلنج السودانية لهجوم بطائرة مسيرة (أ.ف.ب)
TT

سبعة قتلى جراء استهداف مستشفى في السودان بطائرة مسيَّرة

تعرض مستشفى عسكري في مدينة الدلنج السودانية لهجوم بطائرة مسيرة (أ.ف.ب)
تعرض مستشفى عسكري في مدينة الدلنج السودانية لهجوم بطائرة مسيرة (أ.ف.ب)

قال مصدر في مستشفى عسكري بمدينة الدلنج السودانية، الواقعة في الجنوب، التي تحاصرها «قوات الدعم السريع»، إن هجوماً عليها بطائرة مسيَّرة، الأحد، أسفر عن مقتل «7 مدنيين وإصابة 12».

ومن بين المصابين مرضى أو مرافقون لهم في المستشفى، حسب ما أفاد المصدر، الذي طلب عدم الكشف عن اسمه، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية». ويقدم المستشفى خدماته للمدنيين والعسكريين على حد سواء.

وتقع الدلنج في جنوب كردفان، وما زالت تحت سيطرة الجيش السوداني، لكنها محاصرة من «قوات الدعم السريع».